في ظل حديث نبوي شريف

عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصيني قال : لا تغضب " فردَد مرارا قال : " لا تغضب " ( رواه البخاري في كتاب الأدب )

الإسلام يدعو دائما إلى حميد الأخلاق وجميل الخلال , وينبذ كل الخصال المذمومة , فالغضب مثلا رذيلة مذمومة , وخصلة قبيحة , وعاقبته وخيمة ,لما له من آثار سيئة ؛ فمن آثاره في الجسم تغير اللون , وشدة رعده في الأطراف , واضطراب في الحركة والكلام . وإذا عرفنا أن الظاهر دليل الباطن وعنوانه أدركنا قبح صورة الباطن عند الغضب .
ومن آثاره علي اللسان انطلاقه بالشتم , والفحش من الكلام الذي يستحي منه قائله عند فتور غضبه , ومن آثاره علي الأعضاء الضرب والتهجم والتمزيق , بل القتل عند التمكن من غير مبالاة .
لهذه الآثار السيئة عمد الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى سائله , وأوصاه بما يزيل عنه هذه السيئات , ويبعده عن هذه الهنات , نهاه عن الغضب وكرر ذلك ثلاث مرات , وفي كل مرة لم يكن ينصح سائله إلا بهذه النصيحة الغالية .
وقد ورد في النهي عن الغضب آثار كثيرة :-
منها ما روي عن عبد الله بن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ينقذني من غضب الله ؟ قال : " لا تغضب " .
وقال أبو الدرداء : قلت : يا رسول الله , دلني علي عمل يدخلني الجنة . قال : " لا تغضب " .
وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته : " أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى ولا يغلبه الغضب " .
وقيل لعبد الله بن المبارك : أجمل لنا حسن الخلق . قال : ترك الغضب .
وقيل لحكيم : ما أملك فلانا لنفسه ! قال : إذا لا تلذ له الشهوة , ولا يصرعه الهوى , ولا يغلبه الغضب .
فهذه الآثار تبين لك أخي أن الغضب مستقبح من كل إنسان , وهو أشد قبحا إذا اتصف به الحكام والرؤساء , لأن هذه الآثار ستنزل بالرعية لا محالة , ويكون أثرها شديدا علي كل فرد لشدة جبروت الحاكم وقوة بطشه .
ولكن بالرغم من قبح هذه الخصال فإن لها علاجا يقضي علي أثاره قبل ظهوره . منها :-
أن يتذكر الغضبان فضيلة كظم الغيظ وثواب الله عليها .
أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
أن يغير الحالة التي هو عليها فإذا كان قائما قعد , وإذا كان قاعدا اضطجع , وفي الحديث : " إذا غضب أحدكم فليتوضأ "
أن يستذكر غضب الله وانتقامه إذا لم يخف انتقام المغضوب عليه في الدنيا .
هذا هو الغضب الذي فيه إفراط يخرج الإنسان عن سياسة العقل والدين ولا يبقى معه تفكير ولا اختيار .
أما المحمود من الغضب هو الذي ينتظر إشارة العقل والدين , ولا يتعداهما , فينبعث حيث تجب الحمية . وينطفئ حيث يحسن الحلم . أما الإنسان الذي يرى السيئة فلا يغضب لها , أو يرى الاعتداء علي حرماته فلا يجد في نفسه حمية , فهو إنسان فيه ضعف وذلة أتياه من قصور صفة الغضب عنده .
ومعروف أن الإسلام يدعو إلى الاعتدال في كل الأحوال .
نسأل الله أن يعيننا علي التخلق بأخلاق النبوة وأن نتبع سنته ونسلك سبيل صحابته الذين غمرتهم أنواره وفاضت عليهم خيراته وكانوا مصابيح لهداية التابعين من بعده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته