اليأس مهلكة

تاريخ النشر : 05-23-2006



الحمد الله المعروف من غير رؤية ، الخالق من غير منصبة ، خلق الخلائق بعد ريّة ، واستعبد الأرباب بعزته ، وساد العظماء بجوده .
والصلاة والسلام على من لا رسول بعده ، نشهد أن لا إله إلى الله ، ونشهد أن محمد عبده ورسوله ،خاض إلى رضوان الله كلّ غمرة ، وتجرع فيها كل خصّة .
وبعد،

أيها المسلمون:

إن لليأس أسباب كثيرة ، صنعت سحابة سوداء قاتمة سيطرت على كثير من أبناء المسلمين ، فأصبحت السلبية والانزواء ، ومظاهر الهزيمة سمتهم .

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53

اليائس لا يفكر ، ولا يحتال للأمور ، وينتظر نهايته المؤلمة .
اليائس يشط من حولة ولا يقف ضرره على نفسه ، اليائس دائماً يقول :
لا أمل ، تعامل مع الواقع ، لا نريد مثالية ، الأمر أكبر مما تتصور ، إنشغل بنفسك ، أين نحن من قول أمريكا والكفر .

اليائس يئد الأفكار الطموحة ، اليائسون ينظرون إلى مواقع الفشل ويتنبؤون بفشل هذه المشاريع .

واليائس ينظر إلى السلبيات والأخطاء ويضخمها ونسي أن رب العزة قرر أن كل ابن آدم خطاء ... ، فاليائسون موتى يأكلون ويسيرون ويتحدثون لا نفع يرتجى منهم ، لا يعملون لا يتركون غيرهم يعمل ، ضررهم أكثر من نفعهم .

أيها المسلمون يا إخوتي :

والسؤال المهم لنا كيف نتخلص من اليأس :
أولاً: يجب على المسلم أن يدرك أن اليأس مذموم شرعاً وعقلاً فالشرع ذم اليأس والقنوط في أكثر من موضع ، قال تعالى : {... وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله واليأس من روح الله وأمن مكر الله». أخرجه البزار
ثانياً: إعتدلوا في إنتقاداتكم ، كونوا موضوعيين فإن المبالغة في النقد تؤدي إلى اليأس ، جيئ برجل يشرب الخمر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - فجلد فسبه رجل فقال – صلى الله عليه وسلم - " لا تعينوا الشيطان عليه " . وثبت عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم "

ثالثاً :معشر المسلمين أدركوا أن الله سبحانه وتعالى قد شرفنا جميعاً بحمل الرسالة وأوكل إلينا قيادة البشرية ، وهذا كافٍ وحده لمعالجة اليأس .

رابعاً: انظروا في النصوص الشرعية التي تدل على تمكين الدين و إنتصار المسلمين وتفكروا فيها قال تعالى :{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47، وقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 ، وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55، ومن أقوال المصطفى – صلى الله عليه وسلم - :" زويت لي الارض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها " .
خامساً : إعلموا أن الفرج يأتي بعد الشدة، قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }الشرح6


سادساً: من التفاؤل أن ندرك أن بعض الأحداث السيئة قد تكون خيراً لقوله تعالى : {... فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19. فما حصل لمريم عليها السلام حينما حملت بعيسى عليه السلام فقالت {... يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }مريم23، فكان خيراً لها، واصطفاها الله وابنها ليكون نبياً من أولي العزم .

سابعاً: إقرؤوا التاريخ إقرؤوا قصة سيدنا موسى عليه السلام لما لحقهم فرعون، قال تعالى :" َلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62} الشعراء.
فالبحر من أمامهم وفرعون من وراءهم والإبادة حتمية .
فيأتي نصر الله لهم والإهلاك لفرعون ومن تبعه، فيقول سبحانه: "وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ{65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ{66} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{67} الشعراء.

إقرؤوا حادثة الهجرة ، كيف خرج رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - من بين فرسان قريش ليقيم دولة تحكم بالإسلام ، نحن والمسلمين أجمعين من ثمارها .
إقرؤوا عن حال المسلمين في معركة الأحزاب ،" إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً{11}" الأحزاب.
غيمة قاتمة سرعان ما زالت فيقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - بعدها " الآن نغزوهم ولا يغزوننا " .

إقرؤوا عن صلح الحديبية الذي لم يعجب بعض الصحابة فكان مقدمة لفتح مكة ، ولنشر الإسلام .
إقرؤوا عن حروب الردة ، فلم يبقَ على الإسلام في حينها إلى بعض الحجاز ، ثم نهضت الأمة بقيادة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه - فما هي إلا سنتان وبضعة أشهر حتى كانت جيوشه تهز فارس والروم.

إقرؤوا ما حل بالمسلمين من الصليبيين والتتار ، وكيف نهضت الأمة من جديد ، فإياكم واليأس ، إياكم واليائسين ، {... وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }يوسف87

واستغفروا الله وتوبوا إليه أيها المؤمنون.

الخطبة الثانية :

الحمد لله الذي أسكن الدنيا خلقه ، وبعث إلى الإنس والجن رسله ، نحمده على عظيم إحسانه ، ونور برهانه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، أشهد أن لا إله إلى الله , اشهد أن محمد عبده ورسوله ، شهادة مذعنٍِ لله بالقول والعمل ، شهادة تنفعنا يوم العرض يوم لا ينفع مال ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليم .

أيها المسلمون :
إعلوا أنه ليس لهذا الجلد الجلد الرقيق صبر على النار ، فارحموا أنفسكم فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا فرأيتم جزع أحدكم من لالشوكة تصيبه والثرة تدميه ، والرمضاء تحرقه ، فكيف إذاكان بين طابقين من نار ، ضجع حجر ، وقرين شيطان ؟ " إنها ترمي بشرر كالقصر كأنها جمالة صفر " .
عباد الله إن اليأس يدفع الإنسان إلى عدم العمل يدعوه إلى إرتكاب الكبائر بل اليأس كبيرة ، قال عالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ، كيف يقنطوا وييأسوا من جعل الله أمره دائماً خير ، يقول صلى الله عليه وسلم : " عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير - وليس ذلك لأحد إلا للمؤمنين – إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " .
كيف قنط مسلم والله قد فتح باب التوبة
كيف يقنط مسلم والحسنة بعشر اضعافها
كيف ييأس مسلم من النصر وقد وعد الله به
كيف ييأس مسلم من قيام دولة الإسلام الثانية على منهاج النبوة وقد وعدنا بها .
أخي المسلم لا تكن ممن إذا سقيم ضلّ نادماً أمن لاهياً .
لا تكن ممن يعجب ب بنفسه إذا عوفي ويقنط وييأس إذا ابتلي .
فالله الله معشر العباد ! وأنتم سالمون في الصحة قبل السقم ، وفي الفسحة قبل الضيق، فاسعوا في فكاك رقابكم أن تلتحم أطواق النار بعظام الأعناق ، إسهروا عيونكم واضمروا بطونكم ، واستعملوا أقدامكم ، انفقوا من أموالكم ، وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم في رضى ربكم ، وكونوا من أصحاب اليمين واعملوا لذلك جهدكم ووسعكم.

ولا تكونوا من أصحاب الشمال وتذكروا قول ربكم " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24} وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31}" الحاقة

كونوا أنصار الله، ولا تقنطوا من رحمته أبداً.

وإني داعٍ فأمنوا :

اللهم لا تجعلنا من القانطين اليائسين المثبطين .
اللهم إجعلنا من العاملين المخلصين .
اللهم إجعلنا من المذعنين لك بالقول والعمل .
اللهم خذ بيدنا ويد المسلمين أجمعين لنستفيق على ما نحن فيه .
اللهم انصرنا وأعد لنا المسجد الأقصى .
اللهم إجعلنا ممن يغزون ولا يغزون .
اللهم تقبل منا أعمالنا الصالحة وضاعفها لنا وأنت أهل لذلك ، واعف عن سيئاتنا وتجاوز عن غفلاتنا واشملنا برحمتك يا أرحم الراحمين
.
الجمعة ،
آخر ربيع الأول من عام 1427 هـ الموافق لـشهر نيسان من عام 2006 م

خطبة جمعة
أبو محمد النجار