92)‏ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها‏..‏
‏*‏ فاطر‏:27*‏
بقلم الدكتور‏:‏زغـلول النجـار
النص القرآني المعجز جاء في أوائل النصف الثاني من سورة فاطر‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏45‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لافتتاحها بالثناء علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بكونه فاطر السماوات والأرض‏,‏ أي خالقهما علي غير مثال سابق‏,‏ ولأنه تعالي جاعل الملائكة رسلا‏,‏ وأنه علي كل شيء قدير‏,‏ ولأنه‏(‏ تعالي‏)‏ رحمن السماوات والأرض ورحيمهما‏,‏ وأنه هو العزيز الحكيم‏.‏
وتنادي السورة الكريمة في مطلعها علي الناس كافة أن يذكروا نعمة الله عليهم وهو الخالق الرازق الذي لا إله إلا هو‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثني وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله علي كل شيء قدير‏*‏ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم‏*‏ يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأني تؤفكون‏*.(‏ فاطر‏:1‏ ــ‏3)‏
وبعد ذلك يوجه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مواساة رقيقة من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي تكذيب الكفار والمشركين لبعثته الشريفة بأن جميع رسل الله السابقين قد كذبهم الكفار والمشركون من أممهم‏,‏ وأن إلي الله ترجع الأمور‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ عليم بما تصنع كل نفس‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ سوف يجازي الجميع بأعمالهم‏.‏ وكذلك تطالب الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ألا يحزن علي الكافرين والمشركين والمكذبين لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليم بما يصنعون‏.‏

وتؤكد الآيات للناس كافة أن وعد الله بالبعث والحساب والجنة والنار هو حق لا ريب فيه‏,‏ فلا يجوز لهم أن ينسوا ذلك فينخدعوا بالدنيا وينسوا الآخرة‏,‏ ولا ينخدعوا بالشيطان فيصرفهم عن متابعة أوامر الرحمن‏,‏ لأن الشيطان سوف يغريهم بالمعصية ويمنيهم بالمغفرة‏,‏ وسوف يزين لهم سوء أعمالهم فيروه حسنا‏,‏ انطلاقا من عدائه لهم‏,‏ وحرصه علي الوقيعة بهم‏,‏ فلابد من اتخاذه عدوا‏,‏ لأنه يدعو أتباعه ليكونوا من أصحاب النار‏.‏
وتؤكد السورة الكريمة أن الذين كفروا لهم عذاب شديد‏,‏ وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كريم‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏

وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلي الله ترجع الأمور‏*‏ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور‏*‏ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير‏*‏ الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير‏*‏ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون‏*.(‏ فاطر‏:4‏ ـ‏8)‏
ثم تؤكد الآيات أن العزة لله جميعا‏,‏ وأنه من كان يريد العزة فليطلبها من الله بطاعته‏,‏ فالعمل الطيب يصعد إليه والعمل الصالح يرفعه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ويقبله‏,‏ وأن الذين يدبرون السوء بخبث ومكر لهم عذاب شديد‏,‏ ولن ينفعهم تدبيرهم الماكر بشيء‏,‏ لأن مآله الدمار والبوار‏.‏

وتنعي الآيات علي الذين يشركون بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أن شركاءهم لا يسمعون دعاءهم‏,‏ وإن سمعوه فإنهم لن يستجيبوا لهم‏,‏ ويوم القيامة سوف يكفرون بشركهم‏,‏ وينكرونه عليهم‏,‏ ولا ينبئ بمثل هذا الحق من أخبار الآخرة مثل عليم به علما محيطا‏,‏ وخبير به خبرة كاملة‏.‏
وتتوجه الآيات بالخطاب مرة أخري إلي الناس جميعا مؤكدة أنهم هم المحتاجون إلي الله في كل شيء‏,‏ والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو الغني عن كافة خلقه‏,‏ المستحق للحمد من جميع عباده‏,‏ وأنه إن يشأ إهلاك الخلق جميعا لأهلكم بخلق جديد‏,‏ وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏

كذلك تؤكد الآيات أن نفسا لا تحمل وزر أخري‏,‏ وإن دعت نفس مثقلة بالذنوب أحدا من الخلق ليحمل عنها شيئا من ذنوبها فإن ذلك لا يمكنه‏,‏ وإن كان ذا قرابة معها‏,‏ لانشغال كل بنفسه وهمه وذنوبه‏.‏
وفي مقابلة رائعة يعاد توجيه الخطاب مرة أخري إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

‏...‏ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكي فإنما يتزكي لنفسه وإلي الله المصير‏*‏ وما يستوي الأعمي والبصير‏*‏ ولا الظلمات ولا النور‏*‏ ولا الظل ولا الحرور‏*‏ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور‏*‏ إن أنت إلا نذير‏*‏ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير‏*‏ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير‏*‏ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير‏*.‏
‏(‏فاطر‏:18-26)‏

وفي سياق السورة الكريمة امتدحت الآيات المؤمنين الذين يتلون كتاب الله‏,‏ ويتدبرون آياته‏,‏ والذين يقيمون الصلاة علي وجهها الصحيح‏,‏ وينفقون مما رزقهم الله سرا وعلانية‏,‏ وهم يرجون بذلك تجارة مع الله لن تبور‏,‏ ولن تكسد أبدا بإذنه لأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ سوف يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله‏,‏ إنه غفور شكور‏.‏
ومرة ثالثة تعاود السورة الكريمة توجيه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مؤكدة أن القرآن الكريم هو الحق الذي لا شبهة فيه‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أنزله بعلمه‏,‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مصدقا لما تقدم من الكتب السماوية لاتفاق أصولها‏,‏ ووحدة رسالتها‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير‏*‏ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير‏*(‏ فاطر‏:32,31)‏
والآية الأخيرة تؤكد أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعل القرآن الكريم ميراثا للذين اصطفاهم من عباده‏,‏ وعلي الرغم من هذا الفضل العظيم فإن من هؤلاء العباد المصطفين للإسلام من يظلم نفسه بالزج بها في المعاصي‏,‏ ومنهم من يعصمها من ذلك فلا يسرف في إتيان السيئات‏,‏ ولكنه في نفس الوقت لا يجتهد في الاكثار من الحسنات‏,‏ ومنهم السابق بالخيرات‏,‏ الذي يجتهد في الإكثار من الحسنات‏,‏ وهو صاحب الفوز الكبير من الله‏,‏ ألا وهو الخلود في جنات عدن التي أفاضت الآيات في وصف نعيمها‏.‏ أما الذين يكفرون بالله فجزاؤهم نار جهنم خالدين فيها‏,‏ لا يقضي عليهم بالموت فيموتون‏,‏ ولا يخفف عنهم شيء من العذاب‏,‏ وهو جزاء كل متماد في الكفر‏,‏ أو مصر علي الشرك‏,‏ أو سادر في الضلال بلا توبة حتي الموت أو منكر لرسالة السماء الخاتمة‏,‏ ولنبوة رسولها عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏.‏

وتصور الآيات حال الكافرين والمشركين في نار جهنم وهم يستغيثون بالله أن يخرجهم منها ليعملوا صالحا غير الذي كانوا يعملون في الدنيا‏,‏ وترد عليهم الآيات بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏...‏ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير‏*‏ إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور‏*‏ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا‏*‏ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم علي بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا‏!*.(‏ فاطر‏:37‏ ـ‏40)‏

وتذكر الآيات أن الكافرين أقسموا بالله جهد أيمانهم‏(‏ أي قسما مغلظا‏)‏ لئن جاءهم نذير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ ليكونن أهدي من غيرهم من الأمم التي كذبت رسلها‏,‏ فلما جاءهم رسول منهم ما زادتهم دعوته المباركة إلا نفورا من الحق‏,‏ وكراهية له‏,‏ انطلاقا من استكبارهم في الأرض‏,‏ ورغبتهم في المكر السييء برسولهم‏,‏ والمكر السييء لا يحيق إلا بأهله‏,‏ فهل يتوقعون من الله إلا ما جرت به سننه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في الذين سبقوهم من الأمم‏,‏ وسنن الله لا تتوقف‏,‏ ولا تتخلف‏,‏ ولا تتبدل‏,‏ ولا تتحول‏,‏ ولو ساروا في الأرض وتأملوا عواقب من كانوا قبلهم من الأمم‏,‏ وما أصاب تلك الأمم العاصية من الدمار والهلاك‏,‏ وقد كانوا أشد من كفار الجزيرة العربية قوة‏,‏ فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله‏,‏ والله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض لأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو العليم القدير‏.‏
وتختم سورة فاطر بالتأكيد علي أن كل بني آدم خطاءون‏,‏ وأن خير الخطائين التوابون‏,‏ وأن الآخرة حق‏,‏ وأن الحكم فيها عدل مطلق‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمي فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا‏*‏
‏(‏ فاطر‏:45).‏

وسورة فاطر مليئة بالاستشهاد بالآيات الكونية التي تنبه الإنسان إلي عظمة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ تلك العظمة البينة في إتقان الخلق‏,‏ وضخامة الكون‏,‏ ودقة بنائه‏,‏ وتعدد أجرامه‏,‏ وإحكام حركاته‏,‏ وخلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ من أدق اللبنات إلي أعظم الوحدات في هذا الكون الشاسع‏,‏ ومن الكائن ذي الخلية الواحدة إلي الإنسان الكامل‏,‏ كل ذلك يشهد لهذا الخالق العظيم بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية‏,‏ والخالقية‏,‏ كما يشهد له‏(‏ تعالي‏)‏ بقدرته علي إفناء الخلق وعلي إعادة بعثه من جديد‏,‏ وقد كانت قضية البعث عبر التاريخ ولا تزال هي حجة المكابرين والمعاندين من الكفار والمشركين‏,‏ وسوف تظل كذلك إلي يوم الدين‏.‏

من الآيات الكونية في سورة فاطر
جاء في سورة فاطر عدد غير قليل من الإشارات الكونية التي تضمنتها الآيات التالية‏:‏
‏(1)‏ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلي بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور‏*(‏ فاطر‏:9)‏

‏(2)‏ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثي ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك علي الله يسير‏*‏ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وتري الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏*‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير‏..(‏ فاطر‏:11-13)‏
‏(3)‏ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود‏*‏ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشي الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور‏*‏
‏(‏فاطر‏:27:28).‏

‏(4)‏ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا‏*.(‏ فاطر‏:41).‏
وكل آية من هذه الآيات‏,‏ وكل مقطع من كل آية يحتاج إلي معاملة خاصة‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي المقطع الأول من الآية السابعة والعشرين من هذه السورة المباركة‏,‏ والذي اتخذته عنوانا لهذا المقال‏.‏

وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذا النص القرآني المعجز‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها‏....*.‏
‏(‏فاطر‏:27)‏

‏*‏ ذكر ابن كثير يرحمه الله ما مختصره‏:‏يقول تعالي منبها علي كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد‏,‏ وهو الماء الذي ينزله من السماء‏,‏ يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض‏,‏ إلي غير ذلك من ألوان الثمار‏,‏ كما هو الشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها‏,‏ كما قال تعالي في الآية الأخري‏:(‏يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏).....‏
‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما مختصره‏:(‏ألم تر‏)‏ تعلم‏(‏ أن الله أنزل من السماء‏)‏ أي‏:‏ من السحاب‏(‏ ماء فأخرجنا‏)‏ فيه التفات عن الغيبة‏(‏ به ثمرات مختلفا ألوانها‏)‏ كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها‏....‏

‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم‏)‏ ما نصه‏:....‏ إنها لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة علي مصدر هذا الكتاب‏.‏ لفتة تطوف في الأرض كلها تتتبع فيها الألوان والأصباغ في كل عوالمها‏:‏ في الثمرات‏,‏ وفي الجبال‏,‏ وفي الناس‏,‏ وفي الدواب والأنعام‏,‏ لفتة تجمع في كلمات قلائل‏,‏ بين الأحياء وغير الأحياء في هذه الأرض جميعا‏,‏ وتدع القلب مأخوذا بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع الكبير الذي يشمل الأرض جميعا‏,‏ وتبدأ بإنزال الماء من السماء‏,‏ وإخراج الثمرات المختلفات الألوان‏.‏ ولأن المعرض معرض أصباغ وشيات‏,‏ فإنه لا يذكر هنا من الثمرات إلا ألوانها‏(‏ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها‏)..‏
وألوان الثمار معرض بديع للألوان يعجز عن إبداع مانبت منه جميع الرسامين في جميع الأجيال‏.‏ فما من نوع من الثمار يماثل لونه لون نوع آخر‏,‏ بل ما من ثمرة واحدة يماثل لونها لون أخواتها من النوع الواحد‏,‏ فعند التدقيق في أي ثمرتين أختين يبدو شيء من اختلاف اللون‏!.‏

‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏رحم الله كاتبه برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ألم تر أن الله أنزل‏)‏ خطاب لكل من يصلح له بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة‏,‏ والصنعة البديعة يوجب الإيمان بالله‏,‏ ويدفع في صدور المكذبين ـ بعد أن ذكر أخذه تعالي لهم عقوبة علي التكذيب والجحود ـ وهو اختلاف ألوان الثمرات والجبال‏,‏ والناس والدواب والأنعام اختلافا بينا‏....‏
‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ألم تر‏)‏ أيهاـ العاقل ـ ان الله انزل من السماء ماء اخرج به ثمرات مختلفا الوانها منها الاحمر والاصفر والحلو والمر والطيب والخبيث‏...‏ وأضاف الخبراء بالهامش ما يلي‏:‏ليس الاعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة هو التنويه فقط بما للجبال من ألوان مختلفة ترجع إلي اختلاف المواد التي تتألف منها صخورها‏...,‏ ولكن الاعجاز هو الربط بين إخراج ثمرات مختلفات الألوان يروي شجرها ماء واحد‏.....‏

‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء‏)‏ أي‏:‏ ألم تر أيها المخاطب أن الله العظيم الكبير الجليل أنزل من السحاب المطر بقدرته؟‏(‏ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها‏)‏ أي فأخرجنا بذلك الماء أنواع النباتات والفواكه والثمار‏,‏ المختلفات الأشكال والألوان والطعوم‏,‏ قال الزمخشري‏:‏ أي مختلف أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر‏,‏ أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها‏.‏

الثمرات في اللغة العربية
‏(‏الثمرات‏)‏ جمع‏(‏ ثمرة‏),‏ و‏(‏الثمرة‏)‏ في العربية اسم لكل ما يتطعم به من أعمال الشجر‏,‏ ويقال لكل نفع يصدر عن شيء‏:‏ثمرته‏,‏ و‏(‏الثمرة‏)‏ واحدة‏(‏ الثمر‏),‏ وجمعها‏(‏ ثمرات‏),‏ وجمع‏(‏ الثمر‏)(‏ ثمار‏),‏ وجمع الثمار‏(‏ ثمر‏),‏ وجمع ثمر هو‏(‏ أثمار‏).‏
ويقال في العربية‏:(‏ أثمر‏)‏ الشجر أي طلع ثمره‏,‏ وشجر‏(‏ ثامر‏)‏ إذا أدرك ثمره‏,‏ وشجرة‏(‏ ثامرة‏)‏ أو‏(‏ ثمراء‏)‏ أي ذات ثمر‏.‏

ويكني‏(‏ بالثمر‏)‏ أحيانا عن المال المستفاد‏,‏ فيقال‏:(‏ أثمر‏)‏ الرجل إذا كثر ماله‏,‏ ويقال‏:(‏ ثمر‏)‏ الله ماله‏(‏ تثميرا‏)‏ أي كثره له‏.‏
كذلك يكني‏(‏ بالثمر‏)‏ عن العقد في أطراف السوط تشبيها بالثمر في الهيئة والتدلي عن الشجر‏,‏ كما يكني به عن كل مشابه لذلك‏,(‏ فالثميرة‏)‏ من اللبن هي كل ما تحبب من الزبد تشبيها بالثمر في الهيئة‏,‏ وفي التحصيل عن اللبن كأفضل ما فيه‏.‏

من الدلالات العلمية للنص الكريم
أولا‏:‏ الثمرات في علوم النبات‏:‏
تعرف‏(‏ الثمرة‏)‏ في النباتات المزهرة بأنها المتاع‏(‏ المبيض‏)‏ الناضج للزهرة‏,‏ والزهرة هي الجزء الذي يحمل أعضاء التكاثر في النباتات المزهرة‏,‏ وهي العضو الثابت في تلك النباتات الراقية لأنه لا يتأثر بتغيرات البيئة‏,‏ ومن هنا اتخذت الزهرة أساسا لتقسيم النباتات المزهرة‏.‏
وبعض الزهور مفردة الجنس‏,‏ والبعض الآخر يضم كلا من أعضاء التذكير والتأنيث‏,‏ وعندما يتم إخصاب الزهرة تندمج النواتان الذكرية والأنثوية‏,‏ وبنجاح اندماجهما يتكون جنين حي للنبات في داخل البذور محاطا بالغذاء اللازم لنموه‏,‏ ويحيطه جدار حافظ يعرف عادة باسم القصرة‏:‏ وبنمو البويضة ا لمخصبة وما بداخلها من بذرة أو بذور تتكون الثمرة بتضخم أنسجة المتاع‏(‏ المبيض‏)‏ وأحيانا يتضخم بعض أنسجة الزهرة الأخري‏,‏ وقد يسمك جدار المتاع‏(‏ المبيض‏),‏ أو يتصلب أو يبقي رقيقا ليكون جدار الثمرة التي تظهر بتكشفها بعد تساقط أجزاء الزهرة الأخري عنها‏.‏

فبعد تمام عملية إخصاب الزهرة‏,‏ وتكون الثمرة‏,‏ تبدأ أعضاؤها الأخري في الذبول والسقوط في معظم النباتات المزهرة‏,‏ وإن شذ بعضها عن ذلك‏.‏
وتبقي الوظيفة الأصلية للثمار منحصرة أساسا في المحافظة علي أجنة النبات في داخل البذور‏,‏ ومدها بالغذاء حتي تمام نموها‏,‏ ثم مساعدة تلك البذور علي الإنتثار والانتشار بعد نضج الثمرة‏,‏ أو بعد الاغتذاء عليها بواسطة أي من الإنسان أو الحيوان وإلقاء البذور في الأرض لتنبت من جديد‏,‏ وقد تتفسخ الثمرة وتنفتح فطريا لإخراج البذور التي يمكن حملها بواسطة الرياح‏,‏ أو المياه الجارية‏,‏ أو بواسطة أي من الإنسان أو الحيوان إلي أماكن بعيدة لتساعد علي انتشار النبات‏.‏

ثانيا‏:‏ اختلاف ألوان الثمار بمعني اختلاف أنواعها‏:‏
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏)....‏ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها‏....‏
ذكر الزمخشري‏(‏ يرحمه الله‏)‏ أن اختلاف الألوان يشمل كلا من اختلاف الأجناس والهيئات‏,‏ وإذا أخذنا ذلك علي المحمل الأول فإننا نجد أن كلا من أجناس وأنواع الثمار من الكثرة بحيث يصعب حصرها‏,‏ ولكن يمكن تجميعها في عدد من المجموعات الكبري علي النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ مجموعة الثمار الزهرية البسيطة‏:‏
وهي الثمار التي تتكون أساسا عن زهرة واحدة لها متاع‏(‏ مبيض‏)‏ واحد‏,‏ سواء تكونت من كربلة واحدة أو من عدة كرابل ملتحمة‏,‏ وتحوي كل واحدة من هذه الثمار البسيطة الجنين الحي للنبات‏,‏ محاطا بكم من الغذاء لنموه حتي تمام ذلك‏,‏ ثم يختزن لإنباته في المستقبل‏,‏ ويحاط الجنين بعدد من الأغلفة النباتية لحمايته‏,‏ ويعرف الجنين‏,‏ وما حوله من مخزون غذائي وأغلفة حماية باسم البذرة أو النواة أو الحبة‏,‏ وبواسطة تلك الأجنة النباتية المحفوظة بداخل البذور أو النوي أو الحب يستمر وجود النبات إلي ما شاء الله‏.‏
ومن هذه الثمار البسيطة ما هو غض‏(‏ رطب‏),‏ وما هو جاف‏,‏ والثمار البسيطة الغضة يحاط الجنين فيها بثلاث طبقات أو أغلفة من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي‏:‏ غلاف خشبي للبذرة‏(‏ أو النواة‏),‏ وغلاف وسطي شحمي يزاد سمكه ويقل من ثمرة إلي أخري‏,‏ وهو الجزء الذي يؤكل عادة‏,‏ وغلاف خارجي جلدي رقيق يغلف الثمرة بأكملها‏,‏ وقد يصبح شمعيا سميكا عند تمام نضج الثمرة‏,‏ ويعرف هذا النوع من الثمار باسم الثمار الحسلية‏,‏ ومن أمثلتها المشمش‏,‏ والخوخ‏,‏ والبرقوق‏,‏ والكريز‏,‏ والزيتون‏,‏ وأشباهها‏.‏

ومن الثمار البسيطة الغضة ما يعرف باسم الثمار اللبية وفيها تبقي الأغلفة الثلاثة الحامية للجنين طرية بعد نضج الثمرة وذلك مثل الخيار والقثاء‏,‏ أو يبقي جدار البذور صلبا مثل العنب والطماطم‏,‏ والثمار اللبية وهي ثمار شحمية ذات بذور عديدة منغرسة في المادة اللبية للثمرة ومن أمثلتها البطيخ والشمام‏,‏ والبرتقال‏,‏ وأشباهها‏.‏
وأحيانا يدخل في تركيب الثمار أجزاء أخري من مكونات زهور النباتات غير المتاع‏(‏ مبيض الزهرة‏)‏ من مثل التخت‏,‏ الكأس‏,‏ القلم‏,‏ والأوراق الزهرية‏,‏ وهذه الثمار قد تكون بسيطة مثل ثمار التفاح‏,‏ والكمثري‏,‏ والسفرجل‏,‏ والتي يتضخم التخت فيها فيكون الجزء الذي يؤكل من الثمرة‏,‏ وتعتبر هذه الثمار ثمارا زهرية غير حقيقية‏,‏ لأن الجزء الذي يؤكل فيها هو تخت الزهرة المتضخم‏,‏ وقد تكون هذه الثمار غير بسيطة‏(‏ أي مركبة‏)‏ كما سيأتي ذكره‏.‏

أما الثمار البسيطة الجافة فتكون أغلفة الجنين فيها كلها جافة‏,‏ وتكون الثمرة إما منشقة أو متفتحة أو غير متفتحة‏,‏ ومن الثمار المنشقة ثمرة الخروع‏,‏ ومن المتفتحة ما ينفتح بغطاء يغطي علبة مثل ثمرة عين القط‏,‏ أو بثقوب تخترق جدار الثمرة‏,‏ كما هو الحال في ثمرة الخشخاش‏,‏ أو بتفتح علبة بواسطة أسنان متداخلة تنفتح العلبة عبرها‏,‏ كما هو الحال في ثمرة القرنفل‏,‏ أو عبر مصراعين أو أكثر كثمرة نبات القطن‏,‏ أو عبر حواجز قاطعة كما في ثمرة البنفسج‏.‏
ومن هذه الثمار ما يأخذ شكل الجراب مثل ثمار العليق التي تتفتح طوليا من جانب واحد‏,‏ وثمار البقول التي تنفتح من الجانبين‏,‏ ومنها ما يأخذ شكل الخردلة مثل ثمار كل من الجرجير والمنثور‏.‏

أما الثمار البسيطة الجافة غير المتفتحة فيظل الجدار الخارجي للثمرة مغلقا‏,‏ ولا تستطيع البذور التحرر من داخلها إلا بعد كسر جدار الثمرة أو تحلله‏,‏ والجدار هنا قد يكون خشبيا كما هو الحال في البندق‏,‏ واللوز‏,‏ والجوز‏,‏ والبيكان‏,‏ أو قد يلتحم جدار الثمرة مع قصرة البذرة كما هو الحال في ثمار القمح‏,‏ وقد يكون الغلاف الخارجي غشائيا أو جلديا غير ملتحم مع قصرة البذرة‏,‏ كما هو الحال في بذور الورد‏.‏

‏(2)‏ مجموعة الثمارة الزهرية المتجمعة‏:‏
وتتكون هذه الثمار من وحدات متجمعة تنتمي إلي زهرة واحدة‏,‏ أي من متاع واحد ذي كرابل سائبة‏,‏ ومن أمثلتها ثمار كل من الفراولة‏,‏ والراسبري‏,‏ والقشطة‏,‏ والشليك‏.‏

‏(3)‏ مجموعة الثمار الزهرية المركبة‏:‏
وتتكون من الثمار الناتجة عن عدد من الأزهار المجتمعة علي نورة واحدة‏,‏ وتشمل هذه الثمار المركبة أوراقا‏,‏ وأعناقا‏,‏ وقنابات زهرية بالإضافة إلي متع‏(‏ مبايض‏)‏ الزهور المحتوية علي أجنة النبات‏.‏
ومن أمثلة هذه الثمارة الزهرية المركبة ثمار كل من التين‏,‏ والجميز‏,‏ والتوت‏,‏ والأناناس‏,‏ وهي تعتبر ثمارا غير حقيقية لاشتراك أعداد من أجزاء الزهرة مع المتاع في تكوين الثمرة‏.‏

وقد يتسع مدلول الثمرة ليشمل كل جزء من النبات يمكن الاستفادة به عن غير طريق زهوره‏,‏ وذلك من مثل الجذور في حالات الجزر واللفت وما شابههما من ثمار‏,‏ والدرنات في حالات البطاطس والبطاطا وأشباههما‏,‏ والسيقان في حالة كل من قصب السكر والغاب‏,‏ والأوراق في حالة نباتات النعناع والجرجير‏,‏ والمقدونس‏,‏ وأشباهها‏.‏
والثمار النباتية سواء كانت زهرية حقيقية أو غير حقيقية أو غير زهرية تمثل الغذاء الرئيسي للإنسان‏,‏ وللعديد من الحيوانات آكلة العشب التي يربيها للاستفادة بألبانها‏,‏ ولحومها‏,‏ وشحومها‏,‏ وجلودها ومن الثمار مايشكل مصادر مهمة للكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات والاحماض العضوية‏,‏ والزيوت والدهون‏,‏ والشموع‏,‏ والأدوية‏,‏ والأصباغ وللخيوط المستخدمة في صناعات النسيج كثمرة القطن وغيرها من الثمار المشابهة لها‏.‏

ثالثا‏:‏ اختلاف ألوان الثمار بمعني اختلاف أصباغها‏:‏
وكما تختلف الثمار في طرائق نموها تختلف كذلك في ألوانها‏,‏ كما تختلف في روائحها وطعومها‏,‏ وكل ذلك ينطلق من تركيبها الكيميائي وصفاتها الطبيعية‏,‏ ومحتواها من المواد الغذائية ومن الماء‏,‏ ويرد ذلك إلي القدرة التي وهبها الله تعالي لكل نبتة من النباتات علي اختيار اقدار محددة من عناصر ومركبات الأرض التي تنمو عليها‏.‏
وتختلف ألوان الثمار الداخلية والخارجية اختلافا مميزا لكل منها‏,‏ ويفسر ذلك بتباين نسب الأصباغ الموجودة فيها‏,‏ أي بكل من غلاف الثمرة ولبها‏(‏ أي داخلها‏).‏

وهذه الأصباغ النباتية توجد في مجموعات أساسية وأخري ثانوية‏(‏ أو إضافية‏),‏ وعلي أساس من نسب هذه الأصباغ يكون اللون النهائي للثمرة الناضجة خارجيا وداخليا‏,‏ وبتعدد تلك النسب تصبح ألوان الثمرات النباتية أمرا يكاد يكون لا نهائيا‏.‏
‏(‏أ‏)‏ مجموعات الأصباغ النباتية الأساسية‏:‏ وتشمل أنواعا عديدة من الأصباغ التي يمكن جمعها في المجموعات التالية‏:‏

‏(1)‏ مجموعة الأصباغ المخضرة‏:‏
وتعرف علميا باسم مجموعة الكلوروفيلات‏(Chlorophills),‏ وتختص بإعطاء النباتات بأجزائها المختلفة درجات متعددة من اللون الأخضر‏,‏ خاصة فيما يسمي باسم المجموع الخضري للنبات‏,‏ وتعتبر مجموعة الاصباغ المخضرة أهم الأصباغ النباتية علي الإطلاق‏,‏ وذلك لدورها الأساسي في عملية التمثيل الضوئي‏,‏ التي تقوم فيها الأصباغ الخضراء‏(‏ الموجودة في أوراق النبات علي وجه الخصوص مركزة في جسيمات متناهية الصغر تعرف باسم البلاستيدات الخضراء‏)‏ بالتقاط الطاقة من أشعة الشمس‏,‏ واستخدامها في تحليل كل من الماء‏(‏ الصاعد إلي الأوراق مع العصارة الغذائية المستمدة من التربة بواسطة جذور النبات‏),‏ وغاز ثاني أكسيد الكربون‏(‏ الذي يمتصه النبات من الجو‏),‏ وتحليلهما إلي مكوناتهما الأساسية‏,‏ ثم إعادة بناء تلك المكونات الأساسية علي هيئة النشويات‏,‏ والسكريات المختلفة‏,‏ وإطلاق الأكسجين إلي الجو‏.‏ وينتج عن عملية التحويل هذه‏(‏ والمسماة باسم عملية التمثيل الضوئي‏)‏ معظم الطاقة التي يحتاجها النبات والتي تخزن عادة علي هيئة روابط كيميائية في عدد من المركبات الكربوهيدراتية اللازمة لحياة النبات‏,(‏ وهي مركبات عضوية تتكون باتحاد ذرات الكربون الناتجة عن تحلل غاز ثاني أكسيد الكربون المستمد من الجو‏,‏ والهيدروجين الناتج عن تحلل الماء‏),‏ وهذه المواد الكربوهيدراتية لازمة أيضا لحياة كل من الإنسان ولحيواناته التي يربيها من آكلات الأعشاب‏.‏ والبلاستيدات الخضراء عادة ما تحتوي علي عدد من الأصباغ الأساسية غير الأصباغ المخضرة‏,‏ وعندما تنقص كمية تلك الأصباغ المخضرة تظهر الأصباغ المستترة وبذلك تتغير البلاستيدات الخضراء إلي بلاستيدات ملونة‏,‏ ومن البلاستيدات ما هو عديم اللون أي‏:‏ لا يحتوي علي أصباغ‏,‏ ولكن يخزن مواد غذائية مثل النشويات‏,‏ والبروتينات‏,‏ والدهون‏,‏ مما يحتاجه النبات في نموه وفي بناء ثماره‏,‏ ويتركب جزئ الكلوروفيل من حلقة من ذرات الكربون والنيتروجين حول ذرة من المغنسيوم‏,‏ وذيل طويل من ذرات الهيدروجين‏.‏

‏(2)‏ مجموعة الأصباغ المصفرة‏:‏
وتعرف علميا باسم الكاروتينات‏(Carotinoids)‏ أو الجزريات نسبة إلي ثمرة الجزر‏,‏ وتختص بإعطاء الثمار النباتية درجات متعددة من اللون الأصفر المبهج الذي يسر الناظرين‏,‏ وهي مجموعة من الكربوهيدرات التي تتوزع في سلاسل عديدة تبدأ من اللون الأصفر وتنتهي إلي اللون البني‏,‏ ومن أشهرها صبغة الجزر المعروفة باسم الكاروتين‏(Carotene)‏ وتتكون من أربع ذرات من الكربون وست وخمسين ذرة من الهيدروجين‏.‏

‏(3)‏ مجموعة الأصباغ المحمرة‏:‏
وتعرف علميا باسم أصباغ الفيكوبيلينات‏(Phycobilins),‏ وتختص بإعطاء الثمار النباتية درجات متعددة من اللون الأحمر‏,‏ وهي كذلك مجموعة من الكربوهيدرات التي تتوزع في سلاسل تتشكل بشكل جزئي من مواد بروتينية والكروتيندات التي تتميز بسلاسل طويلة من الكربون وجزيئات الكلوروفيل وتبدأ من الأحمر الفاتح وتنتهي إلي اللون البنفسجي الغامق‏,‏ ومن أشهرها صباغ الفيكوأرثرين‏(Phycoarthrin)‏ الحمراء‏,‏ والفيكوسيانين‏(Phycocyanin)‏ المائلة إلي اللونين النيلي والبنفسجي‏.‏
والثمار النباتية ـ في غالبيتها ـ تبدأ باللون الأخضر‏,‏ ومع اكتمال نموها‏,‏ واقتراب نضجها يبدأ لونها الأخضر في التغير بالتدريج إلي لونها الخاص بها‏,‏ والذي تحكمه نسب الأصباغ الداخلة في التركيب الكيميائي لها‏,‏ خاصة تلك الموجودة في القشرة الخارجية لكل ثمرة من الثمار‏.‏

ومع اقتراب نضج الثمرة يتناقص اللون الأخضر بالتدريج حتي يتلاشي جزئيا أو كليا‏,‏ وتأخذ الثمرة لونها المميز لها كاللون الأصفر بدرجاته المختلفة لكل من الحمضيات والمشمش‏,‏ والتفاح والبرقوق الأصفرين‏,‏ واللون الأحمر لكل من الفراولة‏,‏ والكريز‏,‏ وكل من البرقوق والتفاح الأحمرين‏,‏ والبلح الذي يبدأ باللون الأخضر ثم ينتهي إلي أي من اللون الأصفر أو البرتقالي أو الأحمر‏,‏ وإذا ترطب تحول لون قشرته الخارجية إلي اللون البني أو الأسود‏,‏ وكذلك ثمرة المانجو التي تبدأ باللون الأخضر الذي قد يتحول عند نضج الثمرة إلي اللون الأصفر أو البرتقالي المشرب بحمرة‏,‏ أو يبقي علي حاله مع تغير في درجة الإخضرار‏,‏ وثمرة التوت التي قد تبدأ بأي من اللونين الأخضر أو الأبيض‏,‏ وتنتهي إلي سلسلة من الألوان منها الأبيض‏,‏ أو الأحمر‏,‏ أو الأسود‏,‏ وهكذا‏.‏

‏(‏ب‏)‏ مجموعات الأصباغ النباتية الإضافية‏:‏
بجوار مجموعات الأصباغ الأساسية في الثمار النباتية‏,‏ توجد مجموعات من الأصباغ الإضافية التي عرفت باسم أصباغ الإحساس‏(SensorPigments),‏ وهذه توجد في أنسجة النباتات بنسب أقل من الأصباغ الأساسية‏,‏ ولكنها تلعب أدوارا مهمة في حياة النبات علي الرغم من ضآلة نسبها‏,‏ ومن هذه الأصباغ الإضافية ما يلي‏:‏

‏(1)‏ مجموعة الصبغات المؤثرة في لون النبات ككل‏:‏ وتعرف علميا باسم مجموعة صبغة لون النبات‏(ThePhytochromePigmentGroup).‏
‏(2)‏ مجموعة الصبغات الخفية في النبات‏:‏
‏(TheCryptochromePigmentGroup)‏
وهي مجموعة من الأصباغ المستترة التي لا تظهر إلا بضعف الأصباغ الأساسية‏.‏

‏(3)‏ مجموعة الصبغات النباتية الحساسة للأشعة فوق البنفسجية‏:‏
‏UitravioletPhotosensorPigmentGroup)‏ مثل الأصباغ الموجودة في نبات دوار الشمس‏.‏
ولكل واحد من هذه الأصباغ الإضافية دوره المهم في حياة النبات‏,‏ ولكنه ـ زيادة علي ذلك ـ يختلط مع الأصباغ الأساسية بنسب متفاوتة ليعطي درجات لا نهائية من الألوان لكل من الأزهار والثمار النباتية‏,‏ ولأوراق النبات في بعض الحالات الخاصة‏.‏

ودور الأصباغ النباتية بمجموعاتها الأساسية والإضافية ـ ليس مقصورا علي اسباغ الألوان الخاصة علي كل زهرة وثمرة من الزهور والثمار النباتية بأعدادها اللانهائية ـ علي أهميته ـ وذلك لأن لكل واحد من هذه الأصباغ دوره فيما يجري بداخل خلايا وأنسجة النبات من أنشطة كيميائية وحيوية‏,‏ وفي مقدمتها عملية التمثيل الضوئي‏,‏ وعمليات الشعور والإحساس عند النبات‏,‏ وغير ذلك من أدوار علمنا بعضها‏,‏ وجهلنا الكثير منها‏,‏ ومن جوانب الحكمة الإلهية المبدعة لهذه الألوان المبهجة التي أضفاها الخالق العظيم علي كل من الأزهار والثمار النباتية هو جذب انتباه الحشرات لتأبير الزهور حتي تثمر‏,‏ وجذب انتباه كل من الإنسان والحيوان إلي الثمار النباتية ليقوم بقطفها وفتحها لأكلها‏,‏ ثم إلقاء بذورها في الأرض من أجل إنباتها‏,‏ واستمرارية الوجود للنباتات المزهرة إلي ما شاء الله‏(‏ تعالي‏),‏ وذلك لأن ثمار النباتات الراقية هي الحاوية لبذورها‏,‏ والبذور هي الحاوية لأجنة تلك النباتات البذرية المزهرة‏,‏ وهي وسيلة تكاثرها والمحافظة علي بقائها إلي ما شاء الله‏.‏
واستهلال الآية الكريمة التي نحن بصددها بذكر إنزال الماء من السماء فيه إشارة إلي دور هذا السائل العجيب في إذابة العديد من عناصر ومركبات الأرض‏,‏ وجعلها في متناول جذور النباتات لامتصاصها والاستفادة بها‏.‏

وكذلك فإن في الإشارة إلي اختلاف ألوان الثمار تأكيد علي تلك القدرة الإلهية المبدعة التي أودعها الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الشفرة الوراثية لكل نبتة لتمكنها من اختيار ما يناسبها من العناصر والمركبات المذابة في الماء‏,‏ فتأتي كل زهرة وثمرة باللون الخاص بها علي الرغم من نموها علي تربة واحدة‏,‏ وسقياها بماء واحد‏,‏ وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في القرن الماضي‏,‏ ولم يتبلور فهمه لها إلا في العقود المتأخرة منه‏,‏ وورود الإشارة إليها في كتاب الله الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين لمما يقطع بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بنفس لغة وحيه‏:‏ كلمة كلمة وحرفا حرفا‏,‏ فبقي في صفائه الرباني‏,‏ وإشراقاته النورانية يصدع بالحق في كل أمر من أموره وبالحقيقة في كل إشارة من إشاراته‏,‏ وسوف يبقي كذلك إلي يوم الدين تحقيقا للوعد الإلهي الذي قطعه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي ذاته العلية فقال‏:(‏عز من قائل‏):‏
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏*‏
‏(‏الحجر‏:9)‏

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي مر الدهور والأعوام‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آلة وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏