عرض وتلخيص: الدكتورة زينب عبدالعزيز

في مقال جدير بالاهتمام للباحث الإسلامي وأستاذ الرياضيات عمر مازري، المقيم في فرنسا، حول نظرة الجانب الغربي بعامة والفرنسي تحديدا لعيد الأضحى، خاصة لعملية ذبح الخراف، وهو أحد المناسك المتعلقة بالحج وبالإسلام، رأيت عرضه وتلخيصه بالعربية لتعم الفائدة، عسى أن نجد من يهتم بالموضوع. فهو لا يتناول في هذا المقال الجانب الديني أو الرمزي لمعنى عيد الأضحى الذي ترجع أصوله إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وسيستمر بإذن الله إلى نهاية الزمان، ولا يتناول شخصية سيدنا إبراهيم وعلاقة الأب وتضحية الابن ولا معنى الصبر أو الثقة المطلقة في الطاعة لأمر الله سبحانه وتعالى. وإنما يتعرض للذين يعترضون وينتقضون الاحتفال بهذا العيد ويعملون على تقليصه. كما يتناول عملية الذبح في المجال الغربي وكل الذين يتخفون وراء العقلانية الاقتصادية لمهاجمة الإسلام والمسلمين.
وتحت عنوان فرعي حول المسلم من الناحية الاستهلاكية يقول الكاتب:
إن المسلم ملتزم من الناحية الدينية أن يتجنب الإسراف، كما يجب عليه مراعاة العدالة الاجتماعية. وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع". والأكل عند الشعور بالجوع يكون لسد حاجة، أما الأكل بلا حاجة فهو بذخ وإسراف. لذلك يُصدم المسلم حينما يتم اتهامه بالهمجية وذبح الخراف الوديعة، دون مراعاة أنه يقع على المسلم توزيع ما لا يقل عن ثلث الذبيحة للفقراء، والثلث الثاني على أهله وأصدقائه، والجزء الثالث لبيته ليأكل منه أيام العيد أو ليقوم بتجفيفه ليأكل منه عدة أشهر إن كان من بين الـ 80% من المعدمين في الأرض بسبب أولئك العشرين بالمائة من الأثرياء الذين يستهلكون وحدهم 80% من المواد الطبيعية العالمية!
أما تحت عنوان الإسراف وسوء معاملة الحيوان فيقول عمر مازري:
"يتهمون المسلمين في الغرب بأنهم سبب الإسراف والإضرار بالبيئة بسبب هذا العيد، وأنه يتسبب في أذية حيوان وديع.. وإذا نظرنا إلى إحصائية عالمية سنجد أنه يتم ذبح سبعة أو ثمانية أغنام في العام عن كل فرد، وأن هناك 1500 بهيمة تذبح كل ثانية، أي حوالي 45 مليارا من الأغنام يتم ذبحها كل عام في العالم، منها 800 مليون من الخراف.
وهذا الرقم المهول غير كاف لسد حاجة ثلاثة أرباع التعداد العالمي القابع تحت حزام الفقر، وإنما يمثل استهلاك الميسورين ويكشف عن مدى استهلاك المجتمع المتحضر. والمسألة التي يطرحها هنا الكاتب هي: الربط بين الجوع في العالم وطرق الذبح اللا إنسانية التي تتولاها المجتمعات المتحضرة، خاصة تلك المنظمات الأهلية التي تتباكى على مصير البهائم والخراف ولا تبالي لما يتعرض له شعوب بأسرها تُذبح في فلسطين والعراق وأفغانستان وتركمانستان الشرقية والشيشان وكشمير وغيرها كثير.. ألا يستحق كل هؤلاء البشر الذين يذبّحون مع سبق الإصرار أن يلتفت إليهم هؤلاء المتشدقون بحماية الخراف والبيئة ويطالبون بالتخلص من الإسلام والمسلمين؟".
ثم يتعرض الباحث بعد ذلك لما يمثله خروف الضحية الإسلامي بالنسبة للتعداد العالمي، فيقول في مقارنة بين أعداد الحجاج والأضحية:
"من المعروف أن لحوم الأضحية أثناء الحج يتم تجميدها لتوزيعها على الشعوب الآسيوية والإفريقية التي تعيش تحت خط الفقر، وعلى الذين يعانون من المجاعات والكوارث الطبيعية والحروب، أي أن ما يُطلق عليه الغرب عبارة "بذخ المسلمين" هو في واقع الأمر نعمة تسد حاجة المنكوبين. وهو ما لا يمكن مقارنته بفائض المخزون المتراكم في الغرب وفي الولايات المتحدة تحديدا، الذي يتم إعدامه أو حرقه للحفاظ على سعر السوق. بل إن هذه الحكومات تقوم بتعويض المزارعين والمربين لكي يحدوا من إنتاجهم حفاظا على ذلك السعر، علما بأن ما يدفعونه في هذا المقابل أعلى من الدخل السنوي للفلاح أو المربى الإفريقي أو في أميركا الجنوبية وآسيا الذين يعملون ستة عشر ساعة يوميا بلا ضمان أو تأمين ولا أية حقوق له أو لأسرته في مجال الصحة والتعليم والغذاء، ـ وذلك وفقا لمنظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.
فالعالم مقسّم باسم حقوق الرجل البيض إلى قسمين: مبذرون ومبذّر في حقهم، ملوِثون وملوّث بهم، مستغِلّون ومستَغَلّون، مستعمِرون ومستعمَرون. ولا يهتم أحد برؤية هذه الفوارق الفادحة وإنما ينتقدون الطابع "الاستعراضي" و "الاستفزازي" للمسلم الذي يضحى بخروف التزاما بتعاليم دينه! ولا يهتم أحد بالسؤال لماذا ينفق المسلم في بلاد الإسلام ثمن خروف يصل ثمنه إلى عدة أشهر من عمله؟ أو لماذا يضطر المسلمون في فرنسا إلى ذبح خرافهم سراً في الحمّام وفي ظروف غير مقبولة؟! ومع ذلك فالإسلام يطلب الرحمة من المسلم عند ذبح الضحية وهو ينطق عليها عبارة "الله أكبر" التي يرجف منها الكافرين..
وإذا نظرنا إلى الوضع من حيث تعداد المسلمين الذين يمثلون ربع سكان العالم، سنجد أنه يتم ذبح 640 مليونا من الخراف لصالح الأثرياء، و160مليونا لصالح الفقراء. وبما أن المسلمين يمثلون ربع التعداد في العالم فيجب أن يكون من نصيبهم ستين مليونا من الخراف المذبوحة. وإذا راعينا أن خروف الضحية يمثل لأغلبية المسلمين ربع استهلاكهم من البروتين الحيواني في العام، فيمكن أن نستنتج أن عيد الأضحى يستنفذ على الأقصى 15 مليونا من الخراف. أي إن ما يتم ذبحه في أول يوم العيد قد يبدو نسبة ضخمة نسبة إلى الذبائح، لكن إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ثلث هذه الذبائح يصل للمعدمين، سندرك أن المسلم لا يستهلك شيئا يذكر، وأن ما أستهلكه فعلا قد أفاد كبار تجار المواشي في أوروبا ونيوزيلندا والأرجنتين.
وحول عدد خراف الضحية ونسبتها بين ذبائح العالم يقول عمر مازري:
إن الأغنام تعد بالمليارات إجمالا على الصعيد العالمي. وعلينا أن نتساءل هل خروف العيد يمثل فعل مناهض للاقتصاد وللبيئة كما يزعم المعارضون؟ بالاستعانة بإحدى رسائل الدكتوراه في فرنسا يتناول الكاتب عدة نقاط منها لنرى: أي وسائل الذبح أكثر رحمة بالنسبة للأغنام الإسلامي أم الغربي؟، الضغط الواقع على الضحية من جراء وسيلة الذبح، نوع اللحم وجودته بالنسبة لطريقة الذبح. كما يعرض لفكرة أيهما أكثر تبذيرا وتلويثا للبيئة: المسلمون أم أولئك الذين يتبعون وحدوية السوق، خاصة في الولايات المتحدة التي تعد أكثر بلدان العالم استهلاكا للحوم.
وهنا يشير الكاتب إلى أن البلد الذي يعتبر نفسه أكثر بلدان العالم ديمقراطية وأكثرهم فعالية في قتل الشعوب على الصعيد العالمي، هو أكثر البلدان امتلاكا لوسائل تقنية متقدمة في مجال الذبح، ومع ذلك فهو يفقد 11 % من الأغنام المتوجهة إلى المذبح في ظروف تكدسية لا إنسانية،سواء أكان ذلك أثناء نقلها من أماكن تربيتها أو أثناء نقلها وإقحامها إلى المجازر. فمن تسعة مليارات من البهائم يتم فقدان مليار رأس من مجرد سوء عملية النقل، وهو ما يكفى لإطعام كل بؤساء الأرض إذا ما تم نقلها وذبحها بصورة أكثر رحمة وأكثر إنسانية.
لذلك يطالب المختصين المسلمين وغير المسلمين بدراسة مشكلة ضحية الخروف وعواقبها على المستوى الاقتصادي والبيئة والأخلاقي. فالإسلام لا يخشى العلم بما أنه يدعو صراحة إلى العلم والدراسة، حتى وإن كان المسلمون يتخبطون بجهلهم الحالي لتحديد مواعيد أعيادهم.. وذلك لأن الغرب المبذر، المفرط في البذخ وتلويث البيئة، والذي يحتقر ثقافات الأديان الأخرى خاصة الإسلام، لا يقوم بتقديم حلول عن طريق صندوق النقد أو الجمعيات الخيرية، وإنما كل ما يعنيه هو نقل استثماراته إلى البلدان الإفريقية والأسيوية ليجعل من تربية المواشي وذبحها يصل إلى مائة مليار من الأغنام بحلول سنة 2020! وهنا يتساءل الباحث عما ستكون عليه نسبة خراف العيد من بين هذه المائة مليار، وكم ستكون نسبة الماشية التي ستنفق من جراء سوء عملية النقل من مكان لآخر، أو بسبب إقحامها دفعا إلى المجازر بصورة لا رحمة فيها؟!
أما عن الجوع وسط الوفرة فيكتب عمر مازري قائلا:
رغم وفرة الإنتاج للمواد الغذائية يوجد ملايين من البشر يتضورون جوعا في البلدان النامية، ثم يورد النسبة الإجمالية التالية:
* في كل عام يموت حوالي 18 مليونا من البشر، أغلبهم أطفال يموتون من الجوع وسوء
التغذية.
* وهناك قرابة اثنان مليار من البشر يعانون الفاقة، منهم 840 مليونا تحت حزام الفقر.
* تصل نسبة النساء اللائي يعانون الهزال صحيا في إفريقيا إلى 70 %.
* وهناك حوالي 200 مليون طفل دون الخامسة لا يتلقون تغذية تسمح لهم بحياة صحية نشطة.
* وأكثر من 40 % من البلدان التي خضعت للإحصائية يوجد بها طفل من بين كل ثلاثة أطفال
يعانى وقف نموه الطبيعي.
* وهناك 150 مليون طفل دون السادسة سيعانون من الفقر بحلول سنة 2020.
* ومن المتوقع أن تصل زيادة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 45 % فيما بين
1993 و2020، ليصل عددهم إلى أربعين مليونا.
* كما أن المجاعات تحصد ملايين البشر من بين أفقر فقراء العالم.
وفيما يتعلق بالمستقبل نطالع: من المتوقع أن يصل عدد الشعوب التي تعيش في فاقة غذائية إلى 70 % في جنوب إفريقيا وجنوب آسيا بحلول سنة 2020، أي سيكون آنذاك واحد من بين كل ثلاثة يعانى في جنوب إفريقيا، وواحد من كل ثمانية في جنوب آسيا، وواحد من كل 20 في آسيا الشرقية. وهنا يتساءل الباحث: هل هذه الفاقة الطاحنة وكل جوعى الكرة الأرضية والقتل العرقي للمسلمين وقتل الملونين هي بسبب خروف العيد الخاص بالمسلمين، في نظر ذلك الرجل الأبيض المتحضر الغارق في المخدرات لكي "لا يعانى"، والذي يخدر الحيوانات لكي "لا تتألم"؟ ويوضح الكاتب أنه لم يأخذ في الاعتبار الكوارث الطبيعية والجفاف والفيضانات أو المد والجذر أو ضياع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بسبب ارتفاع منسوب المياه.
وتحت عنوان فرعى له مغزاه يتساءل الكاتب أليس المسلم هو خروف الضحية في الواقع؟ نطالع أن المشكلة الحقيقية في الغرب هي النظام المعقد للمجازر الرسمية وترك عملية الذبح تحت رحمة مجازر سرية وجزارين يستغلون الموقف. مما يضفى الغيوم على نفس بهجة العيد. فالغرب لا يزال يتعامل مع المسلم بعقلية المستعمِر الذي يرفض منحه أجازة رسمية بمرتب ولو ليوم واحد، ويفرض معاملة دونية على الطلبة المسلمين الذين يضطرون إلى غض الطرف وتقديم الهدايا لمدرسيهم حتى يتقبلوهم. أي أن المسلم حتى وإن حصل على الجنسية الغربية فهو يخضع لعديد من وسائل الاستغلال المدني والاقتصادي.
لذلك يرى عمر مازري ضرورة أن يتولى الأئمة رسميا مهمة ترتيب شؤون المسلمين في الغرب بدلا من الاكتفاء بالدور الرسمي الشكلي للوظيفة. سواء في ترتيب مسألة ذبائح الأضحى أو الرد على الفريات التي يطلقها المنساقون في إشعال نار كراهية الآخر. وهنا يقارن بين عداء ذلك الغرب المسيحي واتهامه المسلمين بالوحشية لذبح الخراف الآمنة بينما يقبل نفس ذلك الغرب فكرة أن يكون هناك إنسانا جعلوا منه الله، هو عيسى بن مريم، ورضوا أن يُقتل ويضحي بنفسه من أجل الإنسانية، ويرفض أن تتم التضحية بخروف تكريما والتزاما بذكرى سيدنا إبراهيم الذي سبق موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا السلام؟
ولا يرى الباحث حلا إلا أن يكون المسلمون فعلا أمة تعيش التآخي والوفاق والعزم والإيمان وحب الخير والعدل والحق، أمة تعرف معنى الكرامة والاحترام والاعتدال الحق وتأمر بالخير وتنهى عن المنكر، عندئذ ستكون أمة جديرة بدينها ونبيها.. ستكون أمة تعرف كيف تدافع عن حقوقها وقادرة على العيش بين الأمم لتفرض عليها الاحترام المتبادل ليعيش المجتمع الإنساني في أمن وسلام.. أمة يكون فيها الجميع راعى للحقوق والواجبات والمسؤوليات.
أي أنه يتعين على المسلمين أن يتولوا زمام أمورهم في دول لا تقبل بحق الاختلاف، وأن يقوموا بترتيب مجريات أمورهم الدينية من أضاحي وأموال زكاة وأموال الأوقاف الخاصة بهم لصالح المسلمين دون تدخل السلطات الفرنسية أو الخارجية أيا كانت. وأنه يتعين على المسلمين تعلم كيفية إنتاج واستخدام أموالهم وأفكارهم ووحدتهم وتكوين نخبتهم ومعايشة مواطنتهم بحيث يفخروا بأنهم مسلمون. بدلا من أن يظل المسلم في الغرب يعيش بلا أمل في الحصول على وظيفة كريمة، وتعليم لائق وثقافة واسعة وحرية ممارسة إيمانه بصورة لائقة. فالأمر بحاجة إلى حلول جذرية وليس إلى شعارات في جمهورية تقوم فيها وسائل الإعلام بالتعتيم على حقيقة ما يعيشه المسلمون في تلك البلدان.
فحقيقة الأمر ليست هي كيفية الاحتفال بعيد الأضحى وكيفية تنفيذ مناسكه بقدر ما هي قضية حيوية تتطلب صحوة ضمير أساسية.. صحوة ضمير أخلاقي واجتماعي وسياسي، فبدون تلك الصحوة لن تكون هناك فرصة حقيقية لأي مستقبل لحياة كريمة آمنة للمسلمين المقيمين في الغرب. وأهم ما يقع على الجيل الحالي هو كيفية تمهيد الطريق للأجيال القادمة من الأبناء، وأهمها بناء الإنسان المسلم، بناء المسجد كمدرسة تأسيسية دينية وليست مظهرية، بناء المدرسة وبناء المجتمع المسلم الذي يعتمد على العمل البناء والحيوية الاجتماعية والروحية وليس على الخطب الجوفاء أو المضلِلة، متخذين القِبلة كطريق وخطة عمل لبناء حضارة قادرة على تطوير البشر..
وهنا لا يسعني إلا أن أتساءل، رغم كل مرارة الواقع والموقف: ألم يحن الوقت بعد ليقوم المسؤولون في البلدان الإسلامية الأم بواجبهم المتحضر نحو أبنائهم وأبناء دينهم؟ ألم يحن الوقت بعد لكافة المسؤولين في المؤسسات الإسلامية خاصة في الأزهر الشريف أن يتولوا زمام عملهم أمام الله ويدافعون عن دينه بدلا من الاستكانة التي هم فيها، والكف عن التنازلات التي يقدمونها للغرب المسيحي المتعصب، للحد من انتشار بدعة "الإسلام الفرنسي" و "الإسلام السويسري" والأئمة على "الطريقة الفرنسية"، ويدافعون عن حق إقامة المساجد بمآذنها كاملة بدلا من طمس معالمها، كما يعدّون لذلك بالاقتراع المزمع عقده في سويسرا في شهر ديسمبر 2009 لمنع إقامة مآذن، والتصدي لكل ما سيعقبها من قرارات تعسفية في حق المسلمين القائمين في الغرب؟
ليتنا نفيق قبل وقوع الكوارث، ثم نبدأ في الارتجال، ثم الخضوع للأمر المفروض![/RIGHT]
[/SIZE]