الحق تبارك وتعالى قد يمتنّ على بعض من عباده ويُعلمهم لغة الطير والحيوان ، فيستطيعون التفاهم معه ومخاطبته كما في قصة سليمان عليه السلام .



وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ
... (16) سورة النمل



حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
(18)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا
.. (19) سورة النمل


والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها وأبدعها يُوحي إليها ما يشاء ... فما هو الوحي ؟

الوحي
: إعلام من مُعْلِم أعلى لمُعْلَم أدنى بطريق خفي لا نعلمه نحن ، فلو أعلمه بطريق صريح فلا يكون وَحْياً .

فالوَحْي إذنْ يقتضي : مُوحياًَ وهو الأعلى ، ومُوحَيّ إليه وهو الأدنى ، ومُوحي به وهو المعنى المراد من الوَحْي .

والحق - تبارك وتعالى - له طلاقة القدرة في أن يُوحي ما يشاء لما يشاء من خَلْقه .. وقد أوحى الحق سبحانه وتعالى إلى الجماد في قوله :




إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {99/1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {99/2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا {99/3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {99/4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا {99/5} يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ {99/6} فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {99/7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {99/8}
.... [سورة الزلزلة]

أعلمها بطريق خفيّ خاص بقدرة الخالق في مخلوقه .

وقد أوحى سبحانه إلى النحل في قوله :



وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ
.... {16/68} ... [سورة النحل]


وأوحى الله إلى الملائكة :



إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ
.... {8/12} ..... [سورة الأنفال]


وأوحى الله إلى الرسل :



إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ
.... {4/163} ... [سورة النساء]


وأحى إلى المقربين من عباده :



وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي
... {5/111} ... [سورة المائدة]

وقد أوحي إليهم بخواطر نورانية تمر بقلوبهم


وأحى الله - سبحانه وتعالى - إلى أم موسى :



وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
.... {28/7} ... [سورة القصص]

هذا هو وَحْي الله إلى ما يشاء من خَلْقه : إلى الملائكة ، إلى الأرض ، إلى الرسل ، إلى عباده المقربين ، إلأى أم موسى ، إلى النحل ... إلخ

وقد يكون الوحي من غيره سبحانه ، ويًسمى وَحْياً أيضاً ، كما في قوله :



وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ
... {6/121} .... [سورة الأنعام]

و

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا
.... {6/112} ... [سورة الأنعام]

لكن إذا أُطلِقَتْ كلمة (الوَحْي) مًطلقاً بدون تقييد انصرفتْ إلى الوحي من الله إلى الرسل ؛ لذلك يقول علماء الفقه : الوحي هو إعلام الله نبيه بمنهجه ، ويتركون الأنواع الأخرى : وَحْي الغرائز ، وَحْي التَكوين ، وَحْي الفطرة .. إلخ .

إذن عملية الوحي تختلف باختلاف الموحِي والموحىَ إليه ، ويمكن أن نُمثّل هذه العملية بالخادم الفطن الذي ينظر إليه سيده مُجرد نظرة فيفهم منها كل شيء : أهو يريد الشراب .؟ أم يريد الطعان ؟ أم يريد كذا ... ؟ .

والله أعلم

الإمام / محمد متولي الشعراوي .
.