بسم الله الرحمن الرحيم
******************



في صحيح البخاري أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال" والمقصود بقوله: مثل صلصلة الجرس التشبيه لا الحقيقة.
قال أبو عمر بن عبد البر: أما قوله في هذا الحديث صلصلة الجرس، فإنه أراد في مثل صوت الجرس، والصلصلة الصوت.
فأخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن نزول الملك عليه يكون في الباطن بصوت مثل صلصلة الجرس، وقد جاء في حديث عمر في وصف ما كان يسمع عند النبي صلى الله عليه وسلم: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدوي النحل" رواه النسائي في الكبرى.

قال الحافظ ابن حجر: فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه.
إذا تقرر هذا فلا تعارض بين الحديث السابق، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس رواه مسلم.
لأن المقصود به في هذا الحديث الجرس الحقيقي.
أما الحديث السابق، فإنما أراد التشبيه، قال الإمام السيوطي: فإن قيل كيف شبه المحمود بالمذموم؟ فإن صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه والإعلام بأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس، فالجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في كل صفاته، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، والمقصود هنا بيان الحس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريباً لأفهمامهم.