بسم الله الرحمن الرحيم
******************
كتب السيف البتار


شبهة
الرَّفَث إلى النساء:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ; (آية 187).
كان في ابتداء الأمر بالصوم إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجِماع إلى أن يصلّي العِشاء الأخيرة، أو يرقد قبلها. فإذا صلّى أو رقد حُرِّم عليه ذلك كله إلى الليلة التالية. فواقع عمر بن الخطاب أهله بعدما صلّى العِشاء، فلما اغتسل لام نفسه، ثم أتى محمداً فقال: يا رسول الله، أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة. إني رجعتُ إلى أهلي بعدما صليتُ العشاء فوجدت رائحةً طيبة، فسوَّلَتْ لي نفسي، فجامعْتُ أهلي . وقام رجالٌ فاعترفوا بمثل ذلك. فقال محمد، مراعاة لعمر وأصحابه: أُحِل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (القرطبي في تفسير البقرة 2: 187) والرَّفث كلام يُستقبح لفظه مع ذكر الجماع ودواعيه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً.

والوحي الحقيقي يعلّمنا أن الصوم هو التذلل أمام الله بالخشوع، والحزن بسبب الخطايا، فلا محمل للتلذُّذ والتنعُّم بل هو مُنافٍ لذلك.

كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً، وصوم يوم عاشوراء. ثم نُسخ ذلك بفريضة صوم شهر رمضان. قال ابن عباس: أول ما نُسخ بعد الهجرة أمر القِبلة ثم الصوم . وعن عائشة قالت: يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان محمد يصومه في الجاهلية . وعلى هذا أخذ محمد الصوم من الجاهلية ومن المسيحيين، والدليل على ذلك قوله في عدد 183 “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .

قال المفسرون إن الصوم عبادة قديمة. قالوا إن صيام شهر رمضان كان واجباً على النصارى فصاموا رمضان زماناً، فربما وقع في الحر الشديد والبرد الشديد. وكان يشقُّ ذلك عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم، فجعلوه في فصل الربيع، ثم زادوا فيه عشرة أيام فصاموا أربعين يوماً.







الرد

المسألة الأولى: أنه ذهب جمهور المفسرين إلى أن في أول شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كان الصائم إذا أفطر حل له الأكل والشرب والوقاع بشرط أن لا ينام وأن لا يصلي العشاء الأخيرة فإذا فعل أحدهما حرم عليه هذه الأشياء، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك بهذه الآية، وقال أبو مسلم الأصفهاني هذه الحرمة ما كانت ثابتة في شرعنا ألبتة، بل كانت ثابتة في شرع النصارى، والله تعالى نسخ بهذه الآية ما كان ثابتاً في شرعهم، وجرى فيه على مذهبه من أنه لم يقع في شرعنا نسخ ألبتة، واحتج الجمهور على قولهم بوجوه.

الحجة الأولى:
أن قوله تعالى:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }
[البقرة: 183]

يقتضي تشبيه صومنا بصومهم، وقد كانت هذه الحرمة ثابتة في صومهم، فوجب بحكم هذا التشبيه أن تكون ثابتة أيضاً في صومنا، وإذا ثبت أن الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، وهذه الآية ناسخة لهذه الحرمة لزم أن تكون هذه الآية ناسخة لحكم كان ثابتاً في شرعنا.

الحجة الثانية: التمسك بقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } ولو كان هذا الحل ثابتا لهذه الأمة من أول الأمر لم يكن لقوله { أُحِلَّ لَكُمْ } فائدة.

الحجة الثالثة: التمسك بقوله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } ولو كان ذلك حلالاً لهم لما كان بهم حاجة إلى أن يختانون أنفسهم.

الحجة الرابعة: قوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } ولولا أن ذلك كان محرماً عليهم وأنهم أقدموا على المعصية بسبب الإقدام على ذلك الفعل، لما صح قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ }.

الحجة الخامسة: قوله تعالى: { فَالآنَ بَـٰشِرُوهُنَّ } ولو كان الحل ثابتا قبل ذلك كما هو الآن لم يكن لقوله: { فَالآنَ بَـٰشِرُوهُنَّ } فائدة.

الحجة السادسة: هي أن الروايات المنقولة في سبب نزول هذه الآية دالة على أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، هذا مجموع دلائل القائلين بالنسخ، أجاب أبو مسلم عن هذه الدلائل فقال:

أما الحجة الأولى: فضعيفة لأنا بينا أن تشبيه الصوم بالصوم يكفي في صدقه مشابهتهما في أصل الوجوب.

وأما الحجة الثانية: فضعيفة أيضاً لأنا نسلم أن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرع من قبلنا، فقوله: { أُحِلَّ لَكُمْ } معناه أن الذي كان محرماً على غيركم فقد أحل لكم.

وأما الحجة الثالثة: فضعيفة أيضاً، وذلك لأن تلك الحرمة كانت ثابتة في شرع عيسى عليه السلام، وأن الله تعالى أوجب علينا الصوم، ولم يبين في ذلك الإيجاب زوال تلك الحرمة فكان يخطر ببالهم أن تلك الحرمة كانت ثابتة في الشرع المتقدم، ولم يوجد في شرعنا ما دل على زوالها فوجب القول ببقائها، ثم تأكد هذا الوهم بقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فإن مقتضى التشبيه حصول المشابهة في كل الأمور، فلما كانت هذه الحرمة ثابتة في الشرع المتقدم وجب أن تكون ثابتة في هذا الشرع، وإن لم تكن حجة قوية إلا أنها لا أقل من أن تكون شبهة موهمة فلأجل هذه الأسباب كانوا يعتقدون بقاء تلك الحرمة في شرعنا، فلا جرم شددوا وأمسكوا عن هذه الأمور فقال الله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } وأراد به تعالى النظر للمؤمنين بالتخفيف لهم بما لو لم تتبين الرخصة فيه لشددوا وأمسكوا عن هذه الأمور ونقصوا أنفسهم من الشهوة، ومنعوها من المراد، وأصل الخيانة النقص، وخان واختان وتخون بمعنى واحد كقولهم: كسب واكتسب وتكسب، فالمراد من الآية: علم الله أنه لو لم يتبين لكم إحلال الأكل والشرب والمباشرة طول الليل أنكم كنتم تنقصون أنفسكم شهواتها وتمنعونها لذاتها ومصلحتها بالإمساك عن ذلك بعد النوم كسنة النصارى.

وأما الحجة الرابعة: فضعيفة لأن التوبة من العباد الرجوع إلى الله تعالى بالعبادة ومن الله الرجوع إلى العبد بالرحمة والإحسان، وأما العفو فهو التجاوز فبين الله تعالى إنعامه علينا بتخفيف ما جعله ثقيلاً على من قبلنا كقوله:
{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَـلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ }
[الأعراف: 157].

وأما الحجة الخامسة: فضعيفة لأنهم كانوا بسبب تلك الشبهة ممتنعين عن المباشرة، فلما بين الله تعالى ذلك وأزال الشبهة فيه لا جرم قال: { فَالئَـنَ بَـشِرُوهُنَّ }.

وأما الحجة السادسة: فضعيفة لأن قولنا: هذه الآية ناسخة لحكم كان مشروعاً لا تعلق له بباب العمل ولا يكون خبر الواحد حجة فيه، وأيضاً ففي الآية ما يدل على ضعف هذه الروايات لأن المذكور في تلك الروايات أن القوم اعترفوا بما فعلوا عند الرسول، وذلك على خلاف قول الله تعالى: { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } لأن ظاهره هو المباشرة، لأنه افتعال من الخيانة، فهذا حاصل الكلام في هذه المسألة.

المسألة الثانية: القائلون بأن هذه الحرمة كانت ثابتة في شرعنا، ثم إنها نسخت ذكروا في سبب نزول هذه الآية أنه كان في أول الشريعة يحل الأكل والشرب والجماع، ما لم يرقد الرجل أو يصل العشاء الآخرة، فإذا فعل أحدهما حرم عليه هذه الأشياء إلى الليلة الآتية، فجاء رجل من الأنصار عشية وقد أجهده الصوم، واختلفوا في اسمه، فقال معاذ: اسمه أبو صرمة، وقال البراء: قيس بن صرمة، وقال الكلبـي: أبو قيس بن صرمة، وقيل: صرمة بن أنس، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب ضعفه فقال: يا رسول الله عملت في النخل نهاري أجمع حتى أمسيت فأتيت أهلي لتطعمني شيئاً فأبطأت فنمت فأيقظوني، وقد حرم الأكل فقام عمر فقال: يا رسول الله أعتذر إليك من مثله. رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء الآخرة، فأتيت امرأتي، فقال عليه الصلاة والسلام: " لم تكن جديراً بذلك يا عمر " ثم قام رجال فاعترفوا بالذي صنعوا فنزل قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ }.

المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»: قرىء { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } أي أحل الله وقرأ عبد الله { الرفوث }.

المسألة الرابعة:قال الواحدي: ليلة الصيام أراد ليالي الصيام فوقع الواحد موقع الجماعة، ومنه قول العباس بن مرادس:فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الأحن الصدور
وأقول فيه وجه آخر وهو أنه ليس المراد من { لَيْلَةَ الصّيَامِ } ليلة واحدة بل المراد الإشارة إلى الليلة المضافة إلى هذه الحقيقة.

المسألة الخامسة: قال الليث: الرفث أصله قول الفحش، وأنشد الزجاج:
ورب أسراب حجيج كقلم ***** عن اللغا ورفث التكلم

يقال رفث في كلامه يرفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح قال تعالى:
{ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ }
[البقرة: 197]

وعن ابن عباس أنه أنشد وهو محرم:

وهن يمشين بنا هميساً ******* أن يصدق الطير ننك لميسا

فقيل له: أترفث؟
فقال: إنما الرفث ما كان عند النساء فثبت أن الأصل في الرفث هو قول الفحش ثم جعل ذلك اسما لما يتكلم به عند النساء من معاني الإفضاء، ثم جعل كناية عن الجماع وعن كل ما يتبعه.

فإن قيل: لم كنى ههنا عن الجماع بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله:
{ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }
[النساء: 21]

{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا }
[الأعراف: 189]

{ أَوْ لَـمَسْتُمُ النّسَاء }
[النساء: 43]

{ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ }
[النساء: 23]

{ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ }
[البقرة: 223]

{ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ }
[البقرة: 236]

{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ }
[النساء: 24]

{ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ }
[البقرة: 222].

جوابه: السبب فيه استهجان ما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم، والله اعلم.

المسألة السادسة: قال الأخفش: إنما عدى الرفث بإلى لتضمنه معنى الإفضاء في قوله:
{ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }
[النساء: 21].

المسألة السابعة: قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } يقتضي حصول الحل في جميع الليل لأن { لَيْلَةَ } نصب على الظرف، وإنما يكون الليل ظرفاً للرفث لو كان الليل كله مشغولا بالرفث، وإلا لكان ظرف ذلك الرفث بعض الليل لاكله، فعلى هذا النسخ حصل بهذا اللفظ، وأما الذي بعده في قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } فذاك يكون كالتأكيد لهذا النسخ، وأما الذي يقول: إن قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ } يفيد حل الرفث في الليل، فهذا القدر لا يقتضي حصول النسخ به فيكون الناسخ هو قوله: { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ }.



أما قوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } فمعناه على قول أبـي مسلم فرجع عليكم بالاذن في هذا الفعل والتوسعة عليكم وعلى قول مثبتي النسخ لا بد فيه من إضمار تقديره: تبتم فتاب عليكم فيه.

أما قوله تعالى: { وَعَفَا عَنكُمْ } فعلى قول أبـي مسلم معناه وسع عليكم أن أباح لكم الأكل والشرب والمعاشرة في كل الليل ولفظ العفو قد يستعمل في التوسعة والتخفيف قال عليه السلام: " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " وقال " أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " والمراد منه التخفيف بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت ويقال: أتاني هذا المال عفوا، أي سهلا فثبت أن لفظ العفو غير مشعر بسبق التحريم، وأما على قول مثبتي النسخ فقوله: { عَفَا عَنْكُمْ } لا بد وأن يكون تقديره: عفا عن ذنوبكم، وهذا مما يقوي أيضاً قول أبـي مسلم لأن تفسيره لا يحتاج إلى الإضمار وتفسير مثبتي النسخ يحتاج إلى الإضمار.



أما قوله تعالى: { فَالئَـنَ بَـشِرُوهُنَّ } ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: هذا أمر وارد عقب الخطر فالذين قالوا: الأمر الوارد عقيب الخطر ليس إلا للإباحة، كلامهم ظاهر وأما الذين قالوا: مطلق الأمر للوجوب قالوا إنما تركنا الظاهر وعرفنا كون هذا الأمر للاباحة بالإجماع.

المسألة الثانية: المباشرة فيها قولان:

أحدهما: وهو قول الجمهور أنها الجماع، سمي بهذا الاسم لتلاصق البشرتين وإنضمامهما، ومنها ما روي أنه عليه السلام نهى أن يباشر الرجل الرجل، والمرأة المرأة

الثاني: وهو قول الأصم: أنه الجماع فما دونه وعلى هذا الوجه اختلف المفسرين في معنى قوله: { وَلاَ تُبَـشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـكِفُونَ فِي الْمَسَـجِدِ } فمنهم من حمله على كل المباشرات ولم يقصره على الجماع والأقرب أن لفظ المباشرة لما كان مشتقاً من تلاصق البشرتين لم يكن مختصاً بالجماع بل يدخل فيه الجماع فيما دون الفرج، وكذا المعانقة والملامسة إلا أنهم إنما اتفقوا في هذه الآية على أن المراد به هو الجماع لأن السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم، ولأن الرفث المتقدم ذكره لا يراد به إلا الجماع إلا أنه لما كان إباحة الجماع تتضمن إباحة ما دونه صارت إباحته دالة على إباحة ما عداه، فصح ههنا حمل الكلام على الجماع فقط، ولما كان في الاعتكاف المنع من الجماع لا يدل على المنع مما دونه صلح اختلاف المفسرين فيه، فهذا هو الذي يجب أن يعتمد عليه، على ما لخصه القاضي.

أما قوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } :

ذكروا في الآية وجوها

أحدها: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل قال عليه السلام: " تناكحوا تناسلوا تكثروا "

وثانيها: أنه نهى عن العزل، وقد رويت الأخبار في كراهية ذلك وقال الشافعي: لا يعزل الرجل عن الحرة إلا بإذنها ولا بأس أن يعزل عن الأمة وروى عاصم عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره العزل، وعن أبـي هريرة أن النبـي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعزل عن الحرة إلا باذنها

وثالثها: أن يكون المعنى: ابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم ونظيره قوله تعالى:
{ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ }
[البقرة: 222]

ورابعها: أن هذا التأكيد تقديره: فالآن باشروهن وابتغوا هذه المباشرة التي كتبها لكم بعد أن كانت محرمة عليكم

وخامسها: وهو على قول أبـي مسلم: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، يعني هذه المباشرة التي كان الله تعالى كتبها لكم وإن كنتم تظنوها محرمة عليكم

وسادسها: أن مباشرة الزوجة قد تحرم في بعض الأوقات بسبب الحيض والنفاس والعدة والردة فقوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني لا تباشروهن إلا في الأحوال والأوقات التي أذن لكم في مباشرتهن

وسابعها: أن قوله: { فَالئَـنَ بَـشِرُوهُنَّ } إذن في المباشرة وقوله: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني لا تبتغوا هذه المباشرة إلا من الزوجة والمملوكة لأن ذلك هو الذي كتب الله لكم بقوله:

{ إِلاَّ عَلَى أَزْوجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُهُمْ }
[المؤمنون: 6]

وثامنها: قال معاذ بن جبل وابن عباس في رواية أبـي الجوزاء: يعني اطلبوا ليلة القدر وما كتب الله لكم من الثواب فيها إن وجدتموها، وجمهور المحققين استبعدوا هذا الوجه، وعندي أنه لا بأس به، وذلك هو أن الإنسان ما دام قلبه مشتغلا بطلب الشهوة واللذة، لا يمكنه حينئذ أن يتفرغ للطاعة والعبودية والحضور، أما إذا قضى وطره وصار فارغاً من طلب الشهوة يمكنه حينئذ أن يتفرغ للعبودية، فتقدير الآية: فالآن باشروهن حتى تتخلصوا من تلك الخواطر المانعة عن الإخلاص في العبودية، وإذا تخلصتم منها فابتغوا ما كتب الله من الاخلاص في العبودية في الصلاة والذكر والتسبيح والتهليل وطلب ليلة القدر، ولا شك أن هذه الرواية على هذا التقدير غير مستبعدة.



أما قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } فالفائدة في ذكرهما أن تحريمهما وتحريم الجماع بالليل بعد النوم، لما تقدم احتيج في إباحة كل واحد منها إلى دليل خاص يزول به التحريم، فلو اقتصر تعالى على قوله: { فَالئَـنَ بَـشِرُوهُنَّ } لم يعلم بذلك زوال تحريم الأكل والشرب، فقرن إلى ذلك قوله: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } لتتم الدلالة على الإباحة.
__________________