نشرت جريدة الأسبوع
http://www.elosboa.com/elosboa/issues/427/0705.asp
بين انشقاقات الداخل والاختراق الخارجي
تأسيس أول كنيسة بعيدة عن رئاسة البابا شنودة الثالث
مصطفي سليمان
حركة انشقاق جديدة ظهرت في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. أقدم الكنائس وأعرقها في مصر والعالم.. بطلها هذه المرة 'د. ماكس ميشيل' الذي أعلن في الصحف عن تأسيس كنيسة مستقلة باسم 'كنيسة القديس اثناسيوس' وتم إشهارها وتعيين الدكتور ماكس ميشيل أسقفا لها باسم مكسيموس حنا.. والخطير في هذا الانشقاق الجديد علي الكنيسة المصرية أنه قادم من الخارج وبالتحديد من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تأسست هذه الكنيسة أولا في أمريكا قبل أن تبدأ في القاهرة.. وتواجه الكنيسة الأرثوذكسية مأزقين، أولهما: ما يتعلق بصلب العقيدة الأرثوذكسية حيث تهدد هذه الكنيسة الجديدة بأفكارها الحديثة كيان الكنيسة الأرثوذكسية الأم وهويتها التي ظلت تحافظ عليها منذ آلاف السنين.
ثانيا: أن هذه الكنيسة الجديدة أسسها بعض أقباط المهجر في أمريكا حسبما صرح ماكس ميشيل ودرس الأرثوذكسية الحديثة في ولاية نبراسكا علي يد البروفيسير 'مارمالكي صادق' 'يوناني الأصل' أمريكي الجنسية، ومن أهم الأفكار التي يروجها الأسقف مكسيموس أن كنيسته جامعة لكل المذاهب وهذا يتيح الفرصة للصلاة في أي مكان مناسب وإتمام سر الزواج يمكن أن يتم في أي مكان أيضا وليس شرطا أن يتم في كنيسة.
ويري ماكسيموس أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية خالفت تعاليم الآباء فمثلا يري أن شرح الفداء المتعلق بصلب المسيح والذي يتداول في الكنيسة القبطية هو شرح القديس اثناسيوس وهذا غير صحيح من وجهة نظره وأن ما يقدمه هو شرح 'انسلم' رئيس أساقفة كانتربري الانجليكانية في القرن الثاني عشر وهذا ما يرد عليه الأنبا موسي قائلا: الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ملتزمة بتعاليم الآباء وأن ما يقوله ماكس فكر جديد نرفضه تماما وهو يقول: إن الفداء محبة فقط لكننا نقول إن الله محبة وعادل وما يطرحه أيضا يخالف ثوابت العقيدة الأرثوذكسية.
الغريب في الأمر أن تأسيس كنيسة جديدة بأي مذهب جديد مستحيل لأن هذا يتطلب موافقة من الحكومة المصرية التي لا تعترف سوي بالمذاهب الثلاثة المعروفة وهي الأرثوذكسية والبروتستانتية والكاثوليكية .. أما أي مذهب ديني جديد لابد أن يصدر له قرار جمهوري وهذا ما لم يحدث.. كما أن ترسيم الدكتور ماكس ميشيل أسقفا لابد أن يتم طبقا للاجراءات المعروفة في الكنيسة الأرثوذكسية وليس من الطبيعي أن يقوم أحد الأساقفة في الكنيسة الأرثوذكسية بترسيم الدكتور ماكس ميشيل في نفس الوقت الذي ترفض فيه القيادة الكنسية.. آراءه وأفكاره.
وهناك قضية خطيرة سيسعي الأسقف مكسيموس يوحنا من خلالها إلي جذب العديد من الأقباط الأرثوذكس وهي قضية طلاق الأقباط حيث قال إنه إذا جاءه مطلق يريد الزواج فسيبحث حالته أولا وإذا كان يستحق فيسمح له بالزواج الثاني وهذه المشكلة الاجتماعية يعاني منها العديد من الأقباط في مصر وستكون عامل جذب للكنيسة المستقلة الجديدة ولهذا أثر كبير داخل الكنيسة الأرثوذكسية بقيادة البابا شنودة الثالث وهو المأزق الداخلي الذي تعاني منه الكنيسة المصرية.
عندما سألنا د. رفيق حبيب الباحث والناشط السياسي المعروف قال: إن حركة ماكس ميشيل تدخل ضمن التيار المحافظ الحركي داخل الكنيسة المصرية المناهض لها وقد ظهرت حركته منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث كان في ذلك الوقت من شباب الكنيسة الأرثوذكسية يعمل في بيت التكريس وهو نوع من الخدمة الكنسية وليس الرهبنة، اختلف مع الكنيسة الأرثوذكسية ثم تمت محاكمته وحïكًم عليه بالحرمان وهذا الحكم يعني تجريده من الإيمان المسيحي أي الحكم عليه نهائيا بعدم اعتناقه لهذا الإيمان.. ولكنه بعد ذلك حاول أن يشكل طائفة جديدة أو ما أطلق عليه الأرثوذكسية المصلحة وهو مذهب ديني يمكن أن يقع في مرتبة وسط بين الأرثوذكسية والبروتستانتية، وقبل ذلك دخل الطائفة البروتستانتية وحاول أن ينشئ مذهبا جديدا داخل الطائفة لكن تم رفض هذه الفكرة.
ومنذ ذلك الوقت أنشأ كنيسة المنزل وهو الشيء الذي كان سائدا بين كل القساوسة الذين تم تجريدهم أو حرمانهم بحيث يمارس عبادته في منزل أو مكان ويكون له أتباع ومع مرور الوقت أصبح ماكس ميشيل أكثر تشددا دينيا.. ولمثل هذه الانشقاقات يوجد دائما أنصار وجماهير أغنياء سواء في الخارج أو الداخل يقومون بتمويله علما بأن هذه الجماهيرية غير طاغية بل هي تزيد أحيانا وتخفت القضية الهامة في مثل هذه الحركات التي تنشأ، تتمثل في الإجابة علي السؤال الهام: هل الكنيسة قادرة علي استيعابها أم لا؟! .. إذا لم تكن قادرة هي تتركه حتي يتطرف في فكره وتكتفي الكنيسة الأم بأن تطلب من أبنائها عدم الاستماع إليه ولكن هذا خطأ.. وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية خطورة هذا الخطأ فاستطاعت أن تستوعب أي أفكار جديدة تنشأ بداخلها فمثلا هناك كرادلة في الكنيسة الكاثوليكية يؤمنون بلاهوت التحرير وهو الرؤية المسيحية ذات النزعة اليسارية التي ظهرت في أمريكا اللاتينية.
تمثل هذه الكنيسة الجديدة التي تم تأسيسها إحدي أدوات بسط الحماية الدينية الأمريكية علي العالم كما يقول الكاتب هاني لبيب المعني بشئون المواطنة لا لأنها ترتبط بالمفهوم الديني والطائفي فحسب، وإنما أيضا لأنها ترتبط بما يطلق عليه العولمة والتي تعني في مفهومها الأمريكي سيادة الثقافة الأمريكية وهيمنتها علي شتي صور الحياة والسلوك الإنساني في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلي سيادة المسيحية السياسية الأمريكية بمفهومها الغربي بوصفها إحدي أدوات السيطرة.
ويضيف هاني لبيب أن ما تطلبه أمريكا الآن أن تمتنع حكومات بعض الدول عن وضع القيود علي أنشطة أفراد يبشرون بأفكار يزعمون أنها أديان جديدة أو طوائف مسيحية علي النمط الأمريكي، ويتصور المشرع الأمريكي أنه من الممكن بل من اللازم أن تسمح أي حكومات إسلامية أو مسيحية بأن يندس بين الشباب من يبشر بعقائد وينشر أفكارا غريبة عن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. ففي مقدمة اهتمامات الإدارة الأمريكية الآن إتاحة حرية التبشير لأي عقيدة.. حتي وإن دعت لعبادة الأصنام في أي بقعة وبين أي بشر علي مستوي العالم. ويؤكد لبيب أن المشرع الأمريكي يهدف إلي إضعاف سلطة الكنائس والمذاهب التاريخية لصالح مذاهب غربية وأن العقبة الأساسية في وجه الانتشار السريع للمذاهب الغربية في مصر تكمن حسب التصور الأمريكي في هيمنة الكنيسة الأرثوذكسية علي العقيدة المسيحية حيث لا ترحب الكنيسة المصرية بجهود البعثات التبشيرية الغربية لكسب أنصار جدد علي حسابها والرأي السائد الآن أن المجتمعات الإسلامية التي توجد بها كنائس مسيحية شرقية ستقع أكثر فأكثر تحت ضغط سياسي واقتصادي لكي تسمح بحرية الأجانب في ممارسة التبشيريين المسيحيين الوطنيين لصالح كنائس غربية تنمي الروح والمبادرات الفردية، خاصة أنه لا يزال هناك اقتناع راسخ بوجود علاقة بين الرأسمالية والمذاهب الدينية لدي منظري الرأسمالية والديمقراطية في الغرب وتجدد هذا الاقتناع ليصبح أحد أهم أدوات تسريع مسيرات العولمة