142)...‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏...*‏
هذا النص القرآني المعجز جاء في بداية النصف الثاني من‏'‏ سورة النجم‏'‏ وهي سورة مكية وعدد آياتها‏(62)‏ بعد البسملة وفي ختامها سجدة من سجدات التلاوة‏.‏ وقد أخرج كل من الأئمة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي أن‏'‏ سورة النجم‏'‏ هي أول سورة أنزلت فيها سجدة تلاوة‏.‏ وقد سميت السورة بهذا الاسم‏(‏ النجم‏)‏ لاستهلالها بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)-‏ والله تعالي غني عن القسم لعباده‏-‏ يقول فيه‏(‏ وهو أحكم القائلين‏)'‏ والنجم إذا هوي‏*'.‏
ويدور المحور الرئيسي لهذه السورة الكريمة حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية وفي مقدمتها الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا فردا صمدا لا يشبهه أحد من خلقه ولا يشاركه أحد في ملكه ولا ينازعه أحد في سلطانه وهو منـزه عن جميع صفات خلقه ومنها الادعاء الباطــل له بالصاحبة والولد‏.‏ وأن هذا الإله الخالق البارئ المصور خلق الموت والحياة‏...‏ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني‏.‏
ومن ركائز العقيدة الإسلامية كذلك الإيمان بحقيقة الوحي من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي سلسلة من الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من خلقه بعلمه والذين ختمهم ببعثة خاتم أنبيائه ورسله سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي أوحي إليه ربه عبر سيدنا جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ هدايته الخاتمة للبشرية كلها وتعهد بحفظها في نفس لغة وحيها حفظا كاملا إلي يوم الدين والذي أكرمه ربه‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بمعجزة الإسراء والمعراج وكان فيها من التكريم ما لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد ومن هنا كان الإيمان ببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم وبصدق رسالته ركيزة من ركائز العقيدة الإسلامية التي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ من عباده عقيدة سواها فقال‏(‏ عز من قائل‏):'‏ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب‏(‏ آل عمران‏:19)‏
وتبدأ‏'‏ سورة النجم‏'‏ بالقسم الإلهي الذي يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

والنجم إذا هوي‏*(‏ النجم‏:1)‏
وقد نقل عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏(‏ رضي الله عنها‏)‏ في تفسير هذه الآية الكريمة قولها‏:‏ هو جبريل‏(‏ عليه السلام‏)‏ في أول نزوله إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي لم يره في صورته الحقيقية إلا مرتين‏:‏ مرة عند سدرة المنتهي ومرة في أجياد‏(‏ من أحياء مكة المكرمة‏)‏ وله ستمائة جناح قد سد الأفق‏.‏ وقيل في‏(‏ النجم إذا هوي‏)‏ أنه القرآن الكريم إذا نزل وقيل هو الثريا إذا سقطت مع الفجر‏.‏ وقيل هي الشهب إذا رجمت بها الشياطين وقيل هي نجوم السماء علي إطلاقها وقيل غير ذلك‏.‏

ومع تسليمنا بذلك إلا أن الآية الكريمة تحتمل الإشارة إلي ظاهرة من أهم الظواهر الكونية تتحول فيها النجوم في نهاية دورة حياتها إلي دخان الكون بالانفجار كما بدأ خلقها منه بالتكديس والتضاغط الناتجين من الدوران بسرعات فائقة في داخل السدم أو ينزل بقايا هذا الانفجار إلي الأرض ليختلط بترابها وأصله من دخان الكون الذي خلق الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ منه كلا من السماوات والأرض تأكيدا علي وحدة بناء الكون الناطقة بوحدانية الخالق‏(‏ سبحانه‏).‏ وقد يعاد توظيف هذا الدخان جزئيا أو كليا في بناء جرم سماوي جديد أو في إضافته إلي جرم قائم مثل الأرض فيدخل في دورة من دورات الخلق للجمادات أو للأحياء‏.‏
ثم يأتي جواب القسم بتأكيد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي صدق خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فيما بلغ عن ربه إتباعا للحق الذي أنزل عليه بغير أدني حيود أو ميل عنه وفي استقامة واعتدال تامين هيأهما الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ له وهيأه لهما فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الناس كافة وجاهد في سبيل الله حتي أتاه اليقين وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
ما ضل صاحبكم وما غوي‏*‏ وما ينطق عن الهوي‏*‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏*‏ ذو مرة فاستوي‏*‏ وهو بالأفق الأعلي‏*‏ ثم دنا فتدلي‏*‏ فكان قاب قوسين أو أدني‏*‏ فأوحي إلي عبده ما أوحي‏*‏ ما كذب الفؤاد ما رأي‏*‏ أفتمارونه علي ما يري‏*‏ ولقد رآه نزلة أخري‏*‏ عند سدرة المنتهي‏*‏ عندها جنة المأوي‏*‏ إذ يغشي السدرة ما يغشي‏*‏ ما زاغ البصر وما طغي‏*‏ لقد رأي من آيات ربه الكبري‏*.(‏ النجم‏:2-18)‏

وإجماع المفسرين علي أن هذه الآيات تصف لقاء جبريل عليه السلام بخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مرة في الأرض وأخري في السماء بهيئته الحقيقية لأن سدرة المنتهي في السماء السابعة وإليها ينتهي كل ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي كل ما يهبط به من فوقها فيفيض منها‏.‏
ثم تستنكر الآيات في سورة النجم شرك المشركين بالله وتطاولهم علي الذات الإلهية بنسبة الملائكة إليه وهم من خلقه‏(‏ سبحانه وتعالي عن ذلك علوا كبيرا‏)‏ واعتبارهم الملائكة إناثا وهو خوض‏-‏ بغير حق‏-‏ في أمور غائبة عنهم غيبة كاملة وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
‏'‏ أفرأيتم اللات والعزي‏*‏ ومناة الثالثة الأخري‏*‏ ألكم الذكر وله الأنثي‏*‏ تلك إذا قسمة ضيزي‏*‏ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدي‏*'.(‏ النجم‏:19-23)‏

وكانت‏(‏ اللات‏)‏ صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة وحوله فناء كبير وكان أغلب أهل الطائف يعظمونها‏(‏ وهم ثقيف ومن تابعها‏).‏ وكانت‏(‏ العزي‏)‏ شجرة عليها بناء وأستار بمنطقة نخلة بين مكة والطائف‏.‏
وأما‏(‏ مناة‏)‏ فكانت بين مكة والمدينة بمنطقة‏'‏ المشلل‏'‏ بالقرب من قديد وكانت كل من خزاعة والأوس والخزرج يعظمونها في جاهليتهم ويهلون منها للحج إلي الكعبة المشرفة‏.‏

وكانت هذه الثلاثة ضمن عدد كبير من الطواغيت التي اتخذها مشركو العرب بيوتا تعظم وينحر عندها‏,‏ ويهدي إليها ويطاف بها كالطواف حول الكعبة تماما مع إدراكهم لفضل الكعبة عليها بصفتها بيت الله الذي رفع قواعده كل من إبراهيم وولده إسماعيل‏(‏ عليهما السلام‏)‏ والذي حرمه الله‏(‏ تعالي‏)‏ يوم خلق السماوات والأرض‏.‏
وتعتب الآيات في سورة النجم علي هؤلاء المشركين جورهم في اختيارهم الذكور لأنفسهم وادعاء نسبة الإناث إلي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وما هي إلا أسماء اخترعوها من عند أنفسهم وليس لهم بها أدني دليل‏.‏ ثم تستطرد الآيات مؤكدة أنه ليس كل ما تمني الإنسان من الخير حصل عليه لأن الأمر كله لله رب السماوات والأرض وما بينهما مالك الدنيا والآخرة والمتصرف فيهما بعدله وحكمته وإرادته وأنه لا سلطان في هذا الوجود كله لغير الله‏(‏ تعالي‏)‏ وتؤكد الآيات أنه إذا كان الملائكة المقربون لا يشفعون إلا بإذن من الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فكيف يتخيل المشركون إمكانية شفاعـة أصنامهـم عند الله وهـم يعبدونها من دون الله أو يشركونها في عبادتهــم له والله‏(‏ جـل شأنه‏)‏ لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏.‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
‏'‏ أم للإنسان ما تمني‏*‏ فلله الآخرة والأولي‏*‏ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏*'.(‏ النجم‏:24-26)‏

وتعاود الآيات في سورة النجم النعي علي الكفار والمشركين تطاولهم علي ملائكة الله بتسميتهم إياهم تسمية الأنثي وعلي الذات الإلهية بادعائهم علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ أنهم بناته‏-‏ والله‏(‏ جل شأنه‏)‏ منـزه عن الصاحبة والولد‏,‏ لأن هذه من صفات المخلوقين‏,‏ ولا يمكن لصفات المخلوقين أن تنطبق علي صفات خالقهم‏-‏ وتؤكد الآيات أن ليس للمدعين بهذه الادعاءات الباطلة أي علم بما ادعوه من كذب وزور واختلاق وافتراء وتطاول وفي ذلك تقول الأيات‏:‏
‏'‏ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثي‏*‏ وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا‏*.(‏ النجم‏:27-28)‏

وتأمر الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)-‏ والأمر له أمر لجميع المؤمنين برسالته‏-‏ بالإعراض عن الجاهلين من الكفار والمشركين ومن الذين تولوا عن ذكر الله وغرقوا إلي آذانهم في أمور الحياة الدنيا حتي يدركهم الموت ولم يجنوا من إقامتهم فيها شيئا مما ينفعهم عند لقاء الله وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
‏'‏ فأعرض عن من تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا‏*‏ ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي‏*'(‏ النجم‏:29-30)‏
ثم تعاود الآيات التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب كل شيء ومليكه وهو الحكم العدل الذي يجازي كلا بعمله ويعفو عن صغائر الذنوب ويغفرها ويستر فاعليها إذا تابوا عنها وأقلعوا لأن رحمة الله واسعة ومغفرته وسعت كل ذنب لكل من تاب وأناب‏.‏ ولأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ أعلم بخلقه من علم خلقه بأنفسهم وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني‏*‏ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي‏*.(‏ النجم‏:31-32)‏
ثم يأتي النصف الأخير من هذه السورة الكريمة في صيغة عدد من التساؤلات التقريرية التوبيخية محذرة من التولي عن طاعة الله أو من الإقلال في الطاعة ثم الانقطاع عنها لأن أحدا من الخلق لا يعلم الغيب ومثبتة عددا من الحقائق الإلهية والصفات الإنسانية والأحداث التاريخية ومنذرة بفجائية الآخرة فتقول‏:‏
‏'‏ أفرأيت الذي تولي‏*‏ وأعطي قليلا وأكدي‏*‏ أعنده علم الغيب فهو يري‏*‏ أم لم ينبأ بما في صحف موسي‏*‏ وإبراهيم الذي وفي‏*‏ ألا تزر وازرة وزر أخري‏*‏ وأن ليس للإنسان إلا ما سعي‏*‏ وأن سعيه سوف يري‏*‏ ثم يجزاه الجزاء الأوفي‏*‏ وأن إلي ربك المنتهي‏*‏ وأنه هو أضحك وأبكي‏*‏ وأنه هو أمات وأحيا‏*‏ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*‏ وأن عليه النشأة الأخري‏*‏ وأنه هو أغني وأقني‏*‏ وأنه هو رب الشعري‏*‏ وأنه أهلك عادا الأولي‏*‏ وثمود فما أبقي‏*‏ وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغي‏*‏ والمؤتفكة أهوي‏*‏ فغشاها ما غشي‏*‏ فبأي آلاء ربك تتماري‏*‏ هذا نذير من النذر الأولي‏*‏ أزفت الآزفة‏*‏ ليس لها من دون الله كاشفة‏*'.‏

‏(‏ النجم‏:33-58)‏
وتختتم السورة الكريمة بخطاب إلي كفار ومشركي قريش وإلي كل كافر ومشرك ومتشكك من بعدهم ساخرة من تكذيبهم الحق لما جاءهم وآمرة كل مستمع لهذه الآيات بالسجود لله‏(‏ تعالي‏)‏ وبالخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة فتقول‏:‏
‏'‏ أفمن هذا الحديث تعجبون‏*‏ وتضحكون ولا تبكون‏*‏ وأنتم سامدون‏*‏ فاسجدوا لله واعبدوا‏*'.(‏ النجم‏:59-62)‏

من ركائز العقيدة في سورة النجم
‏1)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ وبوحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه وبصدق وحيه إلي أنبيائه ورسله والإيمان بنبوة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وبكمال رسالته‏.‏
‏2)‏ التصديق بمعجزة الإسراء والمعراج وبكل ما رآه الرسول‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ من خلالها‏.‏
‏3)‏ نفي الشرك ومجانبة المشركين وإنكار الخوض في أمور الغيب بغير علم‏.‏
‏4)‏ اليقين بأن لله‏(‏ تعالي‏)‏ الآخرة والأولي وأن إليه منتهي كل شيء وبأنه أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي وأن له ما في السماوات وما في الأرض وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الموت والحياة ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ واسع المغفرة وهو أعلم بخلقه إذ أنشأهم من الأرض وإذ هم أجنة في بطون أمهاتهم وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني وأن عليه النشأة الأخري‏.‏
‏5)‏ الإيمان بملائكة الله والتسليم بأن شفاعتهم لا تغني شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏.‏
‏6)‏ التصديق بأنه لا تزر وازرة وزر أخري وأن ليس للإنسان إلا ما سعي وأن سعيه سوف يري ثم يجزاه الجزاء الأوفي‏.‏
‏7)‏ التسليم بضرورة شكر الله علي نعمه والحذر من نذره والاستعداد للآخرة التي ليس لأهوالها من دون الله كاشف والخضوع لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالسجود والطاعة والعبادة‏.‏

من الأوامر التعبدية والسلوكية في‏'‏ سورة النجم‏'‏
‏1)‏ النهي عن اتباع الظن وما تهوي الأنفس لأن ذلك لا يغني من الحق شيئا‏.‏
‏2)‏ الأمر بالسجود لله‏(‏ تعالي‏)‏ والخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة والإعراض عن كل من تولي عن ذكر الله ولم يرد إلا الحياة الدنيا‏.‏
‏3)‏ الأمر بالحرص علي الطاعات والحسنات واجتناب المعاصي والسيئات لأن سعي الإنسان في هذه الحياة الدنيا سوف يري ثم يجزاه الجزاء الأوفي‏.‏
‏4)‏ النهي عن تزكية النفس لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو أعلم بمن اتقي‏.‏
‏5)‏ النهي كذلك عن البخل وعن استغلال الناس وعن المماراة بآلاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ وعدم شكرها لأن بالشكر تدوم النعم‏.‏

من الإشارات الكونية في‏'‏ سورة النجم‏'‏
‏1)‏ الإشارة إلي أن للنجم دورة حياة من الميلاد إلي الوفاة‏(‏ والنجم إذا هوي‏*).‏
‏2)‏ التلميح إلي ضخامة الكون بوصف الأفق‏(‏بالأعلي‏).‏
‏3)‏ ذكر أن البصر يزيغ ويطغي وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد ميز الإنسان بالقدرة علي الضحك والبكاء‏.‏
‏4)‏ الإشارة إلي الآخرة والأولي وإلي حقيقة الغيب‏.‏
‏5)‏ التأكيد علي إنشاء الإنسان من الأرض وعلي خلقه في مراحل جنينية متتابعة في بطن أمه‏.‏
‏6)‏ التصريح بخلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمني‏.‏
‏7)‏ التأكيد علي حقيقة البعث وأن علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ النشأة الأخري‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الخامسة في القائمة السابقة والتي جاء ذكرها في الآية القرآنية الكريمة رقم‏(32)‏ من‏'‏ سورة النجم‏'‏ وقبل الوصول إلي ذلك أري ضرورة الرجوع إلي أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
‏'...‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي‏*'.(‏ النجم‏:32)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:'...‏ أي أعلم بأعمالكم وأقوالكم التي ستصدر عنكم وتقع منكم حين أنشأ أباكم من الأرض واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر ثم قسمهم فريقين‏:‏ فريقا للجنة وفريقا للسعير وكذا قوله‏:(‏ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏)‏ قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد‏...'.‏
‏*‏ وذكر القرطبي‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:'‏ هو أعلم بكم من أنفسكم‏(‏ إذ أنشأكم من الأرض‏)‏ يعني أباكم آدم من الطين وخرج اللفظ علي الجمع قال الترمذي أبو عبدالله‏:‏ وليس هو كذلك عندنا بل وقع الإنشاء علي التربة التي رفعت من الأرض وكنا جميعا في تلك التربة وفي تلك الطينة ثم خرجت من الطينة المياه إلي الأصلاب مع ذرو النفوس علي اختلاف هيئتها ثم استخرجها من صلبها علي اختلاف الهيئات منهم كالدر يتلألأ وبعضهم أنور من بعض وبعضهم أسود كالحممة وبعضهم أشد سوادا من بعض فكان الإنشاء واقعا علينا وعليه‏.(‏ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏)‏ جمع جنين وهو الولد ما دام في البطن سمي جنينا لاجتنانه واستتاره‏.‏
‏*‏ وجاء في‏'‏ الظلال‏'(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ ما مختصره‏:'....‏ فهو العلم السابق علي ظاهر أعمالهم العلم المتعلق بحقيقتهم الثابتة التي لا يعلمونها هم ولا يعرفها إلا الذي خلقهم‏.‏ علم كان وهو ينشئ أصلهم من الأرض وهم بعد في عالم الغيب وكان وهم أجنة في بطون أمهاتهم لم يروا النور بعد علم بالحقيقة قبل الظاهر وبالطبيعة قبل العمل ومن كانت هذه طبيعة علمه يكون من اللغو‏-‏ بل من سوء الأدب‏-‏ أن يعرفه إنسان بنفسه أو أن يعلمـه‏-‏ سبحانه‏-‏ بحقيقته‏!!‏ وأن يثني علي نفسه أمامه يقول له‏:‏ أنا كذا وأنا كذا‏:(‏ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي‏)‏ فما هو بحاجة إلي أن تدلوه علي أنفسكم ولا أن تزنوا له أعمالكم فعنده العلم الكامل وعنده الميزان الدقيق وجزاؤه العدل وقوله الفصل وإليه يرجع الأمر كله‏'.‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري حاجة إلي تكراره‏.‏

من الدلالات العلمية للنص الكريم
أولا‏:‏ في قوله تعالي‏:‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض‏:‏
ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بالمعاني الثلاثة التالية‏:‏
‏(1)‏ الكوكب بأجمعه إذا جاءت لفظة‏(‏ الأرض‏)‏ في مقابلة السماء أو أي من أجرامها‏.‏
‏(2)‏ ألواح الغلاف الصخري للأرض المكونة لكتل القارات التي نحيا عليها‏.‏
‏(3)‏ قطاع التربة الذي يغطي الصخور المكونة للألواح القارية التي تشكل جزءا هاما من الغلاف الصخري للأرض‏.‏
وقطاع التربة مستمد أصلا من تجوية وتعرية صخور قشرة الأرض والأخيرة مستمدة من تمايز الصهير الموجود في نطاق الضعف الأرضي تحت الغلاف الصخري للأرض مباشرة وذلك بالتبلور التدريجي نتيجة للتبرد والتجمد وكله من مادة الأرض‏.‏
فإذا قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ إذ أنشأكم من الأرض‏..‏ كان هذا حقا مطلقا‏.‏
وإذا فسر المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ذلك بقوله الشريف‏:‏
‏'‏ إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم علي قدر الأرض‏:‏ جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب وبين ذلك‏'(‏ أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسي الأشعري كما أخرجه كل من الإمامين أبو داود والترمذي عن عوف الأعرابي‏)‏ كان ذلك حقا مطلقا لأنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يصفه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله العزيز‏:‏

وما ينطق عن الهوي‏*‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*(‏ النجم‏:3-4)‏
فلفظة‏(‏ الأرض‏)‏ في كل من هذه الآية القرآنية الكريمة‏,‏ والحديث النبوي الشريف تشير إلي قطاع التربة الذي هو مستمد من الأرض‏,‏وذلك لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في خلق الإنسان‏:‏
‏(1)‏ أنه تعالي خلقه من تراب‏:(‏آل عمران‏:30‏ الكهف‏37‏ الحج‏5‏ الروم‏:20‏ فاطر‏:11‏ غافر‏67).‏
‏(2)‏ وأن خلقه كان من طين‏(‏وهو التراب المعجون بالماء‏):(‏الأنعام‏:2‏ الأعراف‏:12‏ السجدة‏:7‏ ص‏:7671‏ الإسراء‏:61).‏
‏(3)‏ ومن سلالة من طين‏(‏ أي الخلاصة المنتزعة من الطين برفق‏):(‏ المؤمنون‏:12).‏
‏(4)‏ ومن طين لازب‏(‏أي لاصق بعضه ببعض‏):(‏ الصافات‏:11)‏
‏(5)‏ ومن صلصال من حمأ مسنون‏(‏أي أسود منتن‏):(‏الحجر‏:26‏ـ‏28)‏
‏(6)‏ ومن صلصال كالفخار‏(‏ الرحمن‏:14).‏
‏(7)‏ ومن الأرض‏:(‏هود‏:61‏ طه‏:55‏ النجم‏:32‏ نوح‏:17‏ـ‏18)‏
‏(8)‏ ومن الماء‏:(‏الفرقان‏:54)‏
‏(9)‏ ومن ماء مهين‏:(‏المرسلات‏:20)‏
‏(10)‏ ومن ماء دافق‏:(‏الطارق‏:6)‏
‏(11)‏ ومن سلالة من ماء مهين‏:(‏السجدة‏:8)‏

وهذه كلها مراحل متتالية في الخلق‏,‏المراحل السبع الأولي منها‏(‏من تراب‏,‏ من طين‏,‏ من سلالة من طين‏,‏ من طين لازب‏,‏ من صلصال من حمأ مسنون‏,‏ ومن صلصال كالفخار‏,‏ ومن الأرض‏)‏ تنطبق علي خلق أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏),‏ ومنه خلق الله تعالي أمنا حواء‏(‏ عليها السلام‏)‏ بمعجزة لا تقل عن معجزة خلق آدم من تراب الأرض‏.‏
ومنذ خلق هذا الزوج الأول من البشر تسلسل نسلهما إلي يومنا الراهن وسوف يستمر إلي قيام الساعة إن شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعملية التزاوج التي تحاول المعارف المكتسبة تفسيرها‏(‏علي ما فيها من غيوب كثيرة‏),‏وهذه تنطبق عليها المراحل من‏(8)‏إلي‏(11)‏ في التسلسل السابق وإن كانت المراحل السبع الأولي أيضا تنطبق علي جميع بني آدم لأنهم كانوا في صلب أبيهم لحظة خلقه‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏(‏ وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين‏*)(‏ الأعراف‏:172)‏
وعلم الوراثة الحديث يرد بلايين البشر الذين يملأون جنبات الأرض اليوم‏,‏وكذلك البلايين الذين عاشوا من قبل وماتوا‏,‏ والذين سوف يأتون من بعدنا إلي اليوم الآخر‏,‏ يرد هؤلاء جميعا إلي شفرة وراثية واحدة كانت في صلب أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه‏,‏ وقد ظلت هذه الشفرة في الانقسام ولا تزال مما يعين علي ردها في الأصل إلي شفرة واحدة جمع فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ الخلق كله وفي ذلك يقول‏:‏
‏'‏يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا‏*'‏

‏(‏النساء‏:1)‏
ويقول ربنا‏(‏ جل شأنه‏):‏
‏'‏ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكو نن من الشاكرين‏*)‏

‏(‏ الأعراف‏:189)‏
ويقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها‏(‏ الزمر‏:6)‏
ويقول‏(‏ تعالي وهو أصدق القائلين‏):‏
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين‏*(‏ الأعراف‏:11)‏
والخطاب هنا للبشرية جمعاء مما يؤكد علي أنهم كانوا جميعا في صلب أبيهم آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏لحظة خلقه‏,‏ولذلك قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏).....‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض‏..,‏ والإنشاء من الأرض كما يشمل أبا البشر وذريته جميعا في صلبه لحظة خلقه ينسحب علي كل فرد من نسله إلي يوم الدين للأسباب التالية‏:‏
‏(1)‏ أن شفرته الوراثية مستمدة من شفرة أبيه آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ وهو مخلوق أصلا من تراب الأرض‏.‏
‏(2)‏ أن خليتي نطفة الأمشاج مستمدة من جسدي والديه وهما مستمدان أصلا من سلالة آدم المخلوق من تراب الأرض‏,‏ وقد تغذيتا بغذاء مستمد أصلا من عناصر الأرض‏.‏
‏(3)‏ بمجرد انغراس الخلية الأرومية‏(‏النطفة الأمشاج‏)‏ المنقسمة أقساما عديدة في جدار الرحم فإنها تبدأ في الاعتماد علي دم الأم في تغذيتها وهو مستمد أصلا من غذاء الأم المستمد من عناصر الأرض‏.‏ ويستمر الحال كذلك في جميع المراحل الجنينية‏(‏ العلقة‏,‏ المضغة‏,‏ العظام‏,‏ كسوة العظام لحما‏,‏ مرحلة النشأة خلقا آخر‏,‏ إلي طور المخاض‏)‏ والجنين ينمو جسده علي حساب دم أمه المستمد من غذائها‏,‏ وغذاؤها مستمد أصلا من عناصر الأرض‏.‏
‏(4)‏ طوال مرحلة الرضاعة والوليد يحيي علي لبن أمه‏,‏ أو لبن مرضعة أخري أرضعته‏,‏ أو علي ألبان الحيوانات وكل ذلك مستمد أصلا من عناصر الأرض عن طريق طعام الأم أو المرضعة أو ألبان البهائم المتغذية علي نبات الأرض‏.‏
‏(5)‏ بعد الفطام يبدأ الطفل في التغذية المباشرة علي نباتات الأرض وثمارها‏,‏ وعلي ألبان الأنعام ومنتجاتها وهي تتغذي بنبات الأرض وكل ذلك مستمد من عناصر الأرض الموجودة في تربتها ومائها وهوائها وكل ذلك من مكونات الأرض‏.‏
وعلي ذلك فإن في قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)'...‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض‏...*'‏ عددا من الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة لأحد من الخلق في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده مما يشهد للقرآن بأن كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏

ثانيا‏:‏ في قوله تعالي‏..‏ واذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏:‏
في الوقت الذي ساد الاعتقاد أن الجنين يتولد من دم الحيض نزل القرآن الكريم بقول الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*(‏ القيامة‏36-9)‏ وإذا علمنا أن الحيوان المنوي لم يكتشف إلا في القرن السابع عشر الميلادي وأن بويضة الثدييات لم تكتشف إلا بعد ذلك بقرنين من الزمان أي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أدركنا سبق كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة في الوصف الدقيق لجميع مراحل الجنين البشري الذي يتراوح طوله من أقل من الملليمتر في أسبوعه الأول إلي حوالي‏14‏ ملليمتر في الأسبوع السادس من عمره في زمن لم يكن متوفرا أية وسيلة من وسائل التكبير‏.‏ وفي ذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):'‏ إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها‏,‏ وبصرها‏,‏ وعظامها‏,‏ ولحمها وجلدها‏000'‏ أخرجه من أئمة الحديث كل من الإمام مسلم‏,‏ وأبو داود‏,‏ والطبراني وغيرهم‏0‏
والخلية البشرية الحية التي لا يكاد قطرها أن يتعدي‏0,03‏ من الملليمتر تبلغ من الدقة والتعقيد في البناء‏,‏ والإعجاز في إنجاز الأعمال ما لم تبلغه أكبر المصانع العملاقة التي أنشأها الإنسان‏,‏ بل التي فكر في إنشائها ولم يتمكن من تحقيق ذلك بعد‏,‏ وتكفي في ذلك الإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أعطاها القدرة علي إنتاج مائتي ألف نوع من البروتين تعجز أكبر المصانع عن إنتاجها‏.‏
والخلية التناسلية في الإنسان تحمل نصف عدد الصبغيات‏(‏ الكروموسومات‏)‏ في الخلية العادية‏,‏ ولكي تنبني صفات جنين كما قدرها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في علمه الأزلي لابد وأن يلتقي فردان من البشر ذكر وأنثي معلومان في علم الله و أن يقسم الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهما الزواج‏,‏ وأن يختار الله‏(‏ تعالي‏)‏ نطفة ذكرية محددة تحمل صفات وراثية معينة من بين بلايين البلايين التي تنتجها الغدد التناسلية في هذا الذكر لتتحد في وقت محدد مع بويضة محددة من بين المئات التي تنتجها الخلايا التناسلية في تلك الأنثي لتتكون منها‏'‏ النطفة الأمشاج‏'‏ التي تختلط فيها الصبغيات لتنتج شفرة وراثية محددة لها صفاتها المدونة في علم الله‏,‏ ويكتمل بذلك عدد الصبغيات في الخلية البشرية فتبدأ في الانقسام والمرور بالمراحل الجنينية المتتالية من النطفة الأمشاج إلي العلقة‏,‏ فالمضغة‏,‏فخلق العظام‏,‏ ثم كسوتها باللحم‏,‏ ثم تنشئة الجنين خلقا آخر حتي المخاض والخروج إلي الحياة فردا حيا له صفات جسدية وشخصية محددة حددها له الله‏(‏ تعالي‏)‏ منذ الأزل ورعاها في المراحل الجنينيه المتتابعة ولذلك قال‏(‏ تعالي‏):‏
الله يعلم ما تحمل كل أنثي وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار‏*‏

‏(‏الرعد‏:8)‏
وقال‏(‏ عز من قائل‏):..‏ ويعلم ما في الأرحام‏..(‏ لقمان‏:34)‏
ولذلك أيضا قال تعالي‏:‏
‏..‏ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‏...*(‏ النجم‏:32)‏
والعلوم الحديثة تشير إلي التشابه الكبير في التركيب الكيميائي بين التربة الزراعية‏,‏ وأديم الأرض وجسم الإنسان‏,‏ مع غلبة الماء علي جسم الإنسان وتركيز عدد من العناصر التي أهمها الكربون‏,‏ والنيتروجين‏,‏ والفوسفور‏,‏ والكالسيوم‏,‏ وعلم الأجنة الحديث يؤكد ضخامة الأحداث التي تتم أثناء تكون الجنين في بطن الأم والتي لا يمكن لها أن تتكامل بغير هداية ربانية‏,‏ كما يؤكد علي دقة التعبيرات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تصف تلك المراحل والأحداث بشمول وكمال لم يصله العلم الحديث مما يشهد بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ويشهد بالنبوة والرسالة للنبي الخاتم الذي تلقاه فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏0‏
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏