الذي يجهله الكثيرون عن محاضرة بابا روما في شهر سبتمبر من عام 2006م في جامعة "راتسبون" الألمانية والتي أساء فيها إلى الإسلام - أنه قد أساء فيها إلى المسيحية كذلك إساءةً بالغةً, إذ حين قال: إن الإسلام يتناقض مع العقل ذكر أن الفلسفة اليونانية حين خالطت العقيدة المسيحية عصمتها من التناقض!!!. وهذا ما أكده في اجتماعه مع مجلس وزراء الفاتيكان في مطلع العام 2007م, حيث طالب أن يفعل المسلمون في الإسلام ما فعله الأوربيون في المسيحية في عصر النهضة!! أي أنه يريدنا أن نغير في الإسلام كما غيرت أوروبا المسيحية!

هذا يفسر لنا ما جاء بعد ذلك بشهور على لسان الكاردينال جان لويس توران - المسئول المختص بشئون الإسلام في الفاتيكان خلال مقابلة مع صحيفة " لاكروا " الكاثوليكية الفرنسية اليومية ( كما ذكرت وكالة رويترز) - أنه " من الصعب إجراء حوار ديني حقيقي مع المسلمين؛ لأنهم يعتبرون أن القرآن الكلام النصي لله ولا يقبلون مناقشته بعمق....لا يقبل المسلمون أن يناقش أحد القرآن بعمق؛ لأنهم يقولون إنه كتب بإملاءٍ من الله... مع هذا التفسير الجامد يكون من الصعب مناقشة فحوى الدين" !!.

إذاً بنيديكت يقول إن المسيحية الحالية ليست على أصولها الأولى. هذا ما أكده ( توني بلير ) رئيس وزراء بريطانيا السابق في مقال مهم له في مجلة " فورين أفريز " "Foreign affairs " بعنوان: ( معركة فى سبيل قيم عالمية ) A battle for global values ذكر فيها أن القرآن الكريم - وقد أبهره بعدم تناقضه مع العلم الحديث وبمنطقيته ومحاربته للخرافات - قد حاول إعادة المسيحية واليهودية إلى أصولهما ( أي أنهما حاليًّا ليستا على أصولهما ) هكذا تبين لنا أن بابا روما قد هاجم المسيحية وأساء لها دون أن يدري.

واستمرارًا لذلك أصدر "بنيدكت " أخيرًا كتابًا بعنوان " يسوع الناصري "Nazareth Jesus of " وقد طالب "بنيدكت " المسيحيين فى كتابه هذا أن يقرأوا كتابهم المقدس بحسٍّ نقديٍّ وبحبٍ. كما طالبهم أن يروه على أنه مستوحًى من الله وليس منزلًا من الله!! كلام بابا روما هذا قد ذكَّر (ليزا ميلر ) الكاتبة في مجلة ( نيوزويك ) الأمريكية (صاحبة خبر هذا الكتاب, عدد 5 / 6 / 2007م ) بإعلان "توماس جيفرسون " " أنه يمكن تمييز أقوال يسوع الحقيقية بسهولة مثل جواهر في كومة نفايات ".

كما ذكرنا بإعلان الكنيسة الكاثوليكية الإنجليزية في أكتوبر 2005م أن الكتاب المقدس يجب ألا يؤخذ بحرفيته؛ لأن به العديد من الأخطاء. "The Catholic Church no more swears by truth of the bible. " والحق إن هناك من علماء اللاهوت المسيحيين من كانوا أكثر شجاعةً من بنيدكت في وصفهم لهذا التغيير. فهناك " بارت إرمان " اللاهوتي الأمريكي الكبير المحاضر فى أكبر جامعات أمريكا قد كتب أخيرًا عما أسماه " العقائد المسيحية المفقودة " "lost Christianities " حيث ذكر أن الكنيسة المسيحية الأولى كانت فوضى من العقائد. ( Chaos of beliefs ) « فبعض الجماعات المسيحية القديمة آمنت بإله واحد (الموحدون ) ومنهم من آمن بإلهين (أتباع ماركيون ) ومنهم من عبد ثلاثة ( المثلثون الذين غلبوا على أمرهم )، بل إن منهم من آمن بعدد أكبر من الآلهة وصل إلى اثنا عشر بل إلى ثلاثين إلهًا ».

The early Christian church was a chaos of contending beliefs. some groups claimed that there was not one God but two or twelve or thirty.

عنوان الكتاب سالف الذكر شابه مقالًا في مجلة " ناشيونال جيوجرافيك " ذائعة الصيت حين عرضت إنجيل يهوذا ألا وهو " العقائد المسيحية المنسية " forgotten Christianities كما أن منهم من آمن بأن الخلاص يكون بالمعرفة لا بالصلب والفداء ( الغنوص )، ومنهم من آمن أن المسيح الحقيقي لم يصلب قط مثل الكربوكراتيين وأصحاب رسالة شيث الأكبر الثانية ( عام 200م ) وإنجيل يهوذا المكتشف حديثًا والذي قال بأن الذي صلب هو يهوذا فداءً للمسيح عيسى. وقد كان أتباع هذه العقائد أكثر في العدد من العقيدة الحالية. فحين توفي " ماركيون " صاحب عقيدة الإلهين في نحو 160م. كان نصف الكنيسة يؤمن بالكثير من تعاليمه(1). كذلك اجتذبت العقائد " الغنوصية " - القائلون بأن الخلاص لا يكون بالإيمان بالصلب والفداء وإنما بالمعرفة الروحية - الكثيرين من مسيحيي القرن الأول والثاني(2).

هذه الفرقة كانت تؤمن بثالوث يختلف عن الثالوث الحالي إذ آمنوا بالآب والإبن والأم ( الروح القدس المفعم بالنعمة الأنوثية )(3). كان أتباع " آريوس " الموحدون هم الأغلبية في كل المشرق لما قبل مجمع " نيقية " عام 325 الذي أقر التثليث(4).تعرض أصحاب تلك العقائد للاضطهاد لتعارضها مع العقائد الرسمية التي أقرها المجمع سالف الذكر، ومنعوا من التجمع وتعرضوا للعديد من العقوبات.

Christians who disagreed with the official doctrines , got no support , were hit with penalties , and were eventually ordered to stop meeting. (National geographic , may 2006 , The Judas Gospel p. 92 )

• كانت نصوص تلك الفرق الأقدم أكثر تداولًا بين النصارى من الأناجيل الأربعة الحالية المقررة(5).كل هذه الفوضى في الكتب والعقائد المسيحية في القرون الأولى جعل العلماء المتخصصون يصفون ذلك بأن المسيحية كانت تحاول أن تجد طريقها وأسلوبها Christianity trying to find its styleت (6).

موثوقية القرآن :

موثوقية القرآن دائمًا ما شكلت مشكلةً لعلماء أهل الكتاب وأثارت غيرتهم مما دفع بابا روما وغيره إلى دعوة المسلمين للتغيير في كتابهم كما فعلوا هم بكتبهم. ولا يريدون أن يعترفوا أن القرآن في موقف يختلف تماماً عن كتبهم. فإنه الكتاب الحق والذكر الحكيم؛ حبل الله المتين والصراط المستقيم؛ الروح والنور والبرهان والفرقان؛ البصائر والهدى والرحمة والشفاء والبشرى والموعظة للمتقين؛ الصحف المطهرة والكتب القيمة. ما ذنبنا أن كان كتابنا محكمًا غير ذي عوج لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ أن كان قولًا ثقيلًا مركبًا, وفي ذات الوقت مفصَّلًا وميُسَّراً للذكر، قد حُفظ بحفظ الله على العكس من سائر الكتب التي استُحْفِظ عليها الربانيون والأحبار؟

ما ذنبنا أن كان هو الوحي وما عداه – على صدقه – كتب وصايا؟ قد ذُكر في زبر الأولين بصفته مصدقًا وموافقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ولو كان من عند غير الله ككتبهم لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا؟

• فالقرآن لم يتشكل مثل " الكتاب المقدس " عبر فترة طويلة جدًّا من الزمان فُقد خلالها العديد من الكتب التي يستحيل حصرها ( كتاب " تاريخ الكتاب المقدس " سالف الذكر ذكر أن هناك 23 سفرًا مفقودًا في العهد القديم وحده الذي يحوي 39 سفرًا معتمدًا ) [ ولا نعلم أين تختبئ لعلها قابعة في صحاري مجهولة أو على أرفف مكتبة مجهولة؛ كما ذكر عدد مجلة النيوزويك سالف الذكر ص 47 ].

ما ذكرناه نقرأه في عدد مجلة ناشيونال جيوجرافيك المذكور آنفًا: We can not know how many books were lost as the bible took shape , but we do know that some were hidden away

القرآن الكريم اتخذ منزلته الرفيعة عند المسلمين منذ تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُعد المسئول الوحيد عنه على العكس من أسفار العهد الجديد التي اتخذت منزلتها بشكل تدريجي لأن المسيحيين الأوائل لم يعرفوا سوى التوراة، كما أنها وأسفار العهد القديم يُختلف في مؤلفيها حتى اليوم.

كما تلقى المسلمون القرآن الكريم كذلك عبر ما خطه الصحابة ومخطوطات العهد الأول للإسلام للقرآن التي لا تختلف عن ما بين أيدينا الآن. مثل مخطوطة جامع صنعاء واسطنبول وغيرها. بينما تختلف النصوص الحالية للكتاب المقدس مع المخطوطة السينائية ذائعة الصيت في 9000 موضع كما أنها تغفل 1491 جملة، حسب ما ذكر " جون بورجون " عميد كلية " وست منستر".

• القرآن لم يكن في حاجة لعلم " نقد النصوص " يفحص فيه علماؤه الاختلافات في النصوص الأقدم والمخطوطات للوصول لنص أقرب ما يكون للنص الأصلي " المفقود " – حسب اصطلاح مقدمة الكتاب المقدس طبعة دار المشرق – [ ولتقرير ما إذا كانت النصوص قانونيةً أو غير قانونية بعد إزالة الأخطاء غير المتعمدة والبحث عن المقاطع التي يمكن أن يكون الكاتب قد سها عنها بأن تخطى سطرًا أو انتقل من استخدام معين للكلمة إلى استخدام متأخر لنفس الكلمة... والعدد الرهيب من القراءات المختلفة في مخطوطات العهد الجديد ستجعل نقاد العهد الجديد يواجهون عملًا شاقًّا على مدى سنين عديدة آتية...بعض التقديرات ترى أن اختلافات نصوص العهد الجديد أكثر مما في كل العهد الجديد من كلمات!!] ( تاريخ الكتاب المقدس، ميلر وهوبر، ص 220-221 ).

بل إن " ندوة يسوع Jesus Seminar " ( مائتا عالم لاهوت أمريكي معاصر ) ترى أن 82% من أقوال المسيح في الأناجيل المعتمدة لم يقلها بالفعل.

" Eighty –two percent of the words ascribed to Jesus in the Gospels were not actually spoken by him." ( The Five Gospels , Robert Funk & The Jesus Seminar , p. 5 , Harper Collins )

• القرآن ليس له " نصوص حائرة " تارة تُضم للقانون ( تعتمد ) وتارة تُخرج. أو كما سماها صاحب [ تاريخ الكتاب المقدس ] " الأسفار التي كادت تكون أسفارًا مقدسةً "!!.

• القرآن ليس له قائمة نصوص معتمدة ( قانون ) تتغير من وقت لآخر. العهد الجديد مثلًا له أكثر من خمسة قوائم متتابعة: "القانون الميوراتوري"، "قانون أوريجون"، "قانون يوسابيوس"، "قانون أثاناسيوس" وأخيراً قانون مجمع عقد عام 393م بمدينة عنابة بالجزائر الحالية. ( Bart Ehrman , Lost Christianities , oxford press )

• القرآن لم تكن به أوجه القصور هذه المتفشية في كتب أهل الكتاب بل إنه مهيمن على هذه الكتب. فصحح الأخطاء وأظهر المخفي وفصَّل المجمل وأوضح المبهم. ومن ثم لو أراد بنيدكت وغيره التعديل في كتابه وتصحيحه فعليه أن يرجع إلى القرآن الكريم.

{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ..} [المائدة: 48 ]

هكذا يتبين لنا أن القرآن الكريم كتاب أصيل على العكس من كتب أهل الكتاب التي تختلف نصوصها الحالية مع أصولها. ومن ثم تسقط دعوى بنيدكت والكاردينال " توران " المطالبة بالتغيير في النص القرآني.

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت: 41 , 42 ].

زوروا المصدر
المصدر
http://www.55a.net/firas/arabic/?pag...select_page=17