سورة الإسراء تفسير الطبري الآية 23
۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۢ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًۭا كَرِيمًۭا ﴿٢٣﴾

سورة الإسراء تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره حَكَمَ رَبّك يَا مُحَمَّد بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَد غَيْره . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { وَقَضَى رَبّك } وَإِنْ كَانَ مَعْنَى جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا . ذَكَرَ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ : 16752 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } يَقُول : أَمَرَ . 16753 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن سَلَّام , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى الْحَسَن , فَقَالَ : إِنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا , فَقَالَ : إِنْ عَصَيْت رَبّك , وَبَانَتْ مِنْك اِمْرَأَتك , فَقَالَ الرَّجُل : قَضَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيَّ , قَالَ الْحَسَن , وَكَانَ فَصِيحًا : مَا قَضَى اللَّه : أَيْ مَا أَمَرَ اللَّه , وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } فَقَالَ النَّاس : تَكَلَّمَ الْحَسَن فِي الْقَدَر . 16754 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } : أَيْ أَمَرَ رَبّك فِي أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ , فَهَذَا قَضَاء اللَّه الْعَاجِل , وَكَانَ يُقَال فِي بَعْض الْحِكْمَة : مَنْ أَرْضَى وَالِدَيْهِ : أَرْضَى خَالِقه , وَمَنْ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ , فَقَدْ أَسْخَطَ رَبّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ , وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : " وَصَّى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " . 16755 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا نُصَيْر بْن أَبِي الْأَشْعَث , قَالَ : ثني اِبْن حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَعْطَانِي اِبْن عَبَّاس مُصْحَفًا , فَقَالَ : هَذَا عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ أَبُو كُرَيْب : قَالَ يَحْيَى : رَأَيْت الْمُصْحَف عِنْد نُصَيْر فِيهِ : " وَوَصَّى رَبّك " يَعْنِي : وَقَضَى رَبّك . 16756 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : وَأَوْصَى رَبّك . 16757 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . 16758 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " وَوَصَّى رَبّك " وَقَالَ : إِنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْوَاو بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا .



وَقَوْله : { وَبِالْوَالِدِينَ إِحْسَانًا } يَقُول : وَأَمَرَكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمَا وَتَبَرُّوهُمَا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَأَمَرَكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ ; فَلَمَّا حُذِفَتْ " أَنْ " تَعَلَّقَ الْقَضَاء بِالْإِحْسَانِ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : آمُرك بِهِ خَيْرًا , وَأُوصِيك بِهِ خَيْرًا , بِمَعْنَى : آمُرك أَنْ تَفْعَل بِهِ خَيْرًا , ثُمَّ تَحْذِف " أَنْ " فَيَتَعَلَّق الْأَمْر وَالْوَصِيَّة بِالْخَيْرِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : عَجِبْت مِنْ دَهْمَاء إِذْ تَشْكُونَا وَمِنْ أَبِي دَهْمَاء إِذْ يُوصِينَا خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافُونَا وَعَمِلَ يُوصِينَا فِي الْخَيْر .



وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { إِمَّا يَبْلُغَن } عَلَى التَّوْحِيد عَلَى تَوْجِيه ذَلِكَ إِلَى أَحَدهمَا لِأَنَّ أَحَدهمَا وَاحِد , فَوَحَّدُوا { يَبْلُغَن } لِتَوْحِيدِهِ , وَجَعَلُوا قَوْله { أَوْ كِلَاهُمَا } مَعْطُوفًا عَلَى الْأَحَد . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ " إِمَّا يَبْلُغَانِّ " عَلَى التَّثْنِيَة وَكَسْر النُّون وَتَشْدِيدهَا , وَقَالُوا : قَدْ ذُكِرَ الْوَالِدَانِ قَبْل , وَقَوْله : " يَبْلُغَانِّ " خَبَر عَنْهُمَا بَعْد مَا قَدَّمَ أَسْمَاءَهُمَا . قَالُوا : وَالْفِعْل إِذَا جَاءَ بَعْد الِاسْم كَانَ الْكَلَام أَنْ يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ اِثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَة . قَالُوا : وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ اِثْنَيْنِ فِي الْفِعْل الْمُسْتَقْبَل الْأَلِف وَالنُّون . قَالُوا : وَقَوْله { أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } كَلَام مُسْتَأْنَف , كَمَا قِيلَ : { فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } 5 71 وَكَقَوْلِهِ { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } 21 3 ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ { الَّذِينَ ظَلَمُوا } 21 3 وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ { إِمَّا يَبْلُغَن } عَلَى التَّوْحِيد عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ أَحَدهمَا , لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ الْأَمْر بِالْإِحْسَانِ فِي الْوَالِدَيْنِ , قَدْ تَنَاهَى عِنْد قَوْله { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ثُمَّ اِبْتَدَأَ قَوْله { إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا }



وَقَوْله : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ } يَقُول : فَلَا تُؤَفِّف مِنْ شَيْء تَرَاهُ مِنْ أَحَدهمَا أَوْ مِنْهُمَا مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاس , وَلَكِنْ اِصْبِرْ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمَا , وَاحْتَسِبْ فِي الْأَجْر صَبْرك عَلَيْهِ مِنْهُمَا , كَمَا صَبَرَا عَلَيْك فِي صِغَرك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16759 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرهُمَا } قَالَ : إِنْ بَلَغَا عِنْدك مِنْ الْكِبَر مَا يَبُولَانِ وَيَخْرَآنِ , فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ تُقَذِّرهُمَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدك الْكِبَر فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ حِين تَرَى الْأَذَى , وَتُمِيط عَنْهُمَا الْخَلَاء وَالْبَوْل , كَمَا كَانَا يُمِيطَانِهِ عَنْك صَغِيرًا , وَلَا تُؤْذِهِمَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى " أُفّ " , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كُلّ مَا غَلُظَ مِنْ الْكَلَام وَقَبُحَ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْأُفّ : وَسَخ الْأَظْفَار وَالتَّفّ كُلّ مَا رَفَعْت بِيَدِك مِنْ الْأَرْض مِنْ شَيْء حَقِير . وَلِلْعَرَبِ فِي " أُفّ " لُغَات سِتّ : رَفْعهَا بِالتَّنْوِينِ وَغَيْر التَّنْوِين وَخَفْضهَا كَذَلِكَ وَنَصْبهَا ; فَمَنْ خَفَضَ ذَلِكَ بِالتَّنْوِينِ , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة . شَبَّهَهَا بِالْأَصْوَاتِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا , كَقَوْلِهِمْ فِي حِكَايَة الصَّوْت غَاق غَاق , فَخَفَضُوا الْقَاف وَنَوَّنُوهَا , وَكَانَ حُكْمهَا السُّكُون , فَإِنَّهُ لَا شَيْء يُعْرِبهَا مِنْ أَجْل مَجِيئِهَا بَعْد حَرْف سَاكِن وَهُوَ الْأَلِف , فَكَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْن سَاكِنَيْنِ , فَحَرَّكُوا إِلَى أَقْرَب الْحَرَكَات مِنْ السُّكُون , وَذَلِكَ الْكَسْر , لِأَنَّ الْمَجْزُوم إِذَا حُرِّكَ , فَإِنَّمَا يُحَرَّك إِلَى الْكَسْر . وَأَمَّا الَّذِينَ خَفَضُوا بِغَيْرِ تَنْوِين , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا يُدْخِلُونَ التَّنْوِين فِيمَا جَاءَ مِنْ الْأَصْوَات نَاقِصًا , كَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْل : مَهْ وَصَهْ وَبَخْ , فَيُتَمَّم بِالتَّنْوِينِ لِنُقْصَانِهِ عَنْ أَبْنِيَة الْأَسْمَاء . قَالُوا : وَأُفّ تَامّ لَا حَاجَة بِمَا إِلَى تَتِمَّته بِغَيْرِهِ , لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف . قَالُوا : وَإِنَّمَا كَسَرْنَا الْفَاء الثَّانِيَة لِئَلَّا نَجْمَع بَيْن سَاكِنَيْنِ . وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ وَنَوَّنَ , فَإِنَّهُ قَالَ : هُوَ اِسْم كَسَائِرِ الْأَسْمَاء الَّتِي تُعْرَب وَلَيْسَ بِصَوْتٍ , وَعَدَلَ بِهِ عَنْ الْأَصْوَات . وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَنْوِين , فَإِنَّهُ قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِاسْمٍ مُتَمَكِّن فَيُعْرَب بِإِعْرَابِ الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة , وَقَالُوا : نَضُمّهُ كَمَا نَضُمّ قَوْله { لِلَّهِ الْأَمْر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد } , 30 4 وَكَمَا نَضُمّ الِاسْم فِي النِّدَاء الْمُفْرَد , فَنَقُول : يَا زَيْد . وَمَنْ نَصَبَهُ بِغَيْرِ تَنْوِين , وَهُوَ قِرَاءَة بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَأَهْل الشَّام فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِقَوْلِهِمْ : مَدَّ يَا هَذَا وَرَدَّ . وَمَنْ نَصَبَ بِالتَّنْوِينِ , فَإِنَّهُ أَعْمَلَ الْفِعْل فِيهِ , وَجَعَلَهُ اِسْمًا صَحِيحًا , فَيَقُول : مَا قُلْت لَهُ : أُفًّا وَلَا تَفًّا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : قُرِئَتْ : أُفّ , وَأُفًّا لُغَة جَعَلُوهَا مِثْل نَعْتهَا . وَقَرَأَ بَعْضهمْ " أُفّ " , وَذَلِكَ أَنَّ بَعْض الْعَرَب يَقُول : " أُفّ لَك " عَلَى الْحِكَايَة : أَيْ لَا تَقُلْ لَهُمَا هَذَا الْقَوْل . قَالَ : وَالرَّفْع قَبِيح , لِأَنَّهُ لَمْ يَجِيء بَعْده بِلَامٍ , وَاَلَّذِينَ قَالُوا : " أُفّ " فَكَسَرُوا كَثِير , وَهُوَ أَجْوَد . وَكَسَرَ بَعْضهمْ وَنَوَّنَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : " أَفِي " , كَأَنَّهُ أَضَافَ هَذَا الْقَوْل إِلَى نَفْسه , فَقَالَ : أَفِي هَذَا لَكُمَا , وَالْمَكْسُور مِنْ هَذَا مُنَوَّن وَغَيْر مُنَوَّن عَلَى أَنَّهُ اِسْم غَيْر مُتَمَكِّن , نَحْو أَمْس وَمَا أَشْبَهَهُ , وَالْمَفْتُوح بِغَيْرِ تَنْوِين كَذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : كُلّ هَذِهِ الْحَرَكَات السِّتّ تَدْخُل فِي " أُفّ " حِكَايَة تُشَبَّه بِالِاسْمِ مَرَّة وَبِالصَّوْتِ أُخْرَى . قَالَ : وَأَكْثَر مَا تُكْسَر الْأَصْوَات بِالتَّنْوِينِ إِذَا كَانَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْل صَهْ وَمَهْ وَبَخْ . وَإِذَا كَانَتْ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف شُبِّهَتْ بِالْأَدَوَاتِ " أَفَّ " مِثْل : لَيْتَ وَمَدَّ , وَأُفّ مِثْل مُدَّ يُشَبَّه بِالْأَدَوَاتِ . وَإِذَا قَالَ أَفَّ مِثْل صَهَّ . وَقَالُوا سَمِعْت مِضِّ يَا هَذَا وَمِضُّ . وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت " مَا عَلَّمَك أَهْلك إِلَّا مِضِّ وَمِضُّ " , وَهَذَا كَأُفِّ وَأُفّ . وَمَنْ قَالَ : " أُفًّا " جَعَلَهُ مِثْل سُحْقًا وَبُعْدًا . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ عِنْدِي فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ " بِكَسْرِ الْفَاء بِغَيْرِ تَنْوِين لِعِلَّتَيْنِ ; إِحْدَاهُمَا : أَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَات فِيهَا وَأَفْصَحهَا عِنْد الْعَرَب ; وَالثَّانِيَة : أَنَّ حَظّ كُلّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعْرَب مِنْ الْكَلَام السُّكُون ; فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَكَانَتْ الْفَاء فِي أُفّ حَظّهَا الْوُقُوف , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ فِيهِ , وَكَانَ حُكْم السَّاكِن إِذَا حُرِّكَ أَنْ يُحَرَّك إِلَى الْكَسْر حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْر , كَمَا قِيلَ : مُدِّ وَشُدِّ وَرُدِّ الْبَاب .



وَقَوْله : { وَلَا تَنْهَرهُمَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَزْجُرهُمَا . كَمَا : 16760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا وَاصِل الرُّقَاشِيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فِي قَوْله : { وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرهُمَا } قَالَ : لَا تَنْفُض يَدك عَلَى وَالِدَيْك . يُقَال مِنْهُ : نَهَرَهُ يَنْهَرهُ نَهَرًا , وَانْتَهَرَهُ يَنْتَهِرهُ اِنْتِهَارًا .



وَأَمَّا قَوْله : { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا جَمِيلًا حَسَنًا . كَمَا : 16761 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } قَالَ : أَحْسَن مَا تَجِد مِنْ الْقَوْل . 16762 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخْتَار , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب { قَوْلًا كَرِيمًا } قَالَا : لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء يُرِيدَانِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْحَدِيث خَطَأ , أَعْنِي حَدِيث هِشَام بْن عُرْوَة , إِنَّمَا هُوَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , لَيْسَ فِيهِ عُمَر , حَدَّثَ عَنْ اِبْن عُلَيَّة وَغَيْره , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخْتَار . 16763 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } : أَيْ قَوْلًا لَيِّنًا سَهْلًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 16764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني حَرْمَلَة بْن عِمْرَان , عَنْ أَبِي الْهَدَّاج التَّجِيبِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيَّب : كُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآن مِنْ بِرّ الْوَالِدَيْنِ , فَقَدْ عَرَفْته , إِلَّا قَوْله { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } مَا هَذَا الْقَوْل الْكَرِيم ؟ فَقَالَ اِبْن الْمُسَيَّب : قَوْل الْعَبْد الْمُذْنِب لِلسَّيِّدِ الْفَظّ .