‏(74)‏ وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان
يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏*.(‏ الرعد‏:4)‏
بقلم : الدكتور زغلول النجار
هذه الآية الكريمة جاءت في مطلع سورة الرعد‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏43‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي حقيقة أن الرعد ـ وهو من الظواهر الجوية المتكررة ـ يمثل صورة من صور تسبيح تلك الظواهر لله تعالي انطلاقا من قوله‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا‏*.(‏ الإسراء‏:44)‏ يدور المحور الرئيسي لسورة الرعد حول قضية العقيدة‏,‏ ومن ركائزها توحيد الله‏,‏ وتنزيهه‏(‏ تعالي‏)‏ عن الشريك والشبيه والمنازع وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ والخضوع له وحده بالعبودية الكاملة‏,‏ والإيمان بملائكته وكتبه ورسله‏,‏ وبالوحي الخاتم الذي أوحاه إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ والإيمان كذلك بحتمية البعث والحساب والجنة والنار‏,‏ كما جاء في كل رسالات السماء وتكامل وحفظ في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم أجمعين من الله تعالي أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏.‏
وقد استهلت سورة الرعد بأربعة من الحروف الهجائية المقطعة هي‏(‏ المر‏),‏ وهذه المقطعات هي من أسرار القرآن الكريم التي لم يستطع العلم الكسبي أن يصل إلي تفسيرها بعد‏.‏

وبعد هذا الاستهلال انتقلت السورة الكريمة بالخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مؤكدة أن القرآن الكريم هو الوحي الإلهي الخاتم الذي أنزله ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ عليه‏,‏ وإن كان أكثر الناس لايؤمنون بذلك‏.‏ واستشهدت بعدد من الحقائق الكونية علي وجود الله وعلي طلاقة قدرته في إبداع الخلق‏,‏ وهيمنة سلطانه علي الكون وعلي كل من فيه وما فيه‏,‏ واستنكرت موقف الكافرين من قضية البعث‏,‏ واستبعادهم لإمكانية حدوثه بعد تحلل الأجساد وتحولها إلي تراب‏,‏ وتعرض الآيات لشيء من عقاب هؤلاء المكذبين في يوم القيامة‏,‏ والذين كانوا ـ من فرط جهلهم وضلالهم ـ يستعجلون وقوع عذاب الله بهم بدلا من طلب الهداية منه‏,‏ وقد مضت عقوبات أمثالهم من الأمم التي كفرت من قبل بربها فأهلكها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بذنوبها‏,‏ ولايزال الإيمان والكفر يقسم البشرية كلها إلي فسطاطين متمايزين حتي يوم الدين‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ غفار للذنوب ولكنه في الوقت نفسه شديد العقاب‏.‏
كذلك تنعي سورة الرعد علي الكافرين طلبهم للمعجزات والآيات الحسية بدلا من القرآن الكريم‏,‏ جحودا به‏,‏ وإنكارا لفضله وهو المعجزة الكبري لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ وترد الآيات الكريمة في سورة الرعد بأن رسالة الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كانت ولاتزال هي رسالة كل نبي وكل رسول من قبل‏,‏ ألا وهي الهداية إلي دين الله والإنذار من عذابه‏.‏

واستعرضت سورة الرعد جانبا من صفات الله‏(‏ تعالي‏)‏ ومنها إحاطة علمه بكل شيء‏,‏ ودقة من صنعه في كل شيء‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الكبير المتعال‏,‏ الذي ليس لخلقه من دونه من وال‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ خالق البرق ومنشيء السحاب الثقال‏,‏ وهو الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته‏,‏ والذي يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء‏,‏ وهو الذي يسجد له من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال‏,‏ وهو خالق كل شيء‏,‏ وهو الواحد القهار‏,‏ وهو رب السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ القائم علي كل نفس بما كسبت‏.‏
كذلك ساقت سورة الرعد عددا من الأمثال لكل من الحق والباطل‏,‏ والهدي والضلال‏,‏ ولسلوك كل من المصلحين في الأرض والمفسدين فيها‏,‏ وأوضحت جزاء كل صنف من هذه الأصناف‏,‏ ومايزت بين الجنة ونعيمها والنار وجحيمها‏,‏ كما مايزت بين الدنيا والآخرة‏,‏ وقررت أن الحياة الدنيا ليست إلا متاعا عارضا وأن الآخرة هي دار القرار‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد أرسل خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في أمة قد خلت من قبلها أمم ليتلو عليهم القرآن الكريم ـ معجزته الكبري ـ وهم يكفرون بالرحمن كما يكفرون بالقرآن‏,‏ ولله الأمر جميعا‏..‏ ولايزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتي يأتي وعد الله إن الله لايخلف الميعاد‏*.(‏ الرعد‏:31).‏

وفي مواساة رقيقة لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ تذكر الآيات أنه إذا كان نفر من الكفار والمشركين قد استهزأ بما أرسل به من حق فقد استهزيء برسل من قبله فأملي الله‏(‏ تعالي‏)‏ للذين كفروا ثم أخذهم بعقاب شديد‏.‏ كذلك تنعي الآيات علي الذين أشركوا بالله ـ مكرا وصدا عن السبيل ـ وتصف شيئا من عذابهم في الحياة الدنيا وتقرر أن عذاب الآخرة أشق ومالهم من الله من واق‏.‏
وتصف الآيات في سورة الرعد جانبا من الجنة وتقرر أنها جزاء المتقين وأن جزاء الكافرين والمشركين هو النار‏,‏ كما تقرر أن الذين أغفوا شيئا من علم الكتب المنزلة من قبل من شأنهم أن يفرحوا بما أنزل إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ لأنه الصورة النهائية التي تكاملت فيها كل الرسالات السماوية السابقة فهو امتداد لها وتأكيد عليها‏,‏ أما الذين يتخذون التدين وسيلة للتحزب الأعمي والتعصب غير البصير فإنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض‏,‏ ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا‏,‏ وفي مقابلة هؤلاء تدعو الآيات في سورة الرعد خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ إلي أن يقول‏:‏
‏...‏ إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مئاب‏*‏
‏(‏الرعد‏:36)‏

وتؤكد الآيات له‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن القرآن الكريم أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ باللغة العربية حكما للناس فيما بينهم‏,‏ وحاكما علي جميع الكتب السماوية السابقة ومن ثم فلايجوز مسايرة المشركين من أهل الكتاب فيما ذهبوا إليه من شرك بعد ماجاءه من علم قائم علي التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏)‏ بغير شريك ولاشبيه ولامنازع‏,‏ وإلا فماله من الله من ولي ولا واق‏.‏
وتخاطبه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الآيات بأن تعجب المشركين من أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد جعل له أزواجا وذرية‏,‏ وقد خصه بإنزال القرآن الكريم عليه وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب‏*(‏ الرعد‏:38).‏
وتؤكد الآيات أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يمحو مايشاء من شرائع‏,‏ ويثبت مايشاء‏,‏ وأن عنده أصل كل ذلك‏,‏ وإنما علي رسول الله البلاغ‏,‏ وعلي الله الحساب‏.‏

كما تؤكد حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يحكم‏...‏ لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب‏*(‏ الرعد‏:41)‏
وتشير الآيات إلي مكر الكافرين والمشركين في الأمم التي سبقت كفار ومشركي قريش فتقول‏:‏ وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبي الدار‏*(‏ الرعد‏:42)‏ وتختتم سورة الرعد بخطاب كريم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه إذا كان من مراء كل من الكافرين والمشركين‏,‏ وصلفهم وعنادهم إنكارهم لنبوته‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ شاهدا علي صدق نبوته‏,‏ وإن كل من عنده علم من الكتب السماوية السابقة يجد عنده مايؤكد ذلك‏,‏ والتنزيل الخاتم ينطق بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
‏(‏الرعد‏:43)‏

من الاشارات الكونية في سورة الرعد
جاء في سورة الرعد إشارات إلي عدد غير قليل من حقائق الكون وآفاقه وظواهره نوجز منها مايلي‏:‏
‏(1)‏ ـ رفع السماوات بغير عمد مرئية‏.‏
‏(2)‏ ـ تسخير الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي‏.‏
‏(3)‏ ـ مد الأرض‏(‏ بمعني تكويرها‏),‏ وخلق الجبال رواسي فيها‏,‏ وعلاقة ذلك بتكون الأنهار وتدفقها بالماء‏.‏
‏(4)‏ ـ خلق الثمرات النباتية‏(‏ وخلق كل شيء‏)‏ في زوجية واضحة‏.‏

‏(5)‏ ـ إغشاء الليل بالنهار في إشارة ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس‏.‏
‏(6)‏ خلق الغلاف الصخري للأرض علي هيئة قطع متجاورات‏,‏ وجعل الصخور المكونة لكل منها قطعا متجاورات كذلك لأنها صخور مختلفة النشأة‏,‏ متباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ ومن ثم في أنواع التربة الناتجة عن تحللها‏(‏ بالتجوية والتحات‏),‏ وفي تباين كل من ذلك في قدرته علي الإنبات تحت الظروف البيئية‏(‏ المناخية والتضاريسية‏)‏ المختلفة‏.‏

‏(7)‏ ـ خلق جنات من أعناب في الأرض‏,‏ وخلق الزرع والنخيل من أصل واحد ومن أصول متفرقة‏,‏ يسقي بماء واحد‏,‏ ويفضل الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعضها علي بعض في الأكل‏.‏ وفي ذلك إشارة واضحة إلي تنوع المجتمعات النباتية علي التربة الواحدة التي تسقي بماء واحد في الظروف البيئية الواحدة‏,‏ وفي ذلك تعظيم لهذا التنوع في قطع الأرض المتجاورات‏,‏ ذات التركيب الصخري والمعدني المختلف‏,‏ وتحت الظروف البيئية المختلفة‏,‏ وما يمكن أن ينتجه ذلك من أنواع متعددة من التربة ومن البيئات الزراعية المتعددة‏.‏ وفي تنوع النباتات النامية في البيئة الواحدة إلماح إلي ما أودعه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من أسرار في كل نبتة من نبات الأرض تحاول علوم الوراثة اليوم تفسيرها بالشفرة الوراثية الخاصة بكل نوع‏,‏ ولما يحدث من تنوع في الصفات الوراثية أثناء عملية التلقيح بين الخلايا الذكرية والأنثوية في النوع الواحد وانعكاسات ذلك علي الاختلافات في الطعوم والألوان والأحجام والأشكال‏.‏
‏(8)‏ الاشارة إلي حقيقة تحول أجساد الأحياء إلي تراب الأرض بعد الموت‏,‏ وإلي حقيقة بعثها من تراب الأرض مرة أخري‏.‏

‏(9)‏ ـ الاشارة إلي حقيقة علم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بما تحمل كل أنثي وبما تغيض الأرحام وما تزداد وأن كل شيء عنده بمقدار‏.‏
‏(10)‏ ـ الاشارة إلي تكوين كل من الرعد والبرق وإرسال الصواعق وعلاقة ذلك بإنشاء السحاب الثقال‏.‏

‏(11)‏ الاشارة إلي حقيقة أن كل من في السماوات والأرض يسجد لله تعالي طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال‏.‏
‏(12)‏ ـ المقابلة العلمية الدقيقة بين الظلمات والنور‏..‏

‏(13)‏ ـ الاشارة إلي عملية إنزال الماء من السماء بقدر الله‏,‏ وتدفقه في الأودية كل بقدره أيضا بمشيئة من الله وإرادته وتقديره‏.‏
‏(14)‏ ـ تشبيه الحق بما يمكث في الأرض مما ينفع الناس من الثروات المعدنية التي تحملها السيول‏,‏ وتشبيه الباطل بالزبد الطافي علي وجه السيل أو الخبث الذي يطفو فوق سطح الفلذات النفيسة حال صهرها لتنقيتها مما تحمله من شوائب‏.‏

‏(15)‏ ـ الإشارة إلي حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها‏,‏ وإلي استخدامات تلك الحقيقة في مقامات التشبيه والمجاز‏.‏
‏(16)‏ ـ التأكيد علي وجود البشارات بمقدم خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في جميع الكتب السماوية السابقة علي بعثته الشريفة‏.‏

‏(17)‏ التأكيد علي قيمة العقل في حياة الانسان‏.‏ وعلي حتمية توظيفه في التفكير الجاد والتدبر العميق في الأنفس والآفاق حتي يتمكن الانسان من فهم حقيقة وجوده ودوره في الحياة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي‏:‏
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏(‏ الرعد‏:4)‏
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ مانصه‏:..‏ أي أراض يجاور بعضها بعضا‏,‏ مع أن هذه طيبة تنبت ماينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئا‏,‏ ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض‏,‏ فهذه تربة حمراء‏,‏ وهذه بيضاء‏,‏ وهذه صفراء‏,‏ وهذه سوداء‏,‏ وهذه محجرة‏,‏ وهذه سهلة‏,‏ وهذه سميكة‏,‏ وهذه رقيقة‏,‏ والكل متجاورات‏,‏ فهذا كله مما يدل علي الفاعل المختار لا إله إلا هو‏,‏ وقوله‏:(‏ وجنات من أعناب وزرع ونخيل‏)‏ يحتمل أن تكون عاطفة علي جنات فيكون‏(‏ وزرع ونخيل‏)‏ مرفوعين‏,‏ ويحتمل أن يكون معطوفا علي أعناب فيكون مجرورا‏..‏ وقوله‏:(‏ صنوان وغير صنوان‏)‏ الصنوان هي الأصول المجتمعة في منبت واحد‏..‏ وغير الصنوان ماكان علي أصل واحد‏..‏ وقوله‏:(‏ يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل‏)..‏ أي هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها وأوراقها وأزهارها‏..‏ مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء‏..‏ ففي ذلك آيات لمن كان واعيا‏,‏ وهذا من أعظم الدلالات علي الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها علي مايريد ولهذا قال تعالي‏:(‏ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏).‏

‏*‏ وجاء في كل من تفسير الجلالين والظلال وصفوة البيان لمعاني القرآن وصفوة التفاسير والمنتخب في تفسير القرآن الكريم كلام مشابه‏,‏ إلا أن الخبراء أضافوا علي هامش المنتخب مانصه‏:‏
تشير الآية الكريمة إلي علوم الأراضي والبيئةوأثرها علي صفات النبات فمن المعروف علميا أن التربة الزراعية تتكون من حبيبات معدنية مختلفة المصدر والحجم والترتيب‏,‏ ومن الماء ومصدره المطر‏,‏ ومن الهواء‏,‏ ومن المادة العضوية التي يرجع وجودها إلي بقايا النبات والأحياء الأخري التي توجد علي سطح التربة أو في داخلها‏,‏ وفضلا عن ذلك توجد ملايين الكائنات الحية الدقيقة التي لا تري بالعين المجردة لصغر حجمها وتختلف أعدادها من عشرات الملايين إلي مئاتها في كل جرام من التربة السطحية الزراعية‏.‏ إن النظرة الشاملة لصفات التربة الطبيعية والكيميائية والحيوية إن دلت علي شيء فإنما تدل علي قدرة الخالق وروعة الخلق‏,‏ فالأرض كما يقول الزراعيون بحق تختلف من شبر إلي شبر‏.‏
ومعروف للعلماء أن أي نقص في أحد المواد الأساسية للتغذية يتبعه تغيير مميز تظهر أعراضه علي النبات‏,‏ ولذلك يعمد الزراعيون إلي تعويض النقص بالتسميد الملائم‏,‏ وعوامل البيئة أكثر من أن تحصي ولها أثر ملحوظ علي النمو والإثمار سواء أكان النبات متحد الأصل أو مختلفه فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو علي كل شيء قدير‏.‏

من الدلالات العلمية للأية الكريمة
في هذه الأية الكريمة عدد من الحقائق العلمية التي يمكن ايجازها فيما يلي‏:‏
أولا‏:‏ في قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ وفي الأرض قطع متجاورات‏):‏ يشمل هذا التعبيرالقرآني المعجز الحقائق التالية‏:‏
‏(1)‏ تكون الغلاف الصخري للأرض من عدد من الألواح المتجاورة والتي يقدر عددها باثني عشرلوحا أرضيا كبيرا بالاضافة الي عدد من الألواح الصغيرة‏,‏ ويفصل هذه الألواح عن بعضها البعض شبكة هائلة من الخسوف الأرضية التي تتراوح أعماقها بين‏65‏ كيلو مترا‏,150‏ كيلو مترا‏,‏ ويبلغ طولها عشرات الآلاف من الكيلو مترات‏,‏ والتي تحيط بالأرض إحاطة كاملة وكأنها صدع واحد متعرج يشبهه العلماء باللحام علي كرة التنس‏.‏
وكل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض له منشؤه الخاص به‏,‏ وبالتالي تتباين هذه الألواح في تركيبها الصخري والمعدني وفي متوسط كثافة مادتها وسمكها‏.‏

‏(2)‏ تكون كل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض من الأنواع الرئيسية الثلاثة للصخور وهي‏:‏ الصخور النارية والرسوبية والمتحولة بتفرعاتها المختلفة‏,‏ والتي تشكل قطعا متجاورة في كل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض‏,‏ تتباين فيما بينها في صفاتها الطبيعية والكيميائية وفي مظاهرها الخارجية‏,‏ وأشكالها علي سطح الأرض‏.‏
فالصخور النارية ـ علي سبيل المثال ـ تنقسم الي مجموعات حامضية وفوق حامضية‏,‏ ومجموعات متوسطة الحامضية‏,‏ ومجموعات قاعدية وفوق قاعدية‏,‏ وكل مجموعة من تلك المجموعات منها الصخور عميقة المنشأ‏,‏ عالية التبلور‏,‏ التي تبلغ فيها البلورات أحجاما كبيرة‏,‏ ومنها الصخور الناشئة في أعماق متوسطة من القشرة الأرضية‏,‏ وبالتالي فهي متوسطة التبلور ومتوسطة حجم البلورات‏,‏ ومنها الصخور البركانية الزجاجية‏(‏ أي عديمة التبلور‏)‏ أو دقيقة البلورات‏,‏ وبالمثل تتباين الصخور الرسوبية والمتحولة تباينا شديدا‏,‏ وحسب غلبة أي من هذه المجموعات الصخرية في أي من أجزاء الغلاف الصخري للأرض يكون التباين في القطع المتجاورة المكونة لكل واحد من هذه الألواح‏,‏ وبالتالي للغلاف الصخري للأرض‏.‏

‏(3)‏ تباين انواع التربة الناتجة من تحلل كل نوع من أنواع هذه الصخور‏(‏ بفعل عوامل التعرية المختلفة خاصة عوامل التجويه والتحات‏)‏ تباينا شديدا بتباين صخر المصدر واختلاف تركيبه الكيميائي والمعدني‏,‏ وبتباين الظروف البيئية‏(‏ من المناخ والتضاريس والأنواع السائدة من صور الحياة وغيرها‏)‏ بحيث تختلف التربة المغطية لكل نوع من أنواع الصخور المكونة لكل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض اختلافا هائلا من بقعة إلي اخري علي هيئة قطع متجاورات‏,‏ مما أعطي للأرض قدرا هائلا من التنوع في صفاتها الطبيعية والكيميائية وفي قدرتها علي الانبات‏.‏
وعلي ذلك فإن الأرض تتباين الي قطع متجاورات بتباين الألواح المكونة لغلافها الصخري‏,‏ وبتباين أنواع الصخور المكونة لكل واحد من تلك الألواح‏,‏ وبتباين انواع التربة الناتجة عن تجوية وتحات كل نوع من أنواع تلك الصخور تحت الظروف البيئية المتعددة بتعدد النطق المناخية والتضاريس وأنواع الحياة السائدة فيها‏,‏ ومن ثم فإن هذه القطع المتجاورات من الأرض تتباين تباينا هائلا في قدرتها علي الانبات‏,‏ وفيما تحمله من انواع الكساء الخضري ومايحمله هذا الكساء من ثمار‏,‏ فقد ثبت أخيرا ان لكل نوع من أنواع الحياة بيئته الخاصة التي يحيا فيها‏,‏ وبذلك يتكون الغلاف الحيوي للأرض من العديد من المجالات‏,‏ والمواطن‏,‏ والمنظومات البيئية التي تتميز كل منها بخصائصها الجغرافية من التضاريس‏,‏ والمناخ‏,‏ وأنواع الصخور‏,‏ والتربة‏,‏ والمجموعات الإحيائية المرتبطة بها‏,‏ فعلي سبيل المثال هناك انواع من أنواع الحياة قد وهبها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي التعايش مع بعضها البعض في عشرة مفيدة لكل نوعين متعايشين في تكافل حيوي متبادل‏,‏ وقد يكون هذا التعايش مفيدا لأحدهما دون الآخر‏,‏ ولكنه غير ضار بهذا الآخر‏,‏ وحين يكون ضارا به تسمي العلاقة باسم التطفل‏.‏

وكل كائن حي له مجاله البيئي أي موقعه في موطن بيئي محدد‏,‏ من نظام بيئي معين‏,‏ يشمل نوع الصخور‏,‏ وأنواع التربة‏,‏ وتضاريس سطح الأرض‏,‏ والظروف المناخية‏,‏ وأنواع الكائنات الحية المتعايشة معه في نفس البيئة والتي تتفاعل معه وتؤثر فيه أو تتأثر به‏.‏
وتتوزع النظم البيئية علي سطح الأرض‏..‏ فتتفاوت بين المناطق الاستوائية التي تتميز بشدة الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة‏,‏ والمناطق القطبية التي تتميز بجوها القارس البرودة الجاف‏,‏ والمناطق المعتدلة بينهما‏,‏ كما تتفاوت في الموقع الواحد بين القمم السابقة والسفوح الهابطة والسهول المنبسطة‏,‏ فعلي القمم التي يزيد ارتفاعها عن ثلاثة آلاف متر تتضاءل الحياة إلي بعض الطحالب التي تنمو علي الجليد أو في برك الماء الناتجة عن انصهار الجليد‏,‏ وبين‏3000,2500‏ متر تقريبا تنتشر زهور دقيقة بين شقوق الصخور‏,‏ وبين حوالي‏2500,2000‏ متر تقريبا تنتشر أشجار الصنوبر الجبلي‏,‏ وبين حوالي‏2000,1500‏ متر تنتشر الغابات المخروطية‏,‏ وبين حوالي‏2000,1000‏ متر تقريبا تنتشر الغابات النفضية‏,‏ ودون ذلك تنتشر الغابات والزراعات المختلفة من السهول المنبسطة الي ارتفاع الف متر تقريبا فوق مستوي سطح البحر‏.‏

وكثير من هذه الأنظمة البيئية يتداخل في بعضه البعض بتدرج ملحوظ‏,‏ وان كان البعض منها ينتهي إلي حدود متميزة تتغير عندها البيئات تغيرا فجائيا‏.‏
وكل واحد من هذه النظم البيئية معرض للتغير بتغير الظروف المناخية بصورة تدريبية أو فجائية أو بتدخل الانسان مما يؤدي الي تغير الكساء الخضري أو إزالته‏,‏ وإلي هجرة الحيوانات أو انقراضها‏,‏ وكل ذلك يساعد علي تباين الأرض الي قطع متجاورات تختلف في تكوينها الصخري‏,‏ وصفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ كما تختلف باختلاف التربة المتكونة فوق تلك الصخور‏,‏ وباختلاف ظروفها البيئية ومحتواها من صور الحياة‏,‏ وباختلاف ذلك كله مع الزمن‏.‏
ولما كان أحوال قطع الأرض المتجاورات في تغير مستمر جاءت الاشارة اليها في الآية الكريمة التي نحن بصددها بالتنكير دون التعريف‏(‏ قطع وليست القطع‏)‏
وهي من الومضات المبهرة في هذه الآية الكريمة‏.‏

هذه الحقائق لم يدركها العلم الكسبي إلا في العقود المتأخرة من القرن التاسع عشر وفي ثنايا القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله المنزل في أوائل القرن السابع الميلادي علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين لما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ومما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوه وبالرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏
ثانيا‏:‏ في قوله‏(‏ تعالي‏)'(‏ وجنات من أعناب وزرع ونخيل‏)‏ إشارة الي عدد من الحقائق العلمية في هذه النباتات نوجزها فيما يلي‏:‏

‏(1)(‏ وجنات من أعناب‏):‏ جاء ذكر العنب في أحد عشر موضعا من كتاب الله منها موضعان بصيغة الافراد‏(‏ عنب وعنبا‏)‏ وتسعة مواضع بصيغة الجمع‏(‏ أعناب وأعنابا‏),‏ وفي أغلب هذه الحالات جاء ذكر النخل بالافراد والجمع مع ذكر العنب أو الأعناب‏.‏
وثمرة العنب ثمرة مميزة فبالاضافة الي محتواها العالي من المواد السكرية بالنسبة الي جميع الفواكه الأخري فإنها تحتوي علي العديد من الفيتامينات من مثل فيتامين‏(‏ أ‏),(‏ ج‏),‏ وعلي المواد العضوية من مثل البروتينات النباتية‏,‏ والأحماض‏,‏ والخمائر‏,‏ وأملاح العديد من العناصر مثل البوتاسيوم‏,‏ والصوديوم‏,‏ والكالسيوم‏,‏ والفوسفور‏,‏ والحديد‏,‏ وغيرها من المركبات العضوية وغير العضوية التي توجد في ثمرة العنب بنسب متوازنة‏,‏ مما يجعلها أنسب انواع الغذاء ومن أنقي مايمكن أن يتناوله الانسان من ثمار‏.‏

ولذلك أثبت العنب فعالية ملحوظة في تنقية الدم من السميات‏,‏ والفضلات والرواسب العضوية وغير العضوية ومن الفيروسات والفطريات والجراثيم المسببة للعديد من الأمراض‏,‏ وفي تقوية مناعة الجسم‏,‏ وفي تجديد بناء خلاياه المتهدمة خاصة اذا تم تناوله وحده علي معدة خالية أي بعد صيام يوم كامل‏,‏ ولفترة تتراوح بين خمسة وسبعة اسابيع متواصلة‏.‏
وتعزي سرعة تفاعل العنب مع جسم الانسان إلي امتصاص الجسم له مباشرة دون الحاجة الي هضمه‏.‏

وقد استخدم العنب بنجاح في علاج العديد من الأمراض من مثل النقرس‏,‏ الأمراض الروماتيزمية‏,‏ الأمراض الناتجة عن الإصابة بدودة البلهارسيا‏,‏ فقر الدم‏,‏ وأمراض الجهاز الهضمي والإخراجي‏,‏ والتنفسي‏,‏ والتهابات الكبد والمثانة‏,‏ والالتهابات والقرح الداخلية والخارجية‏,‏ وتقيحات الفم واللثة وتسوس الأسنان‏,‏ وأمراض السرطان في حالات كثيرة خاصة في مراحلها الأولية‏.‏ وقد أكتشف أخيرا أن ثمرة العنب تحتوي علي مركب شديد الفعالية في مقاومة أمراض السرطان وغيره من الأمراض المستعصية في مراحلها المختلفة ويعرف هذا المركب باسم‏(‏ ريزفيراترول‏=Resveratrol)‏ وهذا المركب موجود في ثمار‏72‏ نبات آخر منها التوت‏,‏ الفول السوداني‏,‏ وبعض البقول مثل الحمص والفول البلدي والعدس ولكن بنسب أقل من نسب وجوده في العنب‏.‏ وقد شهد بذلك كل من‏(‏ الدكتورة جوهانابراندت‏)‏ التي شفاها الله‏(‏ تعالي عن طريق تناولها العنب بعد صراع مع هذا المرض الخبيث‏(‏ السرطان‏)‏ استمر لتسع سنوات‏,‏ ونشرت قصتها في كتاب بعنوان قصة الاكتشاف طبع بمدينة نيويورك سنة‏1928‏ م وتم نشره عدة مرات بعد ذلك‏.‏
كما شهد بذلك‏(‏ السيد‏/‏ باسيل شاكلتون‏)‏ بعد صراع مع الفشل الكلوي استمر زهاء الأربعين عاما‏,‏ ونشر كتابا بعنوان التداوي بالعنب‏(TheGradeCure)‏ ذكر فيه قصته وقصة‏(‏ الدكتورة جوهانا براندت‏)‏ وغيرهما من القصص التي تروي فضل العنب في علاج العديد من الأمراض‏.‏ وقد قام بترجمة الكتاب الأخير الدكتور محمد الشيخ عمر وقامت بطبعه مؤسسة المدني‏(68‏ شارع العباسية ـ بالقاهرة‏)‏ وتقوم بتوزيعه مجانا مكتبة الدكتور عبدالرحمن عمر نصيف‏(‏ في مدينة جدة ـ بالمملكة العربية السعودية‏)‏ وعصير العنب مركز ومخفف يعتبر من المطهرات القوية‏,‏ وتستخدم محاليله المخففة في تطهير كل من الآذان‏,‏ والأنف‏,‏ والفم‏,‏ والحنجرة‏,‏ كما يمكن استخدامه علي هيئة ضمادات في معالجة الجروح والتقيحات الخارجية‏,‏ وثمرة العنب يمكن تجفيفها وتحويلها إلي زبيب دون أن ينقص ذلك من قيمتها الغذائية والعلاجية التي يظل الزبيب محتفظا بها لفترات طويلة‏.‏
هذه الفوائد الجليلة لثمرة العنب وغيرها مما لم يكتشف بعد ربما كان من وراء ذكر القرآن الكريم له علي وجه الخصوص في أحد عشر موضعا من عشر سور كريمة‏,‏ ووصف مناطق زراعته بالوصف جنات في أغلب ما ذكر فيه من آيات‏,‏ وجعله من ثمار الجنة‏,‏ وإن كانت الجنة غيب لا يعلمه إلا الله‏,‏ وكانت سننها وقوانينها وأوصاف الأشياء فيها مغايرة للدنيا وما فيها من خلائق وإن جاء الوصف في‏(‏ سورة النبأ‏)‏ من باب تقريب الأمر لأهل الدنيا ولكنه يبقي تشريفا لشجرة العنب ولثمرتها الطيبة المباركة‏.‏

‏(2)(‏ وزرع ونخيل‏):‏ لفظة زرع هنا تشمل كل أنواع الزروع‏(‏ النباتات‏)‏ وذكرها هنا وفي مواضع‏:‏ أخري كثيرة من القرآن الكريم تبلغ المواضع العشرة‏(‏ غير أربعة مواضع أخري جاءت فيها بصيغة الفعل أو الفاعل‏)‏ جاء ليؤكد كل أنواع النبات مع التركيز علي أنواع خاصة منها كالأعناب والنخيل في الآية التي نحن بصددها‏,‏ وكالتين والزيتون والرمان والموز‏(‏ الطلح‏)‏ في مواضع أخري تأكيدا علي أهمية خاصة في كل منها تميزها عن بقية الثمار والزروع‏.‏
والنخيل من الأشجار دائمة الخضرة‏,‏ وتتميز بساق طويلة باسقة تنتهي بمجموعة من الأوراق في قمتها‏,‏ وليست لها فروع‏,‏ وهي لا تسقط أوراقها التي تستر براعمها في قمتها إلا بفعل الإنسان وثمار النخيل من‏(‏ بسر‏),‏ و‏(‏رطب‏),‏ و‏(‏بلح‏),‏ و‏(‏تمر‏),‏ يعتبر من الثمار النباتية المتميزة بقيمة غذائية عالية‏,‏ فالتمر الجاف يحتوي علي مواد كربوهيدراتية بما فيها من السكريات بنسب تزيد علي‏70%,‏ وعلي ماء بنسبة‏13%,‏ وألياف بنسبة‏10%,‏ وعلي مواد دهنية بنسب تصل الي‏2.5%,‏ وعلي أملاح معدنية بنسب تصل الي‏1.5%,‏ وعلي فيتامينات‏(‏ أ‏),(‏ ب‏),(‏ ج‏)‏ وبروتينات وهرمونات ومضادات حيوية بالنسب المتبقية‏.‏

ومن هذه الهرمونات‏,‏ ما تيتكون من تسعة أحماض أمينية‏,‏ ويشبه هرمون الأدكستيوسين الذي يلعب أدوارا مهمة في جسم الإنسان ذكرا كان أم أنثي من مثل إيقاف النزيف‏,‏ وعلي إدرار اللبن والمساعدة علي يسر المخاض‏,‏ وعلي اندمال الوحم وانقباضه بعد الولادة‏,‏ وعلي ترقيق المشاعر‏,‏ وتثبيت الفؤاد‏,‏ وانشراح الصدر‏,‏ وجلاء الأحزان عند الجنسين‏,‏ ومنها هرمون الأستروجين الذي له وظائف كثيرة في جسم الإنسان من أهمها ضبط توازن كل من الدهون والأملاح في الجسم‏,‏ ومن أهم مكونات التمر أملاح المغنسيوم والمنجنيز والحديد التي توجد بنسب مناسبة وبصورة سهلة الامتصاص بواسطة جسم الانسان والأول له تأثير بالغ علي الغدد الموجودة بالجسم بما في ذلك الغدد الصماء التي تقوم علي إفراز الهرمونات‏,‏ وله دور كذلك في تهدئة الجهاز العصبي‏,‏ وسلامة كل من العظام والأسنان‏,‏ وفي زيادة معدلات نمو الخلايا‏,‏ ومرونة الأنسجة‏,‏ ومقاومة السموم الحمضية‏,‏ وخفض حرارة الجسم وترطيبه‏,‏ أما المنجنيز فأملاحه مهدئة للأعصاب‏,‏ ومرققة للمشاعر والعواطف‏,‏ ومزيلة للهموم والمخاوف‏,‏ ومطمئنة للنفس‏,‏ والحديد يلعب دوراهما في بناء المادة الحمراء في الدم‏,‏ ويصل إلي الأطفال الرضع عن طريق لبن الأمهات في أثناء الرضاعة الطبيعية‏.‏
من هنا كان تركيز القرآن الكريم علي النخيل لتميزه علي غيره من النباتات ولأهمية ثمره البالغة‏,‏ ولذلك جاء ذكره في عشرين آية قرآنية مباركة في ست عشةر سورة‏,‏ ومن هذه الآيات ما ذكر‏(‏ النخلة‏)‏ مفردة كما جاء في سورة مريم مرتين لتحديد نخلة معينة بذاته‏,‏ ومنها ماذكر‏(‏ النخل‏)‏ معرفا في عشر آيات‏,‏ وما ذكر‏(‏ نخيل‏)‏ بصيغ الجمع غير المعرفة سبع مرات‏,‏ و‏(‏نخلا‏)‏ مرة واحدة‏.‏

ثالثا‏:‏ في قوله‏(‏ تعالي‏):(‏ صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل‏)‏ يعرف العلماء اليوم أكثر من أربعمائة ألف نوع من أنواع النباتات‏,‏ منها حوالي‏250.000‏ نوع من أنواع النباتات الزهرية التي أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي إنتاج غذائها بعملية التمثيل الضوئي‏,‏ وحوالي‏150.000‏ نوع من النباتات غير الزهرية التي ليست لها قدرة علي القيام بعملية التمثيل الضوئي فتتغذي بطرائق أخري‏.‏
وكل نوع من هذه النباتات مرتبط ارتباطا وثيقا ببيئته المحكومة بوضعه الجغرافي من التضاريس والمناخ‏,‏ وتباين أنواع الصخور والتربة ووفرة الماء أو قلته‏,‏ وتعدد الكائنات المصاحبة له وغير ذلك من عوامل‏,‏ ولكنه محكوم أكثر بشفرته الوراثية التي تتحكم في صفاته وقدراته المختلفة ومنها قدرته علي اختيار أنواع محددة من عناصر ومركبات الأرض التي تحيا عليها لتعطي ثمارا أو حبوبا وبذورا خاصة لكل منها طعمه‏,‏ ورائحته‏,‏ ولونه‏,‏ وشكله‏,‏ وحجمه‏,‏ مع اتفاق كل الظروف البيئية المحيطة فكل نوع من أنواع النبات ـ كأي كائن حي ـ له عدد من مجدد من الصيغيات يميز عن غيره‏,‏ وكل واحد من هذه الصيغيات يحمل عود من المورثات‏(‏ الجينات‏)‏ يصدر كل منها التعليمات اللازمة للخلية لتصنيع بروتين محدد‏,‏ ومع تباين المورثات من نبات إلي آخر تتباين البروتينات المنتجة بداخل الخلايا‏,‏ ومن ثم تتباين ثمارها طعوما ورائحة وألوانا وأشكالا وأحجاما وهي متماثلة من نوع واحد‏(‏ صنوان‏)‏ أو غير متماثلة من أنواع متعددة‏(‏ غير صنوان‏)‏ تسقي بماء واحد ويفضل الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعضها علي بعض في الأكل‏.‏

ويتم هذا التنوع بين أفراد النوع الواحد من النبات في أثناء عملية التكاثر واتحاد المورثات بين الخلايا الذكرية والأنثوية بنسب مختلفة‏,‏ فتتنوع الثمار تحت نفس الظروف البيئية وفي النوع الواحد‏(‏ صنوان‏),‏ كما يتم بين الأنواع المختلفة في البيئة الواحدة‏(‏ غير صنوان‏)‏ وبين البيئات المختلفة حتي تتعدد الثمار والحبوب والمنتجات النباتية لتفي بكل احتياجات الحياة علي الأرض‏.‏
وفي الآية الكريمة إشارة إلي علوم التصنيف والوراثة والبيئة والأراضي وهي حقائق لم تتكشف للإنسان إلا بصورة بدائية في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي ولم يتم تبلورها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي أنزل في مطلع القرن السابع الميلادي بهذه الدقة العلمية والشمول والإحاطة لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد بالنبوة وبالرسالة للنبي الخاتم الذي تلقاه ولذلك نزلت الاية يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ان في ذلك لآية لقوم يعقلون‏..‏ فصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي أله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمد لله رب العالمين‏.‏