86)‏ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا
به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا‏...*‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هذا النص القرآني المعجز جاء في بداية الثلث الأخير من سورة الأنعام‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ ومن طوال سور القرآن الكريم‏,‏ إذ يبلغ عدد آياتها‏(165)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لتكرر الإشارة إلي الأنعام فيها‏.‏
ومن خصائص هذه السورة المباركة أنها نزلت دفعة واحدة‏;‏ ويدور المحور الرئيسي لها حول عدد من العقائد والتشريعات الإسلامية‏,‏ وقصص عدد من الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ قبل بعثة خاتمهم صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏,‏ والإشارة إلي شيء من ذكر الأمم البائدة‏,‏ واستشهدت هذه السورة المباركة علي صدق ما جاء بها من أخبار بالعديد من الآيات الكونية الناطقة بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ والشاهدة علي وحدانية الخالق العظـيم‏,‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏).‏

وتبدأ سورة الأنعام بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون‏*‏ أي يساوون بين هذا الخالق المبدع‏,‏ قيوم السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ وإله السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ ورب السماوات والأرض‏,‏ ومن فيهن‏,‏ وبين نفر من المخلوقين أو الأوثان المصنوعة بأيدي هؤلاء المخلوقين‏.‏
واستنكارا لهذا الموقف المشين من الكفار والمشركين تؤكد السورة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي خلق الإنسان من طين‏,‏ وحدد لكل مخلوق أجله‏,‏ كما حدد للبعث أجلا عنده‏(‏ سبحانه‏)‏ استأثر وحده بعلمه‏,‏ بينما ينكر كثير من المخلوقين حتمية البعث أو يتشككون فيه‏.‏

وتؤكد سورة الأنعام كذلك في مطلعها أن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو وحده الإله في السماوات وفي الأرض‏,‏ وهو وحده الذي يعلم السر والجهر‏,‏ ويعلم ماتكسب كل نفس‏.‏
وتنعي السورة الكريمة علي الكافرين إعراضهم عن كل آية تأتيهم من ربهم‏,‏ وتكذيبهم بوحي السماء‏,‏ وهو الحق الذي أنزله ربهم علي فترة من الرسل‏,‏ وأتمه‏,‏ وأكمله‏,‏ وحفظه في القرآن الكريم‏,‏ الذي هو وحيه الخاتم‏,‏ وعلي الرغم من ذلك كذب الكافرون والمشركون بهذا الحق لما جاءهم‏,‏ وترد عليهم السورة بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون‏.‏

وتؤكد سورة الأنعام أن الكافرين مهما أتاهم من معجزات فسوف يعتبرونه سحرا مبينا‏,‏ وأنهم من فجرهم طالبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم بنزول ملك من السماء يشهد له بالنبوة والرسالة‏,‏ ويرد عليهم الحق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أنه لو أنزل ملكا لحكم عليهم بالهلاك دون إمهال‏,‏ ولو قدر الله‏(‏ تعالي‏)‏ ذلك لأنزله علي هيئة رجل فاختلط الأمر عليهم‏.‏
وتصبر الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ بأن الرسل من قبله قد تعرضوا لتكذيب الكافرين وسخريتهم‏,‏ فأهلكهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما سخروا‏,‏ وتطالب الناس بالسير في الأرض لينظروا كيف كانت عاقبة المكذبين‏.‏

وتطلب الآيات من رسول الله‏(‏صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يسأل الكافرين‏:‏ لمن ما في السماوات والأرض؟ وأن يجيب بأن ذلك كله لله الذي كتب علي نفسه الرحمة تفضلا منه علي خلقه‏,‏ وإحسانا إليهم‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ قد قرر أن يجمع الخلائق إلي يوم القيامة لا ريب فيه‏,‏ وأن الكافرين قد حكموا علي أنفسهم بالهلاك حين كذبوا الرسل‏,‏ وشككوا في حقيقة البعث وكفروا بالله‏.‏
وأشارت سورة الأنعام إلي أمم قد أبيدت من قبل بعد أن مكن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لها في الأرض ثم أهلكهم بذنوبهم‏,‏ وأنشأ من بعدهم قوما آخرين‏,‏ ويمكن تلخيص المحاور الرئيسية للسورة في النقاط التالية‏:‏

أولا‏:‏ من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الأنعام‏.‏
‏(1)‏ الإيمان بالله‏:‏ خالق السماوات والأرض‏,‏ وجاعل الظلمات والنور‏,‏ الذي خلق الإنسان من طين‏,‏ وحدد لكل مخلوق أجله‏,‏ كما حدد لحظة البعث لجميع الخلائق بعد إفنائهم‏,‏ واستأثر وحده بعلم ذلك دون غيره‏.‏ والإيمان بهذا الخالق العظيم إلها واحدا للسماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ يعلم السر والجهر‏,‏ ويعلم ما تكسب كل نفس‏,‏ وأن هذا الخالق العظيم له ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ يطعم ولا يطعم‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ فالق الحب والنوي‏,‏ يخرج الحي من الميت‏,‏ ومخرج الميت من الحي‏,‏ وأنه‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هو فالق الإصباح‏,‏ الذي جعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا‏,‏ وجعل النجوم لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر‏,‏ وأنشأ الناس من نفس واحدة فمستقر ومستودع‏,‏ وأنزل من السماء ماء فأخرج به نبات كل شيء‏,‏ وأخرج منه خضرا يخرج منه حبا متراكبا‏(...‏ ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه‏...)‏ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ خالق كل شيء‏,‏ وهو علي كل شيء وكيل‏,‏ لأن أمره‏(‏ تعالي‏)‏ كن فيكون‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار‏.‏ وهو اللطيف الخبير‏*(‏ الأنعام‏103).‏

وهو القائل‏:‏ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء‏.‏ كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لايؤمنون‏*(‏ الأنعام‏125).‏
وأن علمه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد وسع كل شيء‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو كاشف الضر عمن يشاء‏,‏ ومجري الخير علي من يشاء‏,‏ وهو الذي ينجي من ظلمات البر والبحر‏,‏ وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ واحد أحد‏,‏ فرد صمد‏,‏ بغير شريك ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏),‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ يرسل المرسلين مبشرين ومنذرين‏,‏ وأن كل الخلائق سوف تحشر إليه ليحاسبهم علي أعمالهم في الدنيا‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو أسرع الحاسبين‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو منزل التوراة‏,‏ ومنزل القرآن الذي هو كتاب مبارك مصدق الذي بين يديه‏,‏ وهو وحي الله الخاتم الذي أوحاه إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

‏(2)‏ الإيمان بملائكة الله وبكتبه ورسله وبخاتمهم أجمعين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏,‏ وبأنهم أرسلوا مبشرين ومنذرين‏,‏ وبأن القرآن الكريم هو رسالة الله الخاتمة‏,‏ ومن هنا فقد تعهد بحفظها فحفظت‏.‏
‏(3)‏ الإيمان باليوم الآخر‏:‏ وما سوف يكون فيه من بعث‏,‏ وحشر‏,‏ وحساب‏,‏ وخلود في حياة قادمة‏,‏ إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ وبحتمية ذلك دون أدني شك أو ارتياب‏.‏

‏(4)‏ الإيمان بالغيب‏:‏ ومنه غيوب مطلقة لا سبيل للإنسان في الوصول إليها إلا عن طريق وحي السماء‏,‏ وتلك الغيوب المطلقة علي المسلم أن يؤمن بها كما أنزلت دون الخوض فيها بإمكانات الإنسان المحدودة‏.‏
‏(5)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين‏:‏ ولذلك يجازي الحسنة بعشر أمثالها‏(‏ إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة‏)‏ ولا يجازي السيئة إلا بمثلها‏,‏ ومن هنا كانت ضرورة المواظبة علي التوبة وحسن الاستغفار‏,‏ واليقين بأن من عمل سوءا بجهالة ممن يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر‏,‏ ثم تاب من بعده وأصلح فإن الله غفور رحيم‏.‏

‏(6)‏ الإيمان بأن من أبشع صور الظلم الذي يوقعه الإنسان علي نفسه أن يشرك بالله‏,‏ سواء كان هؤلاء الشركاء من الجن أو الإنس‏,‏ أو بنسبة الزوجة أو الولد إلي الله من البنين أو البنات‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏).‏
وأن المشركين سوف يسألون عن شركهم‏,‏ يوم القيامة فيتنصلون منه ويحاولون إنكاره‏.‏ وأن افتراء الكذب علي الله‏,‏ او التكذيب بآياته‏,‏ او الادعاء كذبا بتلقي الوحي‏,‏ أو تصور إمكانية تحقيق شيء مما أنزل الله‏,‏ كل ذلك من صور ظلم الإنسان لنفسه‏.‏

‏(7)‏ الإيمان بأن كل من ينكر أن القرآن منزل بالحق من لدن رب العالمين‏,‏ وينكر نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فقد كفر‏.‏
‏(8)‏ الإيمان بأن اليهود قد حرفوا التوراة‏,‏ وأخفوا كثيرا من حقائقها وأضافوا إليها ما لم ينزله الله‏.‏

‏(9)‏ الإيمان بأن الظالمين تعنفهم الملائكة وهم في سكرات الموت‏,‏ وتطلب منهم أن يخرجوا أنفسهم‏,‏ وتتوعدهم بما ينتظرهم من عذاب شديد‏,‏ وذلك بما كانوا يقولون علي الله غير الحق‏,‏ وكانوا عن آياته يستكبرون‏,‏ وتذكرهم بأنهم عادوا إلي الله فرادي كما خلقهم أول مرة‏,‏ وتركوا من ورائهم ما كان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد وهبهم من متاع الحياة الدنيا‏,‏ كما تركوا شركاءهم الذين أشركوا بهم‏,‏ وانقطع اتصالهم بهم‏.‏
‏(10)‏ الإيمان بأن كل العباد مطالبون بإسلام أنفسهم لرب العالمين‏,‏ وأن يقيموا الصلاة له وحده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ كركن أساسي من أركان الدين‏.‏

‏(11)‏ الإيمان بأن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن وهم مهتدون‏.‏
‏(12)‏ الإيمان بأن النوم صورة مصغرة من الوفاة‏,‏ وأن اليقظة من النوم صورة مصغرة من البعث‏.‏

‏(13)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يفتح علي الكافرين أبواب كل شيء في آخر الزمان ثم يأخذهم بغتة فإذا هم مبلسون‏.‏
‏(14)‏ الإيمان بالوعيد الإلهي الذي يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون‏(‏ الأنعام‏67).‏

‏(15)‏ الإيمان بأنه لايجوز لمسلم البقاء في مجلس يطعن في القرآن الكريم أو يسخر منه‏.‏

ثانيا ـ من ركائز التشريع الإسلامي في سورة الأنعام‏:‏
‏(‏ أ‏)‏ الأمر بما يلي‏:‏
‏(1)‏ الإحسان إلي الوالدين‏.‏
‏(2)‏ إلتزام صراط الله المستقيم‏.‏

‏(3)‏ إقام الصلاة‏,‏ وإيتاء الزكاة ومنها زكاة الزرع يوم حصاده وتقوي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في كل الأحوال‏.‏
‏(4)‏ وفاء الكيل‏,‏ والميزان بالقسط‏,‏ واجتناب المحرمات‏.‏
‏(5)‏ الصدق في القول‏,‏ والإخلاص في العمل‏,‏ والوفاء بعهود الله‏.‏

‏(‏ب‏)‏ تحريم مايلي‏:‏
‏(1)‏ الشرك بالله‏.‏
‏(2)‏ قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق‏.‏
‏(3)‏ أكل مال اليتيم إلابالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده‏.‏

‏(4)‏ الاقتراب من الفواحش ماظهر منها ومابطن‏.‏
‏(5)‏ أكل ما لم يذكر اسم الله عليه‏,‏ وما أهل لغير الله به‏,‏ والميتة‏,‏ والدم المسفوح‏,‏ ولحم الخنزير‏,‏ وغير ذلك من المحرمات‏,‏ إلا من اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم‏.‏

ثالثا ـ من قصص الأنبياء في سورة الأنعام‏:‏
جاء ذكر عدد من الأنبياء والمرسلين الذين من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بهم لهداية البشرية قبل بعثة خاتمهم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ ومنهم إبراهيم وحواره مع أبيه آزر‏(‏ ءازر‏)‏ وتأملاته في السماء‏,‏ اسحق‏,‏ يعقوب‏,‏ نوح‏,‏ داود‏,‏ سليمان‏,‏ أيوب‏,‏ يوسف‏,‏ موسي‏,‏ هارون‏,‏ زكريا‏,‏ يحيي‏,‏ عيسي‏,‏ إلياس‏,‏ إسماعيل‏,‏ اليسع‏,‏ يونس‏,‏ ولوط‏(‏ عليهم جميعا من الله السلام‏).‏

رابعا ـ الآيات الكونية في سورة الأنعام‏:‏
‏(1)‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏,‏ وجعل الظلمات والنور‏,‏ مما يشير إلي أن الظلمة هي الأصل في الكون‏.‏
‏(2)‏ خلق الإنسان من طين‏.‏

‏(3)‏ الإشارة إلي ما سكن في الليل والنهار من المخلوقات‏.‏
‏(4)‏ الإشارة إلي إمكانية تصنيف الحيوانات‏.‏

‏(5)‏ توقع التقدم العلمي والتقني المعاصر‏,‏ وأنه سوف يكون وبالا علي الكافرين‏.‏
‏(6)‏ تشبيه النوم بالموت واليقظة من النوم بالبعث بعد الموت‏.‏

‏(7)‏ الإشارة إلي وسطية مكة المكرمة بالنسبة للسماوات والأرض‏.‏
‏(8)‏ الإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو فالق الحب والنوي لحظة الإنبات‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي‏.‏

‏(9)‏ إثبات أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو فالق الاصباح‏,‏ جاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا‏,‏ وهي إشارة إلي دقة دورانهما‏,‏ وإلي امكانية استخدام ذلك في التاريخ‏.‏
‏(10)‏ الإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي جعل لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر‏.‏

‏(11)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ أنشأ الناس من نفس واحدة فمستقر ومستودع‏.‏
‏(12)‏ الإشارة إلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي أنزل من السماء ماء فأخرج به نبات كل شيء‏,‏ فأخرج منه خضرا يخرج منه حبا متراكبا‏.‏

‏(13)‏ الإشارة إلي خلق النخيل‏,‏ وخلق طلعها وهو أول ما يبدو ويخرج من ثمر النخل كالكيزان‏,‏ وخلق قنوانها‏,‏ والقنوان هي العراجين‏(‏ جمع قنو وهوالعذق‏)‏ وخلق جنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها‏,‏ وغير متشابه وجعل بعض هذه الجنات معروشات وبعضها الآخر غير معروشات‏.‏
‏(14)‏ التأكيد علي حقيقة الخلق‏,‏ وعلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏.‏

‏(15)‏ الإشارة إلي تناقص كل من الضغط وتركيز الأكسيجين مع الارتفاع مما يؤدي إلي ضيق الصدر وحرجه‏.‏
‏(16)‏ التأكيد علي أن بالكون غيوبا مطلقة لايعلمها إلا الله‏(‏ تعالي‏).‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أركز هنا علي النقطة الثانية عشرة في القائمة السابقة‏,‏ التي تتحدث عن اخراج الحب المتراكب من‏(‏ الخضر‏)‏ الذي يخلقه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في داخل معظم النباتات‏,‏ وقبل الوصول إلي ذلك لابد من الرجوع إلي أقوال عدد من المفسرين القدامي‏,‏ والمعاصرين في شرح دلالة تلك الآية الكريمة‏:‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا‏..*.‏
‏(‏الأنعام‏99).‏

‏*‏ ذكر ابن جرير‏(‏ رحمه الله‏)‏ مانصه‏:(‏ فأخرجنا‏)‏ يعني‏:‏ من الماء‏(‏ خضرا‏)‏ هو الأخضر الرطب من الزرع‏(‏ حبا متراكبا‏)‏ هو مافي السنبل من الحب‏....‏
‏*‏ وذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ مانصه‏:(‏ وهو الذي أنزل من السماء ماء‏)‏ أي بقدر‏,‏ مباركا ورزقا للعباد وإحياء وغياثا للخلائق‏,‏ رحمة من الله بخلقه‏,(‏ فأخرجنا به نبات كل شيء‏),‏ كقوله‏(‏ وجعلنا من الماء كل شيء حي‏),(‏ فأخرجنا منه خضرا‏)‏ أي زرعا وشجرا أخضر‏,‏ ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر‏.‏ ولهذا قال‏(‏ تعالي‏):(‏ نخرج منه حبا متراكبا‏)‏ أي يركب بعضه بعضا كالسنابل ونحوها‏....‏

‏*‏ وجاءفي تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله صاحبيه‏)‏ مانصه‏:(‏ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا‏)‏ فيه التفات عن الغيبة‏(‏ به‏)‏ بالماء‏(‏ نبات كل شيء‏)‏ ينبت‏(‏ فأخرجنا منه‏)‏ أي‏:‏ النبات شيئا‏(‏ خضرا‏)‏ بمعني‏:‏ أخضر‏(‏ نخرج منه‏)‏ من الخضر‏(‏ حبا متراكبا‏)‏ يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها‏...‏
‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة جزاء ماقدم‏)‏ مانصه‏:‏ والماء كثيرا ما يذكر في القرآن في صدد ذكر الحياة والإنبات‏..‏ ودور الماء الظـاهر في إنبات كل شيء دور واضح يعلمه البدائي والمتحضر‏,‏ ويعرفه الجاهل والعالم‏.‏ ولكن دور الماء في الحقيقة أخطر وأبعد مدي من هذا الظاهر الذي يخاطب به القرآن الناس عامة‏......‏ وكل نبت يبدأ أخضر‏,‏ واللفظ‏(‏ خضر‏)‏ أرق ظلا‏,‏ وأعمق ألفة من لفظ‏(‏ أخضر‏),‏ هذا النبت الخضر‏(‏ يخرج منه حبا متراكبا‏)‏ كالسنابل وأمثالها‏....‏

‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه‏)‏ مانصه‏:(‏ فأخرجنا منه خضرا‏)‏ أي أخرجنا من النبات الذي لا ساق له نباتا غضا أخضر‏;‏ وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة‏,‏ وخضر بمعني أخضر‏,‏ اسم فاعل‏.‏ يقال‏:‏ خضر الزرع ـ من باب فرح ـ واخضر فهو خضر وأخضر‏(‏ نخرج منه حبا متراكبا‏)‏ أي سنابل فيها الحب يركب بعضه بعضا‏;‏ كمافي الحنطة والشعير وسائر الحبوب‏.‏ يقال‏:‏ ركبه ـ كسمعه ـ ركوبا ومركبا‏,‏ علاه‏,‏ كارتكبه‏....‏
‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ مانصه‏:‏ وهو الذي أنزل من السحاب ماء أخرج به نبات كل صنف‏,‏ فأخرج من النبات شيئا غضا طريا‏,‏ ونخرج منه حبا كثيرا بعضه فوق بعض‏....‏

وجاء تعليق الخبراء بالهامش ليقول‏:‏ توضح هذه الآية الكريمة في النباتات كيفية خلق تلك الثمار وكيف نشأت ونمت في أطوارها المختلفة حتي وصلت إلي طور نضجها الكامل بما تحويه من مركبات مختلفة من الزيوت‏,‏ والبروتينات والمواد الكربوهيدراتية كالسكريات والنشويات‏,‏ كل هذا يتكون في وجود ضوء الشمس عن طريق المادة الخضراء‏(‏ مادة اليخضور‏)‏ التي توجد عادة في المجموع الخضري للنباتات‏,‏ خاصة الأوراق‏,‏ فهي المصنع الذي تتكون فيه تلك المركبات‏,‏ ومنها توزع علي باقي اجزاء النبات بما فيها البذور والثمار‏,‏ علاوة علي أن الآية الكريمة تقطع بأن ماء المطر هو المصدر الوحيد للماء العذب علي الأرض‏,‏ وأن طاقة الشمس هي مصدر طاقات الأحياء جميعا‏,‏ ولكن النباتات هي التي تستطيع اختزان طاقة الشمس بواسطة مادة اليخضور وتسلمها لكل من الإنسان والحيوان في المواد الغذائية العضوية التي كونتها‏,‏ وقد كشف العلم عن حقيقة باهرة تدل علي وحدة الخالق‏,‏ وهي أن مادة الهيموجلوبين اللازمة لتنفس الإنسان وتنفس كثير من أنواع الحيوان وثيقة الصلة بمادة اليخضور‏,‏ فذرات الكربون والإيدروجين والأكسوجين والنيتروجين تكتنف ذرة الحديد في جزيء الهيموجلوبين‏,‏ بينما هي بنفسها تكتنف ذرة المغنيسيوم في جزيء اليخضور‏,‏ كما أنه قد اتضح من البحوث الطبية أن مادة اليخضور عندما يتمثلها جسم الإنسان تندمج في خلاياه فتقويها وتساعدها في القضاء علي جراثيم الأمراض فتتيح لأنسجة الجسم فرصة الدفاع ومكافحة الأمراض‏.‏

وفي آخر الآية الكريمة قوله تعالي‏:(‏ انظروا إلي ثمره إذا أثمر وينعه‏..)‏ وفي هذه الإشارة سبق لعلم النبات الحديث فيما وصل إليه من الاعتماد في دراسته علي مشاهدة الشكل الخارجي لأعضائه كافة في أدواره المختلفة‏.‏
‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ مانصه‏:(‏ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء‏)‏ أي أنزل من السحاب المطر فأخرج به كل ماينبت من الحبوب والفاكهة والثمار والبقول والحشائش والشجر‏,(‏ فأخرجنا منه خضرا‏)‏ أي أخرجنا من النبات شيئا غضا أخضر‏(‏ نخرج به حبا متراكبا‏)‏ أي نخرج من الخضر حبا متراكبا بعضه فوق بعض كسنابل الحنطة والشعير‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ يريد القمح والشعير والذرة والأرز‏.‏

الدلالات العلمية للنص القرآني‏:‏
أولا ـ وهو الذي أنزل من السماء ماء‏:‏
علي الرغم من فهمنا لعملية نزول المطر من السماء وما يتدخل في ذلك من تصريف الرياح وامرارها علي مصادر الماء‏,‏ وتحميلها ببخاره حتي تتكون السحب بارتفاع هذه الرياح المحملة ببخار الماء إلي الأجزاء العليا من نطاق الرجع‏(‏ نطاق التغيرات المناخية‏)‏ حيث تثريها دورة الماء حول الأرض ببخار الماء المتصاعد من فوهات البراكين‏,‏ ومن تبخير الماء من مسطحاته بفعل أشعة الشمس‏,‏ ومن نتح النبات‏,‏ وتنفس‏,‏ وإفراز كل من الإنسان والحيوان‏,‏ وبارتفاع بخار الماء في نطاق الرجع يزداد تكثفه لتناقص الضغط وانخفاض درجة الحرارة فتتكون المزن‏(‏ السحب الممطرة بإذن الله‏)‏ بالمزيد من تكثف بخار الماء مما يؤدي إلي زيادة حجم وكتلة قطيرات الماء في السحب المزنية حتي تسقط علي هيئة زخات المطر أو حبات البرد أو بلورات الثلج‏.‏
وبتصريف من الله‏(‏ تعالي‏)‏ تقوم الرياح بدور مهم في هذه العملية‏,‏ كما يقوم كل من درجة رطوبتها وحرارتها‏,‏ وشدة اندفاعها‏,‏ وكم نوي التكثف فيها‏(‏ من هباءات الغبار‏,‏ ودقائق الأملاح‏,‏ وبلورات الثلج الدقيقة‏,‏ وغيرها‏)‏ بتعظيم ذلك الدور أو تقليله حتي تصل درجة تشبع الهواء ببخار الماء عند كل درجة حرارة وضغط إلي حد معين‏,‏ فإن الهواء لايستطيع حمل مزيد من هذا البخار فينزله بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ مطرا بالقدر الذي يحدده الله وفي المكان الذي يختاره بعلمه وحكمته‏.‏ ولذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):...‏ ولايعلم متي يأتي المطر أحد إلا الله‏...(‏ فتح الباري‏).‏

ثانيا ـ فأخرجنا به نبات كل شيء‏:‏
شاءت إرادة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أن تنتقل البذور عند نضجها بعيدا عن النبات الأم‏,‏ وذلك لتحقيق الانتشار الأفقي لتوزيع النباتات والحيلولة دون تنافسها علي مصادر حياتها من التربة‏,‏ والماء‏,‏ وضوء الشمس‏.‏
ويتم هذا الانتقال والتناثر إما بانفجار الثمرة أو انتقالها كاملة بواسطة الهواء أو الماء أو بواسطة الحيوانات التي تأكل الثمار‏,‏ وتلفظ البذور مع روثها‏,‏ أو تقوم بتخزينها في أماكن تصلح لإنباتها‏,‏ أو بتعلق تلك البذور بفرائها‏,‏ وقد وهب الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعض البذور وسائط تعين علي تناثرها مثل الأجنحة أو الأهداب أو القدرة علي الطفو‏.‏ وبذلك انتشرت بذور كل النباتات في تربة الأرض‏,‏ وعلي سطحها انتشارا واسعا‏,‏ وعندما ينزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ الماء من السماء‏,‏ ويصل هذا الماء إلي البذور المدفونة في تربة الأرض‏.‏ فإنها تبدأ بالانبات‏.‏ وذلك بامتصاص الماء والانتفاخ الذي يؤدي إلي انشطار غلاف البذرة وانفتاحها لتفسح طريقا سهلا لأول جذر الجذير‏,‏ وأول ساق السويقة للخروج منها‏,‏ ويتجه الجذير إلي أسفل ليخترق التربة ويثبت نفسه فيها‏,‏ بينما تتجه السويقة إلي أعلي مخترقة التربة لتظهر فوقها‏.‏ ويطلق اسم الأوراق البذرية علي أول أوراق تنمو علي السويقة‏,‏ وتمتاز هذه عن الأوراق الحقيقية التي تظهر بعد ذلك بشفافيتها‏,‏ ويسمي هذا النبات باسم البادرة ويعيش علي الطعام المخزون في بذرته إلي حين ظهور أوراقه الحقيقية التي أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏
القدرة علي صنع الطعام لذلك النبات النامي بواسطة عملية التمثيل‏(‏ التركيب أو البناء‏)‏ الضوئي حتي ينمو ويزهر ويصبح جاهزا لاعطاء الثمار والبذور‏.‏
ويعرف الآن اكثر من ربع مليون نوع من أنواع النباتات المزهرة بالإضافة إلي اعداد كبيرة من النباتات اللازهرية أي التي لاتنتج أزهارا‏.‏

ثالثا‏:‏ فأخرجنا منه خضرا
بمجرد ظهور الأوراق الحقيقية علي النبتة الناشئة‏(‏ البادرة‏)‏ يزودها خالقها‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بصبغ أخضر يعرف باسم‏(‏ اليخضور‏),‏ وهذا الصبغ أعطاه الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي امتصاص قدر من طاقة ضوء الشمس‏,‏ وتحويله إلي طاقة كيميائية يستخدمها في تخليق الكربوهيدرات من الماء الذي تمتصه جذورالنبات مع العصارة الغذائية من التربة‏,‏ وثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه أوراق النبات من الجو‏,‏ ويتصاعد الأكسيجين‏,‏ أما النباتات المائية خاصة المغمور منها في الماء فتحصل علي ثاني أكسيد الكربون من نسبته الذائبة في الماء‏,‏ ويصل بعد ذلك إلي عضيات سيتوبلازمية دقيقة تعرف باسم البلاستيدات الخضراء علي هذه الصورة الذائبة في الماء أو مندمجا في أملاح البيكربونات‏,‏ ويطلق علي هذه العملية أحيانا اسم‏:‏ التمثيل الكربوني نظرا لما تنطوي عليه من استعمال الكربون في تصنيع المواد الكربوهيدراتية‏.‏
ويوجد ثمانية أنواع من مادة اليخضور‏,‏ وهي مادة تشبه الهيموجلوبين من ناحية تركيبها الكيميائي ولكنها تختلف في بنائها الجزيئي حول ذرة من المغنيسيوم بدلا من ذرة الحديد في قلب جزيء الهيموجلوبين‏.‏

وتوجد البلاستيدات الخضراء‏(‏ جبيلات اليخضور‏)‏ في الخلايا الطويلة العمودية علي جدار أوراق النبات‏,‏ وهذه البلاستيدات أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي التحرك داخل الخلية بحرية كاملة لاصطياد أكبر قدر من أشعة الشمس‏..‏ وتقوم أوراق النبات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو‏,‏ وبالتقاط الماء الصاعد مع العصارة الغذائية من التربة بواسطة الجذور‏,‏ والمرتفع بالخاصية الشعرية إلي قمة النبات‏,‏ ويقوم الصبغ الأخضر‏(‏ اليخضور‏)‏ الموجود بداخل البلاستيدات بالتقاط الطاقة القادمة مع أشعة الشمس واستخدامها في تحليل الماء إلي الأكسيجين الذي ينطلق إلي الجو عبر ثغور ورقة النبات‏,‏ والأيدروجين الذي يتحد مع ثاني أكسيد الكربون لتكوين السكريات والنشويات وغيرهما من الكربوهيدرات وتتم هذه العملية علي مراحل عدة تؤدي المادة الخضراء دورا مهما فيها‏,‏ وتشترك عدة انزيمات في إتمامها ويستخدم معظم الكربوهيدرات الناتجة عن عملية التمثيل الضوئي كغذاء للنبات من أجل توفير الطاقة اللازمة لنموه‏,‏ وما يزيد علي حاجة النبات يتم حفظه داخل الخلايا علي هيئة مواد نشوية وسكرية تستخدم بعد ذلك من أجل بناء الثمار والحبوب والبذور‏.‏
ويستمد النبات الطاقة التي يحتاجها في نموه من غذائه في عملية معاكسة لعملية التمثيل الضوئي تعرف باسم التنفس الداخلي تتحد فيها الكربوهيدرات مع الأكسجين لإطلاق الطاقة وثاني أكسيد الكربون والماء علي النحو التالي‏:‏

عملية التمثيل الضوئي
ثاني أكسيد كربون‏+‏ ماء‏+‏ طاقة
كربوهيدرات‏+‏ أكسيجين
عملية التنفس الداخلي
واعتمادا علي وفرة ضوء الشمس أو ندرته يزيد معدل إتمام إحدي العمليتين علي حساب الأخري‏,‏ ففي ضوء الشمس الساطع يتسارع معدل التمثيل الضوئي وينتج النبات من الكربوهيدرات والأكسيجين أكثر مما يستهلكه في عملية التنفس‏,‏ وفي العتمة التامة يتسارع معدل التنفس الداخلي فيستهلك النبات ما ينتجه من الكربوهيدرات ليحرقه منتجا الطاقة اللازمة لنموه بالاضافة إلي ثاني أكسيد الكربون والماء‏.‏ وعند كل من الغسق والفجر تتوازن العمليتان بمعني ان عملية التمثيل الضوئي تنتج من الكربوهيدرات والأكسيجين مايكفي لعملية التنفس الداخلي فقط كما تنتج تلك العملية من الطاقة وثاني أكسيد الكربون والماء مايكفي لاتمام عملية التمثيل الضوئي‏,‏ ولذلك تسمي هاتان النقطتان باسم نقطتي التكافؤ‏.‏

رابعا‏:‏ خضرا نخرج منه حبا متراكبا‏:‏
تؤدي عملية إخصاب النباتات المزهرة إلي إنتاج البذور‏,‏ والبذرة تحتوي علي جنين لنبتة جديدة‏,‏ ومخزون من الطعام يكفي بادرة هذه النبتة حتي تتمكن من إنتاج أوراق خضراء أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرةعلي إنتاج الغذاء ذاتيا لتلك النبتة‏,‏ وهذه البذور قد تكون هي الثمرة أو قد تحفظ في داخل الثمرة‏,‏ وهذه الثمرة قد تتبعثر وتنتشر في الأرض لإنتاج نبات جديد أو قد يقتنصها أي من الإنسان أو الحيوان‏.‏
والبذرة عادة ماتكون محمية بغلاف متين يعرف باسم‏(‏ غلاف البذرة‏)‏ ويملك كل غلاف لبذرة من البذور‏(‏ سرة‏)‏ علي سطحه تظهر الموضع الذي ارتبطت به البييضة بالمبيض‏,‏ كما يمكن مشاهدة الفتحة الصغيرة التي دخلت عبرها حبة اللقاح إلي البييضة وتعرف باسم‏(‏ النقرة‏)‏ وتمثل الممر الذي يسمح بمرور الماء إلي الجنين كي ينبت‏,‏ وجنين البذرة يتكون من السويقة‏(‏ السبد‏)‏ والجذير‏.‏

والحب هو ثمر جميع أنواع الحبوب من مثل القمح‏,‏ والشعير‏,‏ والشوفان‏,‏ والذرة‏,‏ والأرز وغيرها من النباتات ذوات الفلقة الواحدة والتي تنطوي في عائلة تعرف باسم العائلة النجيلية وهي من أكثر النباتات نجاحا لأنها تغطي مساحات من اليابسة أكثر من أية نباتات أخري وتشكل الغذاء الرئيسي لكل من الإنسان والحيوان آكل العشب‏,‏ وتشمل نحو سبعة آلاف نوع من أنواع النباتات‏.‏
وهذه الحبوب تتكون أساسا من الكربوهيدرات التي تبنيها الصبغة الخضراء في داخل البلاستيدات الخضراء‏(‏ جبيلات اليخضور‏)‏ وهنا يندهش الإنسان لهذا النص القرآني المعجز الذي أنزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من قبل ألف وأربعمائة سنة ليقول فيه‏:‏

وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا‏..‏
وارتباط الإنبات بإنزال الماء‏,‏ وارتباط حياة النباتات الزهرية‏(‏ وتمثل الغالب من النباتات‏)‏ بتلك القدرة الذاتية التي أعطاها إياها الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي تصنيع غذائها بعملية التمثيل الضوئي والتي تقوم بها تلك الصبغة الخضراء التي وضعها الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في جبيلات اليخضور‏,‏ وأن ماتنتجه تلك الجبيلات الخضراء من الكربوهيدرات يزيد علي احتياج النبات فيخزن في داخله حتي تنتج منه الحبوب المتراكبة‏,‏ وهي حقائق لم يدركها العلم المكتسب إلا في القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله من قبل أربعة عشر قرنا بهذه الدقة والإحاطة والشمول لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الموحي به إلي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ والمحفوظ بنفس لغة وحيه‏(‏ العربية‏)‏ في صفائه الرباني‏,‏ واشراقاته النورانية‏,‏ فالحمد الله الذي أنزل القرآن الكريم‏(‏ أنزله بعلمه‏)‏ والصلاة والسلام علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه فأبلغه بأمانة تامة وحرص شديد فجزاه الله تعالي خير ماجزي به نبيا عن أمته ورسولا علي حسن تبليغ رسالته‏,‏ وأتاه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعه التي وعده إياها إن ربي لايخلف الميعاد

8