تفسير الإنجيل بالقرآن(2)
البشارة بالمسيح
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبى المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم.
فهذه بشارة الإنجيل – بل الأناجيل – بعيسى عليه السلام.
أولا: " كانت أمه مريم مخطوبة لرجل اسمه يوسف ، ولكن قبل أن يتزوجها ، علمت أنها حبلى بقوة الروح القدس " (متى:1-18)
ثانيا : " ها إن العذراء ستحبل وستلد ابنا وسيدعى اسمه عمانوئيل الذى معناه " الله معنا ".(متى :1-23)
ثالثا: " فجاء إليها جبرائيل وقال لها : السلام عليك يا من تميزت ، الرب معك فاضطربت من رسالته هذه وتعجبت ما عسى أن يكون معنى هذه التحية . فقال الملاك لها : لا تخافى يا مريم ، فقد نلت نعمة من الله . وها أنت ستحبلين
وتلدين ابنا وتسميه يسوع . سيكون عظيما ، وسيدعى ابن الله العلى . وسيعطيه الرب عرش أبيه داود . وسيحكم بيت يعقوب إلى الأبد ، ولن ينتهى ملكه أبدا . فقالت مريم للملاك كيف سيحدث هذا ؟ فأنا لم يمسسنى رجل قط فأجابها الملاك : الروح القدس سيحل عليك ، وقوة العلى ستغطيك . لهذا فإن القدوس الذى سيولد منك سيدعى ابن الله واعلمى هذا : ها هى قريبتك أليصابات حبلى بابن رغم شيخوختها . فالمرأة التى يدعونها عاقرًا هى فى شهرها السادس . أذ ليس هناك مستحيل عند الله . فقالت مريم أنا خادمة الرب فليحدث لى كما قلت . فتركها الملاك " (لوقا:1-37:28)
رابعا: " فى البدء كان الكلمة موجودًا ، وكان الكلمة مع الله ، وكان الكلمة هو الله . كان الكلمة مع الله فى البدء . به خلق كل شىء وبدونه لم يخلق شىء مما خلق " (يوحنا:1-4:1)
هذه الأربعة نصوص ، سننظر إليها نظرة متأنية ، محوطة بسياج الحق القرآنى الذى لا ياتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه ، ثم نرجع إلى تفسير علماء النصارى ، لنرى كيف يتعاملون مع النصوص !!
وبصرف النظر عن الاضطراب الشديد فى النص الرابع – مؤقتا – فإن المسيح ولد بالروح القدس ، وبالكلمة ، وسيدعى الله معنا ، ابن الله .
القرآن الكريم يشرح ذلك المشهد بدقة بالغة ، فيقول ربنا عز وجل :{ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [آل عمران:45].
" سُمي كلمة الله لأنه كان بالكلمة من الله، لأن حالته خارجة عن الأسباب، وجعله الله من آياته وعجائب مخلوقاته، فأرسل الله جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ في جيب درعها فولجت فيها تلك النفخة الذكية من ذلك الملك الزكي، فأنشأ الله منها تلك الروح الزكية، فكان روحانيا نشأ من مادة روحانية، فلهذا سمى روح الله".
( تفسير تيسير الكريم الرحمن 1/148)
وإليك آية أخرى تزيد الأمر بيانا ، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ } [ النساء:171]
" قوله تعالى : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }. ليست لفظة من في هذه الآية للتبعيض ، كما يزعمه النصارى افتراء على الله ، ولكن من هنا لابتداء الغاية ، يعني أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حياً من الله تعالى . لأنه هو الذي أحياه به ، ويدل على أن من هنا لابتداء الغاية .
قوله تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ }
[الجاثية: 13] أي : كائناً مبدأ ذلك كله منه جلَّ وعلا ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب أنه قال : « خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردها إلى صلب آدم ، وأمسك عنده روح عيسى عليه الصلاة والسلام . فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم ، فكان منه عيسى عليه السلام » وهذه الإضافة للتفضيل . لأن جميع الأرواح من خلقه جل وعلا كقوله : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِين } [الحج:26] . وقوله : { نَاقَةُ الله } [الأعراف: 73] الآية ".(تفسير أضواء البيان)
قال لى بعض النصارى : المسيح روح الله ، أى من جنسه ، والقرآن قال ذلك {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:91].
فأخذت قلمى وأعطيته له ، وقلت له خذ هذا القلم منى ، هل فهمت شيئا ؟
قلت: أنا فلان من البشر ، وهذا القلم منى ، هل يعنى هذا أن يكون القلم بشرًا ، أو من جنسى ، أو جزء منى ، أو أننى وهو شىء واحد ؟؟؟
ومع ذلك ، فالله قال فى آدم : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29] ، فهل يكون آدم إله أيضا؟!!
إنهم يكذبون عليكم ، بالتفسير الخاطىء للقرآن الكريم.
فى النص الثانى :أن المولود سيدعى " الله معنا ".
وكلمة " الله معنا" جملة مفيدة ، وليست اسما لأحد ؟!!
والأسماء الواردة بعد ذلك فى الأناجيل الأربعة إلى آخرها ، إنما تذكر أحد أربعة أسماء : المسيح ، أو يسوع ، أو ابن الله ، أو ابن الإنسان فقط.
وهل الأجيال التى كانت قبل ميلاد المسيح ، لم يكن الله معها ؟
موسى وهارون عليهما السلام عندما عندما ذهبا إلى فرعون ،قال الله لهما: { لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه:46].
فهل كان المسيح مع موسى وهارون عند فرعون ؟!!
وقد يتصل بالهاتف رجل من نصارى مصر بصاحبه فى أمريكا ، فيقول له من معى ، فيقول معك فلان ، إنما يُقصد بالمعية هنا أنه معك بسمعه ، فهو يسمعك على الهاتف .
أما المعية المذكورة فى نص الإنجيل المشار إليه ، فيقصد بها المعية بالتواصل عن طريق الوحى ، وكذا رعاية المولى عز وجل لنبيه والمؤمنين معه.
ومن هذه المعيى ، التى يقصد بها الحماية والرعاية ، ما جاء فى النص الثالث:
فى شأن السيدة مريم " وقوة العلى ستغطيك " والتغطية هنا للحماية والوقاية
كما تغطى كوب الماء ، لحمايته من الغبار ، وذلك حتى لا يفتك بها السفهاء بسبب حملها ، بغير زواج معروف.
وفى النص الثالث أيضا : " الروح القدس سيحل عليك " أو الروح الطاهرة التى يخلق منها المسيح عليه السلام ، لذلك قال :" سيحل " أى ستدخل الروح رحم السيدة مريم ، ليحيا بها المسيح .
لمحة لطيفة ، أن السيدة مريم تتعجب من حملها ، بقولها
" لم يمسسنى رجل " ولو فهمت من البشارة أن ستكون حامل فى " إله " ما ذكرت مس الرجل ، لأنها تعرف أن مسها إله ؟!!
ثم يبدوا أيضا أن جبريل نفسه لم يعرف شيئا عن كونها ستلد إلها ،حيث يزيل عنها التعجب ، بمقارنتها بأليصابات ، التى ولدت وهى عاقر ، فيقارن حمل السيدة مريم بحمل بشرى ، لمولود ، ليس بإله ، جبريل إذا لم يبشرها بما لم يعرفه ما هو ؟!!
نعوذ بالله من العمى .
النصارى عرفوا من حمل مريم ما لم تعرفه هى عن نفسها ، ولا عرفه جبريل !!
بقى معنا فى النص الثالث : " وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع . سيكون عظيما ، وسيدعى ابن الله العلى " .
هذا النص فيه بيان ، مع ما سبق ، عن سبب وصف المسيح بأنه " ابن الله " .
سبب ذلك طهارة روحه ، وعظمة أخلاقه ، وإيمانه بالله .
فالبنوة هنا بنوة معنوية ، تعنى أنه تربى على ما يحبه الله عز وجل.
ومعلوم أن المعلم فى المدرسة ، يقول عن تلاميذه : هؤلاء أبنائى وبناتى .
وما ذاك إلا لكونه يربيهم ، ويعلمهم .
فإذا هم عصوه ، أو لم يكونوا بالمستوى الائق ، يقول لهم ، أنتم لستم أبنائى.
بل تجد الوالد كثيرا ما يقول لابنه إذا أساء الأدب ، أنت لست من أبنائى ، ولا أنا أبوك ، يقع هذا كثيرا ، والكل يعرف أنه أبوه ، وإنما يقصد بنوة التربية ، أى أنه لم يربه على العمل السيئ .
وفى الإنجيل دليل ذلك ، ومنه ، قول المسيح عليه السلام :
" فتكون مكافأتكم عظيمة ، وتكونون أبناء الله العلى "(لوقا: 35:6)
" يا أولاد الأفاعي ، كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار "
(متى:12- 34).
فوصف أهل الطاعة ، بأنهم أبناء الله ، ووصف اليهود ، بأبناء الأفاعى .
وبالطبع هم أبناء اليهود ، لا أبناء أفاعى .
ومثال ذلك فى القرآن الكريم : قوله تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ...} [المائدة:18]
فقد نسب اليهود والنصارى بنوتهم لله سبحانه ، وهى بالطبع بنوة معنوية ، وقد نفاها عنهم ، بسبب عصيانهم فقط ، كأنه يقول : أنتم أبنائى ، لو أنكم من أهل طاعتى .
أما النص الرابع : ولما فيه من اضطراب ، وحاجة إلى سعة بيان ، سنتوقف عنده على أن نلتقى قريبا ، بإذن الله .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه / سعيد رمضان على صالح