133)‏ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث‏**(‏ القارعة‏:4)*‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هــذه الآية الكريمة جاءت في مقدمات سورة القارعة وهي سورة مكية وعدد آياتها‏(11)‏ بعد البسملة وقد سميت بهذا الاسم‏(‏ القارعة‏)‏ لأنها تتحدث عن عدد من مشاهد يوم القيامة والقارعة اسم من أسمائها لأنها تقرع القلوب بأهوالها‏(‏ من القرع وهو الضرب بشدة مما ينتج عنه أصوات عالية شديدة النبرة‏).‏
والمحور الرئيسي للسورة هو استعراض عدد من مشاهد يوم القيامة ومبدؤها النفخة الأولي ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق‏.‏

من معاني سورة القارعة
‏(1)‏ القارعة من أسماء يوم القيامة‏:‏
وتبدأ السورة الكريمة بهذا الاسم المفزع من أسماء يوم القيامة‏:(‏ القارعة‏)‏ ومن أسمائها الأخري في كتاب الله‏:(‏ الواقعة‏),(‏ الطامة‏),(‏ الصاخة‏),(‏ الحاقة‏),(‏ الغاشية‏),(‏ الهاوية‏),(‏ يوم التناد‏),(‏ يوم الحسرة‏),(‏ يوم الآزفة‏),(‏ يوم البعث‏),(‏ يوم الفصل‏),(‏ يوم الدين‏),(‏ يوم الحساب‏),(‏ يوم التلاق‏),(‏ يوم الجمع‏),(‏ يوم الوعيد‏),(‏ يوم الخروج‏),(‏ يوم التغابن‏),(‏ يوم تبلي السرائر‏),(‏ يوم تقوم الساعة‏),(‏ يوم يقوم الأشهاد‏),(‏ يوم الوقت المعلوم‏),(‏ اليوم العظيم‏),(‏ اليوم العقيم‏),(‏ اليوم الآخر‏),(‏ اليوم الموعود‏),‏ وغير ذلك من أوصاف تضفي علي الحدث الجلل ما يستحق من رهبة واعتبار وأخذ جاد في الحسبان‏.‏
تقول العرب‏:‏ قرعتهم القارعة وفقرتهم الفاقرة إذا وقع بهم أمر جلل خطير فظيع‏.‏وقيل في‏(‏ القارعة‏)‏ هي صوت النفخة يقرع الأسماع ويصكها ويرعب كل من يسمعه ويذهله‏.‏
وهذا الاستهلال المفزع الذي جاء كالقذيفة المدوية أعقبه سؤال لتعظيم الأمر ولإشعار السامع بخطورته‏:(‏ ما القارعة‏)‏ أي‏:‏ أي شئ هي القارعة وهي من الأمور الغيبية عن الإنسان غيبة مطلقة فلا يستطيع الوصول إليها بحسه المحدود ولا بقدرات عقله المحدودة ولا يملك المسلم حيالها إلا الوقوف عند حدود ما أورده الله‏(‏ تعالي‏)‏ عنها في محكم كتابه أو فصله لنا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في حديث من أحاديثه الشريفة‏.‏ ولذلك أتبع ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هذا السؤال التفخيمي التعظيمي التهويلي بسؤال آخر موجه إلي النبي الخاتم‏(‏ عليه من الله السلام‏)‏ وموجه كذلك لكل من يقرأ هذه السورة الكريمة من بعده‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول فيه ربنا‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
‏'‏وما أدراك ما القارعة‏'‏

‏(‏ القارعة‏:3)‏
بمعني أنها أكبر من أن يحيط بها إدراك الإنسان أو أن يلم بها تصوره ما دام محبوسا في هذا الجسد الطيني علي هذه الأرض‏,‏ فهي خارجة عن دائرة معلومات المخلوقين تلك المعلومات المستمدة من عالم الشهادة والقارعة غيب لا يعلمه إلا الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
و لذلك جاءت الآيات التالية شارحة لبعض مشاهد هذا اليوم الرهيب ومن هذه المشاهد ما يلي‏:‏
‏(2)‏ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث

‏(‏القارعة‏:4)‏
أي يوم يكون الناس في بعثهم من قبورهم واندفاعهم في الخروج منها‏(‏ حفاة عراة غرلا‏)‏ كما أخبر المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأعداد تشمل جميع البشر من أول لحظة عمروا فيها الأرض وحتي قيام الساعة‏(‏ ويقدرون بمئات البلايين‏)‏ شبهتهم سورة القارعة في اندفاعهم من القبور وفي كثرة أعدادهم وتزاحمهم وانتشارهم وذلتهم وانكسارهم من فجائية وهول الحدث‏(‏ خاصة عند الذين كانوا ينكرون البعث منهم‏)‏ وفي اضطرابهم وحيرتهم وتطايرهم إلي الداعي إذ يدعوهم إلي المحشر‏,‏ شبهتهم بالفراش المبثوث أي المندفع من شرانقه‏,‏ المنتشر المتفرق هنا وهناك يتحرك علي غير هدي في كل مكان جيئة وذهابا دون ترتيب أو نظام‏.‏ والمبعوثون من قبورهم يموج بعضهم في بعض من شدة الكرب والحيرة والهم والفزع لا يعرفون لهم هدفا محددا وليست لهم أدني إرادة أو قدرة علي الاختيار وكذلك الفراش إذا ثار فإنه لا يتجه إلي جهة واحدة بل تضطرب حركة أفراده كل إلي وجهة هو موليها دون تخطيط أو قصد أو اختيار‏.‏ ولذلك شبه القران الكريم الخلق وقت البعث هنا بالفراش المبثوث وفي سورة القمر شبههم بالجراد المنتشر‏.‏
وهذه التشبيهات كلها تتعاون في رسم صورة لهذا الحدث الرهيب الذي يهز القلوب ويدك النفوس ويرجف الأوصال من هول القارعة ومخاطرها ويدعو أصحاب العقول والنهي إلي الاستعداد لملاقاتها بحسن التقرب إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالعبادة والطاعة والأعمال الصالحة‏.‏
‏(3)‏ وتكون الجبال كالعهن المنفوش

‏(‏ القارعة‏:5)‏
أي تتحول الجبال بصخورها الصلبة وببناياتها المعقدة وكتلها الهائلة وإمتداداتها الكبيرة إلي هيئة الصوف المندوف المنتثر المتطاير في الهواء من قلة كثافته وخفة وزنه وإذا حدث ذلك للجبال الراسخات من هول القارعة والجبال من مرسيات الأرض وهن الخلق غير المكلف فما بال المكلفين من الإنس والجن وكأن السورة الكريمة تشبه حال قلوبهم وتطايرها من صدورهم إلي عنان السماء من شدة الهلع والخوف والفزع بتطاير صخور الجبال في الهواء كالصوف المندوف وهو وصف تتصاغر معه كل ماديات الحياة الدنيا وملذاتها وشهواتها وتتضاءل معه مظاهرها وأمجادها وكل حساباتها‏.‏
‏(4)‏ فأما من ثقلت موازينه‏*‏ فهو في عيشة راضية

‏(‏القارعة‏:6‏ و‏7)‏
وهذا المشهد الثالث من مشاهد الآخرة هو الهدف الأسمي من أهداف الحياة الدنيا التي هي فسحة من الزمن يهبها الله‏(‏ تعالي‏)‏ لكل مخلوق ليثبت في نهايتها جدارته بالجنة أو استحقاقه للنار‏,(‏ وثقلت موازينه‏)‏ أي رجحت موزوناته وهي أعماله الصالحة المرضية من الله‏(‏ تعالي‏).‏ وهاتان الآيتان الكريمتان تتحدثان عن السعداء من أهل الأرض المكلفين الذين ترجح موازين حسناتهم علي موازين أخطائهم وهفواتهم يوم الحساب يوم العرض الأكبر أمام الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فتبيض وجوههم ويدخلون الجنة آمنين مطمئنين يرفلون في نعيمها راضية قلوبهم بتكريم الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهم‏.‏ وهو تكريم لا ينفد‏.‏ والتعبير القرآني‏:(‏ فهو في عيشة راضية‏)‏ أي ذات رضا يرضاه أو‏:‏ هي لكثرة نعيمها أعطت الرضا من نفسهافأصبح صاحبها راضيا عنها وأصبحت هي مرضية له والعيشة الراضية هي العيشة الهنيئة السعيدة‏.‏
‏(5)'‏ وأما من خفت موازينه‏*‏فأمه هاوية‏*‏ وما أدراك ما هيه‏*‏ نار حامية‏*'‏

‏(‏القارعة‏:8‏ ـ‏11)‏
وهذا هو المشهد الرابع من مشاهد يوم القيامة مشهد أهل النار وهم يدعون إليها دعا لكثرة سيئاتهم‏:‏ من كفر بالله‏(‏ تعالي‏)‏ أو شرك به أو تحريف لدينه وتزييف له إلي إفساد في الأرض واستعلاء علي الخلق وإمعان في ظلمهم وتجبرهم علي العباد ومحاولة لقهرهم وإذلالهم كالذي تفعله العصابات الصهيونية المحتلة لأرض فلسطين في أهل البلاد الأصليين اليوم وعلي مدي الخمسين سنة الماضية أو يزيد‏,‏ وتهجير بالقوة لأصحابها‏,‏ إلي القتل العمد بدم بارد للأطفال والنساء والشيوخ والشبان‏,‏ إلي هدم المساكن وتفجيرها وإلي تجريف الأراضي الزراعية واقتلاع أشجارها‏,‏ إلي تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات وتخريب البنية الأساسية للبلاد‏,‏ إلي اعتقال آلاف الشبان وتعريضهم لأقسي صنوف التعذيب حتي الموت‏,‏ وكل ذلك يتم زورا باسم الدين‏.‏ وبالمثل فإن ما فعلته الإدارات الأنجلو‏-‏أمريكية والقوات المتضامنة معها ولا تزال تفعله بأراضي المسلمين في كل من أفغانستان والعراق من احتلال بالقوة وتدمير للمساجد والمنائر والمدارس والمستشفيات‏,‏ ومن حصار للمدن وضربها بالطائرات والصواريخ والمدافع الثقيلة وبالذخائر والأسلحة المحرمة دوليا‏..‏ واعتقال عشرات الآلاف من أبنائها رجالا ونساء وتعريضهم لأبشع صور التعذيب الوحشي اللاإنساني اللاأخلاقي المعيب وصور إهدار الكرامة ومحاولات الإذلال بالاعتداء علي الأعراض والأجساد‏,‏ وفعل الفواحش المختلفة مع أسري لا يملكون دفاعا عن أنفسهم كالذي حدث ولا يزال يحدث في كل من أرض العراق وأفغانستان‏..‏ والذي يصم هذه الأمم بأحقر الصفات‏,‏ وبالخلو من كل وازع ديني‏,‏ أو أخلاقي‏,‏ أو إنساني‏,‏ وبالكذب علي الله وعلي الناس لأنهم يدعون زورا أنهم حماة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ وفظائع جرائمهم في سجون أفغانستان وجوانتانامو والعراق من مثل سجن أبو غريب وغيره من سجون ارض الرافدين وفي بلدة الفلوجة التي ردتهم عن حياضها مذمومين مدحورين‏,‏ وفي كل من البصرة والكوفة والنجف يشهد بكذب دعواهم وزيفها وتشهد لهم بالتجرد من أبسط القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية‏...!!‏
ومن معاني‏(‏فأمه هاوية‏)‏أي فمسكنه ومصيره نار جهنم يهوي إلي قاعها و‏(‏هاوية‏)‏ اسم من أسماء جهنم سميت به لبعد مهواها وعظيم عمقها وأهل النار يهوون فيها سبعين خريفا واعتبرت الآية الكريمة نار جهنم‏(‏ الهاوية‏)‏ أما للكفار والمشركين وللطغاة المتجبرين لأنها سوف تؤويهم وتضمهم في أحضانها كما تؤوي الأم أولادها وتضمهم إليهاوشتان مابين الضمتين‏...!!‏
فنار جهنم سوف تؤوي هؤلاء المجرمين‏,‏ وسوف تكويهم بنيرانها جزاء جرائمهم التي اقترفوها في الدنياوهذه النيران تصفها الآيات في ختام سورة القارعة بأنها‏(‏ نار حامية‏)‏ لا تقوي عليها جلود هؤلاء الطغاة المتجبرين فكلما نضجت بدلهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏ وسبق وصف هذه النار الحامية استفهام عن‏(‏ الهاوية‏)‏ بصيغة التفخيم والتهويل والتعظيم‏:(‏ وما أدراك ما هيه‏)‏ أي وما أعلمك ما الهاوية؟ ويأتي جواب السؤال‏(‏ نار حامية‏)‏ أي شديدة الحرارة لدرجة أنها خرجت عن الحد المألوف للنار في الدنياوقد وصفها المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقوله الشريف‏:'‏ نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم‏..(‏ البخاري ومسلم‏).‏
من الدلالات العلمية للآية الكريمة

أولا‏:‏ مقدمة لازمة‏:‏
من ضوابط التعامل مع قضية الاعجاز العلمي للقرآن الكريم وللسنة النبوية المطهرة مايلي‏:‏
‏(1)‏ عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة من مثل الذات الإلهية‏,‏ الكرسي‏,‏ العرش‏,‏ الملائكة‏,‏ الروح‏,‏ الجن‏,‏ حياة البرزخ‏,‏ حساب القبر‏,‏ وقت قيام الساعة‏,‏ البعث‏,‏ السوق إلي المحشر‏,(‏ العرض الأكبر أمام الله سبحانه وتعالي‏)‏ الحساب‏,‏ الميزان‏,‏ الصراط‏,‏ الجنة‏,‏ النار‏,‏ وغيرها‏.‏ وضرورة التوقف في ذلك عند حدود النصوص الواردة في كتاب الله أو في أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ انطلاقا من الإيمان الكامل بهما واعترافا بعجز الإنسان عن الوصول إلي مثل هذه الغيوب المطلقة بغير هداية ربانية‏.‏
‏(2)‏ التأكيد علي أن الآخرة بتفاصيلها المختلفةوأحداثها المتتابعة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة وعلي ذلك فإن وقوع الآخرة لا يحتاج إلي أي من سنن الدنيا البطيئة الرتيبةلأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يصف وقوعها بالفجائية الشديدة وذلك بقوله‏(‏ عز من قائل‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*)(‏ الأعراف‏:187)‏ وعلي ذلك فإن المشتغلين بعلوم الكون إذا استخدموا عددا من الشواهد الحسية التي أبقاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ لنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء للتدليل علي حتمية الآخرة من أجل البرهنة علي تلك الحتمية وعلي ضرورتهافإن ذلك لا يمكن أن يعني قدرتهم علي استشراف زمن وقوعها الذي هو من صميم الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله‏(‏ تعالي‏).‏
وعلي ذلك فإن عملية البعث وخروج الموتي من الأجداث علي هيئة الفراش المبثوث هي عملية غيبية غيبة مطلقة لا يمكن للعلم الكسبي أن يقول فيها شيئا علي الإطلاق‏.‏ ولولا ما توافر لنا من هدي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصف كيفيات خلق الإنسان وبعثه بعد موته ما كان ممكنا لنا أن نخوض في أمور غائبة عنا غيبة مطلقة كهذه الأمور‏.‏

ثانيا‏:‏ البعث في القرآن الكريم
جاء الفعل‏(‏ بعث‏)‏ بمشتقاته في سبعة وستين‏(67)‏ موضعا من كتاب الله الخالد‏,‏ و‏(‏البعث‏)‏ يحمل معني الإرسال‏,‏ أو الإيقاظ من المنام أو النهوض للخروج إلي القتال‏,‏ أو إحياء الموتي ونشرهم من قبورهم بعد طول رقاد فيهاوبعد تحلل الأجساد وبلاها‏.‏
وأصل‏(‏ البعث‏)‏ إثارة الشيء وتوجيهه أي إرساله إلي وجهة محددة و‏(‏الانبعاث‏)‏إثارة ذاتية للقيام بذلك والبعث نوعان أساسيان‏:‏
‏(‏أ‏)(‏ بعث‏)‏ بشري من مثل قولك‏(‏ بعثت‏)‏ فلانا في أمر من الأمور‏(‏ فانبعث‏)‏أو‏(‏ بعثت‏)‏ البعير بمعني أثرته وسيرته إلي وجهة محددة ولفظة‏(‏ البعث‏)‏ تطلق علي الفرق الخارجة للجهاد في سبيل الله و‏(‏الانبعاث‏)‏ عملها‏.‏
‏(‏ب‏)(‏ بعث‏)‏ إلهي يختص به الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏و هو علي ثلاثة أشكال‏:‏
‏(1)(‏ بعث‏)‏ بمعني الإرسال كإرسال الرسالات السماوية وإرسال الرسل والأنبياءأو النهوض للخروج إلي القتال مثل‏(‏ انبعاث‏)‏ المجاهدين وجاء ذلك في سبع وعشرين‏(27)‏ آية قرآنية كريمة‏.‏
‏(2)(‏ بعث‏)‏ بمعني الإيقاظ من النوم وجاء في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع والنوم من جنس الموت فجعل الله‏(‏ تعالي‏)‏ التوفي فيهما والبعث منهما سواء‏.‏
‏(3)(‏ بعث‏)‏ بمعني ا‏|‏لإحياء من بعد الموت وجاء هذا المعني الكريم في سبع وثلاثين‏(37)‏ آية قرآنية كريمة‏.‏
ثالثا‏:‏ البعث في أقوال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
يروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏(‏ رضي الله عنها‏)‏ أنها قالت‏:‏سمعت رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏ يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا‏'‏ قالت يا رسول الله‏:‏النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلي بعض قال‏:‏ يا عائشة‏:‏ الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلي بعض‏.‏
وفي عدد من الأحاديث النبوية الشريفة ذكر المصطفي‏(‏عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ أن في جسم الإنسان عظمة لا تبلي أبدا ولا تأكلها الأرض التي يدفن فيها الميت والتي تأكل بقية الجسد وقد سمي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ تلك العظمة التي لا تبلي أبدا باسم‏'‏ عجب الذنب‏'‏ ووصفها بأنها مثل حبة الخردل وحدد مكانها بأنها في نهاية العصعص‏(‏ آخر فقرات العمود الفقري‏).‏ وأشارت الأحاديث النبوية الشريفة إلي أن الإنسان يخلق في الدنيا من هذه العظمة المتناهية الضآلة في الحجم وأنها تبقي بعد موته وتحلل جسده ليعاد إنشاؤه منها يوم البعث حين ينزل الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ماء خاصا من السماء فينبت كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏.‏
ومن الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المعني قوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
‏(1)'‏ يبلي كل عظم من ابن آدم إلا عجب الذنب وفيه يركب الخلق يوم القيامة‏'‏
‏(2)‏ يأكل التراب كل شئ من الإنسان إلا عجب ذنبه قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه تنشأون‏.‏
وليس من الإنسان شئ إلا يبلي إلا عظما واحدا هو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏
‏'‏ما بين النفختين أربعون‏'‏ قالوا‏:‏ يا أبا هريرة أربعون يوما قال‏:‏أبيت قالوا‏:‏ أربعون شهرا قال‏:‏ أبيت قالوا‏:‏ أربعون سنة قال‏:‏ أبيت قال‏:‏ ثم أضاف رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شئ إلا يبلي إلا عظما واحداوهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏

رابعا‏:‏ بداية الخلق من عجب الذنب
في احدث الدراسات لمراحل الجنين المتتالية في خلق الإنسان ثبت أنه بعد تلقيح البويضة وتكون النطفة الأمشاج أو اللقيحة‏,‏ فإن هذه اللقيحة تبدأ في الانقسام علي التوالي حتي تتحول إلي ما يعرف باسم التويتة‏(Morula)‏ ثم إلي ما يعرف باسم الكيسة الأريمية‏(Blastocyst)‏ التي تبدأ في اليوم السادس من عمر الجنين‏(Embryo)‏ بالإنغراس في بطانة الرحم علي هيئة قرص مكون من طبقتين من الخلايا‏(BilamellarEmbryo):‏ علوية وسفلية‏(‏ تحتية‏)‏ وهذا القرص لا تتميز فيه الاتجاهات حتي يظهر في أحد أطراف طبقته العلوية في اليوم الخامس عشر من عمر الجنين خيط دقيق للغاية يحدد بموقعه مؤخرة الجنين وتكون مقدمة الجنين في الجهة المقابلة ويعرف هذا الخيط باسم الخيط البدائي‏(ThePrimitiveStreak)‏ أو الخيط الأولي‏(ThePrimaryStreak)‏ وبعد يوم واحد أي في اليوم السادس عشر من عمر الجنين يخلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ نقطة صغيرة ومنتفخة قليلا في وسط القرص تعرف باسم العقدة البدائية أو الأولية‏(ThePrimitiveorThePrimaryNode)‏ ويطلق عليها أحيانا اسم زائدة الحبل الظهري‏(TheNotochordalProcess)‏ ثم تخلق للقرص المعلق بجدار الرحم‏(‏العلقة‏)‏ طبقة وسطي بين الطبقتين العلوية والتحتية تعرف باسم‏(TheIntra-embryonicMesoderm)‏ و يصبح الجنين ثلاثي الطبقات‏(TrilamellarEmbryo)‏ الخارجية والوسطي والداخلية ومن كل واحدة من هذه الطبقات الثلاث يتكون عدد من أعضاء جسم الإنسان بخلاياه وأنسجته المتخصصة في عملية تعرف باسم عملية تكون المعيدات‏(Gastrulation)‏ وأول هذه الأجهزة تكون هو محور الرأس ـ العصعص ويتكون فيه بدايات اللوح والانغماد العصبي والحبل الظهري والمخ والتجويف البطني وبذلك تتكون جميع أجهزة الجسم من الخيط والعقدة البدائيين وتصدق نبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقوله الشريف‏(‏ منه خلق‏).‏
وبعد تمام تكون أجهزة الجسم المختلفة يتراجع هذا الخيط البدائي بالتدريج إلي مؤخرة جسم الجنين حتي يستقر في نهايات فقرات العمود الفقري‏(‏ في نهايات العصعص‏)‏ حيث يبقي علي هيئة جنين بذرة النبات الكامن بداخلها والذي ينتظر المكان والزمان المناسبين والري الكافي لينبت من جديد ولكن هذا الجنين الإنساني سوف ينبت مرة واحدة فقط في يوم البعث حين ينزل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ماء خاصا من السماء فينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها حسب ما أخبر به خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏صلي الله عليه وسلم‏).‏

خامسا‏:‏العلم المكتسب يثبت عدم فناء عجب الذنب‏:‏
في عدد من التجارب المكررة أثبت العالم الألماني هانز سبيمان
‏HansSpemann))‏
ورفاقه في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين‏(1931-1935)‏ أن كلا من الخيط البدائي ونهايته‏(‏ العقدة البدائية‏)‏ واللذان ينسحبان علي هيئة عظمة متناهية الضآلة في الحجم بآخر فقرات العصعص‏(‏ عجب الذنب‏)‏ هما المسئولان عن خلق جميع أجهزة الجنين ولذلك أسموهما باسم المنظم الأولي أو الأساسي للجنين‏(ThePrimaryOrganizer).‏ وقد أثبتت هذه المدرسة العلمية ذلك بقطع هذا المنظم الأولي‏(‏ عجب الذنب‏)‏ من أجساد عدد من الحيوانات وزرعه في جنين من أجنة هذه الحيوانات فنما علي هيئة جنين إضافي في داخل الجنين المضيف‏.‏
كذلك قام فريق العمل نفسه بسحق عجب الذنب‏(‏ المنظم الأولي‏)‏ وزرعه مرة أخري في جنين آخر فنما وكون محورا جنينيا ثانويا رغم سحقه مما أكد أن السحق لا يفني خلاياه الحية كما قاموا بغلي هذا المنظم الأولي‏(‏ عجب الذنب‏)‏ لعدة ساعات ثم زرعه في جنين ثالث فنما وكون محورا جنينيا جديدا مما أكد أن خلاياه لا تتأثر بالغليان‏.‏ وقد منح سبيمان جائزة نوبل للعلوم الحياتية في سنة‏1935‏ م تقديرا لاكتشافه للدور العجيب الذي يقوم به هذا المنظم الأساسي‏(‏عجب الذنب‏)‏ في عدد من الحيوانات ومنها تخليق جميع أجهزة أجنة تلك الحيوانات وفي إثبات أن خلايا هذا المنظم الأولي أو الأساسي لا تتأثر لا بالسحق ولا بالغلي‏.‏
وبعد مضي ثمان وستين سنة قام الدكتور عثمان جيلان ورفاقه في رمضان سنة‏1424‏ هـ‏(‏ نوفمبر‏2003‏ مـ‏)‏ بإجراء تجربة مماثلة في اليمن أحرقوا فيها خمسة من عصاعص الغنم باستخدام مسدس غاز لمدة عشر دقائق متواصلة حتي احمرت وتفحمت وبدراسة ما تبقي منها تبين أن خلايا عجب الذنب‏(‏ نهايات العصعص‏)‏ لم تتأثر بالحرارة وبقيت حية رغم ما تعرضت له من شدة الحرارة‏.‏وفي هذه التجارب وأمثالها تصديق عملي لنبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي أكد في أحاديث كثيرة أن عجب الذنب هو البذرة التي ينشأ منها جسد جنين الإنسان‏(‏وجنين كل مخلوق‏)‏ والتي تبقي لا تتحلل أبدا بعد أن يموت المخلوق ويتحلل جسده ثم في يوم البعث ينزل الله‏(‏سبحانه وتعالي‏)‏ مطرا خاصا فينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتهافقال‏(‏ وهو الصادق المصدوق‏):'‏ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب‏.‏

سادسا‏:‏ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث‏*‏
يعجب الإنسان من هذا التشبيه القرآني المعجز للناس في لحظة البعث والاندفاع من القبر بالفراش المبثوث‏,‏ والذي له أبسط دراية بدراسة الفراش ودورة حياته يلمح جانبا من الاعجاز العلمي في هذا التشبيه يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها حتي يبقي شاهدا علي الناس كافة إلي يوم الدين وناطقا بالنبوة وبالرسالة للرسول الخاتم الذي تلقاه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وقد تنكر له كل الكفار والمشركين والمكذبين المارقين المفسدين في الأرض من الخلق خاصة في زمن الفتن الذي نعيشه‏.‏
والفراش
‏Butterflies))‏
من الحشرات الحرشفية الأجنحة
‏(Lepidoptera)‏
والتي تتميز بأربعة أجنحة مغطاة بحراشيف مفلطحة تلتصق بالأصابع كالبودرة إذا لمسها الإنسان أو أمسك بها مما يمثل صورة من صور الضعف المدرك في الخلق‏(‏ومثل الفراش الحشرة المعروفة باسم أبو دقيق‏).‏
وذكر الفراش عادة ما يكون أصغر حجما من الأنثي وأزهي ألوانا وهو دائما مجنح بينما بعض إناثه غير مجنحة أو تحمل أجنحة ضامرة لا تعينها علي الطيران‏.‏ ولذلك تعيش في علب تصنعها يرقاتها تشبه القبور‏.‏ وتبدأ دورة حياة الفراش بالبيض الملقح وهو صغير جدا ويتخذ أشكالا مختلفة وتضعه الأنثي بعد التزاوج فوق النبات المناسب كطعام ليرقاتها بعد الفقس وتتركها‏.‏ ويفقس البيض بعد حوالي خمسة أيام وتخرج منه يرقة علي هيئة الدود الصغير جدا في شكلها‏.‏ واليرقات لها فكوك قوية وستة أرجل حقيقية بالإضافة إلي عدد من أشباه الأرجل وتبدأ اليرقات فورا في تناول الطعام الذي تلتهمه بكميات كبيرة وبشراهة ملحوظة فتنمو في الحجم بسرعة مما يضطرها إلي الانسلاخ عن الجلد لعدة مرات فتشبه في عريها خروج الموتي من الأجداث‏(‏ حفاة عراة غرلا‏)‏ كما وصفهم رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

ثم تتشرنق اليرقات فيما يشبه الكفن أو القبرأو تربط نفسها برباط من حرير إلي النبات الذي تتغذي عليه استعدادا للمرور بمرحلة العذراء‏(‏ الحورية‏)‏ أو الخادرة‏(‏ المستترة في خدرها‏).‏ وفي هذه المرحلة يعاد خلق الحشرة بأكملها وكأنها عملية بعث لها حيث تذاب اليرقة ذوبانا كاملا ثم يعاد بعثها بعد أسبوعين إلي ثلاثة أسابيع علي هيئة الحشرة الكاملة وهي تختلف تماما عن اليرقة التي جاءت منهاوكأنه البعث من جديد وكذلك يبعث الناس في أواسط أعمارهم وبعض العذاري‏(‏ الحوريات‏)‏ قد تمضي فصل الشتاء كله في مرحلة الخادرة‏(‏ المستترة‏)‏ولذلك تؤجل عملية التحول الكيميائي العجيب حتي مطلع الصيف وكأنها في عملية بيات شتوي أو في القبر وذلك لأن بعض يرقات الفراش تغزل لنفسها شرنقة حريرية كثيفة كأنها قبر مغلق‏.‏ والذي لا يصنع شرنقة من أنواع الفراشات يصنع وسادة من الحرير تتدلي منها العذراء بواسطة خطافات دقيقة في مؤخرة جسمها‏.‏
وبعد تمام تخلق العذراء تستعد للخروج من خدرها‏(‏شرنقتها‏)‏ تماما كما يستعد الميت الذي بعث للخروج من قبره فيتحول جلد الخادرة إلي حالة نصف شفافة ثم ينشق كما تنشق القبور عن أصحابها
يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير‏*''(‏ ق‏:44).‏

وتخرج عذاري الفراش بالملايين في كل لحظة كما سيخرج البشر بمئات البلايين في لحظة البعث‏,‏ تخرج عذاري الفراش من شرنقاتها ضعيفة هزيلة زاحفة ببطء في اضطراب وحيرة كما سيخرج الناس من قبورهم في ذهول واستغراب واضطراب وحيرة وتبدأ الحشرة بأجنحة مهيضة تضخ فيها الدم بالتدريج حتي تنفرد وجسمها مبلل‏(‏ بسوائل مرحلة العذراء‏)‏ فتقف قليلا في الشمس حتي تدفأ وتصبح مستعدة للطيران ولتكرار دورة حياتها من جديد‏.‏
والتشبيه القرآني للناس في لحظة البعث بالفراش المبثوث تشبيه معجز لأن دورة حياة الفراش لم تعرف إلا في القرنين الماضيين وسبق القرآن الكريم بهذا الوصف العلمي الدقيق الذي جاء به في مقام التشبيه لمما يشهد لهذا الكتاب الخالد بالدقة والشمول والكمال وبأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية كما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالةفصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين‏.‏