بسم الله الرحمان الرحيم
سألوني عن وقت فراغي فقلت :
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على من علم البشرية كيف تقضي أوقات راحتها . و إن ما توعدون لواقع وما أنتم بمعجزين ثم أما بعد :
سألتني عن أوقات فراغي ولكن أقول لك أخي العزيز بصفتنا مسلمين فليس لدينا شيء اسمه " الفراغ " وإن سألت لماذا أقول لك لأن كل دقيقة تمر على المسلم يكون قد أخذ فيها حسنة أو كُتِبت عليه سيئة وهذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان من المسلمين إذا فلا يمكن أن يكون في حياتنا شيء اسمه " فراغ " . لذلك أعتبر هذه الكلمة دخيلة على المجتمع الإسلامي . ولكن عندنا وقت راحة وهو بدوره لا يمر هباء منثورا لأن كل أعمالنا تكون تطبيقا لكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذن فهي عبادة في مفهومها , وبهذا لا يمكن أن تكون فراغا . إذ كيف تكون كذلك وقد ربحت فيها أجرا , وتعلمت فيها شيئا مفيدا. فعندما أقرأ كتابا مثلا , فإنني أستفيد من جهتين :
1 ) ـ أطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في التعلم والتدبر كما أُمِرنا
2 ) ـ أرتقي بشخصي لأني تعلمت شيئا جديدا يرفع مستواي العلمي و المعرفي .
إذا فالوقت الذي مر علي لم يكن فراغا أبدا . والآن هب أن شخصا آخر قضى وقتا في الكلام الفارغ الذي لا فائدة فيه , والقيل و القال و ولم يستفد من شيء سوى كثرة الضحك المميت للقلب , و النميمة و الغيبة , فعل هذا , خرج ذاك , مرّت فلانة , رجعت الأخرى وهكذا , ثم يقول بعد ذالك : " لقد قضينا وقتا ممتعا , ورفهنا عن أنفسنا في وقت فراغ " أقول له كيف تقول أنه كان وقت فراغ وقد حملت فيه وزرا و ذنوبا عظيمة , حين اغتبت الناس وأكلت لحومهم وهم أمواتا ألم تقرأ قوله تعالى في محكم تنزيله :" ولا يغتب بعضكم بعضا أيحبّ أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميّتا فكرهتموه " وكما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حين أخبر صحابته بأن أكثر ما يدخل الناس النار هذا ثم أشار إلى لسانه. وهذا يعني ما أشرنا إليه قبل قليل من الغيبة و النميمة.ومرة أخرى أقول كيف يكون فراغا وهذا الإثم لا يزول عن عاتق صاحبه حتّى يستسمح كل الذين اغتابهم في ذلك المجلس لأن مظالم الناس لا يغفرها الله حتى يغفر المظلومون للذين ظلموهم . وهذه وحدها مصيبة عظمى . كلا و الله لا يمكن أن يكون هذا فراغا وقد شبّه الله سبحانه وتعالى فيه المغتاب كالذي يأكل لحم جيفة ويا لها جيفة إنها جيفة إنسان بل إنها جيفة أخ مما يزيد من بشاعة الموقف.فكيف نقول " فراغ " قد يتساءل المرء : أليس في حياة المسلم وقت يضحك فيه ويُفَرّج عن نفسه من متاعب الحياة ؟ نقول بلى و الله , ولكن الاختلاف يكمن في طريقة الترفيه ومفهومه من شخص لآخر . فربما ما يثلج صدري ويريح كياني , قد يكون مصدر قلق و توثر بالنسبة للآخر. فكل حسب معتقداته و قناعاته الشخصية . المشكل هو من منهما على حق أو على باطل . تصور أخي القارئ , مثلا أن الاستماع للقرآن الكريم قد أشفى عددا كبيرا من المصابين بالاضطرابات النفسية وحتى بعض الأمراض العضوية, وأنا أعني ما أقول ـ لأن كثيرين هم الذين سيثورون ضدّ هذه الجملة, ولكن ليس هذا موضوعنا اليوم ـ قلت أن كثيرا من الناس يرتاحون لسماع القرآن الكريم ويفرج عن كربهم و ضيقهم و وآخرون ما إن يسمعوا كلمة " قرآن " حتى يطيروا لإغلاق القناة أو تغييرها وكأنه صُعِق , أو أصابه صرع ما.
نعم يستطيع المسلم أن يرفّه عن نفسه : يخرج مع أسرته , يتنزه معهم , يمارس الرياضة , وكل ما يريد , ولكن بنيّة أن ما يفعله هو امتثال لأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , وهكذا تكون حتى تلك النزهة أو الرياضة عبادة يرجو منها المسلم أجرا ورضوانا من الله تعالى . فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المشهور " إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرء ما نوى ...." قال المفسرون ما نوى في ذلك العمل أهو لله أم لغيره. بل أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول أن المسلم وهو في تلك الجلسة الحميمة مع زوجته يكلمها و يسامرها , يكون لهما فيها أجرا . لأنهما فَعَلاَ ذلك طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الحبيب المصطفى فى الحديث " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي." وكما جاء في القرآن الكريم " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " وآيات أخرى كقوله تعالى "وجعل بينكم مودة و رحمة ..." وغيرها من الآيات التي وضّح فيها نوع العلاقة الإنسانية العظيمة بين الذكر و الأنثى . وأخيرا قد يسأل أخ آخر : هل المسلم عندما ينام أليس هذا وقت فراغ؟ نقول لا . وقد يعجب أخي القارئ من هذا الكلام . ولكن الجواب يكمن في معنى قوله صلى الله عليه وسلم أن المرء إذا توضأ وصلى ركعتين ثم نام ـ يعني ليلا ـ بات على رأسه مَلَك يستغفر له حتى يستيقظ . فكيف يكون هناك فراغ في حياة المسلم
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.