‏(146)‏ وأن عليه النشأة الأخري‏*(‏ النجم‏:47)‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هذه الآية الكريمة جاءت في بداية الربع الأخير من سورة النجم‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها اثنتان وستون‏(62)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم‏(‏ النجم‏)‏ لاستهلالها بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ يقول فيه‏:‏ والنجم إذا هوي‏*.(‏ النجم‏:1)‏
وربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ ولكن إذ جاءت الآية الكريمة بصيغة القسم كان في ذلك تنبيها لنا بأهمية المقسوم عليه وهو هنا النجم إذا هوي‏.‏

وفي تفسير ذلك قال بعض المفسرين‏:‏ هو جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ في أول نزوله بالوحي‏,‏ وقال آخرون هو القرآن الكريم‏,‏ أو هو الثريا إذا سقطت مع الفجر‏,‏ أو‏:‏ هي الشهب إذا رجمت بها الشياطين التي تحاول استراق السمع علي أهل السماء‏,‏ هي النجوم‏(‏ نجوم السماء‏)‏ علي إطلاقها‏.‏ أو مع تسليمنا بأن نص الآية الكريمة يحتمل كل ذلك ــ إتساقا مع طبيعة الآيات الكونية في القرآن الكريم ــ إلا أن إشارته إلي إحدي الظواهر الكونية المهمة التي تتحول فيها النجوم في نهاية دورة حياتها إلي الدخان الكوني بالانفجار هي عندي أبلغ تفسير‏.‏
وبعد هذا القسم الرباني العظيم بالنجم إذا هوي يأتي جواب القسم تأكيدا من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي صدق نبوة خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وصدق الوحي الذي جاءه‏,‏ وبلغ به عن ربه‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ في استقامة واعتدال تامين‏,‏ وأمانة بالغة هيأه لها الله‏(‏ تعالي‏)‏ كما هيأها له‏,‏ وفي جواب القسم تأكيد علي وقوع معجزة الاسراء والمعراج التي كرم الله تعالي بها خاتم أنبيائه ورسله تكريما لم ينله أحد من قبل ولا من بعد‏.‏ وفي ذلك تقول الآيات في سورة النجم‏.‏

والنجم إذا هوي‏*‏ ماضل صاحبكم وما غوي‏*‏ وما ينطق عن الهوي‏*‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏*‏ ذو مرة فاستوي‏*‏ وهو بالأفق الأعلي‏*‏ ثم دنا فتدلي‏*‏ فكان قاب قوسين أو أدني‏*‏ فأوحي إلي عبده ما أوحي‏*‏ ما كذب الفؤاد ما رأي‏*‏ أفتمارونه علي ما يري‏*‏ ولقد رآه نزلة أخري‏*‏ عند سدرة المنتهي‏*‏ عندها جنة المأوي‏*‏ إذ يغشي السدرة ما يغشي‏*‏ مازاغ البصر وما طغي‏*‏ لقد رأي من آيات ربه الكبري‏*(‏ النجم‏:1‏ ــ‏18).‏
وسدرة المنتهي شجرة في السماء السابعة‏,‏ وإليها ينتهي كل ما يعرج به من الأرض فيقبض منها‏,‏ و ينتهي كل ما يهبط به من فوقها فيقبض منها‏.‏

وإجماع المفسرين علي أن هذه الآيات الكريمة تصف لقاء جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ بخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏ ثم تتابع الآيات في سورة النجم باستنكار شرك المشركين‏,‏ وعبادتهم الأصنام والأوثان بدعوي أنها تقربهم إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ زلفي‏,‏ وتنعي عليهم تطاولهم علي الذات الإلهية بنسبة الملائكة ــ زورا ــ إليه‏(‏ سبحانه‏)‏ وهم من خلقه‏,‏ واعتبارهم إناثا ــ وهو خوض بغير حق في أمور غائبة عنهم غيبة كاملة ـ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
أفرأيتم اللات والعزي‏*‏ ومناة الثالثة الأخري‏*‏ ألكم الذكر وله الأنثي‏*‏ تلك إذا قسمة ضيزي‏*‏ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدي‏*‏ النجم‏:(19‏ ــ‏23).‏

وكانت هذه الأصنام والأوثان الثلاثة ضمن عدد كبير من الطواغيت التي اتخذها مشركو العرب بيوتا تعظم وينحر عندها‏,‏ وتهدي إليها الهدايا‏,‏ ويطاف بها كما يطاف حول الكعبة تماما‏,‏ مع إدراكهم فضل الكعبة المشرفة علي أصنامهم وأوثانهم‏,‏ بصفتها أول بيت وضع للناس في الأرض‏,‏ وقد حرم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بلدتها يوم خلق السماوات والأرض‏,‏ ثم رفع قواعد البيت كل من نبي الله إبراهيم وولده البكر نبي الله إسماعيل‏(‏ علي نبينا وعليهما من الله تعالي أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏).‏

وتستمر الآيات في استنكار شرك المشركين فتقول‏:‏
أم للإنسان ما تمني‏*‏ فلله الآخرة والأولي‏*‏ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏*‏ إن الذين لايؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثي‏*‏ وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا‏*.‏
‏(‏النجم‏:24‏ ــ‏28)‏

وتؤكد هذه الآيات أن الإنسان لايحصل علي كل ما يتمناه‏,‏ لأن أمر كل من الدنيا والآخرة هو بيد الله رب العالمين‏,‏ واهب النعم‏,‏ ومجري الخيرات‏,‏ وتتساءل الآيات‏:‏ إذا كان الملائكة المقربون لايملكون الشفاعة إلا بإذن من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لمن يشاء ويرضي منهم‏,‏ فكيف يتخيل المشركون إمكانية شفاعة أصنامهم وأوثانهم وأندادهم التي زعموها بغير دليل‏,‏ وأشركوها في عبادة الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ أو عبدوها من دونه‏...‏؟؟
وتعتب الآيات علي هؤلاء المشركين جورهم وانحرافهم وغرورهم باختيارهم الذكور لأنفسهم‏,‏ وادعاء الأنوثة للملائكة‏,‏ ونسبتهم ـ زورا وبهتانا ـ إلي الله‏(‏ تعالي‏),‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ المنزه عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ لأن هذه كلها من صفات المخلوقين‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ مغاير لجميع صفات خلقه‏.‏ وهذه الادعاءات الباطلة من الكفار والمشركين نابعة من ظنهم السيئ‏,‏ والظن لايغني من الحق شيئا‏.‏

وبعد ذلك تنطق الآيات بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ والأمر إليه ينسحب علي جميع المؤمنين برسالته من بعده‏,‏ ويتضمن الأمر الإلهي ضرورة الإعراض عن الجاهلين من الكفار والمشركين‏,‏ وعن جميع الذين تولوا عن ذكر الله‏(‏ تعالي‏),‏ وأغرقوا أنفسهم إلي الآذان في الحياة الدنيا فضلوا عن سبيل الله‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
فأعرض عن من تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا‏*‏ ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي‏(‏ النجم‏:30,29)‏

وتعاود الآيات في سورة النجم التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب كل شيء ومليكه‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ الحكم العدل الذي يجازي كلا بعمله‏,‏ ويعفو عن صغائر الذنوب ويغفرها‏,‏ ويستر فاعليها إذا تابوا وأقلعوا عنها‏,‏ لأن رحمة الله واسعة‏,‏ ومغفرته عظيمة‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أعلم بخلقه من علم خلقه بأنفسهم‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
ولله مافي السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني‏*‏ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي‏*(‏ النجم‏:32,31).‏

وبذلك ينتهي الشوط الأول من سورة النجم‏,‏ ويأتي الشوط الثاني علي هيئة عدد من التساؤلات التقريرية‏,‏ التقريعية‏,‏ التوبيخية لكل كافر‏,‏ ومشرك‏,‏ ومتشكك‏,‏ محذرة إياهم من التولي عن طاعة الله‏,‏ أو الإقلال منها‏,‏ أو الانقطاع عنها‏,‏ ومثبتة عددا من الحقائق الدينية‏,‏ والكونية‏,‏ والصفات الإنسانية‏,‏ والأحداث التاريخية‏,‏ ومنذرة بفجائية الآخرة فتقول‏:‏ أفرأيت الذي تولي‏*‏ وأعطي قليلا وأكدي‏*‏ أعنده علم الغيب فهو يري‏*‏ أم لم ينبأ بما في صحف موسي‏*‏ وإبراهيم الذي وفي‏*‏ ألا تزر وازرة وزر أخري‏*‏ وأن ليس للإنسان إلا ماسعي‏*‏ وأن سعيه سوف يري‏*‏ ثم يجزاه الجزاء الأوفي‏*‏ وأن إلي ربك المنتهي‏*‏ وأنه هو أضحك وأبكي‏*‏ وأنه هو أمات وأحيا‏*‏ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*‏ وأن عليه النشأة الأخري‏*‏ وأنه هو أغني وأقني‏*‏ وأنه هو رب الشعري‏*‏ وأنه أهلك عادا الأولي‏*‏ وثمود فما أبقي‏*‏ وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغي‏*‏ والمؤتفكة أهوي‏*‏ فغشاها ماغشي‏*‏ فبأي آلاء ربك تتماري‏*‏ هذا نذير من النذر الأولي‏*‏ أزفت الآزفة‏*‏ ليس لها من دون الله كاشفة
‏(‏ النجم‏:33‏ ـ‏58).‏

وتختتم سورة النجم بخطاب إلي كفار ومشركي قريش‏,‏ والخطاب موجه إلي كل كافر ومشرك ومتشكك في بعثة النبي الخاتم في زمانهم ومن بعدهم حتي قيام الساعة‏,‏ وهذا الخطاب الإلهي يستنكر تكذيب المكذبين للقرآن الكريم‏,‏ كما يستنكر استهانتهم بالأمر‏,‏ وأخذهم إياه بغير مأخذ الجد‏,‏ ويأمر كل مستمع لهذه الآيات بالسجود لله‏(‏ تعالي‏)‏ طاعة وعبادة‏,‏ في خشية وخضوع وانكسار وخشوع فتقول معاتبة أهل الكفر والشرك والضلال‏:‏
أفمن هذا الحديث تعجبون‏*‏ وتضحكون ولاتبكون‏*‏ وأنتم سامدون‏*‏ فاسجدوا لله واعبدوا‏*(‏ النجم‏:59‏ ـ‏62)‏

من ركائز العقيدة في سورة النجم
‏(1)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏,‏ لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والله تعالي منزه عن جميع صفات خلقه‏).‏ واليقين بأن لله الآخرة والأولي‏,‏ وأن إليه منتهي كل شيء‏,‏ وأنه‏..‏ هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي‏,‏ وأن له‏(‏ سبحانه‏)‏ ما في السماوات وما في الأرض‏...‏ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ واسع المغفرة‏,‏ وأنه أعلم بخلقه إذ أنشأهم من الأرض وإذ هم أجنة في بطون أمهاتهم‏.‏
‏(2)‏ الإيمان بملائكة الله‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وباليوم الآخر‏.‏

‏(3)‏ التصديق بنبوة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وبرسالته التي ختمت بها رسالات السماء‏,‏ ولذلك تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظها فحفظت علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏.‏
‏(4)‏ إنكار شرك المشركين بالله‏(‏ تعالي‏),‏ والإصرار علي مجانبتهم في أمور الدين‏.‏

‏(5)‏ الإيمان بالغيب المطلق‏,‏ والتوقف عن الخوض فيه بغير ما أنزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ وماتكلم به خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
‏(6)‏ التسليم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)..‏ خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*‏ وأن عليه النشأة الأخري‏*.‏

‏(7)‏ التصديق بمعجزة الإسراء والمعراج‏,‏ وبكل ما ذكره المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عنها‏.‏
‏(8)‏ اليقين بأن شفاعة الملائكة لاتغني شيئا‏(...‏ إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏*).‏

‏(9)‏ الإيمان بحقيقة البعث والحساب والجنة والنار‏,‏ وبأنه‏(..‏ لاتزر وازرة وزر أخري‏*‏ وأن ليس للإنسان إلا ماسعي‏*‏ وأن سعيه سوف يري‏*‏ ثم يجزاه الجزاء الأوفي‏*).‏
‏(10)‏ التصديق بما وقع للكفار والمشركين في الأمم السابقة من صور العذاب الذي سجله القرآن الكريم‏,‏ وأثبته خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

‏(11)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مستحق للشكر علي نعمه العديدة‏,‏ وللحذر من نذره الكثيرة‏,‏ والاستعانة به علي كل شدة‏,‏ ومن أخطرها أهوال الآخرة التي‏(‏ ليس لها من دون الله كاشفة‏*),‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ مستحق للخضوع له وحده بالعبادة‏,‏ والسجود في خشوع وخضوع وطاعة‏.‏

من الأوامر التعبدية والسلوكية في سورة النجم
‏(1)‏ النهي عن اتباع الظن‏,‏ وماتهوي الأنفس‏,‏ لأن ذلك لايغني من الحق شيئا‏.‏
‏(2)‏ الأمر بالمداومة علي عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما أمر‏,‏ وبفعل الصالحات واجتناب السيئات‏.‏

‏(3)‏ النهي عن مصاحبة الذين تولوا عن ذكر الله‏,‏ وغرقوا إلي آذانهم في أمور الحياة الدنيا‏,‏ ونسوا أوتناسوا حقيقة الآخرة‏,‏ وحتمية الحساب‏,‏ وعدل الجزاء‏.‏
‏(4)‏ النهي عن تزكية النفس التي يعلم الله‏(‏ تعالي‏)‏ دفينة مكنونها وتفاصيل خفاياها‏.‏

‏(5)‏ النهي كذلك عن البخل‏,‏ وعن استغلال الآخرين‏,‏ وعن المماراة بآلاء الله‏,‏ وعن جحود نعمه العديدة علي جميع خلقه‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة النجم
‏(1)‏ الإشارة إلي موت النجوم بانفجارها‏(‏ والنجم إذا هوي‏).‏
‏(2)‏ الرمز إلي ضخامة الكون بوصف الأفق بتعبير‏(‏ الأفق الأعلي‏).‏

‏(3)‏ وصف البصر بأنه يزيغ ويطغي‏,‏ والإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد ميز الانسان بالقدرة علي الضحك والبكاء‏.‏
‏(4)‏ ذكر‏(‏ الآخرة والأولي‏)‏ مما يؤكد حتمية فناء الكون وإعادة خلقه‏,‏ كما يؤكد حقيقة الغيب الذي تجري البحوث العلمية وراءه في محاولة لكشفه‏.‏

‏(5)‏ التأكيد علي إنشاء الانسان من الأرض‏,‏ وعلي خلقه في مراحل جنينية متتابعة في بطن أمه‏.‏
‏(6)‏ إثبات حقيقة خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني‏,‏ وهو سبق لكل المعارف العلمية التي لم تدرك هذه الحقيقة إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي‏(1186‏ هـ‏/1775‏ م‏).‏

‏(7)‏ التأكيد علي حتمية البعث‏,‏ وعلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي أنشأ النشأة الأولي قد تعهد بالنشأة الأخري‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة السابعة والأخيرة في القائمة السابقة والتي جاء ذكرها في قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وأن عليه النشأة الأخري‏(‏ النجم‏:47)‏

وقبل البدء في ذلك أري لزاما علي استعراض أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
وأن عليه النشأة الأخري‏(‏ النجم‏47)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:....‏ أي كما خلق البداءة هو قادر علي الإعادة‏,‏ وهي النشأة الآخرة يوم القيامة‏.‏

‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ ما مختصره‏:...‏ والنشأة الأخري غيب‏,‏ ولكن عليه من النشأة الأولي دليل‏.‏ دليل علي إمكان الوقوع‏,‏ فالذي خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني‏,‏ قادر ـ ولاشك ـ علي إعادة الخلق من عظام ورفات‏..‏ ودليل علي حكمة الوقوع‏..‏ هذا التدبير الخفي الذي يقود الخلية الحية الصغيرة في طريقها الطويل الشاق حتي تكون ذكرا أو أنثي‏..‏ هذا التدبير لابد أن يكون مداه أبعد من رحلة الأرض التي لايتم فيها شيء كامل‏,‏ ولايجد المحسن جزاء إحسانه كاملا‏,‏ ولا المسئ جزاء اساءته كاملا كذلك‏,‏ لأن في حساب هذا التدبير نشأة أخري يبلغ فيها كل شيء تمامه‏.‏ فدلالة النشأة الأولي علي النشأة الأخري مزدوجة‏,‏ ومن هنا جاء ذكرها هكذا قبل النشأة الأخري‏...‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري حاجة إلي تكراره‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
إن عملية النشأة الأولي‏(‏ أو الخلق‏)‏ بأبعاده الثلاثة‏:‏ خلق الكون‏,‏ خلق الحياة‏,‏ وخلق الانسان تعتبر من الأمور الغيبية التي لم يشهدها أي من المخلوقات المكلفة‏:‏ الإنس أو الجن‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا‏(‏ الكهف‏:51)‏
وعلي الرغم من ذلك فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يطالب كل إنسان سوي بالنظر في أمر الخلق بمعيار العقل فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏

أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك علي الله يسير‏.‏ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله علي كل شيء قدير
‏(‏ العنكبوت‏:20,19)‏

والجمع بين هذه الآيات يشير إلي أنه علي الرغم من الطبيعة الغيبية لعملية الخلق إلا أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ من رحمته بنا قد أبقي لنا في صخور الأرض‏,‏ وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية مايمكن أن يعين الانسان ـ بقدراته المحدودة ـ علي فهم كيفية الخلق إذا آمن بالخالق العظيم‏.‏ وتجاوز هذه الحقيقة أو إغفالها يمكن أن يدفع بالانسان في أنفاق من الظلام لا خروج له منها مهما كان بيده من الشواهد الحسية‏.‏
وإذا كان هذا هو الحال في النشأة الأولي‏(‏ أو الخلق‏)‏ علي الرغم من معايشتنا لتجدده في حياتنا كل لحظة‏,‏ فإن الغيبة المطلقة للنشأة الأخري‏(‏ أو البعث‏)‏ تكون أشد بالنسبة للانسان‏,‏ لولا بيان الله‏(‏ تعالي‏)‏ بحتميتها وأمره لعباده بقياسها علي النشأة الأولي‏.‏

وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(1)‏ إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون‏(‏ يونس‏:4)‏

‏(2)‏ ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتي وأنه علي كل شيء قدير‏*.‏ وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور‏(‏ الحج‏:7,6)‏
‏(3)‏ ويقول‏(‏ جل شأنه‏):‏ الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون‏(‏ الروم‏:11).‏

‏(4)‏ ويكرر ذلك في نفس السورة بقوله العزيز‏:‏
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلي في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم‏(‏ الروم‏:27)‏

‏(5)‏ ويعجب القرآن الكريم من استبعاد الكافرين لعملية البعث فيقول‏:‏
أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا‏.‏ وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا‏)(‏ الإسراء‏:49,48).‏

‏(6)‏ ويتكرر المعني في نفس السورة معتبرا انكار البعث كفرا بالله تعالي فتقول‏:‏
ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا‏(‏ الإسراء‏:98).‏

‏(7)‏ ويستشهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالنشأة الأولي علي حتمية النشأة الآخرة فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين‏.‏ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم‏.‏ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم‏(‏ يس‏:77‏ ـ‏79)‏

أحاديث رسول الله صلي الله عليه
وسلم تشرح كيفية البعث‏:‏
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏
‏(1)‏ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب‏,‏ منه خلق وفيه يركب‏.‏

‏(2)‏ وليس من الانسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا هو عجب الذنب‏,‏ ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏
‏(3)‏ إن في الإنسان عظما لاتأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة قالوا‏:‏ أي عظم هو يارسول الله؟ قال‏:‏ عجب الذنب‏.‏

‏*‏ وأخرج الإمام أبوداود في سننه عن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏
كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب‏,‏ منه خلق وفيه يركب

‏*‏ وأخرج الإمام ابن حبان عن أبي سعيد الخدري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏
يأكل التراب كل شيء من الانسان إلا عجب ذنبه قيل‏:‏ وماهو يارسول الله؟ قال‏:‏ مثل حبة خردل منه ينشأ

‏*‏ وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
مابين النفختين أربعون‏...‏ ثم ينزل الله من السماء ماء‏,‏ فينبتون كما ينبت البقل‏,‏ ليس من الإنسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا‏,‏ وهو عجب الذنب‏,‏ ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏
قالوا‏:‏ أربعون يوما؟ قال أبوهريرة‏:‏ أبيت‏,‏ قالوا‏:‏ أربعون شهرا؟ قال‏:‏ أبيت‏,‏ قالوا‏:‏ أربعون سنة؟ قال‏:‏ أبيت‏,‏ أي أن أباهريرة أبي أن يحدد الأربعين هل هي يوما أو شهرا أو سنة‏,‏ وقد جاءت الأربعون سنة مفصلة في قول للإمام النووي‏.‏

اكتشاف عجب الذنب في بدايات الثلث الثاني من القرن العشرين
في محاولة لدراسة التطور الجنيني للبرمائيات لاحظ أحد العلماء الألمان واسمه هانز سبيمان‏HansSpemann))‏ في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين أنه بمجرد إخصاب البيضة تبدأ النطفة الأمشاج‏(‏ الزيجوت‏)‏ في الانقسام عدة مرات حتي تتحول إلي قرص من الخلايا مكون من طبقتين‏:‏ فوقية تســـــمي‏Epiplast)),‏ وتحتية تســــــــــــمي‏(Hypoplast),‏ وهذا القرص لايبدو له أي قدر من التمايز حتي يظهر علي طبقته الفوقية خيط دقيق سماه الخيط الأولي أو الابتدائي
‏(ThePrimaryortheprimitiveStreak)‏
له عقدة في نهايته سماها العقدة الأولية
‏(ThePrimaryortheprimitiveKnotorNode)‏ فيحدد موضع ظهورهما مؤخرة الجنين‏,‏ ثم يبدأ هذا الخيط والعقدة الأولين في تنظيم عمليات تخلق جميع أعضاء وأجهزة الجنين بتحرك خلايا الطبقة الفوقية في اتجاه كل من الخيط والعقدة الأولين فتدخل وتنغرس فيهما فيشكلانها حسب وظيفة كل منها‏,‏ ويوجهانها إلي موضع كل منها من جسم الجنين‏,‏ وأول مايتكون منها الخلايا العصبية التي ينبني منها الجهاز العصبي للجنين وذلك بمرور خلايا الطبقة الفوقية عبر العقدة الأولية‏.‏ وبعد تمام نمو جميع أجهزة الجسم ينسحب الشريط الأولي ليختزن في نهاية العمود الفقري‏(‏ العصعص‏).‏ وقد اندهش سبيمان ومعاونوه بظاهرة تخلق جميع اجهزة الجنين من خلال مرور الخلايا الأولية عبر هذا الخيط والعقدة الابتدائيين اللذين أطلق عليهما اسم المنظم الأول‏ThePrimaryOrganizer)).‏ وفي محاولة لاستجلاء طبيعة ذلك المنظم الأول قام بقطعه وزرعه في جنين آخر فنتج عنه نمو جنين ثانوي غير الجنين المضيف‏,‏ وعلي محور مغاير لمحوره‏.‏

وفي سنة‏(1931‏ م‏)‏ قام هانز سبيمان ومعاونوه وكان من أبرزهم هيلدا مانجولد‏(HildeMangold)‏ بسحق الشريط الأولي وزرعه في جنين من أجنة البرمائيات فنما علي محور جنيني آخر علي هيئة جنين ثانوي غير الجنين المضيف مما يشير الي أن هذا المنظم الأولي لم يتأثر بالسحق‏.‏ ثم قام سبيمان ومعاونوه بغلي المنظم الأول و زرعه في جنين آخر فنمي علي محور جنيني آخر مما يشير الي عدم تأثره بالغلي‏.‏
وفي سنة‏(1935‏ م‏)‏ منح سبيمان جائزة نوبل في العلوم تقديرا لاكتشافه المنظم الأول‏,‏ وإثبات دور ذلك المنظم في تخلق جميع خلايا‏,‏ وأنسجة‏,‏ وأعضاء‏,‏ وأجهزة الجسم‏,‏ ثم إثبات حقيقة أنه لايبلي أبدا فأثبت بذلك دقة أحاديث عجب الذنب التي ذكرها خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا‏,‏ وهو علي غير علم بها‏.‏

وبعد سبعين عاما من تجارب هانز سبيمان ومعاونوه قام الأخ اليمني الدكتور عثمان جيلان في رمضان سنة‏1424‏ هـ‏(2003‏ م‏)‏ بأخذ فقرتين من خمسة عصاعص للأغنام‏,‏ وقام بإحراقها باستخدام مسدس غاز فوق أحجار لمدة عشر دقائق حتي تفحمت بالكامل‏,‏ ثم بفحصها بواسطة عدد من المختصين بعلم الأنسجة في جامعة صنعاء ثبت أن خلايا عظمة العصعص لم تتأثر بالحرق وإن احترقت جميع العضلات‏,‏ والأنسجة الدهنية وخلايا النخاع الموجودة فيها والمحيطة بها‏,‏ أما خلايا عظمة العصعص فلم تتأثر بالحرق علي الإطلاق‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح أن الحديث النبوي الشريف عن عجب الذنب‏(‏ والذي جاء بروايات متعددة‏,‏ وأخرجه أغلب أئمة السنة‏)‏ قد سبق كل المعارف الانسانية بأكثر من ثلاثة عشر قرنا‏,‏ وجاءت تجارب العلماء مؤكدة ماذكره المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من أن عجب الذنب يخلق منه جميع خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة جسم الجنين‏,‏ وأنه لايبلي ابدا بجميع الوسائل المتاحة للانسان‏,‏ مما يرشحه للانبات في يوم البعث كما أكد المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

عجب الذنب في الإنسان
بتطبيق ملاحظات سبيمان ومدرسته في مجال دراسة الجنين الانساني اتضح لعلماء الأجنة مايلي‏:‏
‏(1)‏ تتكون النطفة الأمشاج بمجرد إخصاب خلية التكاثر الأنثوية‏(‏ البييضة‏)‏ بالحيوان المنوي‏(‏ خلية التكاثر الذكرية‏).‏

‏(2)‏ تبدأ النطفة المختلطة هذه في الانقسام إلي خلايا أصغر فأصغر تعرف باسم القسيمات الجرثومية أو الأرومية‏Blastomeres))‏ حتي تتحول بعد أربعة أيام إلي كتلة كروية من الخلايا تعـــــــرف باسم التويتة‏Morula)).‏
‏3‏ ـ في اليوم الخامس تنشطر التويتة إلي نصفين مكونة مايعرف باسم الكيسة الأرومية‏Blastocyst))‏ التي تبدأ في الانغراس بجدار الرحم في اليوم السادس وذلك بواسطة عدد من الخلايا الرابطة التي تنشأ منها‏,‏ وتتعلق بها في جدار الرحم متحولة إلي طور العلقة‏,‏ وتتحول الخلايا الرابطة بجدار الرحم الي المشيمة‏.‏

‏(4)‏ في حوالي اليوم الخامس عشر من عمر النطفة الأمشاج تبدأ حزمة من خلايا الطبقة العليا للقرص الجنيني في الترتيب علي هيئة خط طولي يعرف باسم الشريط الابتدائي أو الأولي
‏PrimitiveStreak)ThePrimaryor)‏

وباستطالة هذا الشريط الابتدائي باضافة خلايا جديدة عند نهايته الخلفية‏,‏ تتضخم نهايته الأمامية علي هيئة مايعرف باسم العقدة الابتدائية‏ThePrimitiveKnotorNode)‏ وفي نفس الوقت يتكون علي الشريط الأولي انخفاض أولي ضيق‏(ANarrowPrimitiveGroove)‏ يستمر إلي حفرة ضئيلة في العقدة الابتدائية تعرف باسم الحفرة الابتدائية
‏ThePrimitivePit)).‏

‏(5)‏ في اليوم السادس عشر من عمر النطفة الأمشاج تبدأ الطبقة الوسطي من الخلايا في الظهور‏TheIntraembryonicMesoderm))‏ بين الطبقــــــــــــــــــة الخــــــــــــارجية للجـــــــنين‏TheEmbryonicEctoderm))‏ وطبقته الداخلية‏TheEmbryonicEndoderm)‏ وهذه الخلايا الوسطي أعطاها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ القدرة علي التكاثر السريع‏,‏ والتنوع والتخصص إلي مختلف أنواع الخلايا‏,‏ والهجرة لتكوين مختلف الأنسجة والأعضاء والأجهزة‏.‏ ومن تنوع هذه الخلايا تحركها من العقدة الأولية لتكوين بدايات الحبل الظهري‏NotochordalProcess))‏ الذي ينشأ عنه الجهاز العصبي بتفرعاته المختلفة‏,‏ ثم تتحرك لتكوين باقي اجهزة الجسم‏.‏ ويستمر الشريط الابتدائي في تكوين الخلايا الوسطية‏IntraembryonicMesodermalCells)‏ بنشاط واضح حتي نهاية الأسبوع الرابع من عمر الجنين تقريبا‏,‏ ثم يبدأ إفراز مثل هذه الخلايا في التباطؤ‏,‏ ويبدأ الشريط الأولي في الانكماش السريع في الحجم حتي يتضاءل إلي حيز لايكاد يدرك وينسحب إلي منطقة العجز‏(‏ العصعص‏)‏ من الجنين
‏(TheSacrococcygealRegionoftheEmbryo)‏

ويدرك علماء الأجنة أن خلايا الشريط الأولي قد وهبها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قدرات فائقة علي عملية التخليق ولذلك تعرف باسم خلايا الشريط الأولي ذات القدرات المتعددة
‏((PleuripotentPrimitiveStreakCells‏

ويتضح ذلك من حقيقة أن هذه الخلايا الخاصة إذا تعرضت لبعض المؤثرات من مثل الإشعاع فإنها تنمو علي هيئة أعداد من الأورام المسخية‏Teratoma))‏ المحتوية علي أنسجة مختلفة‏,‏ وفي بعض الأحيان علي أعضاء مختلفة مما يؤكد قدرتها علي الانبات بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ في يوم البعث كما ذكر المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في حديثه الشريف الذي قال فيه‏:..‏ ثم ينزل الله من السماء ماء‏,‏ فينبتون كما ينبت البقل‏,‏ ليس من الانسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب‏,‏ ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏

وفي ذلك قال‏(‏ تعالي‏):‏
وأن عليه النشأة الأخري‏(‏ النجم‏:47)‏
هذا السبق العلمي في كل من كتاب الله وأحاديث خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن ان يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وحتي قيام الساعة‏.‏ وهذا السبق العلمي يشهد لسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوة وبالرسالة‏,‏ وبأنه كان دوما موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏