التوهم , رحلة الإنسان الى عالم الآخرة
بسم الله الرحمن الرحيم
التوهم
رحلة الإنسان الى عالم الآخرة
للحارث بن اسد المحاسبي
الحمد لله الواحد القهار , العظيم الجبار , الكبير المتعال الذي جعلنا للبلوى والاختبار , وأعد لنا الجنة والنار , فعظم لذلك الخطر , وطال لذلك الحزن لمن عقل وادكر , حتى يعلم أين المصير, وأين المستقر, لانه قد عصى الرب, وخالف المولى , واصبح وامسى بين الغضب والرضى , لا يدري أيها قد حل ووقع له , فعظم لذلك غمه , وطال لذلك حزنه , واشتد كربه حتى يعلم كيف عند الله حاله .
فإلى الله فارغب في التوفيق , وإياه فسل العفو عن الذنوب , وبه فاستعن في كل الأمور . فعجبت كيف تقر عينك, أو كيف يزايل الوجل والاشفاق قلبك , وقد عصيت ربك , واستوجبت بعصيانك غضبه وعقابه , والموت لا محالة نازل بك بكربه وغصصه ونزعه وسكراته , فكأنك قد نزل بك وشيكا سريعا .
فتوهم نفسك , وقد صرعت للموت صرعة , لا تقوم منها الا الى الحشر الى ربك , فتوهم نفسك في نزع الموت , وكربه, وغصصه , وسكراته , وغممه وقلقه , وقد بدأ الملك يجذب روحك من قدمك , فوجدت ألم جذبه من أسفل قدميك , ثم تدارك الجذب , واستحث النزع , وجذبت الروح من جميع بدنك , فنشطت من أسفلك متصاعدة الى اعلاك حتى إذا بلغ منك الكرب منتهاه , وعمت آلام الموت جميع جسمك , وقلبك وجل , محزون, مرتقب . منتظر للبشرى من الله عز وجل بالغضب أو الرضا , وقد علمت أنه لا محيص لك دون إحدى البشريين من الملك الموكل بقبض روحك .
فبينا أنت في كربك , وغمومك , وألم الموت بسكراته , وشدة حزنك , لارتقابك إحدى البشريين من ربك , اذا نظرت الى صفحة وجه ملك الموت بأحسن الصورة أو بأقبحها , ونظرت إليه مادا يده الى فيك , ليخرج روحك من بدنك , فذلت نفسك , لما عاينت ذلك , وعاينت وجه ملك الموت . وتعلق قلبك بماذا يفاجؤك من البشرى منه .
إذا سمعت صوته بنغمته , أبشر يا ولي الله برضا الله وثوابه , أو أبشر يا عدو الله بغضبه وعقابه , فتستيقن حينئذ بنجاحك وفوزك , ويستقر الأمر في قلبك , فتطمئن الى الله نفسك , أو تستيقن بعطبك وهلاكك , ويحل الإياس قلبك , وينقطع من الله عز وجل رجاؤك وأملك ؛فيلزم حينئذ غاية الهم والحزن أوالفرح والسرور قلبك , حين انقضت من الدنيا مدتك , وانقطع منها اثرك , وحملت الى دار من سلف الأمم قبلك .
فتوهم نفسك حين استطار قلبك فرحا وسرورا , أو ملئ حزنا وعبرة , وبفترة القبر , وهول مطلعه , وروعة الملكين وسؤالها فيه عن إيمانك بربك ؛ فمثبت من الله عز وجل ثناؤه بالقول الثابت , أو متحير شاك مخذول ...
يتبع >>>