144)..‏ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها‏...*‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هذا النص القرآني الكريم جاء في منتصف سورة هود‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها مائة وثلاث وعشرون‏(123)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت باسم نبي الله هود‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذي بعثه الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي قومة‏(‏ قبيلة عاد‏).‏ وقد سكنوا الأحقاف‏,‏ في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية‏,‏ وكانوا عربا أشداء‏,‏ غلاظا‏,‏ جفاة‏,‏ متكبرين‏,‏ عتاة‏,‏ متمردين‏,‏ أشركوا بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عبادة الأصنام والأوثان بدلا من شكره علي ما وهبهم من بسطة في الجسم‏,‏ ووفرة في الرزق‏,‏ فكانوا أول من عبد الأصنام من الأمم التي جاءت بعد طوفان نوح‏,‏ وأفسدوا في الأرض إفسادا عظيما‏,‏ فأرسل الله‏(‏ تعالي‏)‏ إليهم نبيه هودا‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذي اصطفاه بعلمه من بينهم فدعاهم إلي عبادة الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وحده بما أمرا وإلي اقامة عدل الله في الأرض‏,‏ وإلي حسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها‏,‏ فكذبوه‏,‏ وخالفوه‏,‏ وحاربوه‏,‏ واضطهدوا الذين آمنوا معه‏,‏ فسخر الله عليهم ريحا صرصرا عاتية أهلكتهم‏,‏ ونجي هودا والذين آمنوا معه فالتجأوا إلي مكة المكرمة يعبدون الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما أمر عند أول بيت وضع للناس في الأرض حتي توفاهم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏

ويدور المحور الرئيسي لسورة هود حول قضية العقيدة الإسلامية‏,‏ ومن ركائزها التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏),‏ والخضوع لجلاله وحده بالعبادة والطاعة كما أمر‏,‏ وهذه كانت وصية كل نبي من أنبياء الله إلي قومه‏:‏
‏*‏ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير‏*‏
‏(‏هود‏:2)‏

‏*‏ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم‏*‏
‏(‏ هود‏26)‏

‏*‏ وإلي عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون‏*‏
‏(‏هود‏:50)‏

‏*‏ وإلي ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره‏...*‏
‏(‏هود‏:61)‏

‏*‏ وإلي مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره‏..*‏
‏(‏هود‏:84)‏

وبالإضافة إلي التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏)‏ فإن من ركائز العقيدة الإسلامية التي عرضت لها سورة هود اليقين بحتمية الموت‏,‏ والبعث والحساب‏,‏ والجزاء بالخلود في الجنة أبدا‏,‏ أو في النار أبدا‏,‏ والتصديق بوحي السماء‏,‏ وبجميع أنبياء الله وكتبه ورسله‏,‏ وببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وبالقرآن الكريم الذي حفظ الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فيه الدين بكماله‏,‏ وتمامه‏,‏ وربانيته بنفس لغة الوحي التي أوحي بها‏(‏ اللغة العربية‏)‏ وتعهد بحفظه إلي يوم الدين‏.‏
وقد استهلت سورة هود بالحروف الهجائية المقطعة الثلاثة‏(‏ الر‏),‏ وسبق لنا مناقشة آراء المفسرين في هذه المقطعات الهجائية‏,‏ ولا أري ضرورة لإعادة ذلك هنا‏.‏

وعقب هذا الاستهلال مباشرة جاء التأكيد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي فضل القرآن الكريم‏,‏ ومن هذا الاستفتاح إلي الآية الرابعة والعشرين من سورة هود جاءت الآيات إما علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في توجيهات صريحة لأهل مكة وللمؤمنين به من بعده‏,‏ أو خطابا موجها من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إليه‏,‏ وذلك من مثل قوله تعالي‏)‏
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير‏*‏ ألا تعبدوا إلا الله انني لكم منه نذير وبشير‏*‏ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلي أجل مسمي ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير‏*‏ إلي الله مرجعكم وهو علي كل شيء قدير‏*‏
‏(‏ هود‏:1‏ ـ‏4)‏

ثم تتحدث الآيات عن شيء من طبائع النفس الإنسانية في كل من حالات السعة والنعماء‏,‏ وحالات الضيق والبأساء لتقول‏:‏
ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور‏*‏ ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور‏*‏ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير
‏(‏هود‏:9‏ ــ‏11).‏

وتعاود الآيات التأكيد علي حجية القرآن الكريم‏,‏ وربانيته والتحدي بعجز الخلق أجمعين علي الإتيان بشيء من مثله‏,‏ والسخرية من الذين قالوا إن الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد افتراه فتنطق بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعو من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين‏*‏ فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون
‏(‏هود‏:14,13).‏

وتؤكد الآيات أنه من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وعمل لذلك مجتهدا فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يؤته ثمار أعماله كاملة غير منقوصة‏,‏ ولكن الذين يقصرون همهم علي الدنيا فقط وينسون الآخرة‏(‏ كالغالبية الساحقة من أهل الأرض اليوم‏)‏ فهؤلاء ليس لهم في الآخرة إلا الخزي والعذاب والندم ساعة لا ينفع الندم لأنهم سوف يرون بأعينهم أن كل مكاسب الدنيا إذا لم تكن قد وظفت في طاعة الله فإنها لا قيمة لها ولا وزن لها في الآخرة علي الأطلاق‏.‏
وتقارن الآيات بين مصائر الضالين من أهل الأرض الذين يعيشون علي ظهرها كالسائمة بلا هدف ولا غاية‏,‏ وبين مصائر المؤمنين الذين يفهمون حقيقة رسالتهم في هذه الحياة عبادا لله‏(‏ تعالي‏)‏ يعبدونه بما أمر‏,‏ ويحسنون القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها‏,‏ ومحاربة كل صور الظلم والفساد فيها‏,‏ والعمل علي إقامة عدل الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في أرجائها‏,‏ ويسيرون في الحياة الدنيا علي بصيرة وهداية من ربهم‏,‏ يرجون بكلماتهم وحركاتهم وسكناتهم وجه الله‏(‏ تعالي‏),‏ ولديهم البرهان الجلي من ربهم ــ وهو القرآن الكريم ــ يشهد علي حجية الإسلام العظيم كما تكامل في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وينطق بالإعجاز في كل أمر من أموره‏,‏ ويشهد له ما جاء من قبل في كتاب موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ وهو التوراة الأصلية‏.‏

ومن قبيل الدعوة الي النظر بعين البصيرة فيما يعتقد كل إنسان تخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ــ والمراد بالخطاب كل مستمع له ــ فتقول‏:‏
‏..‏ فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون
‏(‏هود‏:17)‏

وبعد أن بين الله‏(‏ تعالي‏)‏ حال المؤمنين المتصفين بالتزام أوامر الله‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ بين أحوال الكافرين‏,‏ وذكر من أوصافهم أربعة عشر وصفا أولها افتراء الكذب علي الله‏,‏ وآخرها الخسران المبين في الآخرة‏,‏ وتحذر الآيات من جريمة الكذب علي الله‏(‏ تعالي‏),‏ وتصف هذه الجريمة بأنها من أبشع صور الظلم لأنها تصرف الناس عن دين الله‏,‏ وتحرفهم عن طريقه المستقيم إلي طرق علي رؤوسها مختلف الشياطين الذين يكفرون بالآخرة وبما فيها من ثواب وعقاب‏,‏ ويكرهون الاستماع إلي القرآن الكريم وما فيه من حق مبين‏,‏ أو النظر إلي آيات الله في الكون بعين البصيرة‏,‏ وهؤلاء الضالون ليسوا بمعجزين في الأرض‏,‏ وليس لهم من دون الله أولياء يعصمونهم من عذابه‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ قادر علي مضاعفة العذاب لهم في الدنيا بالإضافة الي عذاب الآخرة الواقع بهم لا محالة‏,‏ وهؤلاء ــ كما يصفهم القرآن الكريم ــ قد‏..‏ خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏*‏ لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون
‏(‏هود‏:21‏ و‏22)‏

وفي المقابل تعرض الآيات في سورة هود لموقف المؤمنين فتقول‏:‏
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلي ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون‏*‏ مثل الفريقين كالأعمي والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون‏.(‏ هود‏:23‏ و‏24)‏
وبعد هذه السلسلة من الترغيب في خيري الدنيا والآخرة‏,‏ والترهيب من خسرانهما ينتقل السياق إلي استعراض سريع لقصص سبعة من أنبياء الله ولتفاعل أقوامهم معهم وذلك للتأكيد علي موقف الخلق من قضيتي الايمان والكفر عبر التاريخ وعلي حتمية هلاك المكذبين ونجاة المؤمنين بأمر الله‏(‏ تعالي‏).‏ والانبياء الذين جاء ذكرهم في هذه السورة المباركة هم‏:‏

‏(1)‏ نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقد سردت قصته مع قومه في خمس وعشرين آية‏(‏ هود‏:25‏ ـ‏49)‏ حتي تم إغراق العاصين منهم بالطوفان‏,‏ ونجي الله‏(‏ تعالي‏)‏ نوحا والذين آمنوا معه‏.‏
‏(2)‏ هود‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقد جاء ذكر قصته مع قومه‏(‏ قبيلة عاد وتعرف ايضا باسم عاد الاولي‏)‏ في إحدي عشرة آية‏(‏ هود‏:50‏ ـ‏60),‏ وكان هلاك العاصين منهم بريح صرصر عاتية‏.‏

‏(3)‏ صالح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته مع قومه‏(‏ قبيلة ثمود أو عاد الثانية‏)‏ في ثماني آيات‏(‏ هود‏:61‏ ـ‏68),‏ وقد أهلك الله‏(‏ تعالي‏)‏ الكافرين منهم بالصيحة‏(000‏ فاصبحوا في ديارهم جاثمين‏)‏
‏(4)‏ ابراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقد جاءت قصته مع قومه في ثماني آيات‏(‏ هود‏:69‏ ـ‏76)‏

‏(5)‏ لوط‏(‏ عليه السلام‏)‏ وجاء ذكر قصته مع قومه في سبع آيات‏(‏ هود‏:77‏ ـ‏83)‏ وقد عوقب المفسدون من قومه بخسف الارض بهم‏,‏ وإمطارهم بحجارة من سجيل منضود‏.‏
‏(6)‏ شعيب‏(‏ عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته في اثنتي عشرة اية‏(‏ هود‏:83‏ ـ‏95)‏ وقد أهلك الظالمون من قومه بالصيحة‏(....‏ فأصبحوا في ديارهم جاثمين‏),‏ ونجي الله‏(‏ تعالي‏)‏ شعيبا والذين آمنوا معه‏.‏

‏(7)‏ موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ وجاءت قصته مع فرعون مصر في خمس آيات
‏(‏ هود‏:96‏ ـ‏99‏ ـ‏110).‏

وبعد هذا الاستعراض المعجز لقصص هذا العدد من انبياء الله ورسله‏,‏ ولحركة الايمان والكفر عبر حقبة طويلة من تاريخ البشرية امتدت من لدن نبي الله نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ الي بعثة خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ في زمن لم يكن زمن تدوين‏,‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الاميين ـ يأتي الخطاب من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله بالتثبيت فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
ذلك من أنباء القري نقصه عليك منها قائم وحصيد‏*‏ وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك ومازادوهم غير تتبيب‏*‏ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القري وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏.‏
‏(‏هود‏:100‏ ـ‏102)‏

وتنتقل الآيات بعد ذلك للحديث عن اختلاف اليهود في التوراة من بعد موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ وإلي تعرضها للتأويل حسب أهواء أحبارهم‏,‏ مما ادي الي تفرقهم شيعا‏,‏ وإلي إنحرافهم عن الحق الذي أنزل علي نبيهم‏,‏ وإلي خياناتهم للعهد وغدرهم بالخلق‏,‏ ولولا وعد سبق من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بتأخير عقابهم إلي يوم القيامة لحل بهم عذاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الدنيا قبل الآخرة‏.‏
ثم تعاود الآيات توجيه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ وإلي كل من آمن به فتقول‏:‏

فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير‏*‏ ولا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون‏*‏ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكري للذاكرين‏*‏ واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين
‏(‏هود‏:112‏ ـ‏115)‏

وتختتم سورة هود بخطاب الي سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كما بدأت بخطاب منه‏,‏ وفي ذلك تقول‏:‏
وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكري للمؤمنين‏*‏ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا علي مكانتكم إنا عاملون‏*‏ وانتظروا إنا منتظرون‏*‏ ولله غيب السماوات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وماربك بغافل عما تعملون‏*‏
‏(‏هود‏:120‏ ـ‏123)‏

من ركائز العقيدة في سورة هود
‏(1)‏ اليقين بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وأنه كتاب أحكمت آياته تم فصلت من لدن حكيم خبير‏,‏ ولذلك يتحدي به الله‏(‏ تعالي‏)‏ الخلائق أجمعين أن يأتوا بشيء من مثله‏,‏ ولن يستطيعوا ذلك أبدا‏.‏
‏(2)‏ الإيمان بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ ولاصاحبة‏,‏ ولا ولد‏)‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه‏)‏ عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ واليقين بأنه‏(‏ تعالي‏)‏ عليم بذات الصدور‏,‏ وأنه هو الرزاق‏,‏ ذو القوة المتين‏,‏ وأنه علي كل شئ حفيظ‏,‏ وأن من صفاته‏(‏ سبحانه‏)‏ أنه هو الرحيم الودود العزيز‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو المستحق للخضوع لجلاله بالعبادة والطاعة بما أمر‏,‏ وبالتوكل عليه‏,‏ والإنابة إليه‏,‏ والصبر علي المكاره طلبا لمرضاته‏..‏

‏(3)‏ التسليم بحتمية الموت‏,‏ والبعث‏,‏ والرجوع إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ للحساب والجزاء والخلود في الحياة الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ والاستعداد جهد الطاقة لذلك‏.‏
‏(4)‏ التصديق بأن دور كل من الأنبياء والمرسلين هو الانذار والتبشير‏,‏ دون إكراه أو إلزام‏,‏ وأن الحسنات يذهبن السيئات وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لايضيع أجر المحسنين‏,‏ وأن من الإحسان إحقاق الحق وإزهاق الباطل‏,‏ وإقامة عدل الله في الأرض‏,‏ والتواصي بوفاء الكيل والوزن بالقسط‏,‏ والإصلاح في الأرض‏,‏ والنهي عن الإفساد فيها‏.‏

‏(5)‏ الإيمان بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ من طلاقة عدله أنه يوفي الناس أجر أعمالهم الصالحة‏,‏ في الدنيا‏,‏ ولايبخسن لهم حقا أيا تكن عقائدهم‏,‏ فإن كانت عقائدهم فاسدة فليس لهم في الآخرة جزاء كفرهم إلا النار‏,‏ وحبط ماصنعوا في الدنيا‏,‏ وكان باطلا بطلانا كاملا‏.‏
‏(6)‏ التصديق بجميع أنبياء الله وكتبه ورسله‏,‏ وبالرسالة الخاتمة التي اكتمل بها الدين‏,‏ وتمت النعمة‏,‏ ولذلك تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظها في القرآن الكريم وفي سنة الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فحفظت في نفس لغة وحيها‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ وهذا هو الحق من رب العالمين‏,(‏ ولكن اكثر الناس لايعلمون‏),‏ ومن يكفر بذلك فالنار موعده‏.‏ خالدا فيها‏.‏

‏(7)‏ اليقين بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أصحاب الجنة فيها خالدون وأن الذين كفروا بالله أو أشركوا به‏,‏ أو كذبوا بأنبيائه ورسله وبالقرآن العظيم وبخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ أو كذبوا علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحرفوا دينه‏,‏ أو أنكروا الآخرة ومافيها من بعث وحساب وخلود فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة هود
‏1‏ ـ الإشارة إلي إحاطة علم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بكل شيء يذكر أنه يرزق كل دابة في الأرض‏,‏ ويعلم مستقرها‏(‏ أي مكان وجودها أو موضع قرارها في سلاسل حاملات الوراثة في أصلاب آبائها قبل أن تخلق‏)‏ ومستودعها‏(‏ أي مااستودع الله سبحانه وتعالي صلب كل واحدة منها من ذريات في شفرتها الوراثية‏),‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ آخذ بناصية كل حي‏(‏ أي يملكه ويقهره‏),‏ وأن ذلك كله مدون عنده في كتاب مبين‏.‏
‏2‏ ـ التأكيد علي خلق السماوات والأرض في ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل‏)‏ وأن عرش الخالق العظيم كان علي الماء‏,‏ وأن الآخرة حتم لا ريب فيه‏.‏

‏3‏ ـ وصف جانب من طبائع النفس البشرية التي تصاب بشيء من اليأس والقنوط في حالات الضيق والبأساء‏,‏ وبشئ من الفرح والفخر والزهو في حالات السعة والنعماء‏.‏
‏4‏ ـ ذكر حقيقة تنوع الناس مع توحد أصلهم الذي ينتهي إلي أب واحد وأم واحدة‏,‏ مما يشير إلي طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الخلق‏.‏
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين‏(‏ هود‏:118)‏

‏5‏ ـ الإشارة إلي غيوب السماوات والأرض‏,‏ وإلي أن الأمر كله يرجع إلي الله‏(‏ تعالي‏),‏ والعلوم المكتسبة تؤكد حقيقة تلك الغيوب‏.‏
‏6‏ ـ تشببه الموج الذي خاضته سفينة نبي الله نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ بأنه كالجبال‏(‏ هود‏:42),‏ ووصف انتهاء الطوفان بغيض الماء‏(‏ هود‏:44)‏ وهي من الحقائق العلمية المؤكدة‏.‏

‏7‏ ـ سرد قصص سبعة من أنبياء الله ورسله‏,‏ وتحقيق تفاعل أممهم معهم‏,‏ وتسجيل ماأصاب تلك الأمم من عقاب أو ثواب بدقة بالغة‏,‏ في تغطية رائعة لأغلب تاريخ الإنسان علي سطح الأرض‏,‏ وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ وفي أمة لم تكن أمة علم أو تدوين‏,‏ بل كانت في غالبيتها أمة وثنية أمية‏,‏ خاصة وأن ما كان قد بقي بأيدي أهل الكتاب من ذكريات لم بسجل شيئا عن اثنين من هؤلاء الأنبياء ولقد أثبتت الكشوف الأثرية صدق ماجاء بالقرآن الكريم عن هذه الأمم وعما أصابها من عقاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ للذين كفروا منهم‏,‏ وجحدوا ربهم‏,‏ وكذبوا أنبياءه ورسله‏,‏ وهذا من أوضح جوانب الإعجاز التاريخي في القرآن الكريم‏.‏
‏(8)‏ الإشارة إلي قوم ثمود بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أنشأهم من الأرض واستعمرهم فيها‏.‏

‏(9)‏ إثبات تحريف اليهود لتوراة موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ والدراسات العلمية الرصينة تؤكد ذلك وتدعمه‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة الثامنة من القائمة السابقة والتي جاءت في الآية الحادية والستين من سورة هود‏,‏ وقبل الوصول إلي ذلك أري ضرورة المرور السريع بأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
وإلي ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب‏*‏
‏(‏هود‏:61)‏

‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ مامختصره‏:(‏ و‏)‏ لقد أرسلنا‏(‏ إلي ثمود‏)‏ وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث الله منهم‏(‏ أخاهم صالحا‏)‏ فأمرهم بعبادة الله وحده‏,‏ ولهذا قال‏(‏ هو أنشأكم من الأرض‏)‏ أي ابتدأ خلقكم منها إذ خلق منها أباكم آدم‏,(‏ واستعمركم فيها‏)‏ أي جعلكم عمارا تعمرونها وتستغلونها‏,....‏
‏*‏ وجاء في‏(‏ الظلال‏)[‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏]‏ ما مختصرة‏:‏

‏.....‏ وذكرهم صالح بنشأتهم من الأرض‏,‏ نشأة جنسهم‏,‏ ونشأة أفرادهم من غذاء الأرض‏,‏ أو من عناصرها التي تتألف منها عناصر تكوينهم الجسدي‏.‏ ومع أنهم من هذه الأرض‏,‏ من عناصرها‏,‏ فقد استخلفهم الله فيها ليعمروها‏,‏ استخلفهم بجنسهم واستخلفهم بأشخاصهم بعد الذاهبين من قبلهم‏.‏ ثم هم بعد ذلك يشركون معه آلهة أخري‏(‏ فاستغفروه ثم توبوا إليه‏)‏ واطمئنوا إلي استجابته وقبوله‏(‏ إن ربي قريب مجيب‏)....‏ والإضافة في‏(‏ ربي‏)‏ ولفظ‏(‏ قريب‏)‏ ولفظ‏(‏ مجيب‏)‏ واجتماعها وتجاورها ترسم صورة لحقيقة الألوهية كما تتجلي في قلب من قلوب الصفوة المختارة‏,‏ وتخلع علي الجو أنسا واتصالا ومودة‏,‏ تنتقل من قلب النبي الصالح إلي قلوب مستمعيه لوكانت لهم قلوب‏!!.‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لاحاجة إلي تكراره‏.‏

من الدلالات العلمية للنص الكريم
أولا‏:‏ الإثبات التاريخي لنبوة صالح‏(‏ عليه السلام‏):‏
الخطاب في هذا النص الكريم موجه إلي قبيلة ثمود من نبيهم صالح‏(‏ عليه السلام‏),‏ والآثار الباقية عند أهل الكتاب لا تذكر شيئا عن هذا النبي الصالح‏,‏ ولاعن قومه‏,‏ وهنا تسقط الحجة الكاذبة أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد نقل هذا القصص النبوي عنهم‏,‏ وبالذات عما جاء في الأسفار الخمسة الأولي من العهد القديم وهي لاتحوي شيئا عن اثنين من أنبياء الله هما هود‏(‏ عليه السلام‏)‏ النبي المبعوث إلي قوم عاد‏,‏ وصالح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقد بعث إلي قوم ثمود‏.‏
والقبيلة سميت باسم جدهم‏(‏ ثمود‏)‏ وهو الحفيد الثالث لنبي الله نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ والذي اسمه‏(‏ ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح‏),‏ وقبيلة ثمود هي قبيلة عربية قديمة‏,‏ من العرب العاربة التي سكنت الحجر‏(‏ أو مايعرف اليوم باسم مدائن صالح‏)‏ الواقعة في وادي القري‏,‏ إلي الشمال الغربي من المدينة المنورة علي الطريق القديم بينها وبين مدينة تبوك وبالقرب من مدينة الفلا‏.‏ وكان أبناء هذه القبيلة من الأشداء الذين نحتوا قصورهم في الجبال المحيطة بوادي القري‏,‏ وجاءوا بكتل كبيرة من الصخر إلي بطن الوادي ونحتوها قصورا‏.‏

وقد جاء ذكر قبيلة ثمود في نقوش تركها الملك الآشوري سارجون‏(Sargon)‏ يرجع تاريخها إلي سنة‏715‏ قبل الميلاد‏,‏ وكان سارجون قد أخضع تلك القبيلة لنفوذه في فترة من الفترات‏.‏
والقرآن الكريم كثيرا مايقرن بين ذكر عاد وثمود‏(‏ كما جاء في كل من سور التوبة‏,‏ إبراهيم‏,‏ الفرقان‏,‏ ص‏,‏ ق‏,‏ النجم‏,‏ والفجر‏)‏ ربما لتقاربهما الزمني‏,‏ أو لكون ثمود ممن نجوا من إهلاك قوم عاد حتي ليطلق عليهم أحيانا اسم عاد الثانية‏.‏ وبقايا كتب أهل الكتاب لاتذكر شيئا عن هاتين الأمتين‏,‏ وإن أثبت القرآن الكريم معرفة موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ بهما كما جاء في سورة إبراهيم‏(8‏ و‏9).‏

وقبيلة ثمود ـ في مرحلة من مراحل انحرافهم عن منهج الله تعالي ـ عبدوا الأصنام فبعث الله‏(‏ تعالي‏)‏ إليهم نبيا منهم هو صالح‏(‏ عليه السلام‏),‏ الذي اصطفاه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ من بينهم فاشتهر عندهم برجاحة العقل‏,‏ واستقامة الفكر‏,‏ وطهارة السلوك‏.‏
وهذا النبي الصالح كان الحفيد الرابع لمؤسس قبيلة ثمود وعندما آتاه الله‏(‏ تعالي‏)‏ النبوة‏,‏ وبدأ في الدعوة إلي عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ وإلي نبذ عبادة الأصنام والأوثان‏,‏ وإلي التطهر من دنس الشرك الي شرف التوحيد‏,‏ والي حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة عدل الله فيها بعد أن كان الظلم والانحراف عن منهج الله والإفساد في الأرض قد شاع بين أبناء قبيلته‏,‏ عارضه قومه‏,‏ وسخروا من دعوته‏,‏ واتهموه بالسحر‏,‏وحاربوه‏,‏ وحاولوا قتله ولكنهم لم يفلحوا في ذلك‏,‏ ثم طالبوه بالمعجزات والخوارق التي تشهد علي صدق ما جاءهم به‏,‏ وكان من بين ذلك أن طالبوه‏-‏ من قبيل التعجيز‏-‏ أن يخرج لهم من صخرة منعزلة عن الجبل ناقة بمواصفات خاصة وضعوها‏,‏ فأخذ عليهم نبيهم العهود والمواثيق إن جاءهم بما طلبوا أن يؤمنوا بما جاءهم به‏,‏ وعند استجابتهم لذلك شرع في الصلاة والدعاء لله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي تمخضت الصخرة عن ناقة بالمواصفات التي طلبوها‏,‏ ثم وضعت هذه الناقة فصيلا يشبهها ضخامة وهيبة فآمن من آمن‏,‏ وكفر من كفر‏,‏ وما آمن معه إلا قليل‏.‏

وقال لهم نبيهم‏:‏ هذه ناقة الله لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم‏,‏ ولكن الكفار لم يصبروا علي ذلك فعقروا الناقة بواسطة تسعة رهط من المفسدين‏,‏ فأنذرهم نبيهم بعذاب عاجل من الله‏(‏ تعالي‏)‏ قائلا لهم‏:‏ لكل أمة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب بعد ذلك وفي ضحي اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فأهلكتهم وهم في ديارهم جاثمين‏,‏ ونجي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ نبيه صالحا والذين آمنوا معه فلجأوا أولا الي بلاد الشام ثم الي مكة المكرمة حيث عبدوا الله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي أتاهم اليقين‏.‏ وكان من نسل الناجين كل من الأنباط في الشمال وقبيلة ثقيف التي سكنت جبال الطائف‏.‏
وكان في تسجيل القرآن الكريم لنبوة صالح‏(‏ عليه السلام‏)‏ ولقصته مع قومه شهادة صدق علي ربانية القرآن الكريم وعلي نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ لأن أيا من آثار أهل الكتاب لم يشر إلي هذا النبي ولا إلي قومه‏,‏ كما لم يشر الي اسلافهم عادا الأولي ونبيهم هود‏(‏ عليه السلام‏).‏

ثانيا‏:‏ في قوله تعالي‏:..‏ هو أنشأكم من الأرض‏..‏
هذا الخطاب من نبي الله صالح‏(‏ عليه السلام‏)‏ إلي قومه من قبيلة ثمود يمن عليهم فيه أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أنشأهم من الأرض أي من عناصرها المختلفة‏,‏ وهذه الحقيقة تنطبق علي كونهم من نسل آدم‏(‏ عليه السلام‏),‏ وكانوا جميعا في صلبه لحظة خلقه وقد خلقه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ من الأرض‏.‏ كما تنطبق علي كون أجسادهم‏-‏ مثل أجساد كل المخلوقات‏-‏ قد نمت أصلا من عناصر الأرض‏.‏
والقرآن الكريم يؤكد لنا الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فيه علي أنه خلق الانسان علي مراحل متتالية كما يلي‏:‏

‏1-‏ من تراب‏(‏ آل عمران‏/59,‏ الكهف‏/37,‏ الحج‏/5,‏ الروم‏/20,‏ فاطر‏/11,‏ غافر‏/67)‏
‏2-‏ ومن طين‏-‏ وهو التراب المعجون بالماء‏-(‏ الانعام‏/2,‏ الأعراف‏/12,‏ السجدة‏/7,‏ص‏/7671,‏ الاسراء‏/61)‏

‏3-‏ ومن سلالة من طين‏-‏ أي من خلاصة منتزعة من الطين برفق‏-(‏ المؤمنون‏/12)‏
‏4-‏ومن طين لازب‏-‏ أي لاصق بعضه ببعض‏-(‏الصافات‏/11)‏

‏5-‏ ومن صلصال من حمأ مسنون‏-‏ أي أسود منتن‏(‏الحجر‏/26‏و‏28‏و‏33).‏
‏6-‏ ومن صلصال كالفخار‏(‏الرحمن‏/14)‏

‏7-‏ ومن الأرض‏(‏ هود‏/61,‏ طه‏/55,‏ النجم‏/32,‏ نوح‏/17‏و‏18)‏
‏8-‏ ومن الماء‏(‏الفرقان‏/54).‏

‏9-‏ ومن ماء دافق‏(‏ الطارق‏/6)‏
‏10-‏ ومن ماء مهين‏(‏ المرسلات‏/20)‏
‏11-‏ من سلالة من ماء مهين‏(‏السجدة‏/8)‏

وفي ذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ ان الله خلق ادم من قبضة قبضها من جميع الارض‏,‏ فجاء بنو ادم علي قدر الارض‏:‏ جاء منهم الاحمر‏,‏ والابيض‏,‏ والاسود وبين ذلك‏,‏ والخبيث والطيب وبين ذلك‏(‏ أخرجه كل من الامام أحمد‏,‏ وأبو داود‏,‏ والترمذي‏).‏
ولما كان الانسان قد خلق أصلا من تراب الارض‏,‏ ويحيا علي خلاصة من عناصر الارض تجهزها له النباتات في ثمارها وحبوبها‏,‏ أو المباحات من الحيوانات ومنتجاتها التي تستمد اجسادها من عناصر الارض عن طريق ما تأكله من نباتات أو تستخلصه من مياه البحار والمحيطات قال ربنا‏(‏ وقوله الحق‏)‏ ممتنا علي العصاة المتجبرين من قوم ثمود‏:‏ هو أنشأكم من الأرض‏...‏ بمعني كيف تعصون الله‏(‏ تعالي‏)‏ رسوله‏,‏ وترفضون هدايته وقد خلقكم ونماكم من تراب الأرض؟‏!‏ وهو سؤال تقريري تقريعي توبيخي يدرك كل انسان حقيقة الاجابة عليه‏!!.‏

ثالثا‏:‏ في قوله تعالي‏:..‏ واستعمركم فيها‏...:‏
والخطاب هنا موجه إلي كفار ومشركي قوم ثمود‏,‏ ويمتن الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليهم فيه بأن نجاهم من العذاب الذي أهلك به كفار ومشركي قوم عاد‏,‏ ومكنهم من الهجرة شمالا إلي أرض منطقة الحجر بوادي القري‏,‏ وأعانهم علي إعمارها بما هيأ لهم فيها من وفرة في الماء‏,‏ وجودة في التربة‏,‏ وتباين في التضاريس‏,‏ وحماية طبيعية بإحاطة الجبال بهذا الوادي الحصين‏,‏ وبما وهب صخور تلك الجبال الرملية من مسامية عالية لخزن الماء تحت سطح الأرض‏,‏ وطراوة متوسطة مكنتهم من نحت بيوتهم فيها‏,‏ وفواصل طبيعية مكنت عوامل التعرية من تحريك كتل كبيرة من تلك الصخور إلي بطن الوادي لنحتها قصورا فارهة‏,‏ ويذكرهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بتلك النعم فيقول‏:‏
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين
‏(‏ الأعراف‏:74)‏

ويقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين‏*‏ وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين‏*‏ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين‏*‏ فأخذتهم الصيحة مصبحين‏*‏ فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون‏*‏
‏(‏الحجر‏:80‏ ـ‏84).‏

ويقول‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
كذبت ثمود المرسلين‏*‏ إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون‏*‏ إني لكم رسول أمين‏*‏ فاتقوا الله وأطيعون‏*‏ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا علي رب العالمين‏*‏ أتتركون في ما هاهنا آمنين‏*‏ في جنات وعيون‏*‏ وزروع ونخل طلعها هضيم‏*‏ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين‏*‏ فاتقوا الله وأطيعون‏*‏ ولا تطيعوا أمر المسرفين‏*‏ الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون‏*‏ قالوا إنما أنت من المسحرين‏*‏ ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين‏*‏ قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم‏*‏ ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم‏*‏ فعقروها فأصبحوا نادمين‏*‏ فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين‏*‏ وإن ربك لهو العزيز الرحيم‏*.‏
‏[‏ الشعراء‏:141‏ ـ‏159]‏

وهذا النص الكريم الذي جاء في الآية رقم‏(61)‏ من سورة هود يكفي وحده للشهادة بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ دون أن يضاف إليه حرف واحد أو أن ينتقص منه حرف واحد علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ حتي يكون شاهدا علي الناس أجمعين إلي يوم الدين بأن الله‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ حق‏,‏ وبأن القرآن حق‏,‏ وبأن سيدنا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ حق‏,‏ وأن الآخرة حق وهذا ما نتمني إيصاله إلي الناس جميعا في زمن الضياع والفتن الذي يعيشه اهل الارض أجمعون نتيجة لبعدهم عن هذا الدين الحق‏,(‏ والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏).‏