بسم الله الرحمن الرحيم
عالم الملكوت
قال تعالى"ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا" وقد تصور البعض بأن هذه السموات بعيده عنا
لكنها موجوده فى نفس المكان أى متطابقه مع عالمنا وتختلف بأنها أثيريه غير ماديه وبدرجات أعلى
من عالمنا فلايمكن لأبصارنا أن تدركها وفى هذه العوالم تسكن الملائكه والأرواح
"الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن"
خلق الله الحياة فى سبعه عوالم تسمى عوالم الملكوت والنجوم والكواكب موجوده فقط فى عالمنا الأول
حياتنا الدنيا أى المتدنية والذى يطلق عليه عالم الماده والذى يوجد به النجوم والكواكب والمجرات
"فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا الحياة الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم"
والعوالم الأخرى الغير ماديه التى من الأثير التى يسكن بها الملائكة والروح والأنفس بعد موت الأنسان
وقد خلق الله الروح فى عالم الروح قبل أن يخلق الأنسان وكانت أول روح خلقها الله هى روح سيدنا محمد الحديث رقم:
6423- كنت أول الناس في الخلق و آخرهم في البعث
التخريج (مفصلا): ابن سعد عن قتادة مرسلا
تصحيح السيوطي: صحيح فلما أكتمل خلق كل الأرواح ظهر الله للأرواح ليشهدها على نفسه قال تعالى"وأذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على نفسه ألست بريكم قالوا شهدنا أن تقولوا يوم القيامه أنا كنا عن هذا غافلين" وكانت الأرواح مجرده فى عالمها لاتعلم كنهها ولايعلم كنهها الا الله فلما خلق الله آدم عليه السلام فى الجنة وشكل هيئته من الطين نفخ الله فيه روح آدم التى خلقها من قبل ووضعها فى جسده وهذا ما يحدث لكل إنسان عندما يتكون الجنين ينزل الملائكة بالروح التى خلقها الله له من قبل فى عالم الروح فتسكن فى النفس طوال حياته وعند انقضاء الأجل تنفصل الروح ومعها النفس ويتركا الجسد وتصعد النفس الى أحد العوالم السبعه التى ذكرها الله والمسماه عوالم الملكوت حسب درجتها نتيجه لأعمالها فى الحياة الدنيا لتكون فى حياة أخرى فى انتظار يوم الحساب بينما يترك الجسد فى عالمنا ليتحلل الى تراب ويكون مكان جسده القبر أما مكان نفسه فهو أحد العوالم السبع حسب أعماله ويكون منزله مطابق لنفس مكان القبر الذى به جسده فلو تصورنا رؤيه هذه الحياة الأخرى التى تسكن فيها النفس فسوف نجد مكان القبر منزلا إما متسعا كأنه روضه من الجنه أو أنه منزلا ضيقا كأنه حفرة من حفر النار
فالأنسان يتكون من روح فقط قبل ولادته ولايوجد كنه ولاهويه له
و يتكون من روح ونفس وجسد فى حياته الدنيا فتحدد هويته ويسجل عمله ويحتفظ بذكراه
ويتكون من روح ونفس فى حياته الأخرى التى تحتفظ بسجل الأعمال والهويه
وهذه الأنفس الأثيريه مكانها العالم الآخر الأثيرى الماسب لها وهو موجود معنا فى نفس المكان ولكن لانحس به وهناك الأحاديث عن الرسول التى توضح ذلك إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار
والدليل على تطابق السموات السبع بأن فى نفس المكان يوجد جزء من الجنه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ".
كما أن النفس تحيا بمنزلها فى السماء السادسه وفى نفس الوقت هو مكان القبر فى حياتنا الدنيا
عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِــي عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السّلاَمُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي قَبْرِه وموسى كما ذكر بحديث الأسراء فى السماء السادسة إذن المكانين منطبقين لذلك كان رسول الله يزور الأنفس وهم بمنازلهم فى الحياة الآخره بمواقع مكان قبورهم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا وإياكم متواعدون غدا أو مواكلون وانا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد كما أن بعض الصالحين يمكنهم سماع هذه النفوس أو رؤيتها عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم خِبَآءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لا يَحْسَبُ أَنّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا فيه قَبْرُ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتّى خَتَمَهَا، فَأَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولُ الله إني ضَرَبْتُ خِبَائِي وَأَنَا لاَ أَحْسَبُ أَنّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتّى خَتَمَهَا. فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ المَانِعَةُ هِيَ المنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ
وهذه الأنفس ترانا وتسمعنا وتعرفنا الحديث رقم:
42949- عن أبي رافع قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في بقيع الغرقد وأنا أمشى خلفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا هديت، لا هديت - ثلاثا، قلت: يا رسول الله! مالي؟ قال: ليس إياك أريد، إنما أريد صاحب القبر، سئل عني فزعم أن لا يعرفني
لذلك يمكن أن تتصل بنا النفوس بالرؤيا والأحلام وغيره من وسائل الأتصال بيننا فى عالمنا المادى والعالم الآخر وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث الأسراء والمعراج كل العوالم الأخرى ومايسكنها من الأرواح وإن الأنسان بعد موته تذهب نفسه الى أحد هذه العوالم فى حياة أخرى أى لهم نظام آخر يختلف عن عالمنا فهو يصلى لله ويكلم الآخرين وكلمهم رسول الله وتبادل معهم المعلومات فالأنفس لها نفس الحواس التى بجسدنا ولكنها أعلى من التى فى
الجسد الذى هو ذلك الكيان المادى جعل له الله شكلا وهيئه وأجهزه تعمل لكى تحفظ الحياة ولكى يعمل ويعبد الله ولكى ينتقل وبه كل الحواس اللازمه للأتصال بعالمنا المادى والتى بدونها نفقد الأتصال به
ولكن الذى يمكننا من الأتصال بالعوالم السبع هى حواس النفس وهذه الحواس كانت عندما خلق الله الأنسان فى الجنه هى وسيله الصله مع هذه العوالم السبع التى بها الملائكة والجن والروح وهى أوسع مجالا لتناسب التعامل فى الجنه ثم هبطت الى أدنى مجال هندما استخدمنا حواس الجسد ليناسب تعاملاته فى حياته الدنيا
قال تعالى"لقد خلقنا الأنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين"
قال تعالى"ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"
والنفس هى شخصيه الأنسان وكنهه وبها رغباته من الحب والكره وشهواته وغرائزه وأحساساته وفكره وذاكرته ومثله وأخلاقه وهى التى ستحاسب لأنها مخيرة بين فعل الخير والشر
و القوى التى يكتسبها الجسد المادى بما يناسبه من الأكل والرياضه
و القوى التى تكتسبها النفس من تزكيتها بفعل الخير والأبتعاد عن الشر والصوم والزهد
فكلا الجسد والنفس هما حجابان على الروح وعلمنا بأن الروح هى الأساس وشبهناها بمثل البطاريه فى السيارة وأنها هى التى تستقبل النور من الله الذى هو غذائها وتختزنه حتى تقوى وتنير كما علمنا بأن وسيله تزويد الروح بالنور هى الصلاة والذكر والتسبيح وأنه للمساعده على تحقيق أكبر كفاءه لهذا الأتصال ضروره تنقيه الجسد والنفس لأنهما الحجب السميكة الذى تحجب النور والذى يصل الى الروح من الله ولتنقيه هذا الحجاب حتى يكون شفافا حتى يمرر مزيدا من النور يتم هذا بالأعمال الصالحه والطهارة والبعد عن الشر لتنقيه الجسد و لتزكيه النفس حتى لايحجبا النور من الله الينا عند صلاتنا فيزيد الأنتفاع للروح من النور الألاهى وهذا هو جهاد النفس لأن النفس أماره بالسوء ولأجل ذلك البعد عن الشهوات والرغبات وعدم طاعه الهوى وعدم الخوض فى سيره الناس والتعامل الحسن مع الناس والطاعه لله كل ذلك يتجه الى الأصطلاح المعروف وهو العبوديه لله فى كل أوامره وهذا هو الدين والشريعه
تحقيق العبوديه بالتواضع وتقوى الله وعدم الأنفراد بالرأى وروح المشورة والتواضع وكبح جماح النفس واتباع المعروف والخير فى السلوك
حديث "كان صلى الله عليه وسلم في أول أمره يتبتل في جبل حراء وينعزل إليه"
التبتل هو رغبه العابد أن يروض النفس بالأبتعاد عن المؤثرات الدنيويه بعدم الأختلاط بالخلق منعا من الأخطاء وارتكاب المعاصى كما انه يكبح نفسه عن الأعمال المخالفه ويروضها بالصبر والتطهر مع الصلاة وذكر الله وقرآءه القرآن والأكل الخفيف وبذلك تزكى النفس ويرتفع درجاتها فتصبح شفافه وبالتالى يزداد النور الألاهى التى تحصل عليه الروح فيصبح الأنسان )رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )(الفتح: من الآية29) من النور الروحاني أو عبدا ربانيا فينتقل الأنسان من مرحله الأسلام الى منزله الأيمان وهنا تتغلب حواس النفس فيتسع نطاق درجات حواسه السمعيه والبصريه كما خلقه الله فى الجنه ويصبح الأنسان مطلعا على عالم الملكوت أكثر منه الى عالم الجبروت حيث يطلعه الله على ماخفى عن حواسه الجسديه لأنه عمل وأستعد لذلك بجهده وترقى الى درجه المعرفه وتدربت حواسه لأستقبال العوالم الأخرى قال تعالى " أطعنى عبدى تكن عبدا ربانيا"
فطاعه الله هى الأساس فى الترقى الى مرحله الأيمان لأن الله يحض على الخير والعمل الصالح والتواصل مع الله بالذكر والتسبيح وهنا يتوضح الأمر بالنسبه للأتقياء فلابد من أن يدخل أى عالم بعد حصوله على شهاده التخرج الماديه التى حصل عليها من أقرانه البشر والتى تفيد بأنه أطلع ودرس وعلم ما فى الكتب واستوعبها لكن ليس لهذا علاقه بمنزلته ودرجته عند الله التى لينالها لابد له من طاعه الله والترقى لتعمل حواس النفس ليكون ذو بصيره ونور لأن نور الروح هو أساس الترقى وقوة النور هو درجته عند الله كلما زاد بمقدار هذا النور وهذا هو الذى يفرقنا عن عهد رسول الله فالرسول والخلفاء الراشدين الذين جمعوا بين الحكم والدين لأنهم كان لهم نور فكان لهم بصيرة بتقواهم والذى يتطلب منهم مجهود مستمر للمحافظه على درجتهم فهناك كسب وأيضا هناك فقد والأنسان صلاحه وعلو منزلته بالنتيجه بين الأثنين ولذلك الآن أنفصل الحكم عن الدين لأن الدين يرأسه عالم متعلم حصل على شهادة من البشر فقط ولكنه لم يحصل على منزلته من الله ليحكم بينما وقت الرسول أجتمع الأثنان فى شخص واحد لأن الله هو الذى منح المنزله لذلك ينبغى أن يواصل الذى يريد أن يكون مستنيرا عليه أن يواصل الجهد ليحصل على الأجازه من الخالق وهذا هو المهم ثم عليه المحافظه على المستوى بالعمل يوميا وبالمراقبه وتقوى الله فى أفعاله )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110) يصبح كل انسان حسب منزلته عند الله حتى يمكنه أن يعتمد على البصيره والألهام الصادق من الله فى حكمه بالأضافه الى ماعرفه من الكتب والعلم فهو يراعى الله لأنه ذو بصيره واطلاع ويخاف الله وهذا الأمر متاح لكل أنسان فليس بين العبد والرب فاصل أو مانع فباب الله مفتوح للجميع العالم والطالب كلهم سواسيه لذلك فأن من الواجب على الخلايق السعى كل فرد بنفسه للسير فى الطريق المستقيم مع الله بالخير بنفس الأسلوب فتقوى الله متاحه للجميع والله يعلم من اتقاه كما أن الذين يسيرون فى ركاب العالم الذى أكتفى بشهادته ولم يتقرب لخالقه لأنه مجرد مسمى عالم فقط أو لأن الموضوع عصبيه وتحيز لفرقه ليس الا كفريق كره قدم نشجعه ونريد له المكسب ونتعصب له فهذا خطأ فالعقاب الذى نواجهه من الله الآن كان لهذا السبب فقط خرجنا عن أطار مفهوم الدين وجعلناه شعارات ومظهر وتركنا تقوى الله فاراد الله أن يؤدبنا والغلبه للطريق المستقيم سواء رضينا أم عصينا لأن الدين عند الله الأسلام