94)‏ والنخل باسقات لها طلع نضيد‏
‏*(‏ ق‏:10)*‏
بقلم الدكتور‏:‏زغـلول النجـار
هــذه الآية الكريمة جاءت في الربع الأول من سورة‏(‏ ق‏),‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(45)‏ بعد البسملة‏,‏ ويدور المحور الرئيسي لها حول قضيتي الوحي الخاتم‏,‏ والبعث القادم‏,‏ وإنكار كل من الكفار والمشركين لهما في زمن الوحي‏,‏ وإلي وقتنا الراهن‏,‏ وحتي قيام الساعة‏.‏ ولذلك تستهل السورة بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالقرآن المجيد ـ والله غني عن القسم لعباده ـ ثم بالعديد من الآيات الكونية الظاهرة والدالة علي طلاقة القدرة الالهية المبهرة في خلق الكون وجميع ما فيه ومن فيه‏,‏ والدالة كذلك علي أن الخالق المبدع قادر علي إفناء الخلق‏,‏ وعلي إعادة بعثة من جديد‏,‏ وكانت قضية البعث منذ الأزل هي حجة الكفار والمشركين والضالين المتشككين‏,‏ انطلاقا من فساد عقائدهم‏...!!‏
وتتحدث سورة ق بعد ذلك عن حركة الحياة والموت‏,‏ وتحلل الأجساد وبلاها‏,‏ ثم بعثها وحشرها وحسابها‏,‏ وجزائها كما تتحدث عن ارهاصات الساعة‏,‏ وعن رقابة الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي كل نفس‏,‏ وهي رقابة لاتغفل‏,‏ ولاتغيب أبدا‏...!!‏

وتتعرض هذه السورة المباركة أيضا لموقف من مواقف الكفار والمشركين والظلمة المتجبرين علي الخلق في يوم القيامة‏,‏ ومحاولاتهم التنصل من جرائمهم بإلقاء التبعة في ذلك علي قرنائهم من شياطين الانس والجن‏,‏ ورد قرنائهم علي ادعاءاتهم‏,‏ وبيان أن خاتمة هذا الجدل هي إلقاؤهم جميعا في نار جهنم‏,‏ في الوقت الذي يكرم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الصالحين من عباده بإدخالهم في جنات النعيم‏.‏
وتوصي سورة ق خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ومن تبعه من المؤمنين بالصبر علي أذي كل من الكفار والمشركين والضالين التائهين من أصحاب العقائد الفاسدة‏,‏ والديانات المحرفة‏,‏ الذين لم يعتبروا بمصائر المكذبين من الأمم السابقة عليهم‏,‏ وما أصاب تلك الأمم من دمار بسبب كفرهم بالله‏(‏ تعالي‏)‏ أو شركهم به‏(‏ سبحانه‏)‏ وتكذيبهم لأنبيائه ورسله‏.‏

وتوصي هذه السورة المباركة بالثبات علي عبادة الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولاشبيه‏,‏ ولامنازع‏,‏ ولاصاحبة‏,‏ ولا ولد‏)‏ لأن ذلك كله من صفات المخلوقين‏,‏ والله منزه عن صفات خلقه‏.‏
وتؤكد سورة ق أن دور الرسول الخاتم‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ هو التذكير بأوامر الله ونواهيه دون جبر‏,‏ أو إكراه‏,‏ أو تعنت‏,‏ لأن أصلا من أصول الاسلام العظيم أنه لا إكراه في الدين‏.‏

وتبدأ هذه السورة المباركة بحرف من الحروف الهجائية المقطعة وهو الحرف قاف‏(‏ ق‏),‏ وهي المرة الوحيدة التي استهلت فيها إحدي سور القرآن الكريم بهذا الحرف الذي أتبع بقسم بالقرآن المجيد أي الكريم علي الله‏(‏ تعالي‏),‏ تعظيما لشأنه‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ وحذف جواب القسم الذي مضمونه‏:‏ أقسم بالقرآن المجيد الذي أنزلناه إليك يامحمد لتنذر به الناس كافة‏,‏ أنه الحق المطلق من الله الخالق‏,‏ ودلالة ذلك الآية التي جاءت بعد القسم‏:‏
ق والقرآن المجيد‏S‏ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب‏S‏
‏(‏ ق‏:2,1).‏

والآية تشير إلي تعجب كفار قريش ومشركيهم من اختيار الله‏(‏ تعالي‏)‏ لخاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من بينهم‏,‏ والآية التالية تذكر استبعادهم لعملية البعث بعد الموت وبعد أن تبلي الأجساد وتتحلل إلي التراب‏:‏
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد‏S(‏ ق‏:3)‏
وترد الآية التالية بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ‏S(‏ ق‏:4)‏

أي قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت‏,‏ وعلمنا محيط بكل شيء‏,‏ وقد دونا ذلك في كتاب حفيظ‏,‏ وهو اللوح المحفوظ‏,‏ وهذا تأكيد لقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب‏(‏ صحيح مسلم‏)‏

وتؤكد الآية الخامسة من سورة‏(‏ ق‏)‏ أن تكذيب الكفار والمشركين لنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الثابتة بالعديد من المعجزات الظاهرة‏,‏ وفي مقدمتها القرآن الكريم‏,‏ يعتبر في ميزان الله أكبر جرما من تكذيبهم بالبعث‏,‏ فقد اختلطت أمورهم وأفكارهم‏,‏ وفسدت معتقداتهم‏,‏ وأصبحوا في حالة من القلق والاضطراب والضياع لاتمكنهم من حسن التفكير أو حسن النظر في الأمور بعين البصيرة‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج‏S(‏ ق‏:5)‏

ثم استعرضت الآيات عددا من الشواهد الكونية الدالة علي كمال القدرة الالهية المبدعة في الخلق‏,‏ وعلي إحاطة علم الله الخالق بكل صغيرة وكبيرة في الكون‏,‏ وعظيم حكمته الظاهرة في كل أمر من أمور المخلوقات فيه‏,‏ والاستدلال من ذلك كله بأن الذي أبدع هذا الكون علي غير مثال سابق‏,‏ قادر علي إفنائه وعلي إعادة خلقه من جديد مما يؤكد حتمية البعث وضرورته‏.‏
وعرضت الآيات من بعد ذلك إلي ذكر عدد من الأمم السابقة التي كفرت بربها‏,‏ أو أشركت به‏,‏ وعصت أوامره‏,‏ وكذبت أنبياءه ورسله‏,‏ فحق عليها عذاب الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وتحقق فيهم وعد الله ووعيده‏,‏ وكان في هذا العرض ما فيه من المواساة الالهية لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)(‏ وللمؤمنين به من بعده‏)‏ علي تكذيب الكفار والمشركين لبعثته الشريفة‏.‏ ويرد الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي منكري البعث مرة أخري بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد‏S(‏ ق‏:15).‏

ثم تستمر الآيات في تأكيد حقيقة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الإنسان‏,‏ ويعلم ما توسوس به نفسه‏,‏ لأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ـ بإحاطة علمه ودوام مراقبته ـ أقرب إلي كل عبد من عباده من أقرب شيء إليه وهو عرق الوريد بباطن عنقه‏,‏ وفوق ذلك فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أوكل كل فرد من عباده إلي ملكين‏:‏ أحدهما عن يمينه لكتابة الحسنات‏,‏ والآخر عن شماله لكتابة السيئات‏,‏ فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد من قبل هذين الملكين المتلقيين عنه‏,‏ وكل منهما ملازمه‏,‏ لا يفارقه أبدا‏,‏ وكل منهما مهيأ لتلك المهمة ومعد إعدادا تاما لها‏.‏
وبعد التأكيد علي هذه الحقيقة التي يغفل عنها كثير من الخلق‏,‏ تنبه الآيات الإنسان إلي حقيقة الموت‏,‏ وسكراته‏,‏ وشدائده‏,‏ وكربه‏,‏ ونزوله بالحق أي باليقين الذي كان يماري فيه كل كافر ومشرك ومتشكك‏,‏ أو بالحق حيث يري الميت وقت حشرجة الروح مكانه في الجنة أو مكانه في النار‏,‏ والرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏ الناس نيام ما عاشوا فإذا ما ماتوا انتبهوا‏.‏ والموت حق علي كل حي‏,‏ وإن كان في طبيعة الإنسان أن يستبعده عن نفسه وهو يراه واقعا علي غيره في كل يوم‏,‏ ويحاول الهروب منه‏,‏ والفرار من هجمته‏,‏ ولكن هيهات هيهات فلا ملجأ من الله إلا إليه‏...!!‏

ثم تنبه الآيات بعد ذلك إلي نفخة الصور بأمر الله‏(‏ تعالي‏)‏ فيبعث جميع من في القبور‏,‏ وهو اليوم الذي توعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ به كل كافر‏,‏ ومشرك‏,‏ وظالم‏.‏ وتشير الآيات إلي مجيء كل نفس معها من يسوقها من الملائكة إلي أرض المحشر‏,‏ ومن يشهد عليها بعملها‏.‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏S‏ إذ يتلقي المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد‏S‏ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏S‏ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد‏S‏ ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد‏S‏ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد‏S‏ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد‏(‏ ق‏:16‏ ـ‏22).‏

أي‏:‏ فأزلنا عنك غفلتك‏,‏ وجلونا لك بصرك حتي تري به الحق الذي كنت تكذب به في الدنيا‏,‏ وقد كنت فيها كافرا‏,‏ أو مشركا‏,‏ أو متشككا‏,‏ أو ظالما جائرا لاتخشي حساب الله في الآخرة‏.‏
وفي التحذير من جريمة الشرك بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ تذكر الآيات أن شيطان كل من المشرك والكافر الذي أغواه وأضله‏,‏ أوالملك الموكل بكتابة سيئاته يقول عنه‏:‏

هذا ما لدي عتيد أي مهيأ لجزاء الله ومعد له‏,‏ فيقال للسائق والشهيد‏,‏ أو للملكين من خزنة النار‏:‏ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد‏S‏ مناع للخير معتد مريب‏S‏ الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد‏S.(‏ ق‏:24‏ ـ‏26).‏
وحينئذ يبدأ كل كافر ومشرك وظالم في الاعتذار إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بأن شيطانه قد أغواه وأطغاه‏,‏ فيقول شيطانه معتذرا أيضا إلي الله‏:...‏ ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد‏S(‏ ق‏:27).‏

فيرد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله الحق‏:‏
‏...‏ لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد‏S‏ ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد‏S‏ يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد‏S‏ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد‏S‏ هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ‏S‏ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب‏S‏ ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود‏S‏ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد‏S.(‏ ق‏:28‏ ـ‏35).‏
وبعد هذا الاستعراض القرآني المعجز لبعض حقائق الدنيا والآخرة ووضع الإنسان فيهما‏,‏ تعاود الآيات في ختام السورة بالإشارة إلي عقاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ للعاصين من الأمم السابقة الذين أهلكهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بذنوبهم وقد كانوا أشد بطشا من كفار قريش ـ والعذاب ينزل بهم‏,‏ وهم في حالة من الهلع والفزع‏,‏ يركضون في جنبات الأرض ونقوبها في محاولة يائسة للهروب من عذاب الله‏,‏ وهو واقع بهم لا محالة حتي أبادهم عن بكرة أبيهم‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد‏S.(‏ ق‏:37).‏

وترجع الآيات مرة أخري بالإشارة إلي خلق السماوات والأرض في ستة أيام‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب‏S.(‏ ق‏:38).‏

ثم يوجه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي كان يؤلمه ما يتطاول به الكفار والمشركون علي الذات الإلهية‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
فاصبر علي ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‏S‏ ومن الليل فسبحه وأدبار والسجود‏S(‏ ق‏:40,39).‏

أي‏:‏ اصبر يا محمد علي تطاول الكفار والمشركين علي الذات الإلهية‏,‏ وهو مما يؤلمك‏,‏ واصبر علي تكذيبهم لبعثتك الشريفة‏,‏ وهو مما يحزنك‏,...‏ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون‏S(‏ الأنعام‏:33)‏
وتأمر الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن ينزه ربه عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ وأن يحمده حمدا يليق بجلاله‏,‏ خاصة في وقتي الفجر والعصر‏,‏ وعقب كل صلاة مفروضة‏,‏ وذلك بالتسبيح‏,‏ والتحميد‏,‏ والتكبير‏,‏ والتهليل وبالإكثار من النوافل‏.‏

وتختتم هذه السورة المباركة بالإشارة مرة أخري إلي يوم البعث والحشر‏,‏ مؤكدة يسر ذلك علي الله‏,‏ موجهة الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ جازمة بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يحيي ويميت‏,‏ وأن مصير الخلائق كلها إليه‏(‏ سبحانه‏),‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم السر والنجوي وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب‏S‏ يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج‏S‏ إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير‏S‏ يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير‏S‏ نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد‏S.(‏ ق‏:41‏ ـ‏45).‏

ومن روعة بيان هذه السورة‏,‏ وشدة وقعها علي السمع‏,‏ والعقل‏,‏ والقلب‏,‏ واحتفالها بعدد هائل من حقائق الوجود‏,‏ كان خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كثيرا ما يخطب بها في صلاة العيدين والجمعة‏,‏ وكان يجعل منها موضوع خطبته في اجتماعاته الحافلة بالناس‏,‏ يحرك بمعانيها الرائعة‏,‏ وجرسها الفريد كثيرا من القلوب الغافلة‏,‏ ويسمع بها كثيرا من الآذان الصم‏,‏ وينير بها كثيرا من العقول المعتمة‏,‏ وذلك لأن الإنسان مهما أوتي من أسباب الفصاحة‏,‏ والبلاغة‏,‏ وروعة البيان لا يمكن له أن ينقل ما جاء بسورة ق من معان بأسلوب يقترب في شيء من روعة ما جاء فيها من بيان الله الذي لايمكن لبيان البشر أن يدانيه من قريب أو من بعيد‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة ق
‏(1)‏ أن تحلل الجسد الميت ينتهي إلي تراب الأرض فيما عدا عجب الذنب الذي منه خلق‏,‏ وفيه يعاد تركيبه كما أخبر بذلك المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ودلت عليه الآية الرابعة من سورة ق‏,‏ وأكدته البحوث العلمية‏.‏
‏(2)‏ أن السماء بناء محكم‏,‏ مزدان بالنجوم‏.‏ ولا وجود للفراغ الخالي من صور المادة والطاقة فيها ومالها من فروج‏.‏

‏(3)‏ ان الأرض كروية الشكل لانها ممدودة بلا نهاية‏,‏ والمد بلا نهاية هو قمة التكور‏.‏
‏(4)‏ ان تكون الجبال عملية لاحقة لخلق الأرض‏,‏ وهي رواسي مثبتة لها في دورانها وجريها‏,‏ كما أنها مثبتة لاغلفتها الصخرية حتي لا تميد ولاتضطرب‏.‏

‏(5)‏ أن كل شئ في الوجود قد خلقه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في زوجية واضحة حتي يبقي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ متفردا بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ والدراسات العلمية تؤكد الزوجية في جميع المخلوقات‏.‏
‏(6)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يحكم دورة الماء حول الأرض بعلمه وقدرته وحكمته‏,‏ وينزله من السماء ماء مباركا لشدة طهارته‏,‏ وبنزوله علي الأرض فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يحيي به مواتها وينبت فيها جنات وحب الحصيد‏,‏ ويشبه الله تعالي إخراج الأموات من قبورهم في يوم البعث بإخراج النبات من الأرض بعد إنزال ماء المطر عليها‏,‏ مما يؤكد حتمية البعث وضرورته‏.‏

‏(7)‏ وصف النخل بأنها باسقات وأن طلعها نضيد‏.‏
‏(8)‏ إقرار حقيقة أن الإنسان مخلوق خلقه الله‏(‏ تعالي‏)‏ ـ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ خالق كل شئ‏,‏ وأن الموت حق علي جميع المخلوقين‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يحيي ويميت‏,‏ وأن الخلق الأول يشهد لله الخالق بالقدرة علي البعث‏.‏

‏(9)‏ إقرار حقيقة أن خلق السماوات والأرض قد تم عبر ست مراحل متتالية يحاول العلم الكسبي استقراءها اليوم‏.‏
‏(10)‏ وصف انفتاح الأرض لإخراج المدفون فيها من أجداث يوم البعث بالتشقق‏,‏ وهي عملية مختلفة‏,‏ تماما عن عملية التصدع‏,‏ التي أشار إليها القرآن الكريم في مقام آخر‏,‏ وفي ذلك من الدقة العلمية ما فيه‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معاملة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي النقطة السابعة في القائمة السابقة والتي تتحدث عن النخل الباسقات وعن طلعها النضيد‏,‏ وقبل الولوج في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
والنخل باسقات لها طلع نضيد‏*(‏ ق‏:10).‏
‏*‏ ذكر الطبري‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:(‏ والنخل باسقات‏):‏ طوالا‏,‏ والباسق هو الطويل‏,(‏ لها طلع نضيد‏):‏ متراكب بعضه علي بعض‏.‏
وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري حاجة إلي تكراره هنا‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أشارت هذه الاية الكريمة إلي النخل الباسقات‏,‏ وهو نوع خاص من النخل يتميز بطول ساقه‏(‏ جذعه‏)‏ حتي ليتجاوز الثلاثين مترا في الارتفاع‏,‏ علما بأن هناك من أنواع النخل القصير ما لا يتجاوز ارتفاع جذعه المترين‏,‏ وبذلك تتضح الحكمة من الإشارة إلي النخل الطوال في هذه الآية الكريمة‏,‏ ومن إتباع الوصف باسقات بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ لها طلع نضيد‏.‏
وفي ذلك إشارة إلي القدرة الإلهية المبدعة التي تتجلي في خلق النخلة الباسقة‏,‏ بهذا الطول الفاره‏,‏ وإعطائها من القدرات البينة الظاهرة‏,‏ والخفية المستترة‏,‏ ما جعل من النخل مضرب المثل في القرآن الكريم الذي ذكره في عشرين موضعا‏,‏ وفضله دوما علي غيره من أنواع الزروع‏,‏ والفاكهة‏,‏ وجعله في مقابلة غيره من أنواع النباتات‏.‏

فمن القدرات الظاهرة للنخل ثباته في الأرض‏,‏ وارتفاعه فوق سطحها ومقاومته للرياح‏,‏ وتحمله للحرارة الشديدة والجفاف وقوته وتعميره‏,‏ ووفرة إنتاجيته تحت أقسي الظروف‏,‏ وتعدد أشجاره وثماره شكلا ولونا وطعما وحجما وفائدة‏,‏ وتعدد الفوائد المرجوة من كل جزء من أجزاء شجرته المباركة‏.‏
ومن القدرات المستترة للنخلة تلك القدرات الفائقة التي وهبها الله إياها‏,‏ لتعينها علي القيام بكافة وظائفها الحياتية‏,‏ وفي مقدمتها القدرة علي الاستفادة بماء الأرض وعناصرها ومركباتها المختلفة‏,‏ والاختيار منها حسب حاجاتها‏,‏ ورفع العصارة الغذائية إلي قمتها‏,‏ وأوراقها وأزهارها وثمارها‏,‏ وإلي مختلف أجزائها مهما تسامقت تلك القمة‏,‏ وتباعدت تلك الأوراق والأزهار والثمار‏.‏
والعائلة النخيلية تضم حوالي المائتي جنس وأكثر من أربعة آلاف نوع من الأشجار‏,‏ والشجيرات‏,‏ والمتسلقات التي تنتشر أساسا في كل من المناطق الاستوائية والمعتدلة‏,‏ كما يكثر بعض أنواعها كنخيل البلح في البيئات الصحراوية القاحلة‏,‏ حيث تصل درجة حرارة الجو إلي ما فوق الخمسين درجة مئوية‏,‏ ودرجة حرارة سطح الأرض إلي تسعين درجة مئوية‏,‏ وتندر الأمطار‏,‏ ومن هنا كانت أهمية التهيئة الربانية للنخيل ـ خاصة نخيل البلح للاستفادة بأقل كمية من الماء‏.‏

أهمية الماء في حياة النخيل
من المسلمات أن الماء سائل أساسي للحياة‏,‏ ولذلك يوجد بكميات قد تصل إلي أكثر من‏95%‏ من وزن بعض الكائنات الحية‏(‏ نباتية كانت أو حيوانية‏)‏ وذلك لأن للماء من الصفات الطبيعية والكيميائية ما وهبه بها الله قدرات فائقة علي إذابة العديد من الجوامد‏,‏ والغازات‏,‏ وعلي الاختلاط والامتزاج بالعديد من غيره من السوائل‏,‏ ولذلك أصبح الماء وسطا لازما لإتمام جميع العمليات الحيوية‏,‏ ولتلطيف درجة حرارة الأجساد الحية بتبخره منها‏.‏
والنباتات بصفة عامة‏,‏ والنباتات الراقية بصفة خاصة‏,‏ والصحراوية منها بصفة أخص تحتاج إلي قدر هائل من الماء الذي تحصل عليه من الوسط الذي تحيا فيه‏,‏ بواسطة الجذور‏.‏

والماء يوجد في التربة علي هيئة خيوط شعرية دقيقة تنتشر في المسافات البينية‏(‏ المسام‏)‏ الموجودة بين حبيبات التربة‏,‏ أو علي هيئة ملتصقة بتلك الحبيبات خاصة ما لها شراهة خاصة للماء منها مثل حبيبات الصلصال وفتات المواد العضوية‏.‏
ويصل الماء الي التربة بعد سقوط الأمطار‏,‏ أو بواسطة الري‏,‏ أو من المخزون المائي تحت سطح الأرض‏,‏ ونظرا لندرة الأمطار في المناطق الصحراوية الحالية‏,‏ فقد زودها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بمخزون مائي كبير من أمطارغزيرة هطلت عليها قبل آلاف السنين من تعرضها لعملية التصحر‏.‏ ولذلك وهب الله تعالي للنخيل القدرة علي الوصول بجذوره العرضية الي أي قدر من الرطوبة الموجودة في الأرض‏,‏ وحمي جذوعه بأغطية من أعناق السعف‏(‏ تعرف الواحدة منها باسم الكربة‏)‏ وبما جعل للسعف عند اتصاله بجذع النخلة من أغماد ليفية خشنة تزيد من متانة الجذع‏,‏ وتحفظ الماء في خلاياه من البخر كما تحفظه من التغيرات المناخية ومن عوامل التعرية ومن التعديات الحيوانية عليه‏.‏

كذلك جعل الله‏(‏ تعالي‏)‏ وريقات النخل‏(‏ السعف‏)‏ من الخوص الجلدي المانع لتسرب الماء‏,‏ وجعلها علي هيئةرمحية مدببة الأطراف ومطوية بصورة مائلة علي محورها وعلي محور الورقة‏(‏ السعفة‏)‏ وحور بعض الوريقات علي هيئة أشواك لتقليل تسرب الماء منها بعملية النتح‏.‏ كذلك حمي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ زهور النخلة بغلاف جلدي متين‏,‏ غير منفذ للماء مستدق الحواف يحيط بها احاطة كاملة‏,‏ ويغطي من الخارج بخملة حمراء اللون تساعد علي حفظ الماء الموجود في كل من الزهور والشماريخ‏,‏ وهي فروع متحورة لحمية غليظة تحمل الزهور علي هيئة نورة مركبة أو سنبلة‏,‏ وتعرف الشماريخ وماعليها من زهور باسم الأغاريض‏(‏ جمع اغريض‏).‏
وينتقل الماء من التربة الي خلايا المجموع الجذري للنخلة المنغرسة في تلك التربة بفعل الفرق في جهد الماء بين محاليل التربة‏,‏ والعصارات المختزنة في الأوعية الخشبية للنخلة‏,‏ وهو مايعرف باسم الضغط الجذري‏,‏ ثم تتوالي حركة الماء من الجذور الي خلايا قشرة الساق حتي يصل الي الطبقة الداخلية منها‏,‏ ثم الي الأوعية الخشبية في قلب جذع النخلة عبر خلايا خاصة لمرور الماء وما به من عناصر ومركبات مذابة توجد في مواجهة الأوعية الخشبية مباشرة‏,‏ ويتحكم في حركة الماء هنا كذلك التدرج في قيمة جهده من خلية إلي أخري‏.‏ كذلك فقد أعطي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للماء من الصفات الطبيعية ماجعله واحدا من أشد السوائل تماسكا وتلاصقا‏,‏ وأقواها بعد الزئبق علي تحقيق ظاهرة التوتر السطحي وذلك بسب ماوهبه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من خاصية القطبية المزدوجة التي جعلها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ مميزة لجزئ الماء‏.‏

وبتعاظم التوتر السطحي للماء تتعاظم قدرته علي تسلق جدران الوعاء الذي يتواجد فيه‏,‏ خاصة إذا كان قطر هذا الوعاء صغيرا‏,‏ وكلما دق هذا القطر ارتفع فيه الماء بسرعة أشد‏,‏ ووصل الي مستويات اعلي‏,‏ وهذه الخاصية المائية المعروفة باسم الخاصية الشعرية هي التي تتيح للماء الذي تمتصه جذور النخلة من الوصول الي قمتها النامية وما حولها من أوراق وزهور وثمار بتدبير من الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبذلك يبقي ماء الأرض وما به من عناصر ومركبات مذابة علي هيئة متصلة من قاعدة النبات إلي قمته‏,‏ ويعين علي هذا الاتصال المستمر قوة الشد الناتجة عن عملية النتح‏,‏ وهي عملية يطرد بها النبات الماء الزائد عن حاجته الي الغلاف الجوي المحيط به علي هيئة بخار الماء الذي يخرج من ثغور الأوراق والوريقات علي وجه الخصوص‏.‏ وتتأثر عملية النتح هذه بعدد وحجم وتوزيع الثغور علي جسم النبات ودرجات الحرارة والرطوبة النسبية في البيئة المحيطة‏,‏ وسرعة الرياح‏,‏ والتركيب الداخلي للأوراق والوريقات‏,‏ ويساعد عملية النتح في التخلص من الماء الزائد في داخل النبات عملية أخري تسمي عملية الادماع وتكثر في النباتات التي تحيا في المناطق العالية الرطوبة‏.‏
وقد شاءت ارادة الخالق المبدع‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ان يجعل الأوعية الخشبية في قلب شجرة النخيل صغيرة الأقطار بشكل ملحوظ مما يساعدها علي رفع العصارة الغذائية بالخاصية الشعرية الي قمتها النامية والتي يصل ارتفاعها في بعض الأحوال الي أكثر من ثلاثين مترا‏.‏ وبتضافر كل من الضغوط الجذرية‏,‏ والخاصية الشعرية‏,‏ وقوة الشد الناتجة عن عملية النتح ينشأ في داخل جذع النخلة قوة شد تصل الي عشرات الضغوط الجوية تعمل علي رفع العصارة الغذائية النيئة في الأوعية الخشبية ضد قوي الجاذبية من أسفل النخلة الي قمتها مهما بلغ ارتفاع تلك القمة‏,‏ بينما تهبط العصارة الغذائية الناضجة بعد تكوينها في الأوراق من قمة النبات الي جذوره خلال خلايا لحاء الشجرة بفعل الجاذبية الأرضية‏.‏

الأجزاء الرئيسية للنخلة‏:‏
نعرف من اجزاء النخلة الرئيسية مايلي‏:‏
أولا‏:‏ المجموع الجذري‏:‏
يبدأ المجموع الجذري لنخيل البلح في التكون بمجرد انبات النواة اذا كان التكاثر بواسطة زرع النواة‏,‏ وان كان التكاثر يمكن ان يتم بواسطة الفسائل‏,‏ أو باستخدام تقنيات استزراع الأنسجة‏,‏ وفي كل هذه الحالات تبدأ النبتة بتكون المجموع الجذري‏,‏ ويعرف المجموع الجذري الخارج من النواة النابتة باسم المجموع الجذري الوتدي‏,‏ ثم تبدأ هذه الجذور الأولية في التلاشي بالتدريج لتحل محلها جذور عرضية تنشأ من قاعدة البادرة‏,‏ وتأخذ هذه الجذور العرضية في الازدياد حجما وعددا مع زيادة نمو النبتة‏,‏ وهي جذور ليفية‏,‏ خالية من الشعيرات الجذرية‏,‏ وتقوم بامتصاص الماء والغذاء من التربة عن طريق خلايا السطح في هذه الجذور العرضية‏.‏ ويتميز النخيل بقدرته الفائقة علي سرعة تكوين الجذور وانتشارها في التربة‏(‏ خاصة التربة الرملية‏)‏ لتعين علي تثبيت النخلة في الأرض وعلي امكانية انتصابها قائمة لارتفاعات شاهقة‏.‏

ثانيا‏:‏ المجموع الخضري ويشمل‏:‏
‏(1)‏ جذع النخلة‏:‏ جذع النخلة اسطواني الشكل‏,‏ بقطر يتراوح بين‏40‏ سم‏,90‏ سم وارتفاع يتراوح بين أقل من مترين وأكثر من ثلاثين مترا‏,‏ وليست له فروع‏,‏ ومغطي بنوع خاص من الليف‏,‏ وبنهايات السعف القديم الذي تعرف الواحدة منه باسم الكربة وهي تقوي الجذع‏,‏ وتحميه من عوارض الجو‏,‏ ومن تعدي الحيوانات‏,‏ ومن بخر ما به من ماء‏,‏ وتعينه علي الانتصاب قائما لعشرات الأمتار فوق سطح الأرض‏.‏
‏(2)‏ القمة النامية للنخلة‏:‏ وتعرف باسم‏(‏ الجمارة‏),‏ وتحتوي علي البرعم القمي الوحيد الموجود في رأس النخلة‏,‏ وتختزن فيه كمية كبيرة من العصارة الغذائية الناضجة‏,‏ ويقوم هذا البرعم القمي الوحيد بعمليات النمو الرأسي فيؤدي الي استطالة الجذع‏,‏ وتكوين الأوراق عليه‏,‏ وتكوين كل من الزهور والثمار‏,‏ وبموت هذه القمة النامية تموت النخلة‏,‏ ولذلك احاطها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بغلاف عازل سميك‏,‏ مكون من قواعد السعف الملتفة والمتراصة لحمايتها من التغيرات المناخية والجوية‏.‏ وتنقسم هذه القمة النامية الي جزء سفلي يخرج منه السعف والليف ويعرف باسم قلب الجمارة‏,‏ وجزء علوي تخرج منه العذوق‏(‏ جمع عذق‏)‏ ويعرف باسم طلع الجمارة أو طلع النخلة وعود العذق‏(‏ العرجون‏)‏ أو القنو من النخل هو مابين الشماريخ الي منبته من النخلة‏,‏ والعذق هو حامل الشماريخ‏(‏ جمع شمراخ وشمروخ‏)‏ وهو العود الرفيع الذي عليه البسر ويسمي احيانا باسم العثكال‏.‏
‏(3)‏ أوراق النخل‏(‏ سعف النخل‏):‏ وهي أوراق مركبة‏,‏ ريشية الشكل‏,‏ طويلة جدا إذ يتراوح طولها بين حوالي الثلاثة والستة امتار تقريبا‏,‏ وتنتج النخلة الواحدة بين العشرة والعشرين سعفة في السنة بدءا من قمتها النامية‏(‏ الجمارة‏),‏ والورقة لها نصل‏(‏ عرق وسطي‏)‏ طويل‏,‏ مرن‏,‏ قوي‏,‏ متين‏,‏ يزيد عرضه عند اتصاله بالجذع‏,‏ ويتناقص في اتجاه طرفه‏,‏ ويتباين لونه من الأصفر الي الأحمر القاني الي البني‏,‏ ويحمل هذا النصل الوريقات‏(‏ الخوص‏)‏ التي يتراوح عددها بين‏240,120‏ وريقة‏(‏ خوصة‏),‏ وطولها بين‏15‏ سم‏,100‏ سم‏,‏ وعرضها بين‏6,1‏ سم‏,‏ هذا بالاضافة الي عدد من الأشواك في الجزء السفلي من السعفة‏,‏ وكل شوكة عبارة عن وريقة متحورة‏,‏ وقد تتواجد مفردة أو في مجموعات‏,‏ وتتصل الوريقة بالمحور الرئيسي للورقة بواسطة انتفاخ عند قاعدة الخوصة‏.‏ ويوجد لكل ورقة غمد يحيط بالساق‏,‏ وتنفصل منه المادة الليفية الحمراء التي تحيط بالجذع‏,‏ وتعمل علي زيادة متانته‏,‏ وقوته‏,‏ كما تعمل علي حمايته وعلي حفظ ما به من سوائل‏.‏

ثالثا‏:‏ المجموع الزهري والثمري للنخلة‏:‏
تخرج نورة النخلة من ابط الورقة‏,‏ والنورة عبارة عن اغريض مركب ومتفرع الي عدة أفرع‏(‏ شماريخ‏),‏ يحمل كل منها أزهارا أو منغرسة في الفرع المحمولة عليه‏,‏ والاغريض عبارة عن سنبلة مركبة تشمل الشماريخ والأزهار‏,‏ والشماريخ‏(‏ جمع شمراخ وشمروخ‏)‏ هي فروع متحورة‏,‏ لحمية‏,‏ غليظة تحمل الأزهار‏,‏ والأزهار وحيدة الجنس‏(‏ إما مؤنثة أو مذكرة‏)‏ منتظمة‏,‏ بدون عنق‏,‏ أي محمولة علي الشمراخ مباشرة‏,‏ وهناك مايقرب من العشرة آلاف زهرة علي الطلع الواحد‏,‏ ومن هنا كان التعبير القرآني‏:‏ لها طلع نضيد أي منضود ويحمل النورة محور يصلها برأس جذع النخلة‏,‏
والأزهار المذكرة بيضاء اللون‏,‏ مائلة الي شئ من الصفرة‏,‏ وتوجد في فحول النخل أما الأزهار المؤنثة فهي صفراء اللون‏,‏ وهي أصغر حجما من الأزهار المذكرة‏,‏ وتوجد علي اناث النخل‏.‏

وفي الحالتين يتركب الطلع من غلاف جلدي متين يحيط بالأزهار‏,‏ ويعرف باسم الجف‏,‏ ويعرف مابداخل هذا الغلاف من أزهار وعذوق وشماريخ باسم الأغاريض‏,‏ وتتميز الأغاريض المذكرة بقصر شماريخها‏,‏ وكثرة عذوقها‏,‏ وتحمل أزهارا متلاصقة‏,‏ أما الأغاريض المؤنثة فتحمل عددا أقل من الأزهار‏,‏ تتوزع متباعدة عن بعضها البعض علي شماريخ أطول وأدق‏.‏
وعند حدوث التلقيح بين فحول النخل وإناثه إما تلقيحا طبيعيا أي فطريا‏(‏ بواسطة كل من الرياح والحشرات‏)‏ أو تلقيحا صناعيا‏(‏ يدويا أو آليا‏)‏ تتم عملية الاخصاب فتنتج الثمرة من أحد الكرابل الثلاث التي تكون الزهرة المؤنثة‏,‏ وتضمحل الكربلتان الأخريان وتسقطان علي الأرض‏.‏

ويتكون المجموع الثمري للنخلة من الطلع‏(‏ الكفري‏),‏ والعذوق‏,‏ والشماريخ‏,‏ والثمار‏,‏ وثمرة البلح حسلية‏,‏ بداخلها نواة ذات فلقة واحدة تحتضن جنين النخلة بداخلها‏,‏ وتحيط به طبقة الاندوسبرم علي هيئة سويداء قرنية لحماية الجنين وتغذيته في فترة الانبات‏.‏
وفي حالة عدم تلقيح الزهرة المؤنثة تستمر الكرابل الثلاث في النمو وتعطي ثمارا صغيرة بدون نوي‏,‏ ومجتمعه مع بعضها تحت قمع واحد‏,‏ وهي ثمار لا قيمة لها من الناحية الاقتصادية أو الغذائية‏.‏

ويزرع نخيل البلح لثماره التي تؤكل‏,‏ ولخشبه وجريده وخوصه‏,‏ وأليافه التي لها من الاستخدامات ما لا يتسع المقام لحصره‏.‏
فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق‏:‏والنخل باسقات لها طلع نضيد

ثم يأتي العلم الكسبي بعد أربعة عشر قرنا ليؤكد لنا روعة القوي التي وضعها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في النخلات الطوال كي تمكنها من رفع العصارة الغذائية من التربة إلي قمتها‏,‏ ويؤكد لنا حقيقة أن هناك مايقرب من العشرة آلاف زهرةعلي الطلع الواحد منضودة أي متراكبة بعضها فوق بعض فتأتي الثمار منضودة كذلك‏,‏ وهي حقائق لم تكن معروفة في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ أبقاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في محكم كتابه شاهدة له بأنه كلام الله الخالق‏,‏ وشاهدة للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏