له مافي السماوات وما في الأرض ومابينهما وماتحت الثري
‏*‏ طه‏:6*‏

بقلم: د. ‏زغـلول النجـار
هـذه الآية الكريمة جاءت في مقدمات سورة طه وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(135)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم تكريما لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ لأن‏(‏ طه‏)‏ اسم من أسمائه الشريفة بدليل توجيه الخطاب اليه مباشرة بعد هذا النداء‏,‏ وان اعتبره نفر من المفسرين من المقطعات الهجائية التي استهل بها عدد من سور القرآن الكريم والخطاب من الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فيه من التكريم‏,‏ والتشريف مافيه‏,‏ خاصة أنه قد جاء تطييبا لخاطره‏,‏ وتسرية عنه‏,‏ وتخفيفا لثقل ماكان يلقاه من كفار قريش ومشركيها من انكار لنبوته‏,‏ وتكذيب لرسالته‏,‏ وصد لدعوته‏,‏ وتجريح لشخصه الكريم وهو الذي اشتهر بينهم بالصادق الأمين‏.‏
والسورة من بدايتها الي نهايتها خطاب موجه من الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي خاتم انبيائه ورسله عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏,‏ وفي هذا الخطاب الإلهي تأكيد لنبوته‏,‏ وتأييد لرسالته‏,‏ وتهوين للأمر عليه بحصر رسالته في البلاغ عن الله‏(‏ تعالي‏),‏ والانذار والتبشير‏,‏ وترك الخيار للناس‏,‏ استجاب من استجاب‏,‏ وأبي من أبي لأن امرهم بعد ذلك متروك لله وحده‏...‏ فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله علي كل شيء قدير‏(‏ البقرة‏:284)‏

ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من ركائز العقيدة الاسلامية‏,‏ وفي مقدمتها الايمان بالله‏,‏ وتوحيده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وتنزيهه عن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ والايمان بملائكة الله‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الآخر‏,‏ وبحقيقة الوحي‏,‏ ونبوة الأنبياء والمرسلين‏,‏ وحتمية البعث والنشور‏,‏ والحساب والجزاء بعد العرض الأكبر امام الله‏(‏ تعالي‏),‏ ولذلك أوردت السورة الكريمة بعض مشاهد القيامة‏,‏ وأحداث يوم الحشر حتي يدخل اهل الجنة الجنة‏,‏ ويدخل اهل النار النار‏.‏
كذلك عرضت السورة الكريمة لقصة موسي وهارون‏(‏ عليهما السلام‏)‏ بتفاصيلها‏,‏ ومن ذلك موقفهما مع فرعون مصر‏,‏ ومادار بينهما من حوارات وجدل انتهي بتحدي السحرة وهزيمتهم‏,‏ ثم خضوعهم لأمر الله وإيمانهم به‏(‏ سبحانه‏)‏ وبما جاء به موسي‏,‏ وغير ذلك من تفاصيل لموقف المناجاة‏,‏ والتكليف بالرسالة‏,‏ وتمتدح السورة القرآن الكريم الذي انزله الله تعالي قرآنا عربيا‏,‏ وصرف فيه من الوعيد لعل الخلق يتقون أو يحدث لهم القرآن عظة واعتبارا‏.‏

وفي عجالة عرضت هذه السورة الكريمة ايضا لقصة ابينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ الذي غفر الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ له خطيئته‏,‏ وهداه كما هدي ذريته بارسال الأنبياء والمرسلين اليهم مبشرين ومنذرين‏,‏ وترك الخيار للناس‏..‏ فمن اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل
وختمت سورة طه كما بدئت بخطاب الي رسول الله وخاتم النبيين صلي الله عليه وسلم أن يصبر علي مايقول الكفار والمشركون وان يسبح بحمد الله قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن آناء الليل وأطراف النهار‏,‏ وان يأمر اهله بالصلاة وان يصطبر عليها‏,‏ وأن ينفض يده من الكفار والمشركين بعد ان يخبرهم بقرار رب العالمين الذي يقول فيه‏:‏ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدي‏(‏ طه‏:135)‏

والخطاب كما كان موجها الي كفار ومشركي قريش‏,‏ هو موجه الي الكفار والمشركين‏,‏ والي الظلمة المتجبرين علي الخلق في كل زمان وعصر الي قيام الساعة‏..‏ خاصة في زمن الفتن الذي يعيشه أهل عصرنا في هذه الأيام النحسات من تاريخ البشرية علي هذه الأرض‏..!!‏

من ركائز العقيدة في سورة طه

‏(1)‏ أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبدالله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي ذكرته السورة الكريمة باسم‏(‏ طه‏),‏ وأنزلت السورة لتكون تذكرة لمن يخشي‏.‏

‏(2)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق الأرض والسماوات العلي الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي‏,‏ وانه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو الرحمن علي العرش استوي‏(‏ استواء يليق بجلاله‏)‏ وان من صفاته‏(‏ جل جلاله‏)‏ انه لايضل ولا ينسي‏.‏

‏(3)‏ وان له‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ مافي السماوات ومافي الأرض ومابينهما وماتحت الثري‏.‏

‏(4)‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ يعلم السر وأخفي‏,‏ وأنه وسع كل شيء علما‏,‏ وأنه يعلم مابين أيدي خلقه وما خلفهم‏,‏ ولايحيطون به علما‏,‏ وأنه لا إله الا هو له الأسماء الحسني‏.‏

‏(5)‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الناس من الأرض‏,‏ وفيها يعيدهم‏,‏ ومنها يخرجهم تارة أخري‏.‏

‏(6)‏ أن عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما أمر‏,‏ وإقامة الصلاة لذكره جلت قدرته هي من حقوق الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي خلقه‏,‏ ومن هنا فلا يجوز التقصير فيها أبدا‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي‏*‏ قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا‏*‏ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي‏*‏ وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقي‏*(‏ طه ـ‏124‏ ـ‏127).‏

‏(7)‏ أن الساعة آتية لامحالة‏,‏ يكاد الله‏(‏ تعالي‏)‏ يخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي‏,‏ وأن من لايؤمن بها كافر هالك‏,‏ وأن العذاب علي من كذب وتولي‏,‏ وأنه قد خاب من افتري‏.‏

‏(8)‏ إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولا يحيي‏*‏ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلي‏*‏ جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكي‏*(‏ طه ـ‏74‏ ـ‏76).‏

‏(9)‏ وأن من يحلل عليه غضب الله فقد هوي‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي‏*(‏ طه‏82)‏

‏(10)‏ ان الشيطان للانسان عدو مبين‏,‏ وأن السحر من الكبائر‏,‏

‏..‏ ولايفلح الساحر حيث أتي‏(‏ طه‏:69),‏ وأنه من أبشع أنواع الظلم‏..‏
وقد خاب من حمل ظلما‏(‏ طه‏:111)‏

‏(11)‏ أنه لايجوز للمسلم ان يكشف عورات انسان آخر‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ولاتمدن عينيك الي مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقي‏*(‏ طه‏:131)‏

من الاشارات الكونية في سورة طه
‏(1)‏ ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق الأرض والسماوات العلي‏,‏ بمعني أنها كلها مخلوقة‏,‏ وليست أزلية ولا أبدية‏,‏ بل لها بداية يحاول العلم التجريبي حسابها‏,‏ وكل ماله بداية لابد وأن ستكون له في يوم من الأيام نهاية‏(‏ طه‏:‏ الآية‏4)‏

‏(2)‏ له مافي السماوات وما في الأرض ومابينهما وماتحت الثري‏*(‏ طه‏:‏ الآية‏6)‏
وفي الآية الكريمة إشارة الي مركزية الأرض من الكون‏,‏ وإلي وجود حياة مزدهرة في قطاع التربة‏,‏ وهي حقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق غير رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ وتظل مجهولة لغالبية الناس في زمن تفجر المعارف العلمية الذي نعيشه اليوم‏.‏

‏(3)‏ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفي‏(‏ طه‏:7)‏
وهي اشارة الي ثلاث مراتب من التعبير وهي‏:‏ الجهر الذي يعلمه صاحبه‏,‏ ويعلمه من سمعه‏,‏ ويعلمه الله‏(‏ تعالي‏),‏ والسر هو ماحدث الانسان به غيره في خفاء‏,‏ والذي يعلمه صاحبه ومن أسر به اليه ويعلمه الله‏,‏ ويجهله من لم يسمع به‏,‏ والأخفي هو الأخفي من السر‏,‏ وقد يشير الي الخواطر النفسية التي لايحدث المرء بها غيره أو مايعرف باسم حديث النفس‏,‏ أو هو مااستقر في العقل الباطن ولايدري به صاحبه ولكن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلمه لأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ علام الغيوب‏.‏

‏(4)‏ قال ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي‏*(‏ طه‏:50)‏
وهي إشارة الي حقيقة الخلق وربوبية الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وإلي السنن الحاكمة لكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون وهي كلها من أمر الله وهدايته‏.‏

‏(5)‏ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتي‏*‏ كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهي‏*‏ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري‏*‏
‏(‏طه‏:53‏ ـ‏55)‏

وفي هذه الآيات الكريمة اشارات الي تمهيد الأرض‏,‏ وشق السبل فيها‏,‏ وإنزال الماء من السماء في دورته حول الأرض‏,‏ وإخراج مئات الآلاف من أنواع النبات المختلفة‏,‏ وكلها في زوجية واضحة‏,‏ وهي سنة عممها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي جميع خلقه حتي يبقي متفردا بالوحدانية المطلقة دون سواه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏
ثم تأمر الآيات الانسان بالأكل مما خلق له الله‏(‏ تعالي‏)‏ من هذه النباتات‏,‏ ويرعي فيها أنعامه‏,‏ وان يتأملها بنظرة العاقل البصير لأن في كل منها آيات لأولي النهي

وتؤكد الآيات خلق الخلق من الأرض‏,‏ ودفنهم فيها‏,‏ وحتمية اخراجهم منها‏.‏
‏(6)‏ الاشارة الي معجزة شق البحر لنبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ ولمن آمن معه‏,‏ والمعجزات خوارق للسنن‏,‏ وبالتالي لاتستطيع العلوم المكتسبة تفسيرها‏,‏ ولكن من رحمة الله بخلقه ان يترك لهم عددا من الآثار الحسية المترتبة علي وقوع المعجزة حتي يمكنهم التسليم بوقوعها‏,‏ وياليتنا نهتم بتحقيق تلك الشواهد الحسية وبابرازها للناس علي هيئة ورقة دعوية مقنعة في زمن العلم الذي نعيشه‏.‏

‏(7)‏ وصف مصير الجبال في الآخرة وصفا علميا دقيقا‏,‏ وان كنا نؤمن بأن الاخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا تماما‏,‏ إلا انه من رحمة الله بنا أن يبقي لنا من الشواهد الحسية في صخور الأرض‏,‏ وفي صفحة السماء مايؤكد امكانية حدوث ماوصفه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الآخرة‏,‏ وفي وصف نهاية الجبال في الاخرة يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سورة طه مانصه‏:‏
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا‏*‏ فيذرها قاعا صفصفا‏*‏ لاتري فيها عوجا ولا أمتا‏*(‏ طه‏:105‏ ـ‏107)‏

ونحن نري في حياتنا الدنيا ان الجبال تتكون بعمليات الطي‏(‏ العوج‏)‏ أو عمليات التصدع ومالها من صفات أرفع سطح الأرض وخفضه‏(‏ الأمت‏),‏ وقد تشترك العمليتان في تشكيل العديد من جبال الأرض اليوم‏,‏ وهي حقائق لم تدرك إلا بعد تطور المعارف العلمية في مجال علوم الأرض عبر القرنين الماضيين‏,‏ وورودها في كتاب انزل من قبل أربعة عشر قرنا‏,‏ علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين لمما يجزم بأن القرآن الكريم لايمكن ان يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أنزله بعلمه‏,‏ علي خاتم انبيائه ورسله‏,‏ وتعهد‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بحفظه كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا‏,‏ فحفظ‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ ولذلك بقي محتفظا بجلال الربوبية الذي يتلألأ بين آياته وكلماته‏,‏ وبعدد من صفاته التي تشهد باعجازه ومن أوضحها الآيات الكونية في هذا الكتاب العزيز الذي قال عنه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏*(‏ الحجر‏:9)‏

وكل آية من هذه الآيات الكونية التي أنزلها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سورة طه تحتاج الي معالجة خاصة‏,‏ ولذلك فسوف اقصر حديثي هنا علي النقطة الثانية من القائمة السابقة‏,‏ والتي جاءت في الآية السادسة من سورة طه‏,‏ وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
له مافي السماوات وما في الأرض ومابينهما وماتحت الثري‏*(‏ طه‏:6)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ مامختصره‏:...‏ وقوله‏:(‏ له مافي السماوات ومافي الأرض ومابينهما وماتحت الثري‏)‏ أي الجميع ملكه وفي قبضته‏,‏ وتحت تصرفه ومشيئته‏,‏ وارادته وحكمه‏,‏ وهو خالق ذلك ومالكه‏,‏ والهه لا إله سواه‏,‏ وقوله‏:(‏ وماتحت الثري‏)‏ قال محمد بن كعب‏:‏ أي ماتحت الأرض السابعة‏...‏
وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ مانصه‏:..(‏ له مافي السماوات وما في الأرض ومابينهما‏)‏ من المخلوقات‏(‏ وما تحت الثري‏)‏ هو التراب الندي‏,‏ والمراد الأرضون السبع لأنها تحته‏..‏

‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ مانصه‏:‏
‏..‏ ومع الهيمنة والاستعلاء الملك والإحاطة‏:(‏ له مافي السماوات ومافي الأرض ومابينهما وما تحت الثري‏)..‏ والمشاهد الكونية تستخدم في التعبير لابراز معني الملك والاحاطة في صورة يدركها التصور البشري‏.‏
والأمر اكبر من ذلك جدا‏.‏ ولله مافي الوجود كله وهو أكبر مما في السماوات ومافي الأرض ومابينهما وماتحت الثري‏..‏

‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبها‏)‏ مانصه‏:‏
‏..(‏ وماتحت الثري‏)‏ الثري‏:‏ التراب الندي‏.‏ يقال‏:‏ ثريت الأرض ـ كرضيت ـ ثري فهي ثرية‏,‏ إذا نديت ولانت بعد الجدوبة واليبس‏,‏ والمراد‏:‏ ماوراء الثري وهو تخوم الأرض الي نهايتها‏,‏ وخص بالذكر مع دخوله في قوله‏:‏ ومافي الأرض لزيادة التقرير‏.‏
‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ مانصه‏:‏ له ـ وحده ـ سبحانه ملك السماوات ومافيها والأرض وماعليها‏,‏ وملك مابينهما‏,‏ وما اختبأ في الأرض من معادن وخيرات‏.‏

‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ مانصه‏:..‏
له مافي السماوات وما في الأرض ومابينهما وما تحت الثري أي له سبحانه مافي الوجود كله‏:‏ السماوات السبع‏,‏ والأرضون ومابينهما من المخلوقات‏,‏ وماتحت التراب من معادن ومكنونات‏,‏ الكل ملكه وتحت تصرفه وقهره وسلطانه‏..‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا‏:‏ مافي السماوات‏:‏ السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو‏,‏ وعلي ذلك فان سماء كل شيء أعلاه‏,‏ ولذلك قيل‏:‏ كل ماعلاك فأظلك فهو سماء‏,‏ والسماء الدنيا هي كل مايقابل الأرض من الكون‏,‏ ويراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام السماوية المختلفة الموجودة علي هيئات متعددة ومايوجد فيها أو حولها أو ينتج منها أو عنها من مختلف صور الطاقة التي تملأ فسحة الكون بصورة واضحة جلية‏,‏ أو مستترة خفية‏.‏
وقد خلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها‏,‏ وجعل لها عمارا من الملائكة‏,‏ ومما لانعلم من الخلق‏,‏ وحرسها من كل شيطان مارد‏,‏ فهي محفوظة بحفظه‏(‏ تعالي‏)‏ إلي ان يرث هذا الكون بما فيه ومن فيه‏.‏

أما من الناحية الفلكية فإن علماء الفلك يقدرون الجزء المدرك من الكون المرئي بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية‏24‏ بليونا‏*9.5‏ مليون مليون كم‏=228‏ الف مليون مليون مليون كم وهذا كله في السماء الدنيا‏,‏ وهو دائم الاتساع بسرعات مذهلة الي نهاية لايعلمها الا الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وذلك لقوله‏(‏ تعالي‏):‏
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏..‏
‏(‏الملك‏:5)‏

ولقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون
‏(‏الذاريات‏:47)‏

وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة‏,‏ وعلي نمط واحد‏,‏ يبدأ بتجمعات عدد من الكواكب‏,‏ والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات‏,‏ والشهب‏,‏ والنيازك حول كل نجم من النجوم التي تنتظم بملايين الملايين في مجرات‏,‏ وتنتظم المجرات في مجموعات محلية‏,‏ ثم في الحشود المجرية‏,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية‏,‏ ثم في حشود مجرية عظمي‏,‏ ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي الي ماهو اكبر من ذلك في تصاعد إلي نهاية لايعلمها الا الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
ويحصي العلماء في الجزء المدرك من السماء الدنيا اكثر من مائتي الف مليون مجرة‏,‏ بعضها اكبر كثيرا من مجرتنا‏(‏ مجرة الطريق اللبني‏,‏ درب اللبانة‏,‏ أو سكة التبانة‏),‏ والبعض الآخر اصغر قليلا منها‏,‏ وبالمجرات ايضا السدم بمختلف اشكالها وأحجامها‏,‏ والمادة الداكنة أو المادة الخفية‏.‏

وتنتشر المادة بين النجوم‏,‏ وبين المجرات علي هيئة سحب دخانية يغلب علي تركيبها غاز الأيدروجين المحمل بهباءات متناهية الدقة من المواد الصلبة وتتخلق النجوم من الدخان الكوني في داخل السدم‏.‏ وللنجوم مراحل حياة من الميلاد والطفولة الي الشباب والكهولة‏,‏ ثم الشيخوخة والاحتضار لتعود الي دخان السماء‏,‏ ومن مراحل النجوم مايعرف باسم النجوم الابتدائية‏(‏ ومنها النجوم العادية‏,‏ ومنها العماليق الضخمة‏),‏ وعند انفجار النجوم العادية تتحول‏(‏ حسب كتلتها‏)‏ الي العماليق الحمر أو العماليق الحمر العظام‏,‏ وبعد ذلك تتحول العماليق الحمر الي السدم الكوكبية والأقزام البيض‏,‏ ثم الي المستعر الأعظم من النوع الأول ويتحول العملاق الأحمر الأعظم الي المستعر الأعظم من النوع الثاني ثم الي النجم النيوتروني أو الي الثقب الأسود حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏
وهناك أيضا اشباه النجوم وهي أجسام ضئيلة الكثافة جدا تنتشر علي أطراف الجزء المدرك من السماء الدنيا وتصدر موجات راديوية عالية‏,‏ وان كان بعضها صامتا لا يصدر مثل تلك الموجات‏.‏

وهذه الأجرام المعروفة لنا في الجزء المدرك من السماء الدنيا لايعرف أحد من أهل العلم إن كانت معمورة بخلق من خلق الله ام لا‏,‏ ولكن الآية القرآنية الكريمة التاسعة والعشرين من سورة الشوري يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ومن آياته خلق السماوات والأرض ومابث فيهما من دابة وهو علي جمعهم إذا يشاء قدير‏*‏
‏(‏الشوري‏:29)‏
وهذه الآية الكريمة تشير الي وجود خلق في السماوات‏.‏

والعلوم المكتسبة لاتعرف إلا جزءا يسيرا من السماء الدنيا‏,‏ ولولا ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد اخبرنا في محكم كتابه انه خلق سبع سماوات طباقا ماكان أمام الانسان من وسيلة لادراك ذلك‏,‏ والسماوات السبع ومافيها ومن فيها ملك لله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وحده‏.‏

ثانيا‏:‏ ومافي الأرض‏:‏ يقدر حجم الأرض بمائة وثمانية ملايين كيلو متر مكعب‏,‏ ومتوسط كثافتها بحوالي‏5.52‏ جم‏/‏ سم‏3,‏ تقدر كتلتها بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ والأرض بداخلها ست أرضين علي النحو التالي‏:‏
‏1‏ ـ الأرض الأولي‏:‏ وتمثل بقشرة الأرض الصلبة التي نحيا عليها‏,‏ ويتراوح سمكها بين حوالي‏5‏ ـ‏8‏ كيلو مترات تحت المحيطات‏,30‏ ـ‏40‏ كيلو مترا في القارات‏.‏

‏2‏ ـ الأرض الثانية‏:‏ وتمثل بما دون القشرة من الغلاف الصخري للأرض ويتراوح سمكها بين‏70,60‏ كيلو مترا تحت المحيطات‏,‏ و‏80‏ و‏90‏ كيلو مترا تحت القارات‏.‏

‏3‏ ـ الأرض الثالثة‏:‏ وتمثل بالجزء العلوي من وشاح الأرض والذي يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة‏,‏ شبه منصهرة‏,‏ عالية الكثافة واللزوجة‏,‏ ويقدر سمكها بحوالي‏280‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏120‏ كم الي عمق‏400‏ كم‏)‏

‏4‏ ـ الأرض الرابعة‏:‏ وتعرف باسم الجزء الأوسط من وشاح الأرض‏,‏ وتوجد فيه الصخور في حالة صلبة جامدة‏,‏ ويقدر سمكها بحوالي‏270‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏400‏ كم الي عمق‏670)‏

‏5‏ ـ الأرض الخامسة‏:‏ وتعرف باسم الجزء السفلي من وشاح الأرض‏,‏ وتوجد فيه الصخور في حالة صلبة جامدة‏,‏ ويقدر سمكها بحوالي‏2215‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏670‏ كم الي عمق‏2885‏ كم تحت مستوي سطح البحر‏)‏

‏6‏ـ الأرض السادسة‏:‏ وتعرف باسم لب الأرض السائل‏,‏ ويتكون أساسا من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(9%)‏ وقليل من العناصر الخفيفة‏(1%)‏ والكل في حالة منصهرة‏,‏ ويبلغ سمك الأرض السادسة حوالي‏(2270)‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏2885‏ كم الي عمق‏5155‏ كم تحت مستوي سطح البحر‏).‏

‏7‏ ـ الأرض السابعة‏:‏ وتعرف باسم لب الأرض الصلب وهو عبارة عن كرة مصمطة من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(10%)‏ وبعض العناصر الخفيفة مثل الكبريت‏,‏ والفوسفور‏,‏ والكربون أو السيليكون‏(1%)‏ ويبلغ نصف قطر هذه النواة حوالي‏(1216)‏ كيلو مترا‏.‏

وعلي ذلك يقدر متوسط نصف قطر الأرض بحوالي‏6371‏ كيلو مترا‏,‏ ومتوسط محيطها بحوالي‏40042‏ كيلو مترا‏,‏ ومساحة سطحها بحوالي‏510‏ ملايين كيلو متر‏.‏
ويقدر حجم الغلاف المائي للأرض بحوالي‏1.4‏ بليون كيلو متر مكعب‏,‏ تغطي مساحة‏362‏ مليون كيلو متر مربع من مساحة سطح الأرض‏,‏ تاركة‏148‏ مليون كيلو متر مربع من اليابسة‏.‏

ويحيا علي سطح الأرض اليوم اكثر من ستة مليارات نسمة من الآدميين ترجع كلها الي أب واحد هو آدم‏(‏ عليه السلام‏),‏ وأم واحدة هي حواء‏(‏ عليها رضوان الله‏).‏
ويعيش علي سطح الأرض وفي أوساطها المائية اكثر من مليون ونصف المليون نوع من انواع الحياة‏,‏ بالاضافة الي وجود كل سجل أحفوري لأكثر من ربع مليون نوع من الأحافير المنقرضة‏,‏ وبمعدل الاكتشافات السنوية لأنواع جديدة من انواع الحياة المزدهرة اليوم‏,‏ والمنقرضة‏,‏ والتي تكتشف بقاياها في صخور الأرض علي هيئة الأحافير‏,‏ يعتقد العلماء أن عدد أنواع الحياة علي الأرض تصل الي حوالي الخمسة ملايين نوع‏,‏ يمثل كل منها في الماضي أو يمثل اليوم ببلايين الأفراد‏.‏

ويقدر اقل عمر للأرض بحوالي الخمسة بلايين من السنين‏(4.600,000,000‏ سنة‏),‏ بينما يقدر عمر الكون بأكثر من عشرة بلايين من السنين‏,‏ ويقدر متوسط عمر الانسان بحوالي الخمسين سنة تقريبا‏.‏
والأرض بها العديد من الثروات المعدنية من مختلف العناصر‏,‏ والمركبات الكيميائية‏,‏ ومصادر الطاقة المتعددة‏,‏ ومصادر الماء‏,‏ والثروات النباتية والحيوانية‏.‏

وغير ذلك مما نعلم ومالانعلم من خيرات الله‏,‏ وينزل عليها سنويا ملايين الأطنان من العناصر والمركبات‏,‏ والأشعات والطاقات‏.‏
وهذا كله ملك لله وحده‏,‏ ومن فضله‏,‏ وكرمه‏,‏ وجوده واحسانه‏.‏

ثالثا‏:‏ ومابينهما‏:‏ في عشرين آية قرآنية صريحة جاءت الاشارة الي البينية بين السماوات‏(‏ علي ضخامة ابعادها‏)‏ والأرض‏(‏ علي ضآلة أبعادها بالنسبة الي الجزء المدرك من السماء الدنيا‏),‏ وهذه البينية بالاضافة الي شواهد عديدة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة تشير الي ان الأرض وهي تضم السبع أراضين في هيئة كروية‏,‏ متطابقة يغلف الخارج منها الداخل فيها تقع في مركز السماوات السبع التي خلقت كذلك بهيئة كروية مغلفة يغلف الخارج منها الداخل‏.‏
أما عن مابين السماوات والأرض فهو حيز مكاني‏/‏ زماني يفصل بين السماوات والأرض‏,‏ وهذا الحيز ملئ بمختلف صور المادة والطاقة‏,‏ ومسخر به السحاب بنص القرآن الكريم‏,‏ ومسخرة به الملائكة‏,‏ وربما غيرهم من خلق الله‏,‏ وأن الأوامر الإلهية المنزلة تتنزل عبر هذا الحيز الفاصل بين السماوات والأرض‏.‏

وتشير العلوم المكتسبة الي أن خلق السماوات والأرض بعملية كالتي تصفها نظرية الانفجار العظيم‏(‏ والتي يؤيدها القرآن الكريم‏)‏ تشير الي أن خلق كل من المكان والزمان‏,‏ والمادة والطاقة قد تم في وقت واحد‏,‏ فلا يوجد‏(‏ في الجزء المدرك لنا من الكون‏)‏ مكان بلا زمان‏,‏ ولا زمان بلا مكان‏,‏ كما لايوجد مكان وزمان بغير مادة وطاقة‏,‏ وعلي ذلك فالمادة والطاقة موجودتان بين كل اجرام السماء من مثل مابين كل من الأرض والشمس‏,‏ وما بينهما وبين بقية افراد المجموعة الشمسية‏,‏ ثم شاءت ارادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ ان تدحي الأرض بثورة براكينها‏,‏ فأخرج الله‏(‏ سبحانه‏)‏ من داخل الأرض كلا من غلا فيها المائي والغازي‏,‏ والماء عاد بإرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي الأرض ودار حولها في دورة مذهلة‏,‏ وغازات الأرض حين اندفعت من داخل الأرض اختلطت بدخان السماء لتكون نطاقا متميزا عن كل من الأرض والسماء وهو ماأطلق عليه القرآن الكريم وصف مابين السماء والأرض لأنه مغاير لكل منهما‏,‏ وهذا النطاق يعرف اليوم باسم نطاق الرجع‏(TheTroposphere)‏ وهو يمتد من سطح البحر الي ارتفاع يختلف باختلاف النطق المناخية‏,‏ ويتراوح بين‏6‏ كم و‏17‏كم‏,‏ ويتكدس فيه اكثر من‏66%‏ من مادة الغلاف الغازي للأرض كله‏.‏ وتتناقص فيه درجة الحرارة مع الارتفاع باستمرار حتي تصل الي ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء‏,‏ ويعرف هذا المستوي باسم مستوي الركود الجوي‏,‏ وذلك لتناقص الضغط الجوي فيه الي حوالي عشر الضغط الجوي فوق مستوي سطح البحر‏.‏

ويتركب هذا النطاق الفاصل بين السماوات والأرض أساسا من جزيئات النيتروجين‏(‏ بنسبة‏78.1%‏ بالحجم‏),‏ والأكسجين‏(‏ بنسبة‏21%‏ بالحجم‏),‏ والأرجون‏(‏ بنسبة‏0.93%‏ بالحجم‏),‏ وثاني أكسيد الكربون‏(‏ بنسبة‏0,03%‏ بالحجم‏),‏ وذلك بالاضافة الي نسب ضيئلة من بخار الماء‏,‏ وآثار طفيفة من كل من غازات الميثان‏,‏ وأول اكسيد الكربون‏,‏ وأكاسيد النيتروجين‏,‏ والأيدروجين‏,‏ والهيليوم‏,‏ والأوزون‏,‏ وبعض الغازات الخاملة مثل الأرجون‏.‏ وهذا التركيب مغاير تماما لتركيب المادة بين الكواكب الأخري والنجوم‏,‏ ومغاير لتركيب الدخان الكوني الذي خلقت منه السماوات والأرض ابتداء‏,‏ ومن هنا كانت الاشارة اليه من المعجزات العلمية في كتاب الله‏,‏ وفي سنة رسوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي يروي عنه قوله الشريف‏:‏
سبحان الله عدد ماخلق في السماء‏,‏ سبحان الله عدد ماخلق في الأرض‏,‏ سبحان الله عدد ماخلق بينهما‏,‏ سبحان الله عدد ماهو خالق وهذا النطاق الفاصل بين السماوات والأرض بكل مافيه ومن فيه هو ملك كامل للذي فطر السماوات والأرض‏,‏ لاينازعه في سلطانه احد من خلقه‏,‏ وليس له شريك في ملكه‏,‏ ولاشبيه من عباده‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏.‏

رابعا‏:‏ وماتحت الثري‏:‏ احتار المفسرون في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وماتحت الثري‏)‏ فقال بعضهم ان المقصود بذلك هو ان جميع الموجودات ملكه وخلقه‏,‏ وتحت قهره وسلطانه‏,‏ وقال آخرون‏:‏ أي ان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو المالك لكل شيء من الخلق والعجائب‏.‏

و‏(‏الثري‏)‏ في اللغة هو التراب الندي‏,‏ ومن المعروف علميا ان التربة الدبالية‏(‏ أي المحتوية علي الدبال وهو المادة السمراء التي تنشأ عن تحلل المواد العضوية نباتية كانت أم حيوانية‏)‏ لها قدرة عالية علي الاحتفاظ بالماء‏,‏ وهي تربة غنية بمركبات معدنية عديدة مثل نترات وكبريتات العناصر‏,‏ وهي جيدة التهوية‏,‏ وتعطي مابها من ماء بسهولة‏,‏ ونتيجة لذلك فقد ثبت ان هذه التربة‏,‏ وماتحتها من نطق قطاع التربة غنية جدا بالكائنات الحية التي تسكنها ومن ذلك مايلي‏:‏
‏(1)‏ مجموعات من النباتات الدقيقة ومن البقايا الدقيقة للنباتات الكبيرة وذلك من مثل البكتيريا‏,‏ والفطريات‏,‏ والطحالب والأنواع وحبوب اللقاح‏,‏ وغيرها بمختلف اشكالها وهيئاتها‏,‏ ومن البكتيريا مايعمل علي تثبيت النيتروجين‏,‏ أو الايدروجين‏,‏ أو ثاني اكسيد الكربون أو الكبريت‏,‏ أو الحديد‏,‏ أو المنجنيز أو غير ذلك من العناصر والمركبات التي تزيد من خصوبة التربة‏,‏ ومنها مايقوم بتكسير المواد الكربوهيدراتية‏,‏ أو السيليولوزية‏,‏ أو البروتينية‏,‏ أو الدهنية في البقايا العضوية الموجودة بالتربة فتثريها بما يحتاجه النبات النامي فوقها من غذاء‏.‏

‏(2)‏ مجموعات من الحيوانات المتباينة الأحجام والصفات منها الدقيقة مثل الأوليات‏(‏ الطلائعيات‏),‏ والمتوسطة الي الكبيرة مثل الديدان‏,‏ والرخويات‏,‏ والحشرات ويرقاتها‏,‏ والعناكب‏,‏ وبعض القشريات‏,‏ والفقاريات الحفارة‏,‏ وغيرها‏.‏

وتقسم التربة عادة الي ثلاثة نطق متميزة تعلو صخور الأرض التي استمدت منها بفعل عوامل التعرية المختلفة‏,‏ وهذه النطق هي من أعلي الي أسفل علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ المنطقة العليا‏(‏ نطاق الثري‏):‏ وهي أكثر أجزاء التربة تعرية ورطوبة وقد تمتد من سطح الأرض إلي الركام الصخري أو إلي الصخر غير المعري ذاته‏.‏ وتتجمع فيها بعض البقايا العضوية‏,‏ ولكن حركة الماء فيها من أعلي إلي أسفل تنزع منها كثيرا من محتواها الغذائي للنبات‏,‏ ويتراوح سمكها بين سنتيمترات قليلة إلي عشرات السنتيمترات‏.‏

‏(2)‏ المنطقة الوسطي‏(‏ نطاق ماتحت الثري‏):‏ وتمتد من قاعدة نطاق الثري إلي عمق يصل إلي قرابة المتر‏,‏ وهي منطقة متوسطة التعرية لكن حركة الماء من أعلي إلي أسفل حتي تصلها تثريها بالعديد من المركبات الكيميائية المهمة المنزوعة من منطقة الثري ولذلك فهي أغني قطاعات التربة في الحياة‏.‏

‏(3)‏ النطاق الصخري‏:‏ وهو الذي استمد منه النطاقان العلويان مادتيهما بفعل عوامل التعرية بصورها المختلفة‏.‏
وازدهار الحياة فيما تحت الثري من التربة حقيقة لم تكن معروفة في زمن تنزل القرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ ووجود الإشارة إليها في القرآن الكريم يشهد له بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد بالنبوة وبالرسالة للنبي الخاتم الذي تلقاه‏,‏ وبأنه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏