الرد على كتاب ماساة ابليس
للكاتب صادق جلال العظــم
ـــــــــــــــــ
تمهيد
ــــــــ
بداية لنحاول ان نقرأ مما جاء في صفحات الكتاب من النقاط الفكرية التي يريد الكاتب استنباطها والتي هي بالنتيجة الصورة النهائية التي يريد الوصول اليها فالبحث العلمي ايا كان كاتبه ومصدره فلا بد له من ناتج يصل اليه والا فأنه بحث عقيم ، وأن تمهيد الكتاب ينطلق من محاولة نقاش ان ابليس شخصية وهمية ابتدعها العقل الانساني عبر علاقة المشاعر الانسانية بالاديان ، وقد مر بمرحلة من التطور تلازم مع النقاش الديني عبر الكتب الفلسفية الدينية بحيث اسبغت عليه قدرات وافعال وطاقات جبارة خارقة لتخفي عبرها مكامن السقوط لنظرية الخلق الواردة في بعض الكتب السماوية ، وقد عبر الكاتب من خلال بحثه واسترساله باستنباط التأويلات من مصادر مشكوك او بالاحري مجزوم بتناقضها مع رواية الخلق الديني كحالة استشهاد بالباطل للوصول الى هدف باطل ، فجاء عمله كمن يطفيء النار بالنار ، ودليل هذا اعتماده في كتابه وبمقتضى النص على فكر الفيلسوف الالماني (ارنست كاسيرر) والذي ما دأب يناقش الدين باعتباره اسطوره واعتباره ان الكون موجود دون خالق ، وأن مطلع الكتاب الذي يتحدث عن معايير علمية للبحث حول المسألة المطروحة قد اضطرته وعبر البحث عن دلائل قاطعة الى اللجوء للنص القرأني لايجاد ثغرة في لغته او مكامنه العلمية او ابداعه اللغوي ليسقط عليها فكرته القاضية بنسف فكرة وجود الخالق عبر نسف صيغة وجود مخلوق واعتبار ان الخلق امر علمي جاء من كون الطبيعة بمكونات عناصرها والمادة فيها هي اساس عملية النشوء والارتقاء الكوني وان الخير والشر امور قائمة بذاتها متحركة عبر الانفعال العضوي والتفاعل العقلي والانساني ، وان تصادم هذه المعايير مع الوقائع فتح ثغرة في التحليل العلمي للكاتب فالتجأ الى عملية انقاذ روتينية سبقه اليها الكثيرون من المستشرقين المهتمين والباحثين فاستند الى المارقين على المعتقدات الفكرية الدينية او الذين وقعوا ضحية اقتناعهم بأن العقل البشري قادر على الوصول الى الحقيقة الكاملة للوجود والالمام بكل الجوانب فيه ، وهناك عند الاصطدام بالسقف الذي لا يمكن للعقل تجاوزه والذي لم يصل اصلا وعبر ملايين السنين الى فهم كينونة الخلق لانه استخدم عنصرا واحدا من عناصر الخلق التكويني دون غيره وهو العقل فقط ، فلجأ الى مقولات التطرف التي ومهما حاولت ان توسع من دائرة قدراتها وطاقة فعلها فهي لن تصل الى الحقيقة المجردة لان كلمة ومفهوم التطرف يعني بالضرورة انه يأخذ طرف المسألة لا الانطلاق من وسطها والنظر اليها بشمولية تمكن من فهما . وقد ضاع التطرف عبر مراحل متلاحقه في مسألة الخلق ووجود الخالق فأحد وجوهه قد اتجه نحو رفض الوجود للرب المعبود ، والاتجاه الاخر اكد الوجود ونسج له علاقة خاصة من معرفته بالخالق وصلت الى حد العلاقة الخاصة التى تجاوزت حدود العرفة والعلم والعقل ووصلت الى التوسل بالغيبيات لتحقيق نظرتها ، ومن هؤلاء كان (الحلاج) الذي اعتمد الكاتب على كتابه ( الطواسين ) وايضا كتاب( ابن الجوزي )( تبليس ابليس ) وهما كتابين يتصفان بالغلو والمفاخرة بالعقل فسقط اصحابها بفخ التعليل من موقع الايمان وتهاوى موقع الجلال عبر البحث في عقلية الاستدلال . ولا بد من الاشارة الى ان استخدام لغة القران وكلماته واياته دون فهم موقعها وتفسيرها واسباب نزولها قد اوقع الكاتب في مازق اذ ان اي عودة للقاريء الى المعاجم المتوافرة يمكن ان توضح الثغرة التي تم النفاذ منها وهي عدم معرفة القاريء لهذه المقومات اللغوية وهذا ما بدا واضحا في تفسيره لمسألة ( مكر الله ).والتي نسج منها ادق الخيوط التي ظن انها حاسمة لوجهة نظره باعتبار استخراجه منها لمقولة وقوع الظلم على ابليس بمقتضى تفسيره للكلمة .
ولا بد ان نشير ان عملية استدلال الكاتب على عملية الخلق وابهام صورتها في الكتب السماوية باعتبارها مركب نقص وحاول عبر هذه الثغرة النفاذ الى الربط بين الغيبية وعدم الوضوح والمثيولوجيا الدينية التي افردها العقل البشري وفتح افاقها وطورها الى ما نراه اليوم من صراع بين الخير والشر مستخدما مصطلحات لا تمت للقصة الدينية بصلة متناولا المسألة مجزوءة على قاعدة ( ولا تقربوا الصلاة ) تاركا الشق التوضيحي للامر لان التعاطي مع هذا الشق له دلالاته العلمية التي تنسف القاعدة الاساسية التي بنى عليها فكرته للكتاب . وحتى لا اتهم الرجل دون دليل ولكي لا يكون الكلام ترتيبا انشائيا ، وحتى نبني على الشيء مقتضاه فأن النص الذي الزم نفسه به رافضا الاعتراف بالخالق وبديمومة الخلق وبمسمياتها وبالتالي نتاج فعلها كما جاء في النص (سأختتم هذا الجزء التمهيدي من بحثي بالتأكيد على أن كلامي عن الله وإبليس والجن والملائكة، والملأ الأعلى لا يلزمني على الاطلاق بالقول بأن هذه الأسماء تشير إلى مسميات حقيقية موجودة ولكنها غير مرئية) هذا النص يدلل بوضوح انه لم ينطلق للنقاش من اجل اثبات او نفي موضوع البحث بل من موقع التعارض معه ونفيه واستند الى كتابات ودراسات من المنحى نفسه ، وهو ما يجعله غير مؤهل لنقاش الموضوع بتجرد وبطريقة علمية ، وهذه واحدة من اهم الثغرات التي تقوض بنيان افكاره ، اضافة لهذا فأن طرحه لمسألة الخلق قد تعاملت بطريقة اطلاق قوة الفكرة المادية الذاتية في صنع الكون الا انه اصطدم مجددا بعدم وجود نتاج نهائي يمكن ان يقدمه كنظرية واضحة لنشوء الكون والخلق فترك الامر عالقا بانتظار احداث نظريات جديدة ، فصار واضحا انه مهتم بتقويض النظرية الدينية اساسا دون تقديم بديل بدلائل عقلية ، ومن الملفت للنظر ان كتابه يناقش النظرة الاسلامية لمسائل الخلق والوجود وابليس ، ولم يتطرق الى هذه القضايا من ناحية الاديان الاخرى علما ان في الانجيل والتوراة روايات تعنى بالمسألة مما يشير الى احد الامور التالية ، فهو اما متعمد كجزء من واقع الحرب على الاسلام باعتباره يحتوي بين جنابته ادق الرسالات السماوية تصويرا للغيبيات والمرئيات في النظام الكوني وبالتالي فأن تكريس اي نظرية جديدة في هذا المضمار لا بد ان يسبقها انهيار النظرية السابقة او على الاقل تقويض بناها، او لتكريس مبدأ فصل الدين عن الدولة والتي جاء بها الاسلام من واقع العقيدة والتي ورغم الانهيارات الكبيرة في بناها ورغم التجارب الفاشلة المستجدة للانظمة العربية والاسلامية التي استجدمت الدين وسيلة لسلب السلطة والهيمنة على مقدرات شعوبها الا انها لم تسقط من الوعي الشعبي اهمية الارث العقائدي للاسلام ، او استكمالا لعمل الاستشراق الغربي الذي مارس عبر عقود طويلة سياسة تستهدف تفريغ النتاج الاسلامي من العلوم والثقافة والابداع بهدف نسبها الى الغرب كجزء من حملة استعادة زمام المبادرة التى انطلقت بعد انهيار كيان الدولة الاسلامية على المستوى العالمي بعد احتلال الاندلس . والتي استهدفت دراسة الشرق الذي اغتنى واغنى العالم بالرسالات السماوية من مختلف اوجهه تمهيدا للسيطرة عليه وهنا لا بد من الاشارة الى ان للاستشراق وجهان متناقضان احدهما يناقش وجود الامم في الشرق باعتبرها نبراس حضارة لا بد من فهمه والاستفادة من تركيبته وعقائده في البحث والعلوم والتطور ، ووجه اخر يستهدف عبر المنطلقات عينها سلب الشرق المقدمات العلمية التى ارساها عبر اجيال باعتباره عالم يتسم عبر عقائده بالتخلف ولا يجوز له التمتع بالامتياز الحضاري الذي هو من حق الغرب وحده وهو اثر نراه في الكثيرين من دعاة التشبه بمفهوم الاستشراق هذا ويعمل جاهدا على نسب نفسه ودائرته الاجتماعية والثقافية والكيانية الى الغرب رغم جذوره الضاربة عمقا في ارض الشرق . ونموذج كاتبنا في رؤيته لاوضح دليل على هذا ومثله باتوا كثيرين يعملون وعبر نظريات مشوهة الى استغلال حالة الضعف والانهيار من اجل تغيير المواقع عبر تزييف الوقائع .
هذا تمهيد للدخول في نقاش عقلي جدي وعلمي الى كتاب صادق العظم والى الحلقة الاولى من الرد!!!!
القسم الاول
ـــــــ
الوجود- الكون – المادة – الخالق
ــــــــــــــــــــ
الوجود
ــــ
ان البحث عن الوجود قد انطلق مع ادراك الانسان لكونه جزءا من منظومة متحركة هو جزء منها ، وكان لاتساع الكون ، وتعدد اشكال الخلق وتنوعها من حيث التكوين والسمات ، اثر في فتح افاق البحث والتدقيق والتي كانت بمجملها بدائية على قدر التجربة الانسانية مع الوعي في ذلك الوقت، واتجه منطقه ومن واقع التجربة ان قوة ما ذات عظمة وقدرة بالنظر الى حجم الكون واتساعه وراء هذا الوجود ، ووصوله الى نقطة وجود القوة لم ينبع من الفراغ انما كان تعبيرا عن تجربته بالتعاطي مع استمرار وجوده بين الكم الهائل من المخلوقات والتي كان التعايش معها وبينها وعبر استخدامه لقوته في تحقيق ذلك ، فهكذا باتت القوة شكلا للوجود ارتبط بوعيه ، وان اضفنا العوامل الطبيعية بكل ما تحمل من متغيرات وأن كان الانسان لم يفهم اسس وجودها ، انما كان متعايشا مع نتاجها كالشمس والمطر والليل والنهار وتعاقب الفصول وايات البرق والرعد والعواصف . وحتى لا اتهم بالمثالية في النظرة ، فلو ان انسانا ينام في فلاة لا احد فيها جائعا عطشا متعباواستيقظ ووجد امامه مائدة فالطبيعة البشرية تقتضي منه للوهلة الاولى ان يبحث عمن جاءه بالطعام ومن اين وكيف ؟؟؟؟
وتؤشر الكتب السماوية و الروايات المنقولة حول نبي الله نوح كأول نبي صاحب دعوة للتوحيد على الارض والذي تناقل عنه الاولون بناء السفينة ووضع فيها من كل المخلوقات زوجين ، وجاء بعد ذلك الطوفان الذي اثبتت دراسات العلم الحديثة حصوله ، وبغض النظر عن تصديق الرواية ام لا فأنها وفي نسج التاريخ اول تعبير عن تجاوب الانسان مع فكرة وجود الخالق !!!! لا بد هنا لاستكمال الفقرة القول ان عبادات اخرى سبقت ولحقت هذا التأريخ شملت العديد من اوجه القوة والقدرة كعبادة الحيوانات القوية كالاسد والنسر ، والظواهر الكونية كالشمس والقمر والنجوم وصولا الى حالات عبادة بشرية اتصف اصحابها بصفات القدرة المتنوعة ، ولا بد من الاشارة هنا ان اثبات الطوفان الكبير الذي اغرق العالم يترابط في الوعي البشري برسالة نوح عليه السلام وهو ما نصت عليه الكتب السماوية الثلاث( إستنادا على التوراة وسفر التكوين في العهد القديم من الكتاب المقدس فان نوح كان ابن لاميخ وكان يعتبر الجيل العاشر بعد آدم وكان عمره 600 عاما عندما اوكل الخالق له مهمة بناء السفينة ومات 350 سنة بعد الطوفان وكان عمره عند الوفاة إستنادا على التوراة 950 عاما. وإستنادا الى نفس المصدر فانه من أبناء نوح الثلاث إنبثقت البشرية بعد الطوفان وكان ابناء نوح) ،( يصور العهد الجديد من الكتاب المقدس نوح كشخصية قريبة و مطيعة للخالق الأعظم ويضعه إنجيل مرقص في نفس منزلة إبراهيم و يعقوب [18]، ويتكرر في العهد الجديد الفكرة القديمة بأن بناء السفينة استغرق 120 عاما كان نوح أثناءها يحاول إقناع الناس باتباع ما أمر به الخالق الأعظم)
(استنادا إلى القرآن فإن نوحا لبث في قومه يدعوهم إلى عبادة الله ألف سنة إلا خمسين عامًا (سورة العنكبوت) وأن الله أمره ببناء سفينة كان قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه (سورة هود) وأنه قد نزلت كميات كبيرة من الأمطار مع تفجير الله للأرض عيونا مما أدى إلى حدوث الطوفان (سورة القمر). وحسب سورة هود فإن أحد أبناء نوح قد كان كافرًا خالف أباه في دينه وقال «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» ولكنه غرق وأن السفينة استقرت على جبل الجودي وليس آرارات وجبل الجودي يقع في تركيا أيضا ويبعد 200 ميلا عن جبل آرارات بالقرب من الحدود التركية مع سوريا و العراق)
لقد اوردت المقتطفات من الكتب الثلاث للتدليل عن ارتباط احداث الكون العظيمة والمثبت الكثير منها علميا اتصالها بالوعي البشري الديني ووجود الخلق والخالق بغض النظر عن اعتبارها حقيقية او نسجا من الخيال الانساني .
وان تحولات القصة الدينية قد مرت بالعديد من المراحل فسقط منها تأليه الحيوانات صاحبة القدرة وبقي البحث يدور حول البعيد الغامض والمرئي في الكون ومحاولة تجسيد الخالق بصور متعددة تأخذ اشكالا خارجة عن المألوف كالجمع بين الانسان والحيوان في قالب واحد كما عند قدماء المصريين ، اضافة الى رمزية الشمس والقمر وصولا الى ادعاء الملوك حق الالوهية المباشر او بالتبني كما جاء في التراث الفرعوني وتأتي المباني الفرعونية الضخمة كالاهرام او الحضارات التي وجدت اثارها في امريكا مثل حضارة المايا للتدليل على التعظيم البنيوي نسبة للتعظيم الالوهي
ما يمكن استنباطه مما تقدم ان مسألة البحث في الكون لا بد مرتبطة بالبحث عن الخالق وان احد اهم اسباب دوافع البحث هذا هي العملية التنظيمية التي يتصف بها هذا الكون فأن حركة تواتر الليل والنهار وتوالي الشمس والقمر وتتابع الفصول وقصر النهار او تطاول الليل تبعا للمتغيرات الكونية وتنوع اثار الوجود المخلوق من حجر بارد واخر حار وماء سائل واخر جامد وتنوع الالوان والاشكال والانواع في كل متجانس منسجم مع متطلبات الانسان هي عملية ابداعية لم يستطع الانسان نسبتها الى ذاتية الكون والمادة فيه ، فكان دائم البحث عن المسبب لهذه المعطيات وكلما كبر حجم الاثر كبر حجم الخالق او تباعدت الفكرة المرئية عنه لصالح الغيبية خصوصا وأن عملية الاتصال لم تثبت عبر الادعاءات الكثيرة بحصوله ، وهو ما ثبت دور الوساطة بالتلقي عبر من اصطلح على تسميتهم بالانبياء والذين لم يدع احد منهم انه تلقى مباشرة بل عبر وسيط اصطلح على تسميته بالروح القدس ، قد يرى البعض هنا ان تداخلا بين الغيبية والعلمية يظهر في البحث ، وهذا صحيح الى حد ما ولكن بشكل مقنن حتى لا نحيد عن المنهج المتوخى من الوصول الى النتائج بطريقة علمية ، ولكن لا بد من وضع مقياس او زاوية للنظر الى الامور فأنت ان نظرت الى صورة بطريقة مباشرة تختلف تفاصيلها ودقة وضوحها عما ان كان نظرك اليها من زاوية تبعا لموقع الصورة من الزاوية ، ولكوني لا استهدف الجمع بين الغيبية والفكر ، ولا اسعى الى الصدام والصراع بينهما ، يبدو من المنطق ان آخذ كلتا الرؤى بعين الاعتبار علما اني سأحاول ان اكون اكثر تعتيما على الغيبية واكثر قربا للوضوح مع عالم الفكر انطلاقا من الواقع السائد والذي يتهم المنهج الديني بنقل العبودية من الخالق الى المخلوق ، وأن كانت الممارسات الخاطئة قد اسهمت في اختلال التوازن لمصلحة الفكر وهذا بالطبع ايجابي الا انها الصقت الخطايا بالجسم الفكري للدين بحيث يبدو مختل اصلا وهي واحدة من الافكار السائدة الظالمة التي ترى الامور بقياس محدود الزوايا مبتدعة قوانين خاصة يصعب تطبيقها على حيثيات انسانية وفكرية مشابهة ولو نظرنا الى الفكر الحديث ومكنون النقد الذي يتبناه والبحث الذي يرتقي للوصول اليه لوجدناه ينطلق من مكونات البحث القديمة ذاتها حول الوجود واصل الكون مع الاخذ بعين الاعتبار القيم الفكرية الحضارية المتواترة عبر حركة الوعي العلمي الذي اسهمت التجارب البشرية عموما بأنتاجه.
الكــــون
ــــــــــــ
ابعاد لا محدودة ، قيم مطلقة ، نظام ثابت ، الية متحركة ، وضوح في موقع الغموض ،غيبية الانطلاق ، تناقض الموجود بين التنظيم الهائل وموقعية الحدث ، نور في ظلمة ، وظلمة في نور ، قيود في حركة ، وحركة مكبلة ،يقترب مع البعد ، ويتباعد مع الاقتراب ،في اللحظة التي تعتقد وصولك الى حقيقته تسقط الحقيقة في عالم الغيب ليبدأ البحث من جديد !!!!
في كل مفردة من هذه المفردات قياس علمي وثقافي وفكري تناولها وبحث فيها واثبت وجودها وعاد للبحث من جديد ، نظرية تتلو الاخرى كل منها يتطابق مع الواقع ثم يسقط بالتقادم مع حركة تطور الفكر والوعي ، وهو ما يشير الى ان امكانية سبر اغوار الكون ليست عصية فقط على الوعي البشرى بل وعلى مقولات الخيال ، وان كثيرا من افلام الخيال العلمي الحديثة كلما حاولت ان تختزل الكون في صورة من الصور مهما تعددت فهي تنحو من جديد باتجاهات اخرى ، والبحث في الكون من واقع الفكر العلمي اشبه ما يكون بحلقة هوليودية فيما تتحضر لتصوير فيلم ومع انطلاقته تكون قد انطلقت فكرة جديدة لفيلم اخر ، هذا ليس تقليلا من قيمة البحث العلمي وافاق تطوره بل اقرار بسعة الكون وصعوبة دراسته لاسباب تتعلق بالقدرات البشرية التي انطلقت من نظرية مادية الكون المفردة وكلما وصلت الى نتاج في الحقل عينه ظهرت ابعاد وافاق من موقع اخر تعيد البحث الى نقطة صفر جديدة ، صحيح ان انجازات علمية عديدة في معرفة الكون قد باتت اقرب الى الثبات ولكنها بمقياس اتساع الكون وتنوع موجوداته ومكوناته وتنظيمه لا تعدو كونها نقطة في بحره .
نظرة فحص الى هذا الكون لنرى ما فيه ، الابعاد سحيقة ، المجرات هائلة العدد والاتساع ، حلقات الدوران المنتظمة ، ايقاع من الجاذبيات المختلفة تؤدي عملية تعليق في سياق حسابات دقيقة متماسكة بعضها ببعض ، وفي مجرتنا مليارات من السنين تتابعت وكل جرم منها متحرك في دائرة وجوده تتالى عملية ظهوره في الوقت والموقع عينه على مدار الزمن لا خلل ولا اختلاف ولا عوامل تتجاذب القمر ليخرج عن مداره ، والكواكب الاخرى تحوم في مداراتها ، وعملية النظام القابع خلف كل هذا لا زال في طور التمحيص والتأويل !!! لا العلم وصل الى حقيقته من خلال التطور ، ولا القيم الدينية اشبعت نهم المتفحصين والباحثين ،امر واحد اجتمع عليه منهجا الدين والعلم في مسألة بداية الكون فقد توصل العلم الى ما اجمع على تسميته بالانفجار الكبير كنقطة بداية لوجود الكون المادي ، ويفسر علماء الدين الاسلامي الاية30 من سورة الانبياء بهذا المعنى (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
المـــادة
ـــــــــــ
من الثابت علميا ان العناصر الاساسية للكون تتألف من 102 عنصرا ترتبت حسب وزنها الذري بدءا بالهيدروجين باعتباره اخف العناصر بوزنه الذري ، فهو يحتوي في نواته على شحنة واحدة موجبة يحملها بروتون واحد يحيط بها الكترون واحد ذو شحنة سالبة ، وفي نهاية العناصر عنصر النوبليوم ورقمه الذري 102 اي ان نواته تحمل 102 من وحدات الشحنة الموجبة ومثلها من السالبة وقد أثبت العلم التجريبي أن خصائص هذه العناصر غير نهائية وغير ثابتة، بل يمكن تبدل بعضها ببعض، وهذا التبدل بعضه يتم بصورة تلقائية، وبعضه يمكن إحداثه بالوسائل العلمية. فعنصر اليورانيوم - مثلاً - يطلق انواعاً ثلاثة من الأشعة، منها أشعة (الفا) وهي عبارة عن ذرات عنصر الهليوم، ويتحول اليورانيوم تدريجياً إلي راديوم، ويتحول الراديوم - بعد عدة تحولات عنصرية - إلي عنصر الرصاص.
وقد تمكن العالم الطبيعي (رذرفورد) من تحويل عنصر إلى عنصر آخر بجعل ذرات الهليوم تصطدم بذرات الآزوت، فنتجت ذرة هيدروجين من ذرة الازوت، وتحولت ذرة الازوت إلى اوكسجين.
وهكذا غدا من الثابت أن خصائص العناصر ليست ذاتية للعناصر.
على ضوء الحقائق السابقة.
1 - إن المادة الأصلية للكون المادي ترجع إلى حقيقة واحدة مشتركة.
2 - إن خواص المركبات التي تتكون من العناصر - هذه الخواص ليست ذاتية بالنسبة إلى المادة الأصلية، وإنما هي عارضة عليها بسبب التركيب، وليس عن الطبيعة الاساسية المكوِّنة للمركب.
3 - إن خواص العناصر البسيطة التي يتكون منها العالم المادي أيضاً ليست ذاتية لتلك العناصر وليست نهائية بدليل تحول بعض العناصر إلى بعض آخر كما رأينا.
4 - وأخيراً إن صفة «المادية» ليست ذاتية للمادة المحسوسة، لأنها تتحول - في نهاية المطاف - إلى طاقة.
ان عملية تفاعل الهيدروجين والاوكسجين يولد الماء فأن كان هذا قانونا خاصا بذاتيتها فلما تبقى اجزاء منفصلة ومتحررة في شكلها وتركيبها الاصلي فرغم وجود الماء المكون منهما الا ان وجودهما ايضا كعنصرين منفصلين موجود ايضا مما يدلل على ان صفة التفاعل ليست ذاتية !!!!! أن المادة ليست ديناميكية، وليست هي نفسها سبباً ذاتياً لاكتساب خصائصها وتنوعها . فخاصية السيلان في الماء عرضية جاءت من اتحاد عناصره، وإذا فرزناها ترجع إلى حالتها الغازية وتنعدم خاصية السيلان وهذا كله يقودنا الى التساؤل التالي كيف وجدت المادة في الكون ؟؟؟؟؟ كما وان نظرية الانفجار الكبير والتي نشأ عنها الكون هي بحد ذاتها تحمل صفة التشتيت كونها انفجارا فكيف انتج انفجار هائل المواد المشكلة للكون والمفترض ان تكون في حالة تباعد نتيجة الانفجار، وهي من منطق التباعد هذا جاءت بهذا الابداع المنتظم وتسلسل العناصر واتساعها مع اتساع الكون ، وانشأت الابعاد الكونية في صفات من الدقة والتناسق، اوبعد هذا الا يوجد فاعل ؟؟؟؟ اليس هناك من قوة خلف هذا الابداع، وان لم يستطع العلم بالعقل الواعي ان يصل الى حقيقة بدء الكون فأن رفض نظرية الرتق والفتق القرأنية يصبح مجرد مناكفة لا علاقة للعلم فيها خصوصا وأن ايات اخرى شرحت عملية الخلق الاول ضمن اطار يشجع على العلم والاطلاع والبحث وهو منهج السابقين الذين اتخذوا من دينهم نبراسا للانطلاق نحو العلوم التي انتجت علوما عالمية في شتى المجالات والابداعات التي ما زالت اساسا حضاريا حتى اللحظة الراهنة كامثال الخوارزمي وابن سينا ، وابن حيان هؤلاء الذين الهمهم دينهم وسائط البحث العلمي فأبدعوا في العلوم الطبيعية التي تجلب السعادة للانسان . هم امنوا بالله الخالق وأمنوا بكتابه الذي كانت اول اياته وصولا تبدأ بما يحث على العلم ( اقرأ ) فمن هو الله ؟؟؟؟؟؟
****************
الخالــــــق
ـــــــــ
اللـــه لفظ الجلالة ، مسمى لم يطلق الا على الخالق ،ومهما علت قدرات الانسان العقلية والروحية فلن يصل الى الخالق ولا يوجد بين ايدينا اي قانون يؤدي الى ذلك ولكن يمكننا ان نعرف الله عبر صفاته التي وصف بها نفسه وعبر مخلوقاته التي اوجدها وعبر المسار الذي نراه للكون في ابداعه .
وقبل البدء بهذا اود الاشارة الى قول للامام على كرم الله وجهه حينما سؤل عن الله وما شكله فاجاب برد حكيم عالم بديع يؤكد معرفته الحقة المؤمنه بالله ولكن من منظار ما اضاء الله لعباده المؤمنين من عقول عظيمة فقال لسائله ( مهما خطر ببالك فالله غير ذلك) ووصف الله نفسه في سورة الشورى الاية 11 بقوله ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وبين هذان الوصفان وما سنطرحه من ايات الخلق ومعجزاته يمكن ان نعرف الله ، اما من يعتقد بوجود صورة حسية في المكان والزمان فهو واهم ، ولن الجأ الى الوصف القرأني حتى لا اتهم بالتعصب ولن اجادل المسميات في الاديان الاخرى ومفهوم الله لدى كل منها فهذا سيجرنا الى موقع اختلاف !!! ما يهمني في هذا السياق ان الاديان الثلاث قد اجمعت على وجوده بغض النظر عن المسميات .
ان عدم اقرار البعض بوجود الخالق لن يبدل من واقع الامر العلمي الذي وبدراسته يثبت وجوده وعلى صاحب المفهوم الاخر ان يأتي بدليل نفي الوجود اذ ان الشواهد المؤكدة للوجود لن تحتاج الى كثير من البحث ، ولننظر الى عملية التناسق في خلق الكون ومسألة الجاذبية الكونية كمثل علمي لا يرقى اليه الشك فأن عملية تموضع المجرات وتلازم الجاذبية بينها وصولا الى مجرتنا والتي يسر العلم المكتشف امكانية دراستها يرينا بوضوح حالة التواصل بينها وبين نقاط دورانها حول نفسها وحول مسارها ومنذ مليارات السنين في ايقاع منتظم، الا يدعو هذا الى التساؤل من هو المنظم لهذا الايقاع ، والارض التي نحيا عليها وهذه الشمس ، والقمر والريح والمطر التي تأتي مسخرة لخدمة استمرار الانسان وباقي المخلوقات فمن سخرها ومن وضع نظامها الذي نعيش من خلاله منذ الاف السنين دون اختلاله ، فلا يقولن احد الطاقة، فالطاقة قد ثبت ان لها بداية ونهاية لذا فهي لا تحمل صفة الخلق والتنظيم ،هو الله وان عدم رؤيته لا ينفي وجوده فالريح موجودة ونحيا عبر وجودها ولا نراها ، والروح موجودة وبانتفاء وجودها تتوقف الحياة ونحن لا نراها فأن كان الامر هكذا مع مخلوقات الله فكيف بالخالق ، واعتقد ان البحث في وجود الله بشكل اساسي ينحصر عند الباحثين بصفات علاقته بالمخلوقات خاصة منها الانسان ، وهي العلاقة التي شابها الكثير من العوالق رغم وضوحها بالتكليف، وبسبب سوء تفسير التكليف ومساويء استخدام السلطة الدينية لاهداف دنيوية تعرضت العلاقة الى متغيرات انتقائية حدد اطرها شكل التعارض ونسبة اقترابه او ابتعاده عن الخاصية الانسانية، وبنظرة مباشرة الى الامر نقول ان التعرف على الخالق عبر فهم تكوين المخلوقات من خلال اية العلم يوصلنا الى اثبات حقائق قد تغيب في خضم الاخطاء فتبعد الباحث عن اسسها ، فالانواع المرئية للمخلوقات على الارض تتجسد في اربع الجماد وهو في حالة جامدة ، والنبات وهو في حالة النمو ، والحيوان وهو في حالة النمو والحركة ، والانسان وهو في حالة النمو والحركة ومميزا بالعقل ، وهنا اشارة توضيحية لا بد منها ان نسق الخلق يوكد تراتبية الاجناس بحيث ان اعلى الادنى يأتي في ادنى المرتبة العليا فأن اعلى حالات الجماد هي التى تتصل بالنبات وتحمل بعض خاصياتها ، وارقى حالات النبات هي التي تصل الى كونها نهاية في سلم الحيوان ، واعلى سلم في الحيوانية يقترب من الانسان ، ويكفي توضيح كيفية احداها بما ينعكس على البقية فأن اعلى ظواهر الجنس الحيواني تتمثل في تقليد الببغاء او القرد للانسان ولكن هذا التقليد لا يحيله الى انسان لان امتلاك خاصية التقليد والحركة والتوالد لا يرتقي الى العقلانية التي تميز بها الجنس البشري عن سائر المخلوقات ، وهو ما سبق ودفعني الى رفض المسمى العلمي بأن الانسان حيوان ناطق اذ ليس النطق هو الميزة التكوينية بل العقل وهو ما لم يتصل بالمخلوقات الاخرى ، وان نسبة الخاصية الحيوانية للانسان هو عكس لاية الخلق في منظومته التراتبية التي ابدعها الخالق .ومن اسرار الخالق في خلقه انه جعل بعض خاصياتهم مسيرة وأخرى مخيرة تبعا للضرورة الحياتية، فالتنفس ، ونبضات القلب هي من المسيرات والنمو كذلك وتصور ان تنفسك اختياريا فماذا تفعل عند النوم ؟؟؟ اما الاختيار فموقعه العقل وانت من يحدد ابعاد الاختيار وتتحمل مسؤولية نتاجه . فهل هذا كله بتنسيقاته وترتبية ضروراته يمكن نسبه الى المادة ام الى من خلق المادة وكون منها مشيئته في خلقه .
البحث الكامل والمتعمق حول وجود الله يحتاج الى استغراق اكبر في التفاصيل ، ولان الموضوع الذي نحن بصدد نقاشه يلامس مسألة الخالق اضطررنا لوضع خطوطه العامة والتي يمكن تجديد البحث فيها في دراسة منفصلة ، وفي القسم الثاني انشاء الله سننطلق من عملية بدء الخلق التي تعرض لها الكاتب ومسألة ابليس تفصيلا وتوضيحا عبر المقاييس عينها التي استعملت حتى الان !!!!!!! ـ والى القسم الثاني
القسم الثانــــي
ادم وابليس – الثواب والعقاب
ـــــــــــــــــ
لقد استخدم الكاتب ايات تتصف بالعمومية في وصف ابليس والحديث عنه وتناسى الايات التي تتحدث عنه بتحديد ووضوح وانطلق من كونه من الملائكه الذين شاء الله خلقهم مجبورين على طاعته ( لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون )، واشار الى اية السجود ( واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ) فاعتبر ارداف اسم ابليس بالملائكة في الاية تأكيد لزعمه ان ابليس ملاك وخلق على الجبر للمشيئة وان عصيانه كان تدبيرا الهيا الهدف منه اخراج ادم من الجنة مشيرا الى ( مكر الله ) كصفة تتداخل مع المشيئة وافترض بالتالي ان رفض ابليس للسجود كان لازما وان سجوده كان مستحيلا ، والاشارة هنا واضحة فهو يستهدف النيل من ذات الخالق جل وعلا ولان الحجة بالحجة والنص بالنص فنقول :
ان ابليس لم يكن من الملائكة بل كان من الجن ، (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه‏) ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏] هذه الاية تنص بوضوح قاطع ان الكاتب استخدم النص القرأني الذي يتلائم واهواءه ومراده من الكتاب وتجاوز عن ايات اخرى لانها تنسف معتقده وتسقط السند الذي تعلق به ، هنا يأتي التاكيد جازما ان ابليس ليس من الملائكة المقهورين على الطاعة بل هو خلق اخر من الجن ولهم صفات اخرى . كما وان ذكر الشيطان ورد في الكتاب المقدس والتوراة في امثلة مشابهة لم يستخدمها الكاتب لشرح افكاره فهل يعتقد ان النصوص مزيفة او ان وراء هذا استهداف لابراز الحيثية الاسلامية في نكران وجود الخالق عبر الغاء وجود المخلوق او بالضرورة اثبات ان الخالق وهم تم تصويره عبر مزيفات قصصية انسانية لا ترتقي الى مصاف الكتب المقدسة ونرى في الكتب المقدسة الاخرى ما يتشابه في الحديث عن الشيطان والحية والانسان وان باختلاف لغوي يشير الى طبيعة اللغة المستخدمة فيها !!!!
ولنعد الى حيثية النقاش فقد اشار القران الكريم ان ابليس كان من الجن وقد خلق قبل ادم عليه السلام وان خلق ابليس كغيره من الجن من نار (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ )الحجر 27 ووردت في اية اخرى(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) الرحمن 15 وهكذا نجد اننا مضطرون لتوضيح صفة الخلق فأن الله قد خلق خلقه على نسقين ، خلق مقهور على الطاعة وهو خارج مسألة الثواب والعقاب كالملائكة والشمس والقمر وغيرها من وسائط الخدمة وخلق خلقين على الاختيار الجن والانس ومراد خلقه محدد الاهداف (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات 56 وهذا يحدد سبب الخلق وهوالعبادة وعلى الصعيد البشري اذا ما اردنا وصف الحب باعلى مراحله لشخص ما ولتحديد كبر حجم الحب فاننا نصفه بانه حتى العباده ، فالله خلق خلقه لعبادته تعبيرا عن حبهم له وهل يكون الحب بالاكراه وأي حب يكون مفروضا ، ومن هذه الحيثية يصبح مقصد الاختيار واضحا ، فقد خلق الله الانس والجن على قاعدة الاختيار في الايمان به وعبادته وحبهم له ،وابليس وادم من هذا النوع من المخلوق اعطي المعرفة والعقل لا كزينة بل لاستخدامها في كل مناحي الوجود واهمها اختيار الايمان من الكفر واختيار الحق من الباطل ولو كان الانسان مسيرا لما كنا نخوض هذا النقاش الذي يتصف ببعض تفاصيله بالخوض في وجود الخالق وهي ارادة نختارها ولم تفرض علينا . اذا فأن امر السجود لما صدر للملائكة كانوا مقهورين على الطاعة وهنا لا بد من الاشارة الى ان امر السجود لم يكن للملائكة كافة بل الى القسم الذي سيتولى خدمة ادم (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) وهذه الاية تدلل ان العالين هم قسم من الملائكة لم يؤمر بالسجود ورد عدم سجود ابليس الى الاستكبار وجاء رد ابليس حاسما ومؤكدا لهذه الاية (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) الاسراء 61 ورد ايضا في اية اخرى في مسألة التمايز والتفضيل (قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) اذا فمرد عدم السجود لم يكن جبرا من الخالق بل اختيارا من ابليس لما رأى انه تفضيل للنوع على ارادة فعل الخالق ولو لم يكن مختارا لما عصى ولسجد سجود الملائكة .
وهذا يجرنا الى توضيح مسألة السجود التي علق عليها الكاتب فليس كل السجود عبادة فالكثير من بلدان الشرق الاقصى تعتبر سجود الصغير للكبير احتراما كما وان للسجود في القران وجه اخر كما سجود اخوة يوسف واباه له كنوع من التبجيل لما اعطاه الله وليس من قبيل العبادة ،وهكذا فأن سجود الملائكة لادم لم يكن عبادة له بل سجودا لقدرة الله في ابداع خلقه لادم وللكينونة التي خلقه عليها من الاختيار ، واما تساؤل الملائكة عن خلق ادم كما جاء في سورة البقرة 30 (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فمرد هذا التساؤل يرجع الى معرفة الملائكة بوجود خلق من الجن كانوا يعيشون على الارض قبل خلق ادم عليه السلام وقد تقاتلوا فيها وسفكوا الدماء ، إن الغاية من أمر الملائكة وإبليس بالسجود للحقيقة الانسانية ممثلة في آدم هي اظهار ان جميع القوى الكونية مسخرة لأجل الانسان وتقدمه، وذلك لأن الملائكة أسباب إلهية وأعوان للانسان على تقدمه الروحي والمادي، وسعادته الاخروية والدنيوية. وذلك لأجل تأكيد معنى خلافته في الأرض.
ومن هنا فرفض إبليس للسجود ) وهذه هي الغاية من السجود ( تعبير منه عن رفضه الاعتراف بالمنزلة التي أعطاها اللّه للانسان، ورفضه لأن يجعل نفسه حيث أراده اللّه أن يكون عاملاً في سبيل تقدم الانسان وسعادته الروحية والمادية.
وقد أدرك إبليس المنزلة العالية التي جعلها اللّه للانسان، وأدرك أن الأمر بالسجود نتيجة لذلك، فرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وأن الاجابات التي وردت على لسان ابليس كتبرير منه لرفض السجود اكدت انه عمل اختياري فهو قد تباهى بالجنس والنوع ففاضل بين النار والطين والتكبر، والتفاضل النوعي هنا باعتباره خلق من النار اصله مردود اليه فلا يوجد في الترتيب الاسلامي للخلق مفاضلة من هذا النوع انما هو بفعل التكبر الذي احسه كتبرير لعدم السجود مفترضا ان امر السجود قد اعلن من اجل ادم وانه باعتباره محبا لله ولا يسجد لغيره تعظيما ومحبة فهو قد انكر الامر ورفضه وكون ابليس من الجن وهم كالبشر مخلوقون على الاختيار فأن رفضه جاء من موقع اختياره وليس من موقع الاجبار والاكراه كما صوره الكاتب العظم . ودلالة اخرى على ما تقدم من مسالة الاختيار فأن الرد الذي اتى به بعد ان وصل الى ما قد جنته يداه يمثل الاصرار على متابعة الاختيار دون توبة ويرد الامر بالتكبر والمفاضلة الى خالقه بسبب خلقه من نار وهذا تفسير ما جاء في الاية ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) فالاغواء هنا جاء في موقع اللوم على الله لانه ادرك ان المفاضلة التى اطلقها هي التي ادت به الى التكبر وعدم السجود فاراد نسبها الى الخالق وهي النقطة التي حاول الكاتب ان ينفذ منها كمسلمة فتبنى راي ابليس ورفض كلام الله عز وجل وهذا يؤدي الى توضيح مبتغاه من مناقشة المسألة ، واما مسألة ان الجن مخيرون كمثل البشر ففيها دليل قرأني اخر جاء في سورة الجن الذين استمعوا الى القران فامنوا اي انهم لم يكونوا مؤمنين وقد فعلوا بعد استماعهم للقران (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) الاية 1 (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) سورة الجن اية 2 وهذا يدلل على ان الجن لديهم كما عند البشر اشراك بالله وان الايمان اختياريا منهم بعد سماعهم القرأن ، وقد يرى البعض في هذه الادلة استنادا الى غيبية جاء بها القران الكريم ، وهذا ما سبق واشرت اليه في البداية ان الكاتب لجا الى هذا المنحى فاضطررنا للرد على القول بالمثل ، خصوصا وان المصادر المتوخاة في هذا المجال على ارضية علمية مثبته غير متوفرة .واما في مسألة الثواب والعقاب فمنذ خلق الله خلقه على قاعدة الايمان بالاختيار ثبت مبدا الثواب والعقاب فالقرار الذي يتخذه المخلوق سلبا ام ايجابا سيكون ارضية حسابه وان التوبة للعبد مقبولة ما لم تبلغ الروح الحناجر ، وعطفا على مسألة ابليس فقد بقي على اصراره على موقفه وكل ما طلبه تمديد الوقت (قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) سورة الاعراف 14 وهو استمهال لاجل الاستكمال للعداء الذي اختاره لنفسه ضد البشر اما ادم فقد تاب واناب فتاب الله عليه . لم نحاول هنا ان نتوسع في كل المعايير المطلوبة لادراك التفاصيل باعتبار ان هذا يحتاج الى متسع كبير ، ولتكملة الصورة من وجهيها لا بد ان نضع الاية التي وردت على لسان ابليس متوعدا ادم ونسله (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) سورةص 82 اذ انطلق في كلامه بالقسم بعزة الله تأكيدا منه على قدرة الله وتابع في الاية الثانية تاكيده لادانة منطقه بأغواء نسل ادم الا العباد المخلصين (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) سورة ص اية 83 فمن هم الممخلصين من العباد ؟اليسوا هم على نقيض موقفه من الكفر وعدم الانصياع والكبر ، اليس المخلصين اصحاب اختيار الايمان الذين اختاروا محبة الله وطاعته في تشريعه واتباع عقيدته ، فيما من سيغويهم هم اصحاب اختيار الكفر والذين سيسقطون في حبائل رغباتهم وتكبرهم وعدم انصياعهم لتشريعات الخالق فيما احل وحرم، اليسوا هم من يشركون مع الله الهة المال والدنيا والكفر الا يدلل هذا على الاختيار لهم ومن خلفهم من يوسوس لهم والذي تقف حدود وسوسته عند حدود الايمان والالتزام بطاعة الله .
وتأتي الصورة الثانية هنا في موقع توضيح اسباب اختيار الكاتب للحلاج وكتابه الطواسين لايضاح ما تبقى من غموض ، وحري بنا القول ان الحلاج كفر من موقع الايمان كمثل ذنب ابليس اذ انه تصور ان حبه لله وشدة ايمانه اباح له المحظورات التى منعها الله عن انبيائه فادعى اتصاله بالله ونسب الى نفسه ما يتجاوز حدود المخلوق ووصل الى التشبه بالخالق عندما قال وعلى مسمع الناس ( انا الحق) تعظيما لذاته وكان مصيره حكم الموت ، اذا ومن هنا يسقط مفهوم الغرابة من استخدام الكاتب لهذا السند اذ ان الطيور على اشكالها تقع ،كما ويتضح ان هذا المسلسل مترابط مع قسم الاغواء لابليس فقد اغوى الحلاج من حيث يظن انه اعلى الناس شأنا بالايمان فاصابه ما اصاب ابليس من الكبر وصولا الى الكفر ، وسنترك للقسم الثالث ما تبقى من نقاط اثارها الكاتب في حيثيات كتابه.
القسم الثالث
هذا بيت القصيــــد
لسوف نناقش في هذا القسم القضية المحورية للكتاب اذ وبنص الكاتب ان هذه الخلاصة التي يتوخاها من كتابه وهي بالنص :( رأينا أن إبليس واقع في قبضة قهرة خاضع خضوعاً تاماً لقدره وأحكام مشيئته، شأنه في ذلك شأن بقية المخلوقات، مما يبطل مفعول الأمر والنهي عنه. إذا كان هذا القول صحيحاً لماذا طرده من الجنة بحجة الأمر والنهي؟ بالإضافة إلى ذلك قدر اللـه منذ الأزل من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار. والأدلة الدينية على ذلك عديدة أورد منها، على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، الحديث القدسي التالي: "إن اللـه تعالى قبض قبضة فقال هذا إلى الجنة برحمتي ولا أبالي وقبض قبضة هذا إلى النار ولا أبالي" (35). ولكن بالرغم من ذلك أنزل اللـه الكتب وأرسل الرسل وشحنها بالأمر والنهي وميز بين الحلال والحرام، وما فائدة كل ذلك لمن كان مجبوراً بحكمته ومستعملاً فيما قدره عليه.
4) إذا كان اللـه صانع الأشياء كلها ومقدر الخير والشر على عباده لماذا أراد للناس أن يعتقدوا أن إبليس هو سبب الشر والمعصية ولماذا شاء تحميله أوزار أولئك الذين خلقهم للشر وأجرى الشر على يديهم؟ هل باستطاعتنا أن نعلل هذه المفارقة بردها إلى إحدى الصفات الإلهية المعروفة؟
أعتقد أن الصفة الإلهية التي نبحث عنها للإجابة عن هذه الأسئلة هي صفة المكر. وإليكم بعض الآيات القرآنية التي تبين طبيعة هذه الصفة)
بداية جاء الكاتب بما يدعي انه نص لحديث قدسي من كتاب لمحمد المدني ليستشهد به في سبيل نسج خيوط فكرته الاساسية والحديث القدسي بما هو متعارف عليه هو حديث منقول عن الله عز وجل وهو ليس بقرأن وبنتاج تحقيق واسع حول الامر توصلنا الى ان هذا الكتاب يحتوي على 864 حديثا قدسيا مقسمة على ثلاث اوجه :
134 حديثا مثبتين في الصحيحين
78 علمه واتصاله ضعيف
609 مسكوت عنه ولا يعرف عنه شيء .
والنص الذي اورده العظم لا يتوافق مع القسمين الاولين وان اصلا مشابها في الصحيحين سند اتصاله الى عمر بن الخطاب رضوان الله عليه مقطوع اذ ان الراوي عن عمر لم يعش في فترة حياته بل تلقى النص عبر مجهول واما النص المروي واخرجه الترمذي ( عن مسلم بن يسار ، ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الاية ( واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم فقالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين )- قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل عنها فقال :( ان الله خلق ادم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل اهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية ، فقال :هؤلاء خلقت للنار ، وبعمل اهل النار يعملون )ويقول الترمذي ان هناك راوى مجهول بين يسار وعمر وهذا اضعف سند الحديث ) علما ان وجه الاختلاف بين الحديثين واضح ، وغني عن القول هنا ان جملة من الاحاديث القدسية وحتى المنسوبة الى الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام هي من الاسرائيليات المدسوسة والموضوعة وكثير منها تسرب من مصادر فارسية وهندية ويونانية وهكذا نرى كاتبنا القدير يلجأ اولا الى كاتب خرج على الدين وقتل لذلك وها هو في النسق الثاني يأتي بنص مشبوه لحديث مشكوك لاثبات تأويلات الصفات التى يود نسبها الى الخالق ؟؟؟فلماذا!!!
اما انه على ضعف كبير باللغة العربية التي هي لغة القرأن او انه يستضعف اللغة ليستقوي عليها الفكر الذي ينتمي اليه ويروج له فباستناده الى هذا الحديث استنبط الكاتب صفة الزمها لله جل وعلا وهي صفة المكر والعياذ بالله ، اذ لم يجد في اسماء الله وصفاته العلى من عزيز وقادر ورحيم وجبار وتتمتها الى تسع وتسعون ، ما يشفي غليله الفكري المتنور فاستحدث صفة المكر التي اعتقد جليا انه لا يعرف معناها الحقيقي بل اخذ منها صفة الخديعة للتدليل على خداع الخالق لابليس ومن خلفه البشر جميعا وفي محطات متعددة عبر استخدامه لايات محددة دون النظر الى تتماتها او سابقها او لاحقها والاصل في اسباب نزول الاية ، ليستدل على مكنوناته الفكرية الدالة على مكر الله واستهزائه بمخلوقاته واصفا الله بما يتجاوز عنه مخلوقاته من تعظيم سيء للمكر والخديعة والاستهزاء فيما بينهم فكيف ان كانت صفة الخالق وقبل ان يخلق احدا بل وصفها واستخلصها باعتبارها امرا مبيتا منه عز وجل عما يصفون .
وعود على بدء العلم والعقل وبعيدا عن الرد العاطفي ما هو المكر في اللغة ؟؟؟!!!
عندما تتشابك اغصان الشجر الكثيف ويتعذر على الناظر ان يعرف كل ورقة لأي غصن تنتمي يسمى هذا مكرا ، والمكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وهذه الصفة في تأويلها تأتي تبعا للمستتبع فقد ينوي احد شرا ويصرف الاخر الشر بعمل او بحيلة لابعاد الاذى فيكون المكر محمودا ، وقد يكون المكر من نوع عمل الغير فيكون شريرا ، اما في الايات التي استشهد بها الكاتب فتعرف باللغة العربية باسم المشاكلة او المجانسة ولننظر في الايات لنرى :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )الانفال 30 ورد نص الاية في التدليل على النية المبيتة من قبل كفار قريش ليلة هجرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – بقتله في فراشه بواسطة مجموعة من ابناء القبائل ضربة واحدة ليتفرق دمه بين القبائل وقد اوحى الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم ان اجعل في فراشك الامام علي بن ابي طالب – كرم الله وجهه – واخرج اليهم واتلوا اية من القرأن فتخرج دون ان يروك !!! هذا مكرهم يستهدف القتل ومكر الله ابعاد الاذى عن الرسول الكريم ، فهل مكر الله من جنس مكر الكافرين ، وتأتي كلمة مكر هنا في سياق اللغة من نوع وصف الله لاستهداف القتل بانه مكر لانه دبر بالخفاء وبدهاء فجاء الرد عليهم قي سياق اللغة بالمشاكلة والمجانسة لفعلهم بفعل مختلف .
وحتى لا يقال بأن الاية المستخدمة فريدة في دلالتها سنأخذ اية اخرى للاستشهاد (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) يونس 21 وفي الاية الكريمة يوضح الحق تبارك وتعالى كيف يتعامل الانسان مع المصيبة التي تحل به واذ هو بعد ان يزيحها الله عنه يمكر بايات الله اي انه يفسر خروجه من المشكلة بانها من فعله وينسى بمكره فضل الله عليه وتاتي كلمة مكر الله كتعبير عن الجزاء الذي ينتظرهم لكفرهم بأيات الله فسمى العقاب مكرا وهو كما سبق القول مجانسة .
والمجانسة في اللغة القرأنية كثيرة الوجوه ومتعددة المقاصد ففي سورة البقره ايه 176 (وَلا يَحسَبنّ الذين كَفَروا أنما نملي لَهُم خيَراً لأنفُسهم إنما نُملي لَهُم ليَزدادوا إثماً وَلَهُم عَذَاب مهين. مَا كَان اللّه لِيذرَ المؤمنين عَلى ما أنتم عَليهِ حَتّى يَميزَ الخَبيث منَ الطّيّب..)تأتي كلمة نملي هنا في موقع الامهال وان اعطاء الفرصة لهم وزيادة ما هم فيه من الكفر هو امهال خير لهم ، انما الهدف الالهي من هذا الاستمهال هو التمييز بين الخبيث والطيب لمصلحة المؤمنين وهذه مجانسة كما في مسألة المكر والاستهزاء التي حاول كاتبنا فريد العصر ان يتلطى خلفها ليصف الله عز وجل بالخداع والمكيدة ، تبارك الله عما يصفون .
وهكذا يبدو واضحا وبشكل جلي ان الكاتب الى جانب قصوره في فهم الدين الاسلامي وتشريعاته وايات قرأنه فهو قاصر لغويا فيأخذ الالفاظ والمسميات على عواهنها مطلقا بذلك احكامه الزئبقية ومفترضا القبول بها كقوانين يجب ان نحتكم اليها في مسار حياتنا ، فقضى بالخلط المتعمد بين المشيئة والامر ، وبين النار والنور ، وبيبن الجن والملائكة ، وبين التسيير والتخيير ، وبين الفرضيات العلمية التى سقطت بتقادم الزمن وبين الحقائق العلمية التي رفض مدلولاتها القرانية مصرا على اتهامنا بالجهل والتخلف حاملا لواء الحضارة الغربية وفكرها وناطقا ومتحدثا بأسمها وحاول الصاق تناقضاته الفكرية بالماركسية مما استدعى تبرؤهم منه فقد أعلن الأستاذ نسيب نمر (في مجلة الأحد/ 29 آذار 1970 - العدد / 972) براءة الماركسية من الدكتور صادق جلال العظم ومن أفكاره، بدعوى أن أفكاره ليست ماركسية بدرجة كافية، وأنه لم يتناول موضوعه تناولاً علمياً صحيحاً .
ان اعتراف المسلمين بضرورة النظر الى الواقع الحالي للعالم والتغيرات التي طرات عليه وبالنظر الى رؤيا تستند في قراءتها على دراسة حقيقية للوقائع تتطلب البدء ومن دون تهاون بعملية تحديث للوعي الديني في شقه التنفيذي القابل للاجتهاد واعادة طرح الصورة الدينية بشكل يخاطب العقول البشرية في مرحلتها الحالية وهو مسار سبقنا اليه الكثير من عظماء الامة فأبدعوا علوما رائعة في العديد من المجالات الدينية والدنيوية لتصبح رسالتنا الكريمة من جديد موضع تقدير العالم وتفهمه ولتعود رؤيتنا للعقيدة على النحو الذي فطرنا الحق تبارك وتعالى عليه منذ بدء الخلق وكما ودعنا وعاهدنا عليه خير البرية محمد بن عبدالله عليه مني افضل الصلاة واتم التسليم .
ولما ختم الكاتب العظم كتابه بالسؤال الذي افترض ان يوجهه ابليس بالقول ( ان كنت انا ابليس ادم فليت شعري من كان ابليسي ) واود اجابة ابليس على سؤاله حتى لا يبقى في هذا الوجود محتارا حتى قيام الساعة ، فاقول له ان كنت ابليس الذي خلقه الله للانس والجن لتغويهم حسب كاتبنا فأن ابليسك وابليس نسلك هم هؤلاء البشريون الذين عميت اعينهم عن الحقيقة المطلقة للكون والوجود وما جاء في وصف الخالق لشياطين الانس والجن الا تعبيرا حقيقيا عن هذه المسألة وهي ليست عرضية في طرحها ودليلنا على ذلك قول رسولنا الكريم في وصف شهر رمضان المبارك حيث يتم تصفيد الشياطين لابعاد عبثها عن الناس لفتح المجال الاوسع لاداء الفرائض ولكن كم من المعاصي ترتكب في رمضان اليس وراءها شياطين الانس الذين ابتلى الله بعضهم ببعض فيما الشياطين الحقيقيون اصحاب المهمة بالوسوسة مكبلين في اصفادهم ، اليس هذا النوع من الفكر الفاسد لكتاب جهلة هو فساد في الارض وافساد للعقيدة وما اكثرهم هذه الايام ، ولذا فاني وفي نهاية تحقيقي اود اسداء نصيحة للمؤلف والناشر قد تأتيهم بالفائدة المرجوة من نشر مثله من العلوم الفاسدة بأن يغير عنوان الكتاب من نقد الفكر الديني – ماساة ابليس الى ماساة صادق جلال العظم .
المراجع
• صحيح مسلم
• صحيح البخاري
• تفسير الطبري
• تفسير الجلالين
• مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني للشيخ محمد مهدي شمس الدين
• الاحاديث القدسية في الجرح والتعديل د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي
• الاعجاز العلمي في القرأن – الشيخ عبد المجيد الزنداني
• كشف الخفاء للعجلوني
• موريس بوكاي – الدين والعلم
• الكون والاعجاز العلمي في القرأن – أ.د. منصور حسب البني
• الاعجاز العلمي في القرأن – الشيخ زغلول النجار
• كتاب الطواسين
• تبليس ابليس
• الاحاديث القدسية – المكتبة الثقافية – بيروت
• صراع مع الملاحدة حتى العظم – الشيخ محمد شريف الزيبق
• اني ماري شيمل – الحلاج نصوص التصوف الاسلامي
• الكتاب المقدس العهدين
• د. سلامه عبد الهادي – تأملات في سورة الانبياء
• ادوارد سعيد –مجموعة مقالات حول الاستشراق والاستغراب