من أجمل ما قرأت ...فتى العشيرة:

من : سلسلة الأبطال.

بسم الله الرحمان الرحيم

قال الله تعالى :
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. و أنيبوا الى ربكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ثم لا تنصرون "
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
اللهم أنج "الوليد بن الوليد بن المغيرة" و" سلمة بن هشام " و عياش بن أبي ربيعة " و المستضعفين بمكة . اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ".

و قال الوليد بن الوليد بن المغيرة :
ما انت الا اصبع دميت و في سبيل الله ما لقيت

توطئة :

إن التريخ الاسلامي بأمجاده العريضة و حضارته الهائلة على مر العصور و الدهور مدين للسابقين الذين جاهدوا بأموالهم و أنفسهم ، و تحملوا صنوف العذاب و أنواع البلاء فلم يهنوا ولم يضعفوا . ضربوا بالسياط ، و قيدوا بالسلاسل ، وحبسوا في البيوت ، ومنع عنهم الغذاء ، وتضوروا جوعا ، ولم يفت ذلك على عضدهم و قد استمسكوا بحبل الله تعالى ، و انتصرو على اعدائهم بصلابتهم و صمودهم قبل أن ينتصروا بالسلاح و العتاد .

ان المعركة التي دارت رحاها في مكة منذ ثلاثة عشر قرنا ونيف بين الجماعة المؤمنة الأولى بقيادة " محمد " صلى الله عليه وسلم و بين الكفر بقيادته وجبروته و سلطانه وغناه ، لا تزال أصداؤها تضج في سمع الزمن ، وتوقظ ضمير الإنسانية كلها خدرته الأباطيل و الترهات و حاولت ان تميته وتقضي عليه .

و ان لنا في النماذج المؤمنة التي رفعت اللواء خفاقا خير عبرة و أعظم درس و أصدق مثل .
من تلك لنماذج المثالية في إيمانها ، السامية في جهادها " الوليد بن الوليد بن المغيرة " ، رضي الله عنه.
فإلى الصفحة الناصعة الوضاءة ، صفحة " الوليد " نستقرؤها:

نسبه و نشأته :

هو الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي :

كن أبو "الوليد "سيد بني مخزوم بلا منازع ، وصاحب سلطان وغنى "وحيدا" جوده وكرمه و إعتداده بشخصيته يملك الرأي النافذ و المال الوفير ، و لم يكن في قريش كلها من هو أكثر منه مالا ، إذ كان يكسو الكعبة وحده سنة و تكسوها قريش كلها سنة أخرى .و هو الذي قال فيه القرآن الكريم :

" ذرني و من خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا و بنين شهودا . ومهدت له تمهيدا".

و لكبريائه في جوده ، كان ينهى أن توقد نار غير ناره في "منىً" لإطعام الحجيج.

و إلى جانب هذا الثراء الفاحش كان من أفقه الناس لمعاني الكلام و من أحفظهم للشعر و الخطب في أيامه .

و لما قام النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد يوما يصلي ، كان الوليد بن المغيرة قريبا منه يسمع قراءته ففطن النبي لاستماعه فأعاد قراءة الآية ، فانطلق "الوليد بن المغيرة " حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم و قال لهم :

- و الله لقد سمعت كلاما ماهو بكلام الإنس و لا من كلام الجن ، و الله إن له لحلاوة ، وان عليه لطلاوة ، وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق ، وانه يعلو و لا يُعلى...،
ثم انصرف إلى منزله .
فقالت قريشا : صبأ " الوليد "و لتصبون قريش كلها ، ثم ابتعثوا إليه " أبا جهل" –الحكم بن هشام- يراوده و يقنعه ، فلم يزل به حتى عاد معه إلى مجلس القوم :

فقال لهم :
-تزعمون أن محمدا مجنون ، فهل رأيتموه يحق(؟؟) قط ؟ و تزعمون انه شاعر ، وما فيكم أحد أعلم بالشعر مني ، فهل رأيتموه ينطق بالشعر قط ؟ و تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب.

كان يسألهم ذلك ، وهم يجيبونه " كلا " في كل سؤال ، حتى أعياهم أ يردوا عليه ، فسألوه رأيه في تفسير بلاغة القرآن ..، ففكر ثم قال :
- ماهو إلا سحر يؤثر ، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ؟ فهو ساحر ، و هذا هو السحر المبين .
بهذه الروح الجاهلية ، ومن خلال هذا المنظار الحاقد كان " الوليد بن المغيرة" ينظر الى دعوة " محمد " صلى الله عليه وسلم التي شقت طريقها الى مكة ، ونفذت إلى القلوب ، وعلى محاربة الدعوة و صدها و الحقد عليها كان يربي الكثر ، ومنهم " الوليد " الذي سماه باسمه تيمُّنا.

كان " الوليد بن الوليد" يرى مكانة أبيه في قريش ، من تعظيم وتوقير و احترام ، و تقديم في الرأي ، ويرى أيضا غِناه العريض وماله الكثير ، ويرى وفرة الخدم و العبيد و الموالي في بيتهم ، ويرى نيرانهم وحدها توقد في "منى"أيام المواسم ، لإطعام الوفود القادمة في مختلف الأمطار و الديار.

و يرى كل ذلك فيكبر والده في نظره ، ويسمو في قلبه ، ويعظم في نفسه ...، ثم يتخطى حدود الأبوة الى حدود الزعامة و الرئاسة .

من هنا كان التأثر الشديد بموقفه المعادي للدعوة الجديدة التي بذر بذرها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

لقد كان " الوليد " يخشى أن تذهب تلك الدعوة بكل المجد و السلطان و الزعامة ...فآثر أن يكون رديفا ...و عونا ...و يدا ...لأبيه المتغطرس المتجبر المتكبر ؛ وجنديا فارسا في جيش قريش الذي حمل مسؤولية قتال النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه .

المحارب في صفوف المشركين :

وصل " ضمضم بن عمرو الغفاري" إلى مكة مبعوثا من " أبي سفيان " لينذر قريشا بأن "محمدا" و أصحابه قد خرجوا لإعتراض قافلة تجارتهم المحملة بالنفائس( بما نهبوه من أموال مسلمي مكة).

فخرجت قريش على بكرة أبيها للذود عن أموالها ، و لم يبق في مكة محارب أو حامل سلاح إلا أخذته الحمية الجاهلية .

و خرج " الوليد بن المغيرة " و معه أبناؤه "الوليد بن الوليد"و " خالد بن الوليد"و "هشام بن الوليد".
و عندما اشتبكت قوات المسلمين بقوّات المشركين في " بدر" انهزمت قريش فوقع الكثيرون من أبنائها قتلى أو أسرى.
كان من بين الأسرى " الوليد بن الوليد"و لقد حزن ابوه أيما حزن عليه فقد كان يحبه حبا شديدا ، فأرسل ولديه " خالد"و "هشام" لافتدائه، و كان الذي أسر " الوليد ""عبد الله بن جحش"ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم . فلما جاءوا إليه في طلب أخيهم و دفع الفدية ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:

- لا نقبل في فدائه الا " شكَّة" أبيه الوليد و هي درعه وسيفه وخوذته.
فطلبها منهم " عبد الله" ،فقومت بمئت دينار دفعها "هشام"، فلما عاتبه " خالد " في ذلك ، قال له "هشام":
- ليس بابن أمك، و لو أبى فيه إلا أكثر لفعلت.
و كان "هشام"و "الوليد" أخوين لأب و أم ، أما "خالد " أخاهما لأبيهما .

إسلام الوليد:

كان "الوليد بن الوليد "صاحب أنفة وعزة ، و كان يرى من خلق المسلمين و حسن معاملتهم ما جعله يغير رأيه فيهم ، و لكنه كتم ذلك في نفسه.

فلما خرج مع أخويه من المدينة إلى مكة و قد افتُدِي من الأسر ، أعلن إسلامه و كان ركبُهُم قد بلغ "ذا الحليفة" على بعد أميال قريبة من المدينة ، فعاتبه أخواه في ذلك فقال لهما :
- ما أعلنت إسلامي و أنا أسير خشية القول بأنني فعلت ذلك تحت ضغط الأسر ، وذل الخوف و الرَّجاء.

الفتنة:

او حين أراد أن يحتال عليهما وينفلت عائدا الى المدينة لم يفلح ، فأوثقاه وحملاه الى مكة .
و هناك تعرض "رضي الله عنه" لألون من العذاب تنوء بها الجبال الشُّمّ الرّواسي ، من حبس و ضرب و إهانة و جوع و حرمان .

كما تعرض للإغراءات الكثيرة فلم يؤثِّر فيه ذلك شيئا و ظل ثابتا على إيمانه بربه.
و كأن دعوات النبي صلى الله عليه وسلم و قنوته في صلاته عندما كان يقول :
- اللهم أنج "الوليد بن الوليد بن المغيرة"و " سلمة بن هشام بن العاص" و " عياش بن ربيعة" و المستضعفين بمكة. اللهم اشدد وطأتك على "مُضرٍ"اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف.

كأن هذه الدعوات المباركة كانت كانت تحملها الملائكة عبر الأجواء و تنزلها بردا وسلاما على قلوب المعذبين في سبيل الله .

الهارب:

ولاحت فرصة للوليد يوما فاغتنمها ،واستطاع أن يهرب من أسره و حبسه.
وحاول القوم اللحاق به و لكن اله تعالى حرسه عن أعينهم ، وحماه من أذاهم ، فوصل إلى المدينة المنورة ، و استقبله الني مُرحّبا مُكرِّما .
ثم سأله عن " عياش "و "سلمة" فقال :
- تركتهما في ضيق وشدة ، وهما في وثاق ، رجل أحدهما مع رجل صاحبه.
فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وحزن ، و دعا الله تعالى أن يخفف عنهما العذاب.

المغامر المنقذ:

كان شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلح عليه دائما أن يرى صاحبيه "عياشا "و " سلمة "، فقال يوما بحضور إخوانه :
- من لي بعياش بن ربيعة و سلمة بن هشام ؟
فقال "الوليد":
- أنا لك يا رسول الله بهما.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
- انطلق حتى تنزل" مكة "على "العين" فإنه قد أسلم ، فتغيب عنده ، واطلب الوصول إلى "عياش"و "سلمة" فأخبرهما أنك رسول رسول الله ، وأنك تأمرهما حتى ينطلقا حتى يخرجا.

خرج الوليد إلى مكة مستخفيا ، فلقي امرأة تحمل لهما طعاما ، فقال لها :
- أين تريدين يا أمة الله ؟
فقالت :
- أريد هذين المحبوسين .

فسكت ، ثم تتبعها حتى عرف موضعهما ، وكانا محبوسين في بيت خرب لا سقف له ، فانتظر حتى المساء ، ثم تسلق الجدار و هبط عليهما ففرحا بقدومه ، ثم أتى بمروة –و هي الحجر الصلد- فوضععها تحت قيديهما و ضرب القيد بالسيف فقطعه ، فسمي سيفه ذلك " ذا المرْوة " . ثم خرجا معا، و حملهما على بعيره و انطلق يسوق البعير ، وسلكوا الطريق الذي سار فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى المدينة مخافة الطلب، وعندما أدرك القرشيون هروب الاسيرين لحقوا بهم ، فتتبعهم "خالد بن الوليد "في فريق من المشركين ، ولكنهم لم يتمكنوا من امساكهم و إدراكهم ، وفي أثناء الطريق تعرض " الوليد "رضي الله عنه لحادث كان له أثر كبير في وفاته ، عثَر و دميت إصبع رجله و لكنه لم يبال بذلك و لم يهتم ، بل نظر إليها وقال :

ما أنت إلا أصبع دميتِ و في سبيل الله ما لقيتِ.

ثم تابعوا السير حتى بلغوا المدينة ، ولا تسل عن فرحت المؤمنين بلقاء إخوانهم وأحبابهم.

إسلام "خالد" على يد " الوليد ":

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد دائما و أبدا على مسمع من "الوليد" أسفه لإصرار "خالد" على الشرك و الكفر فيقول :
- ما مثل "خالد " يجهل الإسلام ، ولو أتانا لأكرمناه.
فكان الوليد يتألم لذلك و يتمنى لو ان "خالد" يدخل في حوزة الاسلام ، و حظيرة الايمان.

و لقد سنحت الفرصة بعد عمرة القضاء عندما آب المسلمون إلى المدينة بعد أن أقاموا في مكة ثلاثة أيام أدوا فيها مناسكهم و مشاعرهم و طافوا بالبيت و كبّروا.

فأرسل "الوليد" إلى أخيه " خالد" هذه الرسالة :
" أما بعد ، فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلُكَ عقْلُكَ و مثل الإسلام يجهله أحد ؟؟.
سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
- أين " خالد" ؟
فقلت :
- يأتي به الله.
فقال :
- ما مثل "خالد" يجهل الإسلام ، و لو كان جعَلَ نكايتَهُ وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ، ولقدَّمناه ُ على غيرِهِ.
فاستدرِكْ يا أخي ما فاتك منه ، فقد فاتتك مواطن صالحة.

و كان الجواب حضور " خالد " الى المدينة و إسلامه.

الوفاة :
إشتد المرض على " الوليد "و أناخت الايام بكلكلها عليه ، فارتفعت درجت حرارته و تفاقم خطر الإصبع التي دميت و لم يبال بها ، و أحس بفؤاده بتقطع شيئا فشيئا ، نفسه تذوي ، وسراج عمره ترقصه رياح المنون ، ولفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي إخوانه من الصحابة ، و علمت " أم سلمة "زوج النبي صلى الله عليه وسلم بوفاة ابن عمها الوليد فقالت :

- غريب توفي في بلاد غربة .

ثم استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكيه ، فأذن لها ، فقالت نادبة :

يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة
قد كان غيثا في السنين و رحمة فينا منيرة
ضخم الدسيعة مادحا يسمو الى طلب الوتيرة
مثل الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرة

• الدسيعة : العطية الجزيلة ، و القطعة الكبيرة ، و المائدة.
• الوتيرة : الثأر.
فسمعها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
- لا تقولي هكذا يا " أم سلمة " و لكن قولي : (( و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)).

و مضى الوليد بن الوليد بن المغيرة مع الخالدين .
رضي الله عنه وأرضاه و أثابه جنات تجري من تحتها الأنهار .


(( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )).

- انتهى –

اشتقنا الى مثل هذه البطولات والابطال فمتى يأتي دورنا لعزة هذا الدين ؟؟... هو قريب . بل هو أقرب من حبل الوريد ، فاللهم اجعلنا لبنة او درجة يرفع بها هذا الدين .........، فهنيئا لك يا" وليد " الجنة و هنيئا لك يا " خالد "يا سيف الله المسلول .....، ونسأل الله أن نلحق بركبكم شهداء تحت لواء " حمزة " أسد الله لنلاقي حبيبنا و سيدنا " محمدا "صلوات ربي وسلامه عليه يفرح بنا و يبتسم لنا ابتسامة تغنينا و تنسينا الدنيا و همها ......و في الاخير أن نلقى إلهنا بإخلاص ليكون فعلا يوم عرسنا ..... اليوم الذي طالما انتظرناه

فاللهم ألحقنا بركبهم .