ملكي-صادق في الأدب الأبوكريفي للعهد الجديد والكتابات الغنوسية
سفر أخنوخ الثاني (سفر أخنوخ السلافي ويدعي أيضاً كتاب أسرار أخنوخ)[62]:يقدم سفر أخنوخ الثاني ملكي-صادق على أنه إستمرار لنسل كهنوتي يأتي من متوشالح إلي الإبن الثاني للامك: نير (شقيق نوح) حتي يصل التسلسل إلي ملكي-صادق حفيد لامك[63] (2أخنوخ 71) [64]. ملكي-صادق هنا مولود ولادة معجزية من الأم Sothonim والأب Nir (2اخنوخ 71) بكلمة الله (2أخنوخ 71)، وإذ الله يكشف للأب Nir أَنَّ هذا الطفلِ سَيُؤْخَذُ بواسطة رئيس الملائكة ميخائيل إلى الفردوس ثم بعد الطوفان يُصبح رئيسَ كُلّ الكهنة إلى الأبد (2أخنوخ 71).


رسالة (مقال) ملكي-صادق Melchizede Tractate (NHC IX 1): هو أحد نصوص مكتبة نجع حمادي، وهو نص رؤيوي عنوانه يفيد الإيحاء بشخصية العهد القديم[65]،فيه ملكي-صادق هو أحد البطاركة (الأباء) كملاك رئيس ونموذج مثالي مستقبلي (المحارب الإلهي والكاهن الأكبر الأخروي)[66].هذا التصوير وعلى نحو مُدهش مشابه لنصوص قمران، مع إختلاف هام جداً: أن ملكي-صادق والسيد المسيح هم نفس الشخص[67].


كتابات يو The Books of Jeu : هو مجموعة نصوص غنوسية (لكنها ليست جزء من مكتبة نجع حمادي)، فيه يَصلّي السيد المسيح إلى الأبِّ لأجل "Zorokothora Melchizedek "لكي يَجْلبُ ماءَ المعمودية الناري مِنْ عذراء الضوء" (من المفترض أنها مياه سماوية للمعمودية) (الكتاب الثاني 46:42)[68]، ويفعل ملكي-صادق ذلك مثله. ملكي-صادق كائن سماوي مع وظيفة كهنوتية، كأبّ سامي وكاهن سماوي (لكن بدون محتوى أخرويِ). يَبْدو لقبه Zorokothora مرتبطاً بتعاليم غنوسية سحرية[69].


بستيس صوفيا [70]Pistis Sophia: مخطوط غنوسي آخر وجد خارج مجموعة نجع حمادي يرجع تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو يتضمّن مجموعة من الحوارات بين السيد المسيح وتلاميذه من الرجال والنساء[71]. ملكي-صادق في هذا النص هو كائن سماوي عمله هو جمع الذراتَ الخفيفة النقية من الكون وإيداعها في خزانة الضوء. في الكتاب 4 من بستيس صوفيا، Zorokothora Melchizedek عِنْدَه نزاعات مع الأراكنة (إنبثاقات)، التي تُحطّمُ أرواح بقدر ما تستطيع، وبإلهةِ العالم السفلي Hekate، التي تحتجز الأرواح سجينة في عالمها. في هذا النص، كُلّ آثار ملكي-صادق التوراتية وكُلّ العناصر الأخروية قد إختفت. هو الآن ملاك رئيسي، ربما يحمل آثار الكاهن السماوي والمحارب القدسي[72]، ( رج الفصول 25، 26، 86، 112، 128، 129، 131، 139، 140 من بستيس صوفيا).


ملكي-صادق في كتابات الأباء والتقليد المسيحي
هيبوليتيس الروماني[73](The Refutation of all Heresies7.34)[74] وأبيفانيوس أسقف سلاميس (Panarion55) هم الشهود الأكثر أهمية لجماعة من الهراطقة تُدعى "الملكي-صاديقيين Melchizedekians" وضعوا ملكي-صادق كقوة سماوية أعلى من المسيح وساوى بعضهم ملكي-صادق بالروح القدس[75].
مار إفرام السرياني (306-373م)في تفسيره لسفر التكوين (Commentary on Genesis 11.2)إعتبر ملكي-صادق كسام إبن نوح[76].
كبريانوس الشهيد (Epistle 62.4)، وجيروم (On Psalms Homily 36) رأوا أن ملكي-صادق هو السيد المسيح في أحد ظهوراته في العهد القديم[77] Theophania.
أمبروسيوس أسقف ميلان (Homily on Christian faith 3.88) رأى أن ملكي-صادق شخصية تاريخية وملك على ساليم وكاهن لله العلي[78].
هناك تفسير عربي قديم Arabic Catena (ترجمة للإنجليزية شخص يٌدعى George of Oxford) يشير إلي أن ملكي-صادق هو إبن هيراكليم بن فالق بن جومر بن يافث بن نوح، وإسم أمه سالاتئيل[79].
يوستينوس الشهيد قال أن ملكي-صادق الكاهن الغير مختتن بارك إبراهيم المختتن[80]، ملكي-صادق بالنسبة له شخصية حقيقية، ترتليان قدم نفس الرأي أيضاً[81].
ثاؤفيلس الأنطاكي قال أن ملكي-صادق كان أول كاهن أول الكهنوت العالمي[82].


ملكي-صادق في العهد الجديد
بالرغم من شمولية وإتساع العهد الجديد، إلا أن كاتب العبرانين فقط هو الذي يهتم بالشخصية المبهمة لملكي-صادق[83] (عب 10:5، 20:6، 7)، فهو –كما يقول فيرلين د. فيربروج- "يرى فيه إشارة للمسيا الذي يتميز شخصه وخدمته بالبر والسلام"[84].
وهو يرى فيه أيضاً ككاهن أممي إشارة إلي الكاهن العالي المسياني الذي يمارس كهنوتاً عن كل العالم فهو متفوق على الكهنة اللاويين الذين مارسوا الكهنوت عن الشعب اليهودي فقط، ليتمد ويصبح كهنوتاً عالمياً يشتمل الأمم واليهود.
"حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائرا على رتبة ملكي صادق، رئيس كهنة إلى الأبد" (عب 20:6) أي حيث دخل يسوع ليس كاهناً فقط عن الشعب الإسرائيلي بل كاهناً لكل الأمم أيضاً على رتبة ملكي-صادق الكاهن الأممي الذي كهن أمام الله لأجل إٌناس بالتأكيد هم غير يهود.
هذا المفهوم اللاهوتي تؤيده كلمة "رتبة τάξις"، فهي قد تعني "طبيعة أو إسلوب" (وليس بالضرورة إشارةَ إلى أيّ رتبة أَو موقع أعلى)[85] أي "بحسب طبيعة ملكي-صادق"[86] أو "على إسلوب (نمط) كهنوت ملكي-صادق"[87].
و بالنسبة لكاتب العبرانيين ملكي-صادق شخصية حقيقية، فهو يحكي عنه كشخصية حقيقية ظهرت في التاريخ وباركت إبراهيم، كما أنه يضع فرقاً بينه وبين المسيح، فهو ليس المسيح لكن المسيح جاء على "رتبته".
- لكن ماذا يعني أن ملكي-صادق هو "بلا أب بلا أم بلا نسب" (عب 3:7)، الترجمة السريانية تترجم هذا النص هكذا: " الذي أباه وأمه لَمْ يُكْتَبا بين الأنساب؛ ولذا لم يكن معروفاً مَنْ هو"[88]، وكذلك الترجمة العربية المسماه الإنجيل الشريف نقلتها أيضاً هكذا: "ونحنلانعرفشيئاعنأبيهأوأمهأونسبهأوبدايةحياتهأونهايتها"[89].
- "لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة... هذا يبقى كاهنا إلى الأبد" (عب 7:3) لا يضع كاتب العبرانيين حداً زمنياً لكهنوت ملكي-صادق، وهي صفة تميزه عن كهنوت اللاويين الذين كان ينتهي كهنوتهم بموتهم (عد 24:20-28)[90]، الأمر ليس متعلقاً بملكي-صادق كشخص، بل متعلق بالكهنوت، في الكهنوت اللاوي كان تحديد عمر الكاهن مهماً جداً لذا كان لا يمكن للكاهن أن يبدأ خدمته إلا عند بلوغ الخامسة والعشرون وعليه أن يتقاعد عند بلوغ سن الخمسين (رج عدد 1:4-3،22-23، 35، 43،، 24:8-25)، كذلك نسب الكاهن أيضاً كان مهماً.



خلاصة
هل يمكن أن يكون ملكي-صادق هو سام إبن نوح؟ الشئ المؤكد هو أن ملكي-صادق هو شخصية تاريخية بشرية، وليس ظهور إلهي. لكن ربما كان الإسم "ملكي-صادق" هو مجرد لقب.
هل كان ملكي-صادق كاهناً؟ ربما لم يكن كاهناً بالمعني المفهوم، فكلمة "כּהן" ربما تحمل معني " مستشار له ثقة confidential advisor"[91]، أي حكيم أو شخص يُرجع له عند المشورة، وربما أيضاً تحمل إشارة لشخص مسؤل عن الأمور المقدسة أي تقديم الذبائح[92] (ولهذا أمر ربما دعاه الوحي كاهناً) وهو المفهوم الذي نظر إليه كاتب العبرانيين في معرض حديثه عن ملكي-صادق والمسيح.
لكن كيف عرف ملكي-صادق بأمر الذبائح؟ أمر أكيد أنه منحدر من نوح وقد توارث الأمر، لكن هل له علاقة بسام؟ لا يوجد ما يمنع أن يكون إبناً لسام أو يكون نفسه هو سام خاصة أن حساب الأعمار الكتابية يجعل سام معاصراً لعصر إبراهيم، لاحظ أيضاً التشابه الكبير بين بركة سام في (تك26:9) وبركة ملكي-صادق في (تك19:14) لكن الأمر لازال مستبعداً لصمت سفر التكوين عن ذكر أي علاقة بسام، خاصة أن نسب سام قد ذكر في (تك 22:10).
من الناحية اللاهوتية، ما يبدو أكثر منطقية وقبولاً هو ان ملكي-صادق كان –كما يقول هايدوك- أممي طاهر عَشَقَ الله الحقيقي[93]، ولهذا الأمر صداه اللاهوتي، فالمسيح جاء كاهناً نيابة عن كل إنسان ليس عن رتبة هارون ليس عن اليهود فقط بل حتى عن الأمم، عن الإنسانية كلها لذا فهو جاء على رتبة ملكي-صادق المؤمن الأممي، فكما ذكرنا من قبل وكما رأى فيه كاتب العبرانيين هو كاهن أممي يرمز للكاهن العالي المسياني الذي يمارس كهنوتاً عن كل الأمم فهو متفوق على كهنوت اللاويين الذي كان عن الشعب اليهودي فقط، فهو كهنوت عالمي. ربما أيضاً لهذا تكلم عنه كاتب العبرانيين أنه بلا أب بلا أم بلا نسب، فليس مهماً إذ كان ذو نسل يهودي أم لا، لكنه كان عابداً وخادماً للإله الحقيقي وهذا هو المهم.