تمهيد فى مبادىء علم الأدب
الأدب عبارةُ عن معرفة ما يُحترز به من جميع انواع الخطأ وهو قسمان : طبعيُّ و كسبىُّ- فالطبعى ما فُطرَ عليه الإنسان من الأخلاق الحسنة والصفات المحمودة كا لكرم والحلم – والكسبىُّ ما اكتسبهُ بالدرس والحفظ والنظر ، فحينئذ يعرَّف بأنه عِلْمِ صناعىَّ تُعرفُ به اساليبُ الكلام البليغ فى كل حال من أحواله ، وهو المدعو (بعلم الأدب) .
وموضوعه الكلام المنظوم والمنثور من حيثُ فصاحته وبلاغته .
وغايته الإجادة فى فنى المنظوم والمنثور على اساليب العرب ، وتهذيبُ العقل ، وتذكية الجناَن .
وفائدتهُ أنهُ يعصم صاحبه من زلة الجهل ، وانه يروض الأخلاق ويلين الطبائع وانه يعين على المروءة ، وينهض بالهمم إلى طلب المعالى والأمور الشريفة .
( واركانه اربعة ) الأول : قُوى العقل الغريزية ، وهى خمسةُ :
الذكاء1 ، والخيال2 ، والحافظة3 ، والحس4 ، والذوق5
1- الاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف بالفكر وفى كتب اللغة الذكاء عبارة عن حدة الفؤاد وسرعة الفطنة.
2 – قوة باطنة تحفظ صور المحسوسات بعد غيبوبة المادة وهو من اكبر أسباب النجاح فى فن الكتابة.
3 – قوة من شأنها حفظ ما يدركه العقل من المعانى فتذكره عند الحاجة ولذلك سميت ذاكرة.
4 – قوة يتاثر بها ألانسان من صور المدركات كاللذة و الالم وهو من شروط الكتبة إذ يعين الكاتب مما يحدث فيه من التاثير على رسم صور المحسوسات رسما محكما فيقتدر إذ ذاك على تحريك العواطف واستمالة القلوب ، الا ترى أن الكلام العذب إذا حل فى القلب أحدث فيه حركة وهزة!
5 – قوة غريزية لها اختصاص بإدراك لطائف الكلام ومحاسنه الخفية وتحصل بالمثابرة على الدرس و بالممارسة لكلام البلغاء وتكراره على السمع والتفطن لخواص معانيه وتراكيبه وبتنزيه العقل والقلب عما يفسد الأخلاق والآداب.
الركن الثاني: معرفة الأصول وهى مجموع قوانين الكتابة ، وفيها تبيان طرق حسن التأليف وضروب الإنشاء وفنون الخطابة .
وتنقسم هذه الصول إلى قسمين عامة وخاصة ( فالعامة) كالتآليف الأدبية من منظوم ومنثور فى اغراض شتى ( والخاصة ) كالتآليف المفردة بالرسائل أو بالمثال .
الثالث: مطالعة تصانيف البلغاء بالتأني والتبصر فيها ، ليدخر الكاتبُ كل لفظٍ مؤنق شريف وكل معنى بديع بحيث يتصرف بهما عند الضرورة .
وشروطها ثلاثة ( الاول ) ان يستقل المطالع بعض علماء اللغة وائمة الأدب فيقتصر على درسهم حتى ينسج على منوالهم ( الثاني) أن يطيل النظر فى المطالعة ويُرددُ مِرَاراً ما استحسنه من تصانيفهم كى يروض الذهن فى حلبة سباقهم فيقف على غريب اسلوبهم وعجيب تراكيبهم ( الثالث) أن ينتقى منها شيئاً مما استجاده من اللفظ الحُر والتراكيب الصحيحة والمعاني البليغة ذخراً لذاكرته ومهمازاً لقريحته.
الرابع: الارتياضُ وهو التدرب بوجوه الإنشاء بأن تتوسع فى شرح بعض المعاني فتبينه باوجه شتى وتنمقه باشكال البديع و بأن تجتهد فى وضع بعض مواضيع وجيزة فتصوغ تارة وصف مدينة أو مدحاً او تهنئةً ، واخرى تسردُ مثلا أو تسبك روايةً إلى غير ذلك – وان تحذوَ حذو المتقدمين فى اوضاعهم باستعمال الفاظهم ومعانيهم وبان تُحلَّ النظم فتاتىَ به نثراً أنيقاً وتعقد النثر فتصوغه صوغا رشيقاً .