تقديم
الاستدلالات التعيسة في كتاب ( الرّقص ورأي الكنيسة ) للقمص زكريا بطرس

الحمد لله والصلاة على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه اجمعين . أما بعد فإني قرأت كتاباً للقمص زكريا بطرس يحمل اسم (( الرقص ورأي الكنيسة )) ، ولقد شدّني الكتاب من عنوانه لأقرأ ما فيه لأعرف ما هو رأي الكنيسة في الرقص ، وخصوصاً أن الكنيسة تستخدم الموسيقى في الصلاة ، وكنت أتوقع الإباحة طبقاً للقول المعروف : إذا كان صاحب البيت بالدف ضارباً ، فما لأهل البيت سوى الرقص ولكن كان الأمر على نقيض ذلك ، فلقد فوجئت بأن الرّقص مسألة ترفضها الكنيسة ، وانه لا يحِّل لأحد أن يرقص لا في البيت ولا في غيره قبل أو بعد المراسم الدينية ، وأن من يفعل ذلك يقع تحت طائلة القوانين الكنسية . ولذا سوف نستعرض بعض أجزاء الكتاب هنا ، وبالطبع لن نعترض على رأي الكنيسة في منع الرقص ، ولكن يُدهشنا أسلوب قداسة القمص زكريا بطرس وتناقضه في استدلاله على التحريم ، وكيف يرى حرمته في الحفلات والأعراس ويصفه بأنه خزي وعار ، بينما يجيز الرّقص أمام الله والعياذ بالله ، بل حتى سوف نستخلص في النهاية أن الرقص في الكتاب المقدس عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الخالق عز وجل . ولقد قسّم قداسة القمص الكتاب إلى ثلاثة أقسام : 1 ـ الرقص والتعاليم الكتابية . 2 ـ الرقص والقوانين الكنسية . 3 ـ الرقص والمبادئ الروحية . وبالطبع هناك مقدمة وخاتمة ، ولقد صدّر كتابه في صفحة ( 5 ) بإتفاق لرؤساء الكنائس القبطية في المنيا ، تشمل كلاً من : 1 ـ الأنبا ارسانيوس أسقف المنيا للأقباط و الأشمونيين للأقباط الأرثوذكس . 2 ـ الأنبا انطونيوس نجيب أسقف المنيا للأقباط الكاثوليك . 3 ـ القس فايز فارس عن الطائفة الإنجيلية . واليك نص الاتفاق من كلام قداسة القمص في صفحة ( 5 ) : (( وأصدروا قراراً بالبعد عن كل مظاهر اللهو العالمي في موسيقاه ، رقصه وأغانيه ، سواء في المنزل أو في مكان آخر قبل وبعد المراسيم الدينية . وطلبوا التزام الشعب الكامل بهذا القرار منعا من الوقوع تحت طائلة القوانين الكنسية ووقعوا بإمضاءاتهم جميعاً حتى لا يتحايل احد إذ ترفض كنيسة ما تزويجه يمضي إلى كنيسة أخرى !! )) ... انتهى ثم أردفه في الصفحة ( 6 ) بقرار للمجمع الأرثوذكسي بلاودكية من القرن الرابع ، جاء فيه : (( يجب على المسيحيين أن يجتنبوا في أعراسهم الرقص والتهريج لأن هذا لا يليق بسلوك المسيحيين )).
القسم الاول - الرقص والتعاليم الكتابية
القسم الأول الرقص والتعاليم الكتابية عبادة العجل ابتدأ قداسة القمص بالقسم الأول من التعاليم الكتابية ليعطي الدليل على تحريم الرقص من الكتاب المقدس ، فأستشهد في ( ص 9 ) بقصة عبادة بني إسرائيل العجل وأن الإسرائيليين كانوا يرقصون حوله ، وان الله عاقبهم وقتل ثلاثة آلاف شخص ( خروج 32 : 19 -29 ) . وعقب قداسته في ( ص 10 ) على القصة قائلاً : (( ماذا كان موقف الله من الرقص أمام ذلك العجل الذهبي ؟ )) . فأجاب قداسته : (( لقد أمر الرب بقتل أولئك اللاهين المنحرفين فمات 3000 نفس )). قلت : هذا استشهاد غريب عجيب ، لقد فهم قداسته من النص أن الله عاقب بني إسرائيل لأنهم رقصوا ، والمفروض تصحيح السؤال فيقول : ماذا كان موقف الله من عبادة العجل ، وليس موقف الله من الرقص أمام العجل ؟؟؟ وفي الحقيقة، الكتاب المقدس يقول أن الله غضب عليهم وقتل 3000 شخص لأنهم عبدوا العجل ولم يذكر أنه غضب بسب الرقص، اقرأ معي التكوين ( 32 : 7 ، 8 ، 9 ، 10 ) : (( فقال الرب لموسى ... قد فسد شعبك ... زاغوا سريعا ... صنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من ارض مصر ... فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم )) . فالكتاب يقول أن الله غضب عليهم لأنهم عبدوا العجل وسيادة القمص فهم أنّ غضب الله كان لأجل الرقص !!! فكيف يشرح لنا قداسته فهمه لهذه النصوص التي نراه قلبها 180 درجة ؟؟؟ وكيف يشرح لنا رقص النبي داود- عليه السلام- الذي كان يرقص بكل قوته أمام الرب كما في ( 2 صمو 6 : 14 ) ؟؟؟ في الحقيقة لقد تطرق قداسته لرقص داود وسوف نأتي عليه في محله إن شاء الله ، ولكن لنستكمل الآن باقي كلامه . قصة مقتل يوحنا المعمدان ولقد استشهد قداسته بقصة مقتل النبي يحي عليه السلام ( يوحنا المعمدان ) ، وهذه هي القصة كما لخّصها قداسته : (( ثم لما صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس ، من ثم وعد بقسم انه مهما طلبت يعطيها ... قالت أعطني راس يوحنا المعمدان ... فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن . فأحضر رأسه ودفعه إلى الصبية فجاءت به إلى أمها ( متى 14 : 6 - 11 ) ... )) . وهنا العجب كل العجب ، دعونا اولاً نستعرض تعليق قداسته عليها ، قال في الصفحة ( 11 ) : (( وهنا يتضح أن الرقص الذي سرّ هيرودس قد أدى في النهاية إلى جناية بشعة أخمدت ذلك الصوت الصارخ في البرية. وهكذا الحال في حفلات الرقص تتم جريمة قتل بشعة هي كتم صوت الله الصارخ في أعماقنا قائلاً : لا يحل هذا الرقص )) ! انتهى قلت : ياللعجب ! !! ، هذا من اغرب ما رأيت من استدلال وأنا اسأل قداسته : ماذا لو طلبت ابنة هيروديا مثلاً من الملك لقاء رقصها هذا ، أن يوزّع المال على الفقراء ويساعد المحتاجين ويُعين الضعفاء ، هل سيكون الرقص حينئذٍ شيء حسن بذاته وعظيم ونافع ، وهل كان سيشجّع الشباب على الرقص ويحثهم عليه فضلاً عن أن يبدؤوا هم بأنفسهم معشر القساوسة والرهبان أولا ؟؟؟؟ فالأمر متوقف على طلب ابنة هيروديا الشريرة ، فلو كان طلبها صالحاً ، فالرقص حلال ولو كان طلبها طالحاً فالرقص حرام . أتستندون يا قداسة الأب زكريا في التحليل والتحريم على امرأة شريرة قتلت نبي من انبياء الله ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟؟ أليس هذا هو التحكم بالهوى ؟ وأنا اذكّر القارئ الكريم ، بأن لا يفهم من كلامي أنني أؤيد الرقص أو أدافع عنه ، بل نعلّق على غرابة الاستدلال وضعفه ، والله المستعان. ولنرى الآن كيف أجاب قداسته عن رقص داود بكل قوته أمام الرب ( 2 صموئيل 6 : 14 ) ، واليك نص كلامه ( ص 12 ) : (( فهل رقص الحفلات هو رقص أمام الرب ؟! وللرب ؟! أم أنه رقص أمام منصة الديسكوعلى إيقاع الكؤوس المسكرة ، والموسيقى العالمية، والأغاني العابثة؟ )) . انتهى قلت : هنا يُفرّق قداسته بين الرقص أمام منصة الديسكو وبين الرقص أمام ملك الملوك وخالق الكون ، فالأول حرام ، والآخر حلال بل هو عبادة كما يصرح به الكتاب المقدس في ( مزمور 150 ) : (( سبحوه بصوت الصور سبحوه برباب وعود سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار )) . فهل رأيتم تسبيح كهذا ؟ ، تسبيح يقوم على الدف والأوتار ، والرقص والمزمار ؟ ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ ذهب في معرض ردّه على بعض المبتدعة إلى أن اتخاذ الرقص ذكرا أو عبادة ، بدعة ومعصية ، لم يأمر الله به ، ولا رسوله ، ولا أحد من الأئمة ، أو السلف . فكما ترى أيها القارئ الكريم أن الرقص الذي وصفه قداسته بالخزي والعار ( ص 20 ) ، يُعتبر في الكتاب المقدس عبادة يتمُّ من خلاله تسبيح الله عز وجل ، فكيف يرتضي ذو عقل وفهم الرقص أمام الله القدوس وهو لا يرتضيه أصلا حتى في الأعراس ، بل تعافه النفوس وتشمئز منه ؟ وأنا أعجب لأمة قلبت المفاهيم والمبادئ ، فصار عندها الحق باطلاً والباطل حقاً ، والفاحشة معروفاً والمعروف منكراً والخزي والعار أصبح تسبيحاً ، والتسبيح رقصاً ، والقدّاس يقام عندهم على أنغام الفرق الموسيقية التي ترونها في الكنائس !!!! ولكن لما العجب ؟ ، هذا من عادتهم أن ينسبوا إلى الله عزّ وجلّ ما لا يليق به ، كما وصفوا الله بأنه يبكي ويحزن ويموت ويُضرب ويُبصق على وجهه وانه سبحانه عنده جهل وضعف كما جاء في ( 1 كور 1 : 25 ): ( لان جهالة الله احكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس ) ، تعالى الله عما يقولون . ولقد تعجب قداسته من تبرير البعض برقص داود فقال ( ص 12 ) : (( وأعجب كل العجب من محاولة تبرير الرقص الماجن بحادثة رقص داود النبي امام تابوت العهد !!! والواقع انها محاولة ساذجة تشبه تماماً محاولة من يريد ان يبرر خطية الزنا بأنه فعل مماثل لما يتم في الزواج المقدس !!! )). انتهى قلت : كان من الأولى أن تقول : ((( بأنها محاولة ساذجة تشبه تماماً من يريد إن يبرر خطية الزنا بأنه فعل مماثل لزنا داود وغيره من الأنبياء في الكتاب المقدس - كما تزعمون - )) ، فهنا يكون المثال وجيهاً أكثر من ان تشبّهه بالزواج ، ولا تعتب على المسيحي الذي يبرر الزنا بهذا الشكل ، لأنه اذا كان الأنبياء الذين هم أفضل منه لم يستطيعوا أن يُحصّنوا أنفسهم أمام الزنا، فكيف بالإنسان العادي ، فلا تلومه ولكن اللوم على الكتاب الذي زين له هذا العمل واتهم أفضل الخلق بالزنا
القسم الثاني - الرقص والقوانين الكنسية
القسم الثاني الرقص والقوانين الكنسية في هذا القسم يورد لنا أحكام المجامع المسكونية المتعلقة بالرقص ، ولن نعلق عليه ولكن سوف نعطي مثالاً على ما جاء فيها : (( لا يجوز للمسيحيين سواء إكليروسا أو علمانيين أن يقيموا حفلات طرب ورقص وخلاعة. كل من لا ينفذ هذا القانون ويخضع له إن كان شماساً أو كاهناً فإنه يشلح من كهنوته، وإن كان علمانياً فليقطع من الكنيسة . إن هذا المجمع المقدس المسكوني يمنع ... الرقص ... وكل من استخف بهذا القانون ... فليسقط ( من رتبته ) إن كان إكليريكياً ( كاهناً أو شماساً ) ، وليقطع ( من الكنيسة ) إن كان عامياً )) . ومن أراد المزيد فعليه مراجعة الكتاب
القسم الثالث - القسم الثالث
القسم الثالث القسم الثالث وهنا يعطي قداسته بعض العظات الروحية ثم ينتقل إلى بعض الأمثلة العملية من واقع الحياة كما يصفها ، وهي ثلاثة أمثلة ، ويهمنا منها الأول والثاني فقط التي في ( ص 20 ) . ولقد عنون المثال الأول بـ (( الرقص خزي وعار )) وعنون المثال الثاني بـ (( الرقص لا يليق بالمؤمنين )) فكما يقول المثل : ( المكتوب يقرأ من عنوانه ) فقداسة القمص يرى أن الرقص خزي وعار ولا يليق بالمؤمنين ، مع أن الكتاب المقدس يأمر المؤمنين أن يسبّحوا بالدف والرقص ( مز 150 )؟ فما هذا التناقض المزدوج ؟ وكما يبد وأنه يؤمن أن الرقص المقصود بالمزمور يختصّ بالعبادة . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، إذا كان الرقص الذي بالمزمور( 150 ) يختص بالعبادة ، فما بالهم لا يقومون به في كنائسهم ؟ ، مع العلم أنهم يستخدمون الآلات الموسيقية في القداس ، فلا مانع أن يخصصّوا فرقة للرقص في الكنيسة إذن ! ، وهم الذين إذا قيل لهم أن الموسيقى في القداس بدعة لم يستخدمها المسيح عليه السلام ، أجابوا وعللّوا ذلك بأن النبي داود كان يستخدم الموسيقى في تسبيحه ، فنقول لهم وكذلك النبي داود عليه السلام استخدم الرقص أمام الرب فلما لا تفعلوه في الكنائس ؟؟؟ فداود كما كان يستخدم الموسيقى كما تقولون ، كان يرقص أيضاً ، فأخذتم الموسيقى وتركتم الرقص ، فما لكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟؟؟ وبالطبع عزيزي القارئ ، ربما آنت تسأل نفسك مثلي ، لماذا لا يرقصون في الكنيسة أثناء القداس مع أن الكتاب المقدس يأمرهم بذلك ؟؟ والجواب على ما يبدوا أن الكنيسة تخجل أن تنفذ هذا الأمر الإلهي ، لأنه سيكون مجلبة لسخرية العالم وانتقاداته، بمعنى هل تتصور أن يعبدوا الله على أنغام الأوتار وبالطبل والدف والرقص والمزمار ؟ وقال قداستة في الختام ( ص 23 ) : (( فيجب أن نعلم أن الكنيسة لا تستخدم أسلوب الإجبار مع أبنائها، بل تصلي من أجلهم، حتى يصلوا إلى تنفيذ الوصية الإلهية والقوانين الكنسية بمحض إرادتهم عن حب وليس عن قهر)). قلت : وكيف تقول أن الكنيسة لا تستخدم معهم أسلوب الإجبار وهي تنذرهم من أن يقعوا تحت طائلة القوانين الكنسية وهل نسي قداسته أنه ابتدأ كتابه باتفاقية رؤساء الكنائس القبطية في المنيا، ووقعوا بإمضاءاتهم جميعاً حتى لا يتحايل احد إذ ترفض كنيسة ما تزويجه يمضي إلى كنيسة أخرى ، وهل هناك إجبار بعد هذا الإجبار في أن يحرّموا الزواج على من يرقص ، أم يسمي هذا صلاة الكنيسة من اجلهم . وهل نسي أيضاً قرارات المجامع المسكونية التي تنص على أن كل من لا يلتزم بهذه القوانين يقطع من الكنيسة إن كان عاميآً ، أما إن كان إكليريكياً يسقط من رتبته ومن أراد فليراجع القسم الثاني من ردّنا هذا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل وفي ختامنا هذا اسأل الله عز وجل أن يهديهم إلى طريق الحق القويم ، وان يثبتنا على دينه إنه نعم المولى ونعم المجيب .
انتهى التعليق بعون الله تعالى على كتاب ( الرّقص ورأي الكنيسة ) ، للقمص زكريا بطرس
أخوكم بلال