الرد على السؤال رقم 7: جاء في سورة النساء 3 " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ." ... وقد فسَّر البيضاوي ما ملكت اليمين بالسراري ... وجاء في سورة الأحزاب 50" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " ... ونحن نسأل: هل هذا لكرامة النبي والمسلمين ؟؟؟ وهل هذا لكرامة الزوجات والبنات والأولاد؟ وهل هذا لتقدم الأسرة والأمة والمجتمع ؟؟؟
نبذه تاريخيه عن الرق والسبي:
§ كان الرقيق (يسمى الذكور منهم عبد أو غلام & والإناث منهن يسمين أمة وجمعها إماء أو جارية أو سُرّية وجمعها سراري ... أو ملك يمين) نظاماً وعرفاً يقوم عليه الاقتصاد منذ قرون عديدة في العالم كله (الفرس / الرومان / الهند / الصين / أهل الكتاب ....) ... وكانوا واقعاً غير مؤلم ولا مستغرب ... لا يأبه لهم أحد ولا يفكر فيهم مصلح ... بل وكانت الأرض تباع بفلاحيها.
§ فكان العبيد في الدولة الرومانية المسيحية مثلا ... يقدم بعضهم في حلبات المصارعة الرومانية حتى يتسلى السادة بموتهم بين أنياب الوحوش ... بل وكان الرومان يدربون أبناءهم على السهام ويجعلون العبيد هم الهدف.
§ وقد ظل الأوربيون لعدة قرون يصطادون بوحشية البشر من أفريقيا ويسخرونهم كعبيد ... وتم خطف عشرات الملايين وهلاك مثلهم في أثناء الغارات التي كان يقوم بها قراصنتهم ... وأثناء نقلهم لأمريكا خلال رحلة شاقة ... كان يموت منهم ما يقرب من الثلث ... ويتم إلقاء الضعفاء والمرضى في المحيط حتى لا يستهلكوا نصيباً من الطعام !!!
§ ولا أحد منا يغفل عن ظلم واضطهاد العبيد السود مثلا في أمريكا وحتى عهد قريب جداً ... حتى أنهم كانوا يمنعون من دخول كنائس السادة البيض.
§ وطوال تاريخ الإنسانية -وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي -امتلأ العالم بالعبيد، الذين كانوا يستعبدون لأتفه الأسباب، كالعجز عن سداد دين أو خسارة مال في قمار ... وحين قررت بريطانيا في العصر الحديث إلغاء الرق عام 1823م تم تحرير ما يربو على 800 ألفاً من رقيقها ... أسرى الحرب في التاريخ، عبد الكريم فرحان، ص 41
وجاء موسى عليه السلام ورحل ... وجاء السيد المسيح عليه السلام وذهب .... فهل أتيا بشرائع إيجابية لإنهاء أو لحل مشكلة الرق ؟؟؟؟؟
الإجابة ... لا ... ولماذا ...؟؟؟؟؟ لان الكتاب المقدس بشطريه لم يتعرض لذلك ... وما يأتي هو أمثلة لما ورد في هذا الصدد:
§ الإقرار بأن الرق أمر واقع في العالم أجمع:
" إِذَا اشْتَرَيْتَ عَبْدًا عِبْرَانِيًّا، فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ، وَفِي السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرًّا مَجَّانًا. إِنْ دَخَلَ وَحْدَهُ فَوَحْدَهُ يَخْرُجُ. إِنْ كَانَ بَعْلَ امْرَأَةٍ، تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مَعَهُ. إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتٍ، فَالْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِ ... وَهُوَ يَخْرُجُ وَحْدَهُ. " خروج 21: 1-4
§ تشريع الرب عن العبيد والإماء:
" لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ ... لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ ... وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ ... وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ" سفر الخروج 20 / 17
" وَأَمَّا عَبِيدُكَ وَإِمَاؤُكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ لَكَ، فَمِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ ... مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ عَبِيدًا وَإِمَاءً ... وَأَيْضًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْتَوْطِنِينَ النَّازِلِينَ عِنْدَكُمْ، مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ وَمِنْ عَشَائِرِهِمِ الَّذِينَ عِنْدَكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَهُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَيَكُونُونَ مُلْكًا لَكُمْ. وَتَسْتَمْلِكُونَهُمْ لأَبْنَائِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ مِيرَاثَ مُلْكٍ ... تَسْتَعْبِدُونَهُمْ إِلَى الدَّهْرِ ... وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلاَ يَتَسَلَّطْ إِنْسَانٌ عَلَى أَخِيهِ بِعُنْفٍ. " سفر اللاويين 25: 44 – 46
§ الله يجعل السبي كعقوبة للكفر والشرك:
" سَتَعْصِفُ الرِّيحُ بِكُلِّ رُعَاتِكِ، وَيَذْهَبُ مُحِبُّوكِ إِلَى السَّبْيِ ... عِنْدَئِذٍ يَعْتَرِيكِ الْخِزْيُ وَالْعَارُ لأجل كل شرك " ارميا 22: 22
§ وجود أمر باسترقاق الأسرى:
" إِذَا خَرَجْتَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ، وَسَبَيْتَ مِنْهُمْ سَبْيًا، وَرَأَيْتَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةً جَمِيلَةَ الصُّورَةِ، وَالْتَصَقْتَ بِهَا وَاتَّخَذْتَهَا لَكَ زَوْجَةً، َحِينَ تُدْخِلُهَا إِلَى بَيْتِكَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا، فَتَكُونُ لَكَ زَوْجَةً . " تثنية 21: 10: 13
" حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. " التثنية 20 / 10 -15
§ وجود أوامر للعبيد (الرق) بطاعة أسيادهم والخضوع لهم كما للرب:
" أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ،" رسالة بولس لافسس 6 / 5 – 6
" أَيُّهَا الْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ الْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضًا. " 1بطرس 2: 18
" وَالْعَبِيدَ أَنْ يَخْضَعُوا لِسَادَتِهِمْ، وَيُرْضُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ مُنَاقِضِينَ " رسالة بولس الى تيطس 2 / 9
§ عدم وجود أوامر بحسن معاملة العبيد في الكتاب المقدس:
" وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِالْعَصَا فَمَاتَ تَحْتَ يَدِهِ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. لكِنْ إِنْ بَقِيَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لاَ يُنْتَقَمُ مِنْهُ لأَنَّهُ مَالُهُ. " خروج 21: 20 – 21
" وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا." لوقا 12 -47
جاء في الكتاب المقدس على لسان السيد المسيح: أن طعام البنين لا يعطى للكلاب ... ويعنى " بالبنين " بنو إسرائيل (أي السادة) أما الكلاب فهم الكنعانيون (أي العبيد) الذين كانوا يسكنون فلسطين قديماً ... " ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب " إنجيل متى 15/22-27.
§ الإماء والسراري هو أمر متعارف عليه في الكتاب المقدس ولا يوجد أي نص يقننه أو يمنعه:
" وإذا باع رجل ابنته امة لا تخرج كما يخرج العبيد. " سفر الخروج 21 / 7 -11
" وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ، لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً، وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً." أخبار 2-11 عدد21
" وَأَمَّا بَنُو السَّرَارِيِّ اللَّوَاتِي كَانَتْ لإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا، وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِهِ شَرْقًا إِلَى أَرْضِ الْمَشْرِقِ، وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ. " تكوين 25: 6
§ الأنبياءُ والجواري والسراري في الكِتابِ المُقدّسِ:
أ - نبي الله إبراهيم عليه السلام ، وُلد له من هاجر المصرية ( والتي كانت جارية في بيته ) ولداً :
" وَأَمَّا سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ، فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَ ذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ ... فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ." تكوين :16: 1 – 2
ب - نبي الله داوود عليه السلام له سراري ونِساء من أورشليم , ويُنجِب منهم :
" وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضًا لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. " صموئيل الثاني 5: 13
ج - سليمان ابن داود عليه السلام لديْهِ 300 من السراري ... و 700 مِن النساء !.
" فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ " الملوك الأول 11/3
إن ما ذكرناه من نبذة تاريخية عن الرق والسبي ... وما ورد في الكِتابِ المُقدّسِ عن تحليل ذلك وممارسته من الأنبياء ... وعدم وجود أي تشريع لحل مشكلة الرق أو لسد منابعه أو فتح مصارف لعتق الرقيق ... يجعلنا نتشوق حلاً لإنهاء ذلك.
لقد جاء الإسلام فوجد الرق وضع اجتماعي واقتصادي دولي ... فهل أتي بشريعة إيجابية لإنهاء أو لحل مشكلة الرق:
الإجابة ... نعم ...... ولماذا .... ؟؟؟؟؟ لأنه بإيجاز جاء الإسلام فوجد:
أولا: منابع الرق:
جاء الإسلام فوجد أن منابع الرق متعددة ... كما كان عليه الحال في الشرائع السابقة ... فحرّمها الإسلام جميعها إلا منبعاً واحداً ... وهو أسر المحارب أو المحاربة من داخل ساحة القتال فقط دون سواهم وذلك أثناء حرب مشروعة ... وشريطة ألا يكون هناك اتفاقاً أو معاهدة تلتزم فيها الأطراف المتحاربة على تبادل الأسرى ... عملاً بمبدأ المعاملة بالمثل ... وذلك لردع المعتدى حتى يعلم أنه سيلحق بمحاربيه مثلما سيلحق بما في يده هو من أسرى للمسلمين ... فلا يعقل بالطبع أن يصبح أسرى المسلمين لدى الكفار رقيقاً بينما أسرى الكفار لدى المسلمين أحرارا ... فترجح كفة المعسكرات الكافرة على المعسكر الإسلامي ... وتطمع أيضاً هذه المعسكرات في المهاجمة وهي آمنة مطمئنة من عواقب الهجوم ... بل وهي رابحة غانمة.
إن من أول ما نحب بيانه بخصوص " التسرّي " .... الذي لا يقع إلا مع " ملك اليمين " ... أي الأسيرة المحاربة في حرب مشروعة شريطة ألا يكون هناك اتفاقاً أو معاهدة تلتزم فيها الأطراف المتحاربة على تبادل الأسرى ... أن الإسلام لا يبيح استرقاق كل مخالف لنا في الدين ... بل لا يبيح السبي إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب من النساء وللسبب الذي ذكرناه ... أما غير المحاربين فلا سبي عليهم في الإسلام أصلاً ... ولا يجوز لمسلم أن يتعدى على رجل أو امرأة إذا كان كافراً غير محارب للمسلمين، بأي نوع من أنواع الاعتداء كالقتل أو الضرب أو الاغتصاب للنساء ... وهذا أول فرق بين مطلق الاغتصاب وبين التسري في الإسلام.
ثانياً: أسلوب معاملة الرق:
وجد الإسلام أن الرق هو واقع مرير مليء بالاضطهاد والظلم يعامل فيه البشر على النحو الذي سبق وأن ذكرناه بعاليه ... فشرع الإسلام أسلوباً حضارياً وإنسانياً لمعاملة الرقيق ... وكما سيأتي تفصيله لاحقاً ...
ثالثاً: مصارف الرق:
كانت المصارف واحدة فقط قبل الإسلام وهي " إرادة السيد ".... فعدد الإسلام مصارف الرق وجعل منها:
· الإفراج عن الأسير بدون مقابل / أو بمقابل مادي .... أو بقيامه بأداء عمل كتعليم المسلمين القراءة والكتابة " فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً " محمد 4
· كفارات لذنوب / مصرف للزكاة / المكاتبة / ....
· " ملك اليمين " وهي الأسيرة المحاربة في حرب مشروعة والتي كانت ضمن صفوف الجيش الآخر ... وليست المخطوفة ... شريطة ألا يكون هناك اتفاقاً أو معاهدة تلتزم فيها الأطراف المتحاربة على تبادل الأسرى ... فإذا كانت هناك معاهدة بذلك – كما هو الحال في عصرنا الحالي -فلا يجوز ولا يحل أخذ " الأسيرة المحاربة " كملك يمين ... وسنفصل ذلك فيما بعد.
لقد جاء الإسلام إلى المنابع المتعددة للرق فضيقها فجعل لها منبعاً واحداً وجاء إلى المصرف الواحد فعدده ووسعه ... وباختصار فان الإسلام جاء ليشرع العتق ويعدد الوانه ويحدد الرق ويوحد منابعه ... وبذلك يكون الاسلام قد أيّد العتق ولم يؤيد الرق ... حتى يأتي يوما ينتهي فيه الرق تدريجيا دون إحداث هزة اجتماعية لا يمكن ضبطها ... نظرا لان الإسلام جاء وكان نظام الرق أمراً اجتماعياً واقتصاديا وعرفاً دولياً وعالمياً.
إن الإلغاء المفاجئ للرق آنذاك كان سيترتب عليه ضراراً بالغاً بالعبيد وبالسادة على السواء ... فأما العبيد فسيخسرون موارد رزقهم وكفالة مواليهم لهم ... وهذا يذكرنا بثورة العبيد على الرئيس الأمريكي إبراهام لنكون حين أصدر أمره بتحرير العبيد، فثاروا عليه لمّا فقدوا الرعاية والغذاء والسكن فالمجتمع لم يكن مؤهلا حينئذ لمثل هذا التغير الاجتماعي الكبير ... وأما السادة فتحرير العبيد يفقدهم أموالهم ... لان العبيد – آنذاك – كانوا عبارة عن مال قد لا يملك السيد غيره.
هذا ... وقد تنبأ القرآن -ضمن إعجازاته -بنهاية الرقيق في العالم ... وذلك بفضل شرائعه التي لا تجد لها مثيلاً في الشرائع الأخرى ... وكيف كان ذلك كذلك ... اقرأ هذه الآية ...
" وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا "المجادلة 3 – 4
ستلاحظ عجباً ... لقد استخدم القرآن عبارة ... " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ " مع حالة ... " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ " ... ولكنه استخدم عبارة ... " فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ " مع حالة " فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ " ... مما يُنبأ بأنه سيأتي على البشر زمان سيرغب الفرد فيه في أن يحرر رقيقاً ولكنه لن يجد.
إن من الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه أعتق كل من كان عنده من رقيق الجاهلية وانه قد أعتق كذلك من أهدى إليه منهم ... وانه كان يبذل أقصى الجهد لإطلاق الأسرى كما حدث في غزوة بني المصطلق ... إذ تزوج الرسول ابنة حاكم بني المصطلق فقال المسلمون كيف نسترق أصهار رسول الله ... فأطلقوا الأسرى ... هذا وقد أطلق الرسول أيضاً الأسرى في غزوتي حنين والطائف.
كان هذا هو الموجز واليكم موقف الإسلام بالتفصيل
أولا: منابع الرق:
جاء الإسلام فوجد أن منابع الرق متعددة ... كما كان عليه الحال في الشرائع السابقة ... فحرمها الإسلام جميعها إلا منبعاً واحداً وهو أسر المحارب أو المحاربة من داخل ساحة القتال فقط دون سواهم وذلك أثناء حرب مشروعة ... وشريطة ألا يكون هناك اتفاقاً أو معاهدة تلتزم فيها الأطراف المتحاربة على تبادل الأسرى ... هذا وقد كانت منابع الرق قبل الإسلام على النحو التالي:
§ المعسر والمديون:
رفض الإسلام هذا رفضاً حاسماً ولم يشرّع الرق في أي مخالفة ....... بل رصد من الزكاة المفروضة سهماً لسداد ديون المعسرين
" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " البقرة 280
" إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ (أي المدينين العاجزين عن الأداء) وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " التوبة 60
§ الخطف / استعباد الأجير:
واعتبر الإسلام ذلك من الظلم المتوعد عليه " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم :2227
§ عقوبة لارتكاب بعض الجرائم:
وقد حرّم الإسلام ذلك أيضاً ... وفرض عقوبات وحدوداً للجرائم ولكن ليس من ضمنها استرقاق المذنب.
§ الإساءة إلى طبقة الأشراف:
وقد حرّم الإسلام ذلك أيضاً وأكد أن الناس جميعهم سواسية وأنهم " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " الحجرات 13
§ أسرى الحرب المشروعة وغير المشروعة:
حرّم الإسلام بالطبع الحرب غير المشروعة وشرع الحرب المشروعة فقط ... والتي تكون في مواضع ثلاثة (ذكرت بالتفصيل بعاليه) .... وفى أول حرب مشروعة خاضها المسلمون (غزوة بدر) نزل على الدنيا أزكى وارق المبادئ في معاملة الأسرى وهو قوله تعالى ... " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " الأنفال 70
والأسير: هو من كان حريصاً على أن يقتلك في الحرب ولكن تم أخذه بعد أن أصبح مقدوراً عليه ... والذي قدر على أخذه كان قادرا على قتله بالطبع ... والناس يقدّمون الأسر والاسترقاق على القتل، ويطلبون من المنتصر أن يبقيهم أحياء ... ولذلك لا منطق للمقارنة بين أسره وعتقه ... ولكن المقارنة تكون بين أسره وقتله ... والأسر بالطبع خير من القتل وبذلك حقن دم الكافر من المسلم ... فلا يُقتل إنساناً إلا مضطرا ...
وحينما شرع الله البت في أمر الأسير قال " فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا "محمد 4... أي فإما أن تمنوا بعد انتهاء المعركة مناً بإطلاق أسرى خصومكم دون عوض، وإمَّا أن تقبلوا أن يفتدوا بالمال أو بالأسرى من المسلمين ... ولكن لم تذكر الآية الكريمة استرقاق الأسرى ... ولكن ذكرت " حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا " ... بمعنى وحتى نعرف كيف سيعامل خصومنا من اُسر عندهم من المسلمين ... لان استرقاق الأسرى كان هو المبدأ السائد في هذا الوقت ... فليس من المعقول أن يُطلق المسلمون من تحت أيديهم من أسرى أعدائهم ثم يمسك عدوهم أسيرهم منهم ليباع ويسترق ... وهذا ما انتهت إليه دول العالم المتقدم مؤخرا وهو مبدأ " المعاملة بالمثل " .
إن الباحث في نصوص القرآن والسنة لن يجد فيهما نصاً واحداً يحث على الاسترقاق أو يأمر به ... بل على العكس من ذلك جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر وتحث على إعتاق الرقاب، وتجعله من أفاضل العبادات، وتقرنه بالإيمان بالله وصالح الأعمال وكما سيذكر ذلك بالتفصيل لاحقاً ...
واللــــــــــــه أعظم وأعلم
يتبع بإذن الله بثانيا : أسلوب معاملة الرق