لماذا خلقنا الله؟

الجواب

إن الله ما خلق شيئا إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها..
فما خلقنا الله عبثا ولم يتركنا سدى ولم نذهب هملا... قال تعالى: " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) " (المؤمنون).

وقال تعالى : "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) " (الأنبياء).
إن الأسباب التي تظهر لنا لماذا خلقنا الله قليلة جدا ولكنها قوية جدا ، من هذه الأسباب ما يلي:
*خلقنا الله لعبادته وتوحيده بعد أن تعرف عليه وذلك من خلال خلقه ودعوة ورسله وقراءة كتبه ؛ فهو سبحانه أراد أن يُعبد عن أخيار العبد لربه وليس أجبارًا كما كان من الملائكة ، فخلق الإنسانَ والموتَ والحياة ليبلونا في أعمالنا من أحسن عملا؟
فمن عرفه بحب وإيمان وتعظيم فقد أختار الفوز المبين ، ومن أنكر نعم الله عليه وبدلها كفرا كان جزاؤه العقاب المبين...

فهو سبحانه يُحب أن يستغفره العباد ويدعونه ويطلبون منه النصرة والتأيد والعيش السعيد، فإذا أماتهم أحياهم في يوم الوعيد؛ فمن آمن في الدنيا كان له بعد القيامة عيد، قال تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) " (الذاريات).
*خلقنا الله تعالى لنتناسل ونتكاثر ونتعارف ونعرّف أهل الأرض إلى خالقها، ثم نعمر الأرض بالخير والرخاء لأنفسنا وللأجيال القادمة ليكون لهم الحق في عيشة طيبة، فلإنسان في الأرض خليفة الله يخلف بعضهم بعضًا... وهذا يظهر لي من عدة آيات حكيمات منها :
1- قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) " (الحجرات).
2- قوله تعالى: "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) " (هود).
3- قوله تعالى : "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) " (الملك).
*خلقنا الله تعالى كي نتفكر في خلقه وعظمته، فهو عظيم يحق له أن يُعظم وأن يُحمد؛ فحينما يرى الإنسانُ ما يعجزه يخر لله ويسجد...
قال تعالى ":إنّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) " (آل عمران).

وقال تعالى: " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) " (الغاشية).

*خلقنا الله تعالى كي نشكره على نعمه التي لا تحصى، وتفضيلنا على معظم خلقه تفضيلًا ، وتسخير كل ما في الأرض لصالح الإنسان حتى يشكر ربه المنان؛ قال تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) " (يس).
وقال تعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) " (الإسراء).
تنويه هام :إننا نعتقد أن هذه الدنيا ممر قصير إلى دار الخلد أما إلى الجحيم وأما إلى النعيم ، وقد سمى الله الحياة الأخروية في كتابه بالحيوان ، وذلك لما قال: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) " (العنكبوت).
والسؤال هنا : لما سمى الله الدار الآخرة بالحيوان ؟
الجواب : لأن الحيوان لا يعيش إلى عيشة واحدة هي في الدنيا فقط ، فالحية الحقيقية التي يعيشها المؤمن في الجنة هي الحياة الحقيقية حياة الخلد...
والعجيب أن اليهود لا يؤمنون باليوم الآخر مثل يوم القيامة والحساب ودخول الجنة والنار ؛ ولهذا كان الله في كتابه يوبخهم على حبهم لهذه الحياة الدنيا ، وعلى جبنهم وخوفهم من الموت ، وعلى حبهم أن يعيشون في أي حياة ،فهم لا يؤمنون باليوم الآخر ، بل يعتقد البعض منهم أن اليوم الآخر بعد البعث وهو أن يكون في مملكة المسيح المنتظر يقاتل معه وينصر ثم يموت ، والغير مؤمن يُحرم من القيام مع المسيح المنتظر... وهذا بيان أشهر فرقتين لليهود كما يلي:
*الفريسيون: يؤمنون وحدهم بالبعث، ولكن البعث هو اعتقادهم أن المؤمنين الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الأرض ليشتركوا في ملك المسيح المنتظر الذي يزعمون أنه سيأتي لينقذ الناس ويدخلهم في ديانة موسى -عليه السلام-.

*الصدقيون: وهم مثل غيرهم الكثيرين لا تؤمنون بالبعث ولا باليوم الآخر، ويعتقدون أن عقاب العصاة وإثابة المحسنين إنما يكون في حياتهم.
أما بالنسبة إلى العهد القديم فقد خلا من ذكر الجنة والنار، والبعث الحساب ...
بل بين أن الإنسان كالبهيمة كلهما باطل يعيش عيشة واحدة على الأرض، وذلك من قول سليمان –المزعوم- في سفر الجامعة "إصحاح 3 عدد "19 لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي الْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ، وَحَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمْ. مَوْتُ هذَا كَمَوْتِ ذَاكَ، وَنَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ. فَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، لأَنَّ كِلَيْهِمَا بَاطِلٌ".لا تعليق!

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان