((حوار هادئ مع دعاة تحرير المرأة))
* * *

لقد جنت على الأمة السلامية أفكار مستوردة من الشرق والغرب تهدف إلى إفساد الخلق الإسلامي من خلال تفتيت الأسرة .
ومن هنا نجد أن كثير من المستشرقين والمتغربين من المسلمين ينشرون أفكارهم عن المرأة ويزعمون أن الإسلام أجحف بحقها ويتخذون من خفاء بعض الحِكَم القرآنية ذريعة للنيل من الإسلام ودستوره ويشنون عليه هجوما عنيفا يقصدون من ورائه زلزلة عقيدة المسلمين بدينهم .
ومن الجدير بالذكر إن هذه القضية ليست مستجدة بل إنها قضية الأمس واليوم والغد وتستمر حتى يحققوا أحلامهم ،
فمن الطبيعي أن نجد مثل هذه الأفكار في كتب المستشرقين و الشيوعيين واللبراليين ... لكن من المستغرب أن نجد بعض كُتّاب المسلمين قد انخدعوا بتلك الأفكار وبدءوا يروجونها وينشرونها في مجلات وجرائد كي يضلوا غيرهم بعد أن ضل أنفسهم .ومما يندى له الجبين أن بعض النساء سرعان ما انخدعن بتلك الشائعات وشرعن يعترضن على شرع الله جهارا وإعلانا !! دون أن يدركن أن الله الذي خلقهن أرحم بهن وأدرى بمصلحتهن من أولئك المخادعين . ليس ثمة شك أن وراء تلك الأفكار أنظمة ترمي إلى زعزعة ثقة المرأة بدينها، وأن ترسخ في عقلها أن الإسلام انتقص من حقها ، ولن تسترد المرأة حقوقها إلا أن تمشي وراء الايدولوجيا المعاصرة وتتخلى عن القوانين الإلهية والتي تسمى (القوانين ألرجعية) على حد تعبيرهم!!
ولا يخفى أن المشكلة هي أن قضية المرأة والشريعة الإسلامية أصبحت معرضة للحكم عليها من قبل أشخاص لا يعرفونها أو بالأحرى لايتعرفونها .
فمن هنا طالبني ضميري أنه أُبين لهم الفرق بين حقوق المرأة في الإسلام وحقوقها في الأنظمة الوضعية عسى أن يفيقوا من غفلتهم، ثم ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيَّ عن بينة.
فيا أختي المسلمة كثيرا ما نرى أن الأنظمة الوضعية تركز أضوائها على المرأة المسلمة وتزعم أنها مظلومة وتتدخل أنظمتهم باسم تحرير المرأة، فلا بد أن ندرك أنها لن تتدخل لإنقاذ المرأة لكنها تريد تشويه صورتها ثم إلصاق التهم بالقرآن الكريم ، وعندما ينشرون مقالا تحت عنوان ( ضياع حقوق المرأة في الإسلام ) فنتساءل لماذا لا يقبلون منا توجيه مقال مماثل ونشره على ما يكتبون في حق النساء ، والتنقيص عن قيمتها عن جهل وسوء فهم



فمن اعتراضاتهم على القرآن الكريم :-
- أنه أباح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة في حين يحرم عليها ذلك .
- إن الله أجحف بحق المرأة في قوله تعالى ((للذكر مثل حظ الأنثيين )) .
- وأن الإسلام جعل القوامة بيد الرجل ، وغير ذلك من الاعتراضات .
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنهم يريدون أن يقولوا أن الله لم يعدل في حق المرأة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

ويمكن أن نجيب على اعتراضاتهم بما يلي :-
أولا: إن مسألة تعدد الزوجات ليست تشريعا جديدا أوجده إلا سلام إنما جاء الإسلام فوجده بلا قيود ، وبصورة غير عادلة فنضمه وجعله علاجا لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع .فالتعدد ضرورة اقتضتها ظروف الحياة ويعتبر التعدد حِكمَة من حِكَم الإسلام لأنه تمكن من أن يحل مشكلة اجتماعية هي من أسوأ المشاكل التي تعاني منها الأمم والمجتمعات اليوم فلا تجد لها حلاً ، إن المجتمعات كالميزان يجب أن تتعادل كفتاه ، فماذا نفعل حينما يختل التوازن ويصبح عدد النساء أضعاف عدد الرجال ؟ فهل من العدل
أن نحرم ملايين من النساء من نعمة الروحية ونعمة الأمومة وندعها تمشي وراء الرذائل أو تكون فريسة سهلة لكي يتاجر بها دعاة تحرير المرأة في سهرات ليلية كما تحدث في أوربا أو بعض الدول العربية !! أم نحل هذه المشكلة بطرق فاضلة تحافظ فيها كرامة المرأة وطهارة الأسرة وسلامة المجتمع .
وأقرب الأمثلة على ذلك ما حدث في أوروبا بعد الحربين العالميتين ، حيث زاد عدد النساء زيادة رهيبة على عدد الرجال ، فأصبح مقابل كل شاب ثلاث فتيات ، فأدى ذلك إلى ظهور الفاحشة والرذيلة في أرجاء أوروبا وأصبحت الفتاة سلعة تتاجر بكرامتها . وقد حل الإسلام تلك المشكلة بالشرع الإسلامي الحنيف ، بينما وقفت الأنظمة الوضعية حائرة أمامها ، ومما يدل على فساد تلك الأنظمة أنها تمنع الرجل من أن يتزوج على زوجته حفاظا على حقوقها في حيٍن أنها تبيح للرجل أن يصاحب عشرات من الفتيات بطريقة غير شرعية !!
فعلى سبيل التمثل لا الحصر تقول ( كارول بوتين ) مؤلفة كتاب ( الرجال ليس بوسعهم أن يكونوا مخلصين ) أن 70 % من الرجال في الغرب يخونون زوجاتهم .ويفتخر الممثل المشهور ( كيرك دوجلاس )إن له ألف عشيقة، وله (42) ولد من علاقات غير شرعية ، فهذه الأمثلة فقد لتفاخرهم بالخيانة وتعدد العشيقات ،فمن من حقنا أن نسأل دعاة تحرير المرأة أليس تعدد العشيقات ظلما وإضاعة لحقوق الزوجة !! أم أنها حرية شخصية لا يحق لنا الخوض فيها .
ولكن الأهم من ذلك أنهم توصلوا في دراسة نفسية جديدة إلى أن المرأة أحادية العاطفة على عكس الرجل الذي تسمح عاطفته بالتعدد ، لكن تعدد الجائز عندهم هو تعدد العشيقات ذلك التعدد الذي لا يضمن للمرأة أي حق ، بل يسمح للرجل أن يستمتع بها ويقيم معها علاقات غير رسمية ويسلب زهرة حياتها ثم يرمي بها خارج حياته . فأتعجب من الذين منعوا واعترضوا على التعدد بالحلال وأباحوه بالحرام حتى نزلوا المرأة من مرتبة الإنسان وجعلوها كالسلع تباع وتستأجر !

ثانياً : أما مسألة الميراث وقوله تعالى (( للذكر مثل حظ الأنثيين ))
فقد جعل الإسلام نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ، فإن هذا لم يكن إلا تقديرا ً للواجبات والتكاليف المالية التي أو جبها الإسلام على الرجل من النفقة على الأولاد والزوجة والوالدين ومن تحت تصرفه شرعا، وثمة حقوق أخرى منحها الإسلام للمرأة كالمهر مثلاً ، أو وجوب نفقتها على أبيها إن كانت بنتاً أو على زوجها إن كانت زوجة أو على أبنائها إن كانت أما ، ومن هنا يستوي الرجل والمرأة في الحقوق .
فلو مات شخص عن ابن وبنت وترك مثلا ثلاثة آلاف دولار، فان للابن 2000 ألفي دولار، وللبنت 1000 ألف دولار ، لكن ينبغي أن ندرك أنه يترتب على الابن أن يدفع مهراً عند زواجه كما يجب أن ينفق على زوجته وأولاده وأمه وأخوته إن كانوا صغاراً وهكذا فإن ما أخذه ليس لوحده بل ينفق على من يجب عليه نفقتهم ويتزوج بها فلا يبقى له شيء من الميراث .أما البنت التي أخذت 1000الف دولار فتعتبر ملكها الخاص شرعا ً وليس عليها أي نفقة حتى على نفسها بل نفقتها تجب من مال الزوج ، وعلاوةً على ذلك فإن لها أن تطلب المهر عند الزواج ما شاءت من الذهب والمال ،وبهذا تصبح حصة البنت أكثر بكثير من حصة أخيها . فتأملي يا أختي العزيزة كيف أن شرع الله في مصلحة المرأة ، وكذلك الرجل
وهذا ما لم يدركه البسطاء من الناس !!
وتقول الدكتورة ( ( فاطمة نصيف )) :- إن نظام المواريث في الإسلام نظام غني جدا وعادل فقد وضعه خالق هذا الكون الذي لا يمكن أن يظلم .... ومن جهلنا وغفلتنا عن دراسة هذا النظام لا نعرف منه إلا (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) مع العلم أن الإسلام منح الرجل مثل حظ الأنثيين في أربع حالات فقط يكون فيها هو المنفق على المرأة... ومنح المرأة عشر حالات ترث فيها مثل الرجل أو أكثر منه ، وحتى هناك حالات ترث هي فيها ولا يرث الرجل ... والغريب أن حالات وراثة الرجل أكبر من نصيب المرأة هي وحدها التي برزت مع أنها الأقل. وتتدخل فيها أشخاص غير مؤهلين ولا دارسين للمواريث في النظام الإسلامي ويقومون بانتقادات وهمية لغايات في أنفسهم ،ويأخذون ما يرغبون ويتركون البقية مثل الذي يقول ( لا تقربوا الصلاة...)) ولا يكمل الآية حتى لا يصلي ... والشريعة كل متكامل إذا أردنا معرفة أحكامها فلابد أندرسها من جميع الجوانب لنكون على دراية بما نتحدث عنه .. فأعداء الإسلام هنا تمسكوا بحكم واحد يساعدهم على إظهار مظلومية المرأة على حد زعمهم ويفسد عقل المرأة الملتزمة بدينها في حين أنهم تركوا جميع الأحكام التي تمنح المرأة نصيبا أكثر من نصيب الرجل ، ونحن أنفسنا صدقنا ذلك لأننا لا نبحث عن تفاصيل الشريعة وحِكَمِها بل نكتفي باجتهادات أشخاص نصبوا في قلوبهم العداء للقرآن الكريم .
ثالثا : مسألة القوامة :-
معنى القوامة : قيام الرجل بشؤون زوجته وأسرته .
في علم الإدارة الصلاحيات على قدر المسؤوليات بمعنى أن صلاحيات الإدارة يتسلمها الشخص الذي يتحمل الجزء الأكبر من المسؤوليات ويكون الواجب عليه القيام بها وعندما منح الإسلام للرجل حق القوامة فرض عليه مسؤوليات يفترض القيام بها وهي النفقة فإن لم ينفق على أسرته تسقط عليه القوامة وتحق لزوجته بدلاً عنه في حال أنها هي المنفقة على الأسرة .. ونرى هنا سماحة الإسلام وتكريمه للمرأة بأن جعل الأساس تكريمها وكفل لها من ينفق عليها. ومنحه الحق الطبيعي بالقوامة الذي يعادل حق المدير في علم الإدارة ومع ذلك يخرج إلينا أعداء الإسلام بمزاعم تفضيل الرجل على المرأة ويستخدمون القوامة كدليل على ذلك مع أنها وضعت بقيود ولها شروط ومسببات ... والاهم أنها لم يكن المقصود بها في الإسلام تفضيل الرجل على المرأة والحديث يقول ( مروا أحدكم ) وليس أفضلكم ، وفي نضام الأسرة المسلمة من ينفق يشرف والقوامة لا تلغي المساواة الإنسانية بأي حال من الأحوال وهذا ما يمكننا أن ندركه بالوعي والتمعن في أحكام الشريعة .

ومما سبق يظهر لنا أن الفرق بين حقوق المرأة في الإسلام وحقوقها في الأنظمة الوضعية هي نفس الفارق بين المصدرين السمــاء والأرض .




آمــــاد كـــاظم
كردستان العراق / دهوك