بابا: ياابن.....



التسوق في أرض الله الواسعة يفتح لمن يراقب تصرفات الآخرين أبواباً ونوافذ كبيرة من العجب والتأمل في مخلوقات الله الغريبة سواء كانت بأفعال تضحكك أو تجعل بدنك ( يكش ) من فظاعة الحادثة..ولسانك ينطق مباشرة:" الله يازمان أول " أو أنها ببساطة تداعب أحاسيسك وتبكيك..!
المواقف كثيرة ولو رصدت كل تأمل لي لكتبت بحوراً مختلفة من الشعر ومقطوعات من الحمد ، إلا أن أعجبها مامرّ أمامي وسمعته أذني غير مصدقة وأنا أسير في الإتجاه المعاكس رجل يدفع طفله بعربة التسوق ويحادثه بوجه خال من تعابير تجعلك قادراً على تحديد حظ حالته النفسية من الغضب أو الرضا: " شف ياابن الكلب..لاتصير.." إلى آخر ماانتهى بهما الحديث..!
موقفه ودعابته تلك أو طريقته في التنفيس عن غضبه أو أيّ ماكان ذاك الشعور ، ذكرني بموقف آخر كنت شاهدته لامرأة تلاعب طفلاً من أقاربها وتدللـه: " ياابن الكلب..ياملعون الوالدين..ياملحك ويازينك "!
المفارقة بينهما ليست بعيدة..فأي سبب كان دافع هذه العبارة ، وعلى شاكلتها الكثير وإن اختلف فهو متعدد الاستعمالات للدلال والتشنيع والحب والتأديب..وهلمّ جرا ، لكن الأمر الذي طرح في بالي سؤالاً مازال يلحّ على ذهني حتى الآن: هل هذه هي موروثاتنا الثقافية؟ وهل انتهت مفردات لغتنا فصرنا لانعرف التعبير إلا بها..؟
العبارة كما قلت لاتتوقف عند هذا ، فعندما تجد مراهقاً يمازح رفيقه فعليك ( الحسبة ) لكمّ عبارات اللعن له ولوالديه ولمن في الأرض جميعاً وهو إذ يقولها فإنه لايكرهه..حاشا لله..وإنما هي إحدى وسائله الخاصة للتعبير عن مشاعر إنسانية مختلفة وحميمية أيضاً يحس بها تجاهه!
وعندما تستمع لمحادثة بين عاقلين تجد عبارة الإستنكار البديلة عن الحلف وجبات دسمة مخصصة للحيوانات وهوام الأرض..!ووو..
حين ينشّأ الصغير على تلك العبارات..فما الذي نتوقع منه عند الكبر..؟
وحين تسمع الفتاة كلمات ال( هيش ) ومثيلاتها ثم تحضّر لحياة مستقبلية زوجية..فأيّ شيء نتوقعه منها؟ وكيف لها أن تُسمع زوجها مالم تسمعه أمها من أبيها..ومالم تسمع أباها يخاطب به أمها يوماً ومالم تسمعه هي ممن حولها..؟
ومن جانب آخر ، نقرأ قصص الجفاف العاطفي الذي يصيب المنازل فلا عبارات تهطل على قلوب أهله سوى الخارجة عن المألوف أما عبارة الحب والدفء والعطاء فليبحثوا عنها في ذبذبات الجوال وبين غرف الشات..وعلى نوافذ الماسنجر ، وليفتش شبابنا بدأب عن بنت الحلال صاحبة ( تؤبرني ) و( ياابن عمي ) ..و( بحبك )!
ثم نتساءل..
أين يختفي ( الكلام الحلو )؟ ولماذا شبابنا وبناتنا ( وعرين ، جافين ) عاطفياً لايعرفون أبجديات الأسلوب اللطيف..؟
وحين نكبر ونتخطى سنّ فورة الشباب وتصيبنا آفات الكبر والشيخوخة..يبدأ التحسر على اعوجاج حال الأبناء ، وغياب قدر الكبار في نفوسهم..وسؤال واحد يتكرر: لماذا لايُحسن أبناؤنا برّنا واحترامنا..؟
هو زرعنا ، ثمر نحصده ، لكن بعد فوات الأوان..
لذلك لانستغرب يوماً إذا سمعنا صغيراً ينادي أباه بكل حماس وحرص الأطفال: " بابا ياابن الكلب..فيه رجال يبيك برّا..".



& من مجلة حياة للفتيات العدد114
بقلم: مرام الموسى