بــراءة يهـــــوذا
مرقس [14: 43-52]
و بينما هو يتكلم، وصل يهوذا، أحد التلاميذ الإثني عشر، على رأس عصابة تحمل السيوف و العصي، أرسلها رؤساء الكهنة و معلمو الشريعة و الشيوخ. و كان الذي أسلمه أعطاهم علامة قال: ((هو الذي أقبله، أمسكوه و خذوه في حراسة شديدة)). و لما وصل يهوذا، دنا في الحال إلى يسوع و قال له: ((يا معلم!)) و قبّله. فألقوا أيديهم عليه و أمسكوه. فاستل أحد الحاضرين سيفه، و ضرب خادم رئيس الكهنة فقطع إذنه. و قال لهم يسوع: ((أعلى لص خرجتم بسيوف و عصي لتأخذوني؟ كنت كل يوم بينكم أعلّم في الهيكل فما أمسكتموني، و لكن حدث هذا لتتم الكتب المقدسة)). فتركوه كلهم و هربوا. و تبعه شاب لا يلبس غير عباءة على عريّه فأمسكوه. فترك عباءته و هرب عرياناً.
متّى [26: 46-56]
و بينما يسوع يتكلم وصل يهوذا، أحد التلاميذ الإثني عشر، على رأس عصابة كبيرة تحمل السيوف و العصي، أرسلها رؤساء الكهنة و شيوخ الشعب. و كان الذي أسلمه أعطاهم علامة، قال: ((هو الذي أقبّله، فأمسكوه!)) و دنا يهوذ في الحال إلى يسوع و قال له: ((السلام عليك يا معلم!)) و قبّله. فقال له يسوع: ((إفعل ما جئت له. يا صاحبي!)) فتقدموا و ألقوا عليه الأيدي و أمسكوه. و مدّ واحد من رفاق يسوع يده إلى سيفه و استلّه و ضرب خادم رئيس الكهنة، فقطع أذنه. فقال له يسوع: ((ردّ سيفك إلى مكانه. فمن يَأخُذ بالسيف يهلك. أتظن أني لا أقدر أن أطلب إلى أبي، فيرسل لي في الحال أكثر من إثني عشر جيشاً من الملائكة؟ و لكن كيف تتم الكتب المقدسة التي تقول أن هذا ما يجب أن يحدث؟)) و قال يسوع للجموع: ((أعلى لص خرجتم بسيوف و عصي لتأخذوني؟ كنت كل يوم أجلس معكم في الهيكل أعلّم، فما أخذتموني. و لكن حدث هذا كله لتتم كتب الأنبياء)). فتركه التلاميذ كلهم و هربوا.
لوقا: [22: 47-54]
و بينما هو يتكلم، ظهرت عصابة يقودها المدعو يهوذا، أحد التلاميذ الإثني عشر، فدنا من يسوع ليقبّله. فقال له يسوع: ((أبقبلةٍ، يا يهوذا، تسلّم ابن الإنسان؟)) . فلما رأى التلاميذ ما يجري قالوا: ((أنضرب بالسيف، يارب؟)) و ضرب واحداً منهم خادم رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى. فأجاب يسوع: ((كفى. لا تزيدوا!)) و لمس أذن الرجل فشفاها. و قال يسوع للمقبلين عليه من رؤساء الكهنة و قادة حرس الهيكل و الشيوخ: ((أعلى لص خرجتم بسيوف و عصي؟ كنت كل يوم بينكم في الهيكل، فما مددتم أيديكم عليّ. و الآن هذه ساعتكم، و هذا سلطان الظلام)). فقبضوا عليه و أخذوه...
يوحنا [18: 1-12]
قال يسوع هذا الكلام و خرج مع تلاميذه، فعبر وادي قدرون وكان هناك بستان، فدخله هو و تلاميذه. و كان يهوذا الذي أسلمه يعرف هذا المكان، لأن يسوع كان يجتمع فيه كثيراً مع تلاميذه. فجاء يهوذا إلى هناك بجنود و حرس أرسلهم رؤساء الكهنة و الفريسيون، و كانوا يحملون المصابيح و المشاعل و السلاح. فتقدم يسوع و هو يعرف ما سيحدث له و قال لهم: ((من تطلبون؟)) أجابوا: ((يسوع الناصري)). فقال لهم: ((أنا هو)). و كان يهوذا الذي أسلمه واقفاً معهم. فلما قال لهم يسوع: ((أنا هو))، تراجعوا و وقعوا إلى الأرض. فسألهم يسوع مرة ثانية: ((من تطلبون؟)) أجابوا: ((يسوع الناصري)). فقال لهم يسوع: ((قلت لكم أنا هو. فإذا كنتم تطلبوني، فدعوا هؤلاء يذهبون)). فتمّ ما قال يسوع: ((ما خسرت أحداً من الذين وهبتهم لي)). و كان سمعان بطرس يحمل سيفاً، فاستلّه و ضرب خادم رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى، و كان اسم الخادم ملخس. فقال يسوع لبطرس: ((رد سيفك إلى غمده! ألا أشرب كأس الآلام التي جعلها لي الآب)). فقبض الجنود و قائدهم و حرس الهيكل على يسوع و قيدوه، و أخذوه أولاً إلى...
1- براءة يهوذا: لنسترجع سوياً هذه الأحداث باختصار لنرى منها براءة يهوذا ناصعة كالشمس:
- في العشاء الأخير: جلس يسوع مع تلاميذه الإثني عشر – أي معهم يهوذا – و ذلك لتناول عشاء الفصح.
- و أثناء العشاء، ذكر يسوع أن الذي يغمس يده في الصحن معه سيسلمه.. فأجاب يهوذا: ((هل أنا هو يا سيد؟)) – أي يهوذا كان معهم.
- ثم جاء يسوع إلى بستان اسمه الجستماني (الجسمانية) مصطحباً معه التلاميذ – بمن فيهم يهوذا – فقال لهم: اجلسوا هنا.. ثم رجع فوجدهم نياماً و معهم يهوذا..
ثم بعد ذلك يقولون لنا أن يهوذا ظهر فجأة مع عصابة لاعتقال يسوع! متى ذهب و أحضرهم في الوقت الذي كان فيه مع التلاميذ كل الوقت في العشاء الأخير و ساعة الذهاب إلى الجسمانية، و كان نائماً كبقية التلاميذ ساعة صلاة المسيح؟ ألا يدل هذا 100% بأن خيانة يهوذا كلها مفبركة لغرض في نفس يعقوب؟ لا شك أن كتبة الأناجيل هنا خانهم ذكاءهم، مما يؤكد براءة يهوذا من الخيانة المزعومة. ولو كانت هذه الشهادة ضد يهوذا في محاكم اليوم لبرّأه القاضي و سجن كتبة الأناجيل الثلاثة بدلاً منه، و سنقوم بتقديم أدلة أخرى على براءته في السطور القليلة القادمة.
2- نرى في متّى أن يسوع قال ليهوذا: ((يا صاحبي!)). كيف يناديه: يا صاحبي وهو الذي طعنه في ظهره و خانه؟ إن هذا التعبير لا يصح في وصف الخائن. ولو كانت خيانة يهوذا حقيقية، لما قال له ذلك، بل لوصفه بأنه خائن! ألم يقل للكتبة و الفريسيين في وجوههم بأنهم جهلة و عميان و أولاد أفاعي؟ لماذا يخاف هنا و يناديه بالصاحب؟ إنها زلة قلم أخرى لتبرءة يهوذا.
3- الملهومن الثلاثة (متى و مرقس و لوقا) ذكروا أن يهوذا دلّ على يسوع بقبلة، أما يوحنا فلم يعرف شيئاً عنها، و ذكر أن يهوذا كان واقفاً معهم و لم يدلهم على يسوع.
4- إفعل ما جئت له: ذكرنا لكم أن الأعداد مقتبسة عن الترجمة العربية المشتركة، و لدى مراجعة باقي الترجمات وجدت أن ترجمة فاندياك ذكرت في ذلك قولاً آخر: ((يا صاحب، لماذا جئت؟)). لذا كنت مضطراً لمراجعة الترجمات الإنكليزية المختلفة فوجدت التالي:
- نسخة الملك جيمس KJV ذكرت في هذا العدد: ((لماذا جئت يا صديقي؟ Friend, wherefore art thou come?)).
- النسخة القياسية المنقحة RSV ذكرت أيضاً: ((لماذا أنت هنا يا صديقي؟ Friend, why are you here?)).
- النسخة العالمية الجديدة NIV ذكرت في الحاشية: (( أو قوله: لماذا جئت يا صديقي؟ Friend, why have you come?)) كما حذت حذوها النسخة الإنكليزية القياسية ESV و غيرها من النسخ..
إن المخطوطات القديمة ذكرت قول المسيح: ((لماذا أنت هنا يا صديقي؟)) و ذلك وفقاً للنسخة القياسية المنقحة، و المأخوذة من أقدم المخطوطات اليدوية المتوفرة في العالم المسيحي. و هذا يدل على أن يسوع لم يكن يعلم سبب حضور يهوذا المزعوم لاعتقاله، مما ينسف زعم كتبة الأناجيل بأن عيسى قد تنبّأ بخيانة يهوذا المزعومة. أما المخطوطات الأكثر حداثة، فقد حولت هذا النص إلى قوله: ((إفعل ما جئت من أجله)) بعد أن فطن الناسخون إلى هذا التناقض الخطير في قول المسيح، من أجل إكمال التمثيلية التي حاولوا نسجها لنا في خيانة يهوذا التي لا نجد لها سبباً واحداً كما أسلفنا. فإن كان المسيح قد قال ذلك، فلم التحريف إذاً؟ و هذا دليل آخر على براءة يهوذا.
5- استعمال يهوذا كمرشد في الدلالة على عيسى أمر مرفوض عند كل ذي عقل سليم، لأن كتبة هذه الأناجيل بقولهم هذا إنما يحتقرون ذكائنا أو ينسون ما يكتبون. إن الكهنة و الفريسيين لم يكونوا بحاجة إلى من يدلهم على عيسى أو على تحركاته للأسباب التالية:
- عند إلقاء القبض على يسوع، ذكرت الأناجيل الثلاثة الأولى قوله: ((كنت كل يوم أجلس معكم في الهيكل أعلّم، فما أخذتموني)). فما حاجتهم إلى الدليل ليرشدهم إليه؟
- لقد كان كل يوم يعلّم في الهيكل وهو معروف لديهم. ألم يسألوه: ((بأي سلطة تعمل هذه الأعمال؟ و من أعطاك هذه السلطة؟)) [متى 21: 23].
- ألم يسأله الفريسيون و معلمو الشريعة: ((لماذا يخالف تلاميذك تقاليد القدماء، فلا يغسلون أيديهم قبل الطعام؟)) [متى 15: 2].
- ألم يكن الفريسيون يتبعون يسوع كظله من مكان إلى آخر حتّى بين الحقول؟ [متى 12: 2].
- أليسوا هم الذين سألوه: ((أيحل أن ندفع الجزية إلى قيصر أم لا؟)) [متى 22: 17].
- أليسوا هم الذين سألوه: ((أيجل الشفاء في السبت؟)) [متى 12: 10].
- أليسوا هم القائلين: ((برئيس الشياطين يطرد الشياطين!)) [متى 9: 34].
- أليسوا هم الذين سألهم المسيح: ((ما قولكم في المسيح؟ ابن من هو؟)) [متى 22: 42].
- أليسوا هم الذين قال لهم: ((الحجر الذي رفضه البناؤون صار رأس الزاوية.. سيأخذ الله ملكوته منكم و يسلمه إلى شعب يجعله يثمر)) [متى 21: 41-43].
- أليسوا هم الذين هاجمهم و لعنهم في إصحاح كامل /23/ و سماهم بالجهلة و العميان و أولاد الأفاعي؟
- أليسوا هم الذين أبرأ أسقام شعبهم و جعل العرج يمشون و الخرس ينطقون و البرص يطهرون، و الصم يسمعون، و الهمي ينظرون؟
- أليس هو الذي أحيا أليعازر أمام جموع اليهود و شفا ابن رئيس مجمعهم؟
- أليس هو الذي أطعم الألوف من كسرة خبز و سمكتين؟
- أليس هو الذي ارتجت له المدينة يوم دخلها منتصراً و الجموع مصطفة على الجانبين يفرشون الطريق بملابسهم و أغصان الشجر و يهتفون: أوصنا.. مبارك الآتي باسم الرب؟
- أليس هو الذي دخل ساحة الهيكل على رؤساء الأشهاد و قلب موائد الصيارفة و طرد باعة الحمام..؟
- أليس هو الذي قالوا عنه: ((انتشر صيته في سورية كلها)) [متى 4: 24].
- لقد ذكر لنا لوقا في العدد [21: 37] ((و كان يسوع في النهار يعلم في الهيكل، و عند المساء يخرج ليبيت في جبل الزيتون)). فما حاجتهم بعد إلى دليل يرشدهم إلى مكانه؟
6- استلال السيف و قطع الأذن: أنظر عزيز القارئ كيف بدأ هذا المشهد: ذكر مرقس أن أحد الحاضرين استل سيفه و قطه به أذن عبد رئيس الكهنة، ثم صحح متّى في أن الذي استل السيف كان أحد التلاميذ. و لما أخذ لوقا النص عنهم أضاف أن التلاميذ طلبوا الإذن منه أن أن يشهروا سيوفهم.. ولكن سبق السيف العدل! إذ أن واحداً منهم كان قد قطع أذن عبد رئيس الكهنة، و أضاف لوقا أن المسيح أبرأها. فكيف تغيب مثل هذه المعجزة على باقي كتبة الأناجيل؟ أما يوحنا حدد اسم الضارب بالسيف بأنه سمعان بطرس، وحدد اسم عبد رئيس الكهنة بأنه (ملخس)، و حدد الإذن باليمنى. فهل تحديد اسم عبد رئبس الكهنة، وتحديد الأذن باليمنى أهم من ذكر اسم الحواري البار برنابا الذي باع حقله و نثر الدراهم تحت أقدام التلاميذ و ضيعت اسمه الكنائس و كتبة الأناجيل بين "فلان" و رجل يحمل جرة ماء"؟
لقد كان الجنود و خدام و رؤساء الكهنة مسلحين بالسيوف و العصي. فهل يعقل أن يشهر أحد التلاميذ سيفه (الخطوة الأولى) و يقطع أذن عبد رئيس الكهنة (الخطوة الثانية) و يسيل دمه أما الجميع (الخطوة الثالثة) ثم يُبرئ المسيح أذنه و يقول: ((كفى لا تزيدوا.. ردّ سيفك إلى مكانه. فمن يَأخُذ بالسيف يهلك)) (الخطوة الرابعة) و خصومهم أمامهم يتفرجون؟!!! فلو أن بطرس (أو أحدهم) استلّ سيفه، لاستلّ خدام الكهنة سيوفهم في الحال بدون استثناء، ولدارت معركة حامية الوطيس بالسيوف و العصي و أجهزوا فيها على التلاميذ و ربما على معلمهم نفسه! إن هذا غير معقول أبداً!! ولو حدث هذا في أحد الأفلام لصاح الجمهور "سينما أونطة هاتوا فلوسنا".
7- ردّ سيفك إلى مكانه. فمن يَأخُذ بالسيف يهلك: إن قوله هذا يناقض تماماً طلبه من التلاميذ أن يبيعوا ثيابهم و يشتروا سيوفاً، و ليس من المعقول أن يناقض المسيح نفسه.. فلم السيوف إذاً إن كان يسوع أراد تسليم نفسه من البداية؟ إن هذا يرشح قولنا السابق بأن قائل هذا القول لم يكن المسيح .. بدل البديل الذي جاء من العالم الآخر شبيهاً بيسوع.
8- فتركه التلاميذ كلهم و هربوا: يا للعار .. تلاميذه الذين قال لهم ((متّى 5: 13 = أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح، فماذا يملّحه؟)) تلاميذه الذين فضلهم عن أمه و قال: ((متّى 12: 48-49 = من هم أمي و من هم أخوتي؟ و أشار بيده إلى تلاميذه و قال: هؤلاء هم أمي و أخوتي)).. تلاميذه الذين بشرهم بالجنة قائلاً: ((متّى 19: 28 = الحق أقول لكم: متى جلس ابن الإنسان على عرش مجده عند تجديد كل شيء، تجلسون أنتم الذين تبعوني على اثني عشر عرشاً لتدينوا عشائر إسرائيل الإثني عشر)) من يصدق ذلك؟ ما الذي يدعوهم للهرب بعد أن تركوا العالم و تبعوه؟ لا معنى لهذا الهرب بعد أن تعاهدوا على حمايته حتى لو ماتوا معه! ألم يقل المسيح لبطرس أنه الصخرة التي يبني عليها الكنيسة و أبواب الجحيم لا تقوى عليها؟أحفنة من الخدام المسلحين يحطمون تلك الصخرة و يهدمون تلك الكنيسة؟ بطرس أنكره و يهوذا خانه و البقية هربوا!! و ماذا عن قول لوقا [22: 31-32] على لسان المسيح أن الشطان أراد فساد دينهم و أنه طلب من الله ألا يجعل له عليهم سبيلاً؟ و لو أنهم هربوا حقيقة لوبخم بعد القيام المزعوم.. و كيف يكونوا شهود عيان لما حدث بعد ذلك؟ فإما أنهم لم يهربوا وهم كتبة الأناجيل، أو أنهم هربوا فعلاً و كتبة الأناجيل أجانب و غرباء عن المسيح.. فليختاروا واحدة!
9- التناقض الأعظم: إن الأناجيل الثلاثة الأولى ذكرت لنا أن عملية القبض على يسوع تمت ليلة عيد الفصح بينما ذكر يوحنا أنها تمّت قبل عيد الفصح!!! فهل ألقي القبض على يسوع مرتين؟ إن صدقنا الثلاثة وجب علينا تكذيب يوحنا، إذ يستحبل الجمع بين الروايتين ولا بأي شكل من الأشكال. فكيف ُتبنى على الصلب عقيدة بأكملها إن كانت الأناجيل قد اختلفت في توقيت عماد تلك العقيدة – ألا وهو الصلب؟
المفضلات