الإيمان...التربية الإيمانية...الأم الصالحة...التربية في الإسلام

عندما تجتهد الزوجة في حسن تَبَعُّلها لزوجها وتبذل ما في وسعها لإرضائه في نفسها وبيتها وأولادها، فهي إنما تؤدي دوراً أصيلاً كلَّفها الله تعالى به، الذي فيه بناء الأسرة وصلاحها، وفيه أيضاً إعمار الكون.
إن المرأة شريكة الرجل في إعمار الكون وبناء الأسرة، وقد تَجلَّى ذلك منذ ابتداء خلق الأرض، حينما قال الله عز وجل مخاطباً الملائكة في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30).فالخليفة هو آدم عليه السلام وذريته، ولا يكون إعمار الأرض إلا بالتناسل والتكاثر عبر شريكين يكونان مجموع الأصل البشري، وهما الذكر والأنثى، وفي ذلك قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1).
ونظراً إلى أهمية المرأة في الحياة الإنسانية، فقد تَضمَّن القرآن الكريم سورة تحمل اسم سورة النساء، وهي من السور السبع الطوال في القرآن الكريم. فالقرآن الكريم جعلها على قدم المساواة في المسؤولية هي والرجل، لإعمار الأرض وبناء الأسرة، بما يتناسب وما أعدَّت له من قُدرات في التحمُّل والتكليف. كما شملها التكريم في الخلق حينما ذكر الgه تعالى، أن بني آدم مكرمون على سائر المخلوقات. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70). وقال صلى الله عليه وسلم، في الحديث الشريف: "الدنيا مَتاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".
وخَلَق الله تبارك وتعالى الخلق، وجعلهم ذكراً وأنثى، وجعل لكل منهما خصائص وأعمالاً ومهام ووظائف ليقوما معاً بأعباء الحياة، قال الله تعالى: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك/ 14). وكون المرأة هي الأضعف، من حيث البنية، فقد نظَّم الله سبحانه وتعالى العلاقة بين الرجل والمرأة زوجاً وزوجة طبقاً لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228). وهناك أية في كتاب الله، تدل على أن كلّاً من الرجل والمرأة له دور في الحياة وفي الأسرة، وأنَّ الذي اختار هذا الدور، هو الله سبحانه وتعالى، وهي قوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء/ 32). ومن هنا يتجلَّى بوضوح، أن المفارقة بين وظائف الذكر ووظائف الأنثى مطبوعة كلها بطابع التكليف لا التشريف، وكان بديهياً أن تَنصبَّ تلك المفارقة على المرأة زوجةً وأماً، حين تتحمَّل تكاليف الحياة الزوجية ومتاعب الأمومة وتبعاتها.
- من أدوار الزوجة الصالحة:
لا يَخفَى على أحد ما للمرأة الصالحة من تأثير إيجابي في الأسرة. فهي رَيحانة المنزل، التي تبث العطر وتُدخل السرور والفرح على مَن فيه من زوج وأبناء، تارة بالكلمة الطيبة وأخرى بنشر الحب والرحمة بين أفراده. فالمرأة الصالحة تَرنُو إلى مَرضَاة الله عز وجل، من خلال هذا الميثاق الغليظ، فتضع يدها في يد شريك حياتها ليُحقِّقا معاً السَّكن والمودَّة والرحمة. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21).
فالمرأة لها دور جوهري في تحقيق الطمأنينة وبث المودة والرحمة مع الزوج، بالحب والاهتمام والرعاية وتلبية الاحتياجات وتحقيق الرغبات، التي من أجلها شُرع الزواج بمعناه الشرعي. وهذا العقد أفضل العقود، لأنه يربط بين نفسين برباط المودة والرحمة. فالغاية من الزواج التغفُّف عن الحرام والإتيان بالذرية الصالحة. وقد نصح الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالزواج من الودود الولود بقوله: "تزوجوا الودود الولود فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة".
والحياة الزوجية هي مَودَّة وصحبة وعطف وأُنس ومشورة واستيعاب للآخر، وتَراحُم وصفاء وتَعايُش. فعلى المرأة أن تعرف طبيعة العلاقة الزوجية، فهي علاقة شديدة القرب، شديدة الخصوصية، وممتدة في الدنيا والآخرة. وعليها أن تفهم طبيعة شخصية زوجها ومفاتيح الدخول إليها، بالتالي تعرف كيف تُكيِّف نفسها مع طبيعة شخصية زوجها بمرونة وفاعلية، وأن تحب زوجها كما هو بحسناته وأخطائه، وتعلم أن كل رجل له مزاياه وعيوبه، لأنه أولاً وأخيراً إنسان. وحق الزوج على زوجته أن تُطيعه في ما يأمرها به وبما يُرضى الله، لأن طاعة الزوجة لزوجها سبب لمرضاة الله تبارك وتعالى، ودخولها الجنة. وقد أوضح الرسول، صلَّى الله عليه وسلم، هذا الأمر بقوله: "إذا صَلَّت المرأة خَمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها وحفظت فرجها قِيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئِت".
والزوجة الحكيمة الذكية تحترم زوجها وتحترم قدراته ومواهبه، مهما تكن بسيطة، ولا تتردد في الثناء عليه، فهذا يدفعه نحو مزيد من النجاح للنمو ويزيد من ثقته بنفسه وحبه لزوجته. وعليها أن تُعبِّر عن مشاعرها الإيجابية نحو زوجها ولا تخفي حبها له. وفي جهة مقابلة عليها أن تتعلم كيفية ضبط "المشاعر السلبية"، التي قد تظهر نحو زوجها في لحظات الغضب. لأن توفير جوٍّ من الطمأنينة والاستقرار والهدوء في البيت، يتطلّب إظهار مشاعر الود في حالة الرضا، ومشاعر الرحمة والصفح في حالة الغضب، فالسَّكَن والموَّدة والرحمة، هي الأركان الثلاثة للعلاقة الزوجية الناجحة.
- من أدوار الأم الصالحة:
تُعتَبر مرحلة الطفولة ميدان ومحل البناء التربوي للطفل، لِماَ تتميَّز به هذه المرحلة من مرونة وصفاء ذهني واستعداد للتعلم. وهي تمتد زمناً طويلاً يستطيع المربِّي خلاله أن يغرس في نفس الطفل ما يريد، وأن يوجهه حسبما يرسم له من خطة، وأن يتعرف إلى إمكاناته ويتنبأ بمستقبله بقدر المستطاع. وكلما تعهدت الأم أطفالها بالرعاية والإشراف والتوجيه، كان أكثر رسوخاً وثَبَاتاً في مواجهة الهزّات المستقبلية، التي ستعترض طريقه في الحياة، ولهذا قال ابن سينا في كتابه "السياسة"، في باب سياسة الرجل ولده: "فإذا فُطم يبدأ في تأديبه ورياضة أخلاقة، قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة".
فالأم الصالحة، هي التي تُغذِّي الأبناء بالإيمان، وتصبُّ في نفوسهم أحسن المبادئ، وتُسمعهم من ذكر الله ومن الصلاة على نبيه، صلى الله عليه وسلم، ما يُشربهم التقوى ويُركِّز فيهم حب الله تعالى وحب رسوله (ص).
كما تحرص الأم على أن تحكي لأطفالها قصصاً من السيرة النبوية الشريفة, وتشجع الأبناء على حفظ الأحاديث النبوية، وترصد المكافآت على ذلك.
وهي تُعلِّم أبناءها الصلاة وتأمرهم بها، وإذا قَصَّر أحدهم في صلاته أو تهاون أو تكاسل في أدائها، فعند ذلك يجوز اللجوء إلى الضرب، تأديباً له على ما فَرَّط في حق نفسه.
ولا بد للأم أن تُربِّي أبناءها على الخلق الحَسَن والسلوك الفاضل، وأن تنهاهم عن الأخلاق السيئة والصفات القبيحة، مثل الكذب والسرقة والسّباب. وعليها أن تحمي أبناءها من رفقاء السوء، وتحثّهم على مُصاحَبة الصالحين، وتهتم بالتربية العقلية لتكوين فكر الطفل، بكل ما هو مفيد ونافع، من العلوم الشرعية والثقافة العلمية المعاصرة التوعية الفكرية والحضارية، حتى ينشأ راسخ الإيمان سليم الفكر قوي الحُجَّة.

منقول



منقول