رحلة مع السيد المسيح عليه الصلاة والسلام لكل من أراد النجاة يوم ينفع الصادقين صدقهم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿75﴾ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿76﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴿77﴾ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴿78﴾ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴿79﴾ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿80﴾ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿81﴾(المائدة)
أيها القارئ الكريم,إتقي الله فى نفسك وأهلك ولاتتبع من اتبع هواه !!
فما المسيح عليه الصلاة والسلام إلا رسول قد خلت من قبله الرسل, أي أن ألله أرسل من قبله الرسل والأنبياء كمثل نوح عليه السلام وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويونس وموسى وهارون عليهم وعلى أنبياء الله جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم , وانظر إلى مايقال لك بعقلك وليس بعينك فقط فالإنسان مهما علا شأنه إذا كان صادقاً وجاداً فى البحث عن الحقيقة فإنه حتماً سيصل إليها يوماً ما , وإنما علينا البلاغ ولانريد منكم جزاءاً ولاشكوراً.وكما قال الحق تبارك وتعالى
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ)صدق الله العظيم
أما بعد فلقد بعث الله عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام برسالة للناس يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر ويأمرهم بالخير ويفعله ليقتدوا به, وينهاهم عن الشر ويهجره لينتهوا عنه, فرسول الناس من جنس الناس , ونبي البشر من طبيعة البشر,فليس من المعقول ولا المقبول أن يأتي للناس وهو غريب عنهم, ولايستطيع أن يرشد الناس من ليس من طبيعتهم , وليس من المعقول ولا المقبول عقلاً أن يأتي إله أو ملاك أو طير أو حيوان أو جن أو شيطان ليهدي من هم من غير طبيعته وجنسه, فكل مخلوق منا يتأسى ويقتدي بالمخلوقات أمثاله, والحيوان يقتدي بالحيوان, والملاك يتأسى بالملاك, والإنسان يقلد الإنسان والجآن يحاكي الجان, والشيطان ينافس الشيطان, ولايستطيع الإنسان أن يقتدي بالآلهة أو الملائكة أو الجآن.
ومن أجل هذا لم يبعث الله للناس رسولاً إلا من نفس طبيعتهم وخلقهم, يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, وتتبع أفعاله وأقواله,ويسير سلوكه على هدي تعاليمه, فيقتدي به الناس وينهجون منهاجه, فيولد بينهم ويعيش بينهم فيأكل ويشرب مثلهم ويحيا كما يحيون .
ولو بعث الله رسولاً من غير البشر لما اقتنعوا به ولما تبعوه أو اقتدوا به, فشتان بين طبائع الناس وطبائع غيرهم من الكائنات, وكيف للإنسان أن يتخطى عتبة البشرية وحدودها الضيقة ليقلد ملاكاً أو إلهاً, أو حيواناً أو جآن, إن كل مسينطق به هذا الرسول الغريب عن االبشر لن يكون فى نظر الخلائق إلا ضرباً من الهراء والعبث ونوعاً من السخرية والإستهزاء, وقد نعجب مما يقول, هذا إذا فهموه , ولكن كيف لهم تقليده ومحاكآته وكيف يسايرون هذا الذي إختلفت طبيعته عنهم؟
إن الإنسان لايرتاح إلا لإنسان مثله, له نفس صفاته وأحاسيسه وانفعالآته, بل إننا كثيراً مانحس بالرهبة والشك نحو الغرباء والمختلفين عنا فى اللغة أو اللون أو البيئة أو التقاليد مع إنهم بشر مثلنا, فكيف إذا كانوا من جنس غريب عنا مغاير لنا مختلف منا, ثم جائوا يدعوننا إلى الإستماع إليهم وإلى الإقتداء بهم, هل يمكننا حتى فهمهم؟
أغلب الظن أنهم يسخرون منا, وتلك حقيقة أخبر عنها الله بالقرآن فى أروع بيان ففقال سبحانه وتعالى فى سورة الإسراء
(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً ﴿94﴾ قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً ﴿95﴾ قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿96﴾ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴿97﴾ ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿98﴾
فالرسول من جنس المرسل إليهم,وهو إنسان مثلهم, ورسول الملائكة ملاك مثلهم, ورسل الإنسان إنسان من نفس طبيعته وجبلته وخلقه وعالمه, فالإنسان خليفة الله على الأرض, الذي حمل أمانة الوجود, خليق بأن يأتيه من ذاته الدرس والعبرة, وأن يأخذ من نفسه الموعظة والمثل, وأن يحمل بنفسه الرسالة والشريعة.
ويقول المولى جل وعلى علواً كبيراً فى محكم آياته فى آخر سورة التوبة الكريمة
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
فمن أجل هذا كان عيسى المسيح إنساناً وإبن إنسان, ولد كما يولد الناس, وعاش كما يعيش الناس, وذهب كما يذهب الناسو حملت به السيدة مريم العذراء عليه السلام فى بطنها وبين أحشائها طوال تسعة أشهر, تلقى خلالها الغذاء والنماء, وتكون جسمه وعظمه وعروقه ودمه وخلاياه ولحمه, وسائر صفاته الجسدية من جسد أمه النحيل حتى تمت أشهر الحمل فلفظه رحمها الشريف فقمطته ووضعته فى حجرها, وألقمته ثديها كي تسد جوعه وتسكت صراخه, فإذا بال غسلته بالماء وألبسته اللباس النظيف وسهرت عليه من الليالي فى صحته ومرضه, وكم أعطت نفسها لبكرها عيسى المسيح قبل أن تلد غيره من الأبناء والبنات, وكم أنتظرت هى وزوجها وأهلها مرور اليام ليكبر ولدها المسيح فى الجسم والعقل!! ولما صار صبياً يافعاً علمه أبوه بالتبني يوسف النجار حرفته, فصار نجاراً ماهراً.
ثلاثون سنة عاشها المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام قبل أن تأتيه الرسالة وقبل أن يأمره الله ربه أن يتحدث برسالته إلى الناس, ولم يرى فيه أهله وذووه وسائر مواطنيه أكثر من نجاراً عادي أمين, يأكل خبزه بعرق جبينه, ويشقى ويكدح طوال يومه ليقوت أمه الرملة وإخوته اليتامى.
فخضع عيسى الإنسان لكافة الغرائز الإنسانية, أكل كما يأكل الناس, وشرب كما يشرب الناس, فشرب الماء والخمر كما ذكر فى إنجيل متى ص11 :19 )
(جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب, فيقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر)
كما ذكره الله عز وجل فى قرآنه المجيد فقال سبحانه فى سورة المائدة
(مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿75﴾
فعيسى المسيح الإنسان كغيره من الرسل أبناء البشر كانوا يأكلون الطعام ويشربون الماء ولايختلف عن إخوته الأنبياء فى شئ, ولايختلفون جميعاً عن باقي الناس أبناء آدم فى شئ فى الآدمية.
وهى حقيقة قالها الله عز وجل لخاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم فقال فى سورة الفرقان
(وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴿20﴾
واكل الطعام يقتضي إخراج فضلاته, وشرب الشراب يستلزم إنزال فائضاته وإلا إمتلأ الإنسان وانتفخ وتسمم ومات, وقد تعفف القرآن قول الله عن ذكر التبرز والتبول بالنسبة للمسيح وباقي الرسل عليهم جميعاً الصلاة والسلام تسامياً منه فى التعبير, واكتفاء بما يفهم من النتيجة الطبيعية للأكل والشراب, وأن النتيجية التالية للطعام والشراب , وللجهد والعمل هى التعب والخوار والرغبة فى النوم والراحة لكي يستعيد الإنسان صحته ولكي يستفيد من الطعام والشراب , ثم يواصل الكد والكفاح , ولالا النوم والراحة لفقد الإنسان قوته وإنهارت أعصابه, ولما استطاع مواصلة حياته أو إتمام رسالته.
وكم تعب المسيح عليه الصلاة والسلام وطلب الراحة, وكم شقي ورغب فى النوم ثم استيقظ أكثر قوة ونشاطاً وحيوية, وكان نوم مه عليه السلام أكثر من اللازم بل كان نومه ثقيلاً من كثرة إرهاقه وتعبه, فكثيراً ما كان يتجول فى القرى ويدعوا الناس في الطرقات فيغشاه سلطان النوم رغم إرادته من كثرة الإرهاق فينام وسط الناس, ويحثنا العهد الجديد عن إحدى المرات التي نام فيها المسيح عليه السلام فى ظروف كانت تستلزم اليقظة, نام فى سفسنة صغيرة وسط البحر والموج وبين التلاميذ, الكل مستيقظ والمسيح نائم, يقول العهد الجديد
(وفى أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذه, فقال لهم: لنعبر إلى عبر البحيرة,فأقلعوا وفيما هم يسيرون نام, فنزل للتو ريح فى البحيرة وكادوا يمتلأون ماء, وصاروا فى خطر, فتقدموا إليه وأيقظوه قائلين: يامعلم إننا نهلك. (لوقا 7 :22 -24 , متى 8 :23 -27 , مرقس4 :35-40 )
ورغم الرياح العاتية والأمواج المتلاطمة, ورغم المياة الغزيرة التي لحقت السفينة الصغيرة وسط البحر, فجعلت تتقاذفها كشعرة من القطن فى مهب الريح ورغم كل الضوضاء التي أحدثها الركاب خوفاً وجزعاً فقد ظل المسيح عليه السلام نائماً لايحس بشئ من هذا ولايشعر به , ولولا إيقاظ التلاميذ له وطلبهم منه أن يصلي لله طلباً للنجاة لكان من الممكن أن يهلكوا جميعاً بالسفينة وفيهم المسيح عليه السلام.
ويؤكد القرآن الكريم الحقيقة الساطعة وهى أن الله سبحانه علام الغيوب , يحيط بذرات السموات والأرض , ولاتسقط ورقة على الأرض أو قطرة من السماء إلا ويعلمها , لايسهوا ولايغفل ولايمسه التعب أو اللغوب, ولايحتاج إلى النوم أو الراحة, فيقول سبحانه وتعالى علواً كبيراً
(اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴿255﴾ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿256﴾ (البقرة).
وإلى الملتقى فى إستكمال الرحلة مع السيد المسيح صلى الله عليه وسلم.