
-
الرد على : شبهة عدم الإتيان بجواب " لما "
بسم الله الرحمن الرحيم
عدم الإتيان بجواب " لمَّا "
منشأ هذه الشبهة:
هو قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) (1).
وموطن الشاهد عندهم هو قوله جل شأنه: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه.. (.
بحثوا عن جواب " لما " فلم يجدوه ، فرموا القرآن بالخطأ ؛ لأنه لم يذكر جواب " لما " ثم قالوا:
" فأين جواب لما ؟ ولو حذفت الواو التى قبل أوحينا لاستقام المعنى ".
الرد على الشبهة:
قلنا إن هذه الشبهة تتعلق بفن الحذف ، وهو مبحث بلاغى أكثر منه نحويًّا.
إن كل محذوف عندهم غلط شنيع ، وكل حذف خلط فظيع ، والناس ـ كما قيل فى المثل ـ أعداء ما جهلوا.
يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى ـ شيخ البلاغيين ـ فى وصف الحذف البلاغى ، وروائع ثماره ، وبديع آثاره:
" هو بحث دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبن " (2).
هذه هى منزلة الحذف فى البيان العربى ، السارى فى أعطاف الكلام سريان النسيم فى الرياض الفيحاء ، وقد شاع شيوعاً لا حصر له فى القرآن الكريم ، إذ لم تكد تخلو منه سورة من سوره ، ولا آية من آياته والمعانى التى يدل عليها الحذف فى القرآن تكاد تعادل ربع معانى القرآن كله. وهو منهج واسع وحكيم من مناهج اللغة العربية لا مثيل له.
ولذلك نجد العلامة اللغوى العظيم ابن جنى ، يسميه فى كتابه "الخصائص" اسمًا طريفًا ، هو: شجاعة العربية ".
وينتمى الحذف البلاغى إلى فن بلاغى حصر بعض العلماء البلاغة فيه ، وهو " فن الإيجاز " أى قلة الألفاظ مع كثرة المعانى.
وله مقامات يتألق فيها ، ومقتضيات يوفى بأغراضها.
ومن مقاماته الحذف الوارد فى آية سورة " يوسف " التى رآها من عشا بصره ، وغلظ قفاه ، وضل عقله خطأ ينبغى أن يصوَّب ، ولحنًا يجب أن يقوَّم.
إن حذف جواب " لما " هنا المراد منه تهويل وتفظيع ما حدث من إخوة يوسف ليوسف ، بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به إلى الصحراء ، وقد روى عنهم أنهم أخذوا يؤذونه بالقول والفعل وهم فى الطريق إلى المكان الذى قصدوه ، حتى كادوا يقتلونه ، والدليل على هذا قوله تعالى حكاية عن أحد إخوته:
(قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ) (3).
فالنهى عن القتل لا يكون إلا عند العزم عليه ومباشرة أسبابه.
لذلك حذف جواب " لما " لتذهب النفس فى تصوره كل مذهب ، وحذف هذا الجواب فيه دلالة على طول ما حدث منهم ، وعلى غرابته وبشاعته ، لذلك قدره الإمام الزمخشرى فقال:
" فعلوا به ما فعلوا من الأذى.. وأظهروا له العداوة وأخذوا يهينونه ويضربونه ، وإذا استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب.. " (4).
وسار على هذا النهج الإمام البيضاوى (5).
وذهب غيرهما فى تقدير الجواب مذاهب أخرى ، والذى أتاح لهم هذا الاختلاف فى تقدير الجواب المحذوف هو الحذف نفسه (6).
أما اقتراح مثيرى الشبهة أن يحذف " الواو " فى " وأوحينا " ليستقيم المعنى فخطأ جسيم ؛ لأن " أوحينا " ليس هو جواب " لما " وإنما هو معطوف على الجواب المقدر لأن جواب " لمَّا " هو ما حدث ليوسف من إخوته بمجرد خروجهم به من عند أبيهم وبعدهم عنه قليلاً.
ودليل ذلك هو العطف بالفاء فى " فلما " لأنها تفيد الفورية والترتيب.
المراجع
(1) يوسف: 15.
(2) دلائل الإعجاز (146) تحقيق الشيخ محمد محمد شاكر.
(3) يوسف: 9.
(4) الكشاف (3/306-307).
(5) أنوار التنزيل (1/387).
(6) الدر المصون (6/453).
_________________
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة حسين أيوب في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 17-09-2016, 12:24 AM
-
بواسطة خالد حربي في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 23-09-2015, 12:22 PM
-
بواسطة mataboy في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 24-06-2013, 08:44 AM
-
بواسطة مجاهد في الله في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 22
آخر مشاركة: 12-12-2008, 08:31 PM
-
بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 25-02-2007, 12:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات