
-
-
ومن هذه النافذة سوف أسرد لكم بعض الآراء حول حقيقة القرءان والقراءات؛ هل هما حقيقتان متغايرتان أو بمعنى واحد؟.
يحاول الشيخ الزركشي
أن يجعل القرآن والقراءات حقيقتين متغايرتين، حيث يقول : " واعلم أن القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها؛ من تخفيف وتثقيل وغيرها"( البرهان في علوم القرآن، الزركشي، جـ1، ص : 318.)
غير أن الدكتور محمد سالم محيسن يرد على الشيخ الزركشي ويقول : " وأرى أن كلا من القرآن والقراءات، حقيقتان بمعنى واحد، يتضح ذلك بجلاءٍ من خلال تعريف كلٌّ منهما، ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول القراءات …"( المغني ، محمد محيسن سالم، جـ 1، ص : 47.) ثم يورد حديث "أضاءة بني غَفَّار"( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاءَةَ بَنِي غِفَارٍ قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَالَ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَأُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا).( في صحيح مسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب : 2/ 103.مشكول ، ط: مكتبة ومطبعة محمد صبيح وأولاده، بميدان الأزهر، التاريخ[بدون].
انظر القراءات القرآنية المتواترة وأعلامها، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ نقلا عن : إتحاف فضلاء البشر، لأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي : 1/9 هامش، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ط1، عالم الكتب، 1987م.).
أما الدكتور شعبان محمد إسماعيل فقد حاول التوفيق بين الرأيين، حيث ذهب مذهباً وسطاً، فقال إن القرآن والقراءات ليس بينهما تغاير تام، ولا اتحاد تام، بل بينهما ارتباطٌ وثيق، ارتباط الجزء بالكل، فالقراءات هي اختلاف القراء في بعض القرآن، بينما القرآن يشمل مواطن الاختلاف وغيرها، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ (انظر القراءات القرآنية المتواترة وأعلامها، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ نقلا عن : إتحاف فضلاء البشر، لأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي : 1/9 هامش، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ط1، عالم الكتب، 1987م.).
في هذه الأمواج، إن سلمنا بأن القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان على حد قول الإمام الزركشي، فإننا نفتح بذلك باب الطعن في القراءات المتواترة التي يجب اعتقاد قرآنيتها.
وإن أطلقنا أن القرءان والقراءات – بدون قيد – حقيقتان بمعنى واحد على رأي الدكتور محمد سالم محيسن، نوشك أن نعتقد بقرآنية ما ليس بقرآن، وهي القراءات الشاذة.
وإن قلنا برأي الدكتور شعبان محمد إسماعيل ( بين بين ) بقينا في مشكلة العموم والخصوص : وذلك لا يزيل هذا الخلاف الوهمي بين مختلف الآراء : إذاً فلابد من التقييد الفارق بين العبارتين :
أ – " القرءان والقراءات المتواترة حقيقتان بمعنى واحد.
ب – " القرءان والقراءات حقيقتان متغايرتان".
لنخرج بنتيجة هي : أن القرءان والقراءات المتواترة بمعنى واحد من حيث إن كل قراءة منهما يصدق عليها قرءان، فكما تسمى قراءةَ ، كذلك تسمى قرآناَ، وعليه فلا بد من تقييد (القراءات) بالتواتر التي أجمعت الأمة على التلقِّي لها بالقبول باعتبارها قرآناً، وأما ما شذ منها فليس بقرآنٍ إجماعاً ( القراءات القرآنية المتواترة ، الشيخ عبد الحكيم أبي زيان، ص : 18/ وانظر : إعجاز القراءات القرآنية، للأستاذ صبري الأشوح، ص : 18، ط1، مكتبة وهبة، القاهرة، 1419هـ – 1998م، وقد قال عبارة " كل القراءات المتواترة قرآن، وبعض القرآن قراءاتٌ متواترةٌ" والظاهر أن في قوله هذا نظراً، لأنه يرجعنا إلى مشكلة العموم والخصوص مرة أخرى ؟).
وليس أدلُّ على ذلك من أن هذه القراءات المتواترة – وهي عشرةٌ بالتحقيق – "تشمل على معنى الإعجاز، والتعبد بالتلاوة، وصحة الصلاة بها وقطعية ثبوتها، ونزولها.
لذا، أستخلص بأن إطلاق لفظ (القراءات) على عمومه مغاير للقرآن لاشتمالها على المتواتر والشاذ، وأن القرآن والقراءات المتواترة بمعنى واحد، وقد اتضح ذلك فيما سبق مدى الارتباط الوثيق الذي يوصل لفظ"قراءة" إلى لفظ "قرآن"، ولاسيما عند الإضافة.
حكمة تعدد القراءات :
إن المتأمل في تاريخ الأمة العربية والإسلامية بوسعه أن يتصور أي مستقبل كان ينتظر اللغة العربية في ضوء هذه المعطيات الربانية. فلولا الثورة اللغوية التي أعقبت نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وانتشار قرائه وحفاظه في مشارق الأرض ومغاربها، يجمعون الناس على لغة القرآن المصفاة، لبقيت الأمة العربية في رداءة كشكشة ربيعة ومضر، وكسكستهما، وفحفحة هذيل، وشنشنة تغلب، وغمغمة قضاعة، أو طمطمانية حمير، أورتة العراق(الكشكشة : جعل شين بعد كاف الخطاب في المؤنث نحو : رأيتكش. الكسكسة : جعل سين بعد الكاف في المذكر، الفحفحة : جعل الحاء عينا. الشنشنة : جعل الكاف شينا مطلقاً نحو : لبيش بمعنى لبيك. والغمغمة : أن تسمع الصوت ولا يتبين لك تقطيع الحروف. الطمطمانية : إبدال اللام ميماً نحو : أمهواء بمعنى الهواء. الرتة : تمنع أول الكلام، فإذا جاء منه شيئاً اتصل به.) ، وهي كما ترى لهجات منسوبة إلى قبائل بعينها، وكذلك لتعصبت كل قبيلة بلهجتها، وفضلتها ولم تقبل غيرها(انظر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي، جـ 1، ص : 175، ط1، دار الكتب العلمية، عام 1418هـ – 1998م/ وانظر : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، محمد الحبش ، ص : 27 – 28.).
هكذا جاء القرآن والقراءات لتتأصل اللغة الصحيحة المبينة محل لغات شائعة فاشية، كالفأفأة، والغنة، والعقلة، والحبسة، والترخيم، والتمتمة، واللفف(الفأفأة : التردد في الفاء. الغنة : أن يشرب الحرف صوت الخيشوم. العقلة : التواء اللسان عند إرادة الكلام. الحبسة : تعذر الكلام عند إرادته. الترخيم : حذف الكلام. التمتمة : التردد في التاء. اللفف : إدخال حرف في حرف. انظر : العقد الفريد، لابن عبد ربه، ج2، ص475.).
إن هذه اللغات المنحرفة قد تكون بعضها لا تنتمي إلى أصول الكلام العربي. وتكفلت القراءات القرآنية المتواترة بحفظ اللهجات العربية المحترمة، " ولدى الاستقراء فإنك تجد أنها – أي القراءات المتواترة – تحتوي على كثير من اللهجات العربية، ولكنها محكومة بضابط من القواعد يمكن ردها إليها والاحتكام على أساسها"( انظر : القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، محمد الحبش ، ص : 28 – 30.).
" وهكذا أصبحت الجزيرة العربية تعتمد لساناً عربياً واحداً، مهما اختلفت فيه من شيء ردته إلى الكتاب الإمام(المصدر السابق، ص : 30.) الذي نزل بلسان عربي مبين.
لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله
-
-
الْخُلاَصَةُ
أكرر مرة أخرى
إِنَّ القرآن الكريم وقراءاته المتواترةَ، لاَ فَصْلَ بينهما، إِذْ مصدرهما الوحيُ السماويُّ، وقد تضمنت ذلك المعنَى الأحاديثُ النبوية الصحيحة في عباراتها الواضحة " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"، وهذه الأحرف السبعة هي أماكن الخلاف الذي يظهر لنا في القراءات العشر المتواترة، ولا يتَعدَّى الأوجَه السبعة التي لَمْ يَخْفَ علينا سهولةُ تطبيقها، ولا يوجد خلافٌ آخر بعدها في القرآن الكريم كلِّه، وكفى بذلك حجَّةً.
وَالْقَولُ بنزول القرآن على الأوجه السبعة لا يتناقض مع القول بنزوله على سبع لغات أو أكثر على فرض صحة هذا القول، فإن الأوجه السبعة جامعة بين لُغاتِ ولهجاتِ جميع القبائل العربية، كما لا يطعن ذلك في نزول القرآن بلسان عربيٍّ مبين.
وَقَدْ أُحِيطَ القرآنُ مع القراءات المتواترة بالوثائق القويمة التي وفَّرتْ له الأمنَ من الضَّياع والتحريف، وتمثَّلت تلك الوثائق في تلَقِّي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروح الأمين، جبريل
، وفي إِقْرَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه الأجلاء بحرصٍ حريصٍ، فقرأوه حقَّ قراءة، وكتبوه على العُسُب والأكتاف وغيرهما، وحفظوه وحافظوا على حروفه وحدوده، ثُمَّ أَقْرَأُوا مَنْ بَعْدَهم كما تَلَقُّوْه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشافهةً وسماعًا، وتوارثت الأجيالُ قراءاتِ القرآن المتواترة بأمانةٍ واهتمامٍ، حيث اعتنت طائفةٌ بتدوينها وإقرائها وضبطها وتحقيق أسانيدها، وطائفةٌ اعتنت بتحسين رسم المصحف وتجويده، فحسَّنته بصيانة من كلِّ لَبْسٍ وغموضٍ للعرب والعجم، وكلما مرَّت الأيام ازدادت عناية الأمة بكتاب ربِّها وقراءاته المتواترة.
وَهَذَا يدل على أن هذا القرآن الكريم في رعاية الله تعالى وعنايته الموعودة في قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة الحجر، الآية : 9.
وَإِنَّ موثوقية النص القرآني مع قراءاته المتواترة لا يشوبها شائب، ولا يشكُّ فيها إلاَّ كلُّ قلبٍ مَرِيضٍ، وَعَقْلٍ جَحِيدٍ يجحد بآيات ربه!.
إِنَّ تعدُّد قراءات القرآن الكريم لا يجعله في شيء مِثلَ الأناجِيلَ ذاتِ العهد القديم والجديد، أو مِثلَ روايات التوراة المتناقضةِ والمتضاربة، حيثُ تُوحي كُلُّ جملةٍ منها بشكٍّ أو شبهةٍ، بل إن تعدُّد القراءات المتواترة كتعدد الآيات، وطبيعتها متميِّزةٌ، ومليئةٌ بأسرارٍ من الإعجاز مالا يُدْرِكُه إلا الراسخون في علوم القرآن والقراءات، بالإضافة إلى أنَّ القراءات هذه على اختلافها وتعدُّدها لا تَتَضَادُّ ولا تتضارب، بل بينها مناسباتٌ بديعة تكشف عن إلهِّيتها وسماويتها، وأنها من لدن حكيم عليم.
إِنَّ لِتنزيل القرآن على الأحرف السبعة تاريخًا موثَّقًا، وواقعًا تطبيقيًّا يُمَيِّزانِه عن غيره من الكتب السماوية التي اعْتَرَاها المبطلون بالتحريف والتبديل، وليس الأمر كما يتوهَّمه خصوم الإسلام والقرآن، أو بعضُ من لَمْ يَحْظَ بِقَطْمِيرٍ من علم القراءات، من أنَّ مسألة تعدُّد القراءات القرآنية ثغرةٌ في عصمة النص القرآني وموثوقيَّته، وأن الإقرار بالقراءات، يستلزم القولَ بوجود جهودٍ اجتهاديَّةٍ أو ابتكاريَّةٍ من قِبَل علماء القراءات في وَضْعِ شيءٍ من القرآن الكريم، كَلاَّ ( بَلْ هُوَ قُرءَانٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ سورة البروج، الآيتان : 21، 22.
فَهْوَ إِذَنْ : كِتَابٌ : (لاَ يَأْتِيهِ الْبَـطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) سورة فصلت، الآية : 42.
لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله
-
جزاكم الله خير على هذا الموضوع القيم يا اخانا الحبيب
م/ زهدى
-
جزاكم الله خيرا والدنا الحبيب
للنفع
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 22-11-2012, 11:48 PM
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 21-04-2012, 06:55 AM
-
بواسطة mtmas في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 29-11-2009, 09:09 PM
-
بواسطة السعيد شويل في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 14-11-2007, 04:43 PM
-
بواسطة صقر قريش في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 31-05-2007, 03:04 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات