
-
سيماهم في و جوههم
أحكام القرآن لابن العربي
سُورَةُ الْفَتْحِ
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارُ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: يَعْنِي عَلَامَتَهُمْ، وَهِيَ سِيمَا وَسِيمَيَا، وَفِي الْحَدِيثِ {قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِغَيْرِكُمْ مِنْ الْأُمَمِ؛ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.} رَوَيْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: فِي تَأْوِيلِهَا: وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. الثَّانِي: ثَرَى الْأَرْضِ؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثَّالِثُ تَبْدُو صَلَاتُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الرَّابِعُ أَنَّهُ السَّمْتُ الْحَسَنُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ. الْخَامِسُ أَنَّهُ الْخُشُوعُ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. السَّادِسُ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ أَصْبَحَ وَجْهُهُ مُصْفَرًّا؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ. وَدَسَّهُ قَوْمٌ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ، وَلَيْسَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ ذِكْرٌ بِحَرْفٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِجِبَاهِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ؛ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ صَبِيحَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدُ، وَكَانَ عَلَى عَرِيشٍ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ}. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ أَثَرِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ آثَارَ السُّجُودِ}. وَقَدْ رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ الْخُشُوعُ. قُلْت: هُوَ أَثَرُ السُّجُودِ، فَقَالَ: إنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِثْلَ رُكْبَةِ الْعَنْزِ، وَهُوَ كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ إلَّا كَانَ عَلَى وَجْهِهِ نَضْرَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :{نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا} الْحَدِيثَ.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات