اسرار القران (54)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

اسرار القران (54)

النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اسرار القران (54)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    04:10 PM

    افتراضي اسرار القران (54)

    54)......‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏....*‏





    هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النمل‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ثلاث وتسعون‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي قصة نبي الله سليمان مع هذه الحشرة الضئيلة الحجم‏,‏ في وادي النمل‏,‏ ولعل في ذلك ما يؤكد لنا أن كل كائن في هذا الوجود من المخلوقات غير المكلفة له قدر من الادراك‏,‏ والوعي‏,‏ والإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏(‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏)‏ في توحيد خالص‏,‏ وخضوع كامل‏,‏ وعبادة فطرية‏,‏ تسخيرية دائبة قد تقصر دونها عبادة بعض المكلفين من الخلق‏,‏ وذلك بغض النظر عن حجم ذلك الكائن‏,‏ أو طبيعته‏:‏ جمادا كان‏,‏ أو حيوانا أو نباتا‏,‏ وعلي الرغم من غفلة كثير من الخلق المكلفين عن تلك الحقيقة المبهرة‏....!!‏
    ويدور المحور الرئيسي لسورة النمل حول قضية العقيدة وأساسها الإيمان بالله وحده‏,‏ ولذلك تقرع آذان المشركين بهذا التساؤل الاستنكاري التبكيتي الرادع‏:‏ أإله مع الله‏!‏؟

    وقد تكرر هذا التساؤل خمس مرات بين آيات السورة الكريمة‏,‏ وجاءت كل مرة فيها بعد الإشارة إلي عدد من الآيات الكونية التي تشهد للخالق العظيم بالألوهية‏,‏ والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ كما تشهد له‏(‏ سبحانه‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وبديع الصنعة‏,‏ وإحكام الخلق‏,‏ وتمام الحكمة‏,‏ وإحاطة العلم‏,‏ ويأتي الجواب بعد كل تساؤل من تلك التساؤلات الخمسة أكثر زجرا وأقوي ردعا بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ بل هم قوم يعدلون‏,‏ بل أكثرهم لا يعلمون قليلا ما تذكرون‏,‏ تعالي الله عما يشركون‏,‏ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين‏.‏
    وبعد استعراض أطراف من قصص الغابرين يأتي قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ قل الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي آ لله خير أما يشركون‏*(‏ النمل‏:59)‏

    ومن ركائز العقيدة التي دار حولها المحور الرئيسي للسورة أيضا‏:‏ الإيمان بأن هذا الإله الواحد ــ الذي لا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه ــ هو الخالق‏,‏ الرزاق‏,‏ العليم الحكيم واهب النعم‏,‏ ومجري الخيرات‏,‏ علام الغيوب‏,‏ صاحب الحول والطول‏,‏ منزل وحي السماء الذي تكامل في القرآن الكريم وحفظ فيه بوعد منه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ والإيمان بالآخرة‏,‏ وبما فيها من بعث وحساب‏,‏ وثواب وعقاب‏.‏
    وتبدأ سورة النمل بالحرفين الهجائيين طس اللذين اختص بهما مطلع هذه السورة الكريمة‏,‏ وهذه الفواتح الهجائية من أسرار القرآن الكريم التي يري نفر من علماء المسلمين أفضلية التوقف عن الخوض في تفسير دلالاتها‏,‏ وتفويض الأمر فيها إلي الله‏(‏ تعالي‏),‏ ويري نفر آخر ضرورة الاجتهاد في فهم تلك الدلالات‏,‏ فتعددت لها أوجه التفسير دون الوصول إلي رأي جامع في ذلك بعد‏.‏

    وتؤكد السورة الكريمة أن آيات القرآن الكريم هي الكتاب المبين‏,‏ وأنها جاءت‏:‏ هدي وبشري للمؤمنين‏*‏ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون‏*(‏ النمل‏:3,2).‏
    ثم تنتقل السورة إلي مقارنة بين المؤمنين بالآخرة والذين لا يؤمنون بها‏,‏ وتعرض لشيء من صفاتهم وجزائهم في الدنيا والآخرة‏,‏ وتؤكد لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قدسية ما يتلقاه من وحي فيقول‏:‏ وإنك لتلقي القرآن من لدن حكيم عليم‏*(‏ النمل‏:6)‏

    ثم تعرض سورة النمل لقصص عدد من انبياء الله‏,‏ ولما نال الكافرين من اقوامهم من عذاب بسبب إعراضهم عن دعوة الله‏,‏ وتكذيبهم لرسله‏,‏ ومن هؤلاء موسي‏0‏ عليه السلام‏)‏ وكلام ربه‏(‏ تعالي‏)‏ إليه‏,‏ وبعثه الي فرعون وقومه في تسع آيات‏,‏ ومنهم كل من داود وسليمان‏(‏ عليهما السلام‏)‏ وما علمهما الله‏(‏ تعالي‏)‏ من علم‏,‏ وما آتاهما من فضل‏,‏ ومن ذلك قصة سليمان عليه السلام مع نملة في وادي النمل‏,‏ ومع كل من الهدهد وبلقيس ملكة سبأ‏.‏
    كذلك جاءت سورة النمل علي ذكر طرف من قصة نبي الله لوط‏(‏ عليه السلام‏)‏ والفاحشين من قومه‏,‏ وما أصاب هؤلاء الفاحشين من عذاب أليم‏,‏ ونجاة لوط وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين‏.‏

    وفي الرد علي منكري البعث تخاطب سورة النمل رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون‏*‏ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون‏*‏ وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون‏*‏ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين‏*(‏ النمل‏65‏ ـ‏68).‏

    وتتابع السورة الكريمة بالأمر الإلهي إلي هؤلاء المكذبين بالدين أن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة المجرمين من الأمم السابقة‏,‏ والذين أبيدوا عن بكرة أبيهم جزاء إجرامهم وكفرهم وظلمهم‏,‏ وأن هذه هي عاقبة كل مجرم مفسد في الأرض من أمثال الصهاينة المجرمين الغاصبين لأرض فلسطين والجائرين علي اهلها بالبطش والظلم ومن أمثال الهندوس والبوذيين الظالمين لشعوبهم من المسلمين‏,‏ وعاقبة الأمريكان والبريطانيين والروس والصربيين والصينيين الخائنين المتآمرين والمستبدين بشعوبهم وبشعوب الأرض اجمعين‏....!!‏
    وتأمر الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كما تأمرنا اليوم بأمر الله‏(‏ تعالي‏)‏

    ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون‏*(‏ النمل‏:70)‏
    وترد السورة مرة أخري علي شبهات المتشككين في الآخرة والعمين عنها بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    ويقولون متي هذا الوعد إن كنتم صادقين‏*‏ قل عسي أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون‏*‏ وإن ربك لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون‏*(‏ النمل‏:71‏ ــ‏73)‏
    وتؤكد الآيات في سورة النمل أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم ما تكن الصدور وما تعلن‏,‏ ويعلم غيب السماوات والأرض‏,‏ وأن هذا القرآن الكريم أنزل تصحيحا لما حرف اليهود من رسالة الله إليهم‏,‏ وإنه لهدي ورحمة للمؤمنين‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)...‏ يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم‏*.‏

    وتأمر الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالتوكل علي الله‏,‏ وتؤكد له أنه علي الحق المبين‏,‏ وتفسر له رفض الكافرين لرسالته بأنهم كالأموات بلا وعي ولا حراك أو كالصم الذين لا يسمعون خاصة إذا ولوا مدبرين أو كالعمي الذين لا يبصرون والغارقين في الضلال إلي آذانهم ولذلك تقول‏:‏ فتوكل علي الله إنك علي الحق المبين‏*‏ إنك لا تسمع الموتي ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين‏*‏ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون‏*(‏ النمل‏:79‏ ــ‏81)‏ وتؤكد سورة النمل أن من العلامات الكبري للساعة خروج الدابة من الأرض تكلم الناس وتعاتبهم علي عدم اليقين بآيات الله فتقول‏:‏
    وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون‏*(‏ النمل‏:82)‏

    وتتحدث الآيات عن مصائر المكذبين بآيات الله يوم الحشر‏,‏ وعن أثر نفخة الصور في كل من أهل السماء والأرض فتقول‏:‏
    ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين‏*‏
    ‏(‏ النمل‏:87).‏

    وتصف سورة النمل مصائر كل من المحسنين والمسيئين فتقول‏:‏
    من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون‏*‏ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون‏*.‏
    ‏(‏ النمل‏:89‏ ــ‏90).‏

    وتختتم السورة الكريمة بأمر إلهي إلي الرسول الخاتم والنبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ليقول للناس كافة‏:‏
    إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين‏*‏ وأن أتلو القرآن فمن اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين‏*‏ وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون‏*‏
    ‏(‏ النمل‏:91‏ ــ‏93)‏

    والآيات التي استشهدت بها سورة النمل علي صدق ما جاء بها من عقائد وتشريعات وأحكام وأخبار تشمل ما يلي‏:‏
    ‏(1)‏ الإشارة إلي أن لكل من الطيور والحشرات ولغيرهما من الحيوانات بالقياس‏(‏ ولباقي الكائنات من الأحياء والجمادات‏)‏ قدرا من الإدراك‏,‏ ومنطقا يعين كلا منهم علي التعبير عن مشاعره وخواطره وإيمانا فطريا تسخيريا للخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وإدراكا لجلال هذا الخالق العظيم‏,‏ وهو باب في العلم لم يدرك الإنسان طرفا منه إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين ولا يزال العلم اليوم علي عتبات ذلك الباب‏.‏

    ‏(2)‏ الإشارة إلي سرعات فائقة تقترب من سرعة الضوء كالسرعة التي نقلت بها عرش بلقيس ملكة سبأ من جنوب اليمن إلي بيت المقدس في زمن لا يتعدي طرفة عين‏,‏ ولم يكن أحد علي وجه الأرض حينذاك ولا في وقت تنزل القرآن الكريم يدرك شيئا من قبيل تلك السرعات الفائقة إلا في المعجزات او الاساطير‏.‏

    ‏(3)‏ الاشارة إلي تزجيج بلاط الأرضيات‏....‏ إنه صرح ممرد من قوارير‏....‏

    ‏(4)‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏.‏

    ‏(5)‏ إنزال الماء من السماء وإنبات النبات والشجر بإذن الله‏.‏

    ‏(6)‏ جعل الأرض قرارا وإرساؤها بالجبال‏,‏ وشق الانهار من خلالها‏.‏

    ‏(7)‏ وجود حاجز فاصل بين كل بحرين متجاورين من بحار الأرض‏.‏

    ‏(8)‏ خلق النجوم زينة للسماء الدنيا‏,‏ ووسيلة هداية للناس في ظلمات البر والبحر‏.‏

    ‏(9)‏ إرسال الرياح بشرا بين يدي رحمة الله‏.‏

    ‏(10)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده‏.‏

    ‏(11)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يرزق كل عباده من السماء والأرض حسب مشيئته وتقديره‏.‏

    ‏(12)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو وحده الذي يعلم غيب السماوات والأرض‏,‏ وعلي أن المخلوقين لا يعلمون أيان يبعثون‏.‏

    ‏(13)‏ تأكيد حقيقة أن الليل للسكن والراحة‏,‏ وأن النهار للنشاط والعمل‏.‏

    ‏(14)‏ الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها بوصف الجبال أنها تمر مر السحاب‏.‏

    ‏(15)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سيفتح أبواب معرفة الكون للناس في آخر الزمان فيرون آياته ويعرفونها‏.‏
    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    ‏...‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏...*(‏ النمل‏:61).‏

    وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض أقوال عدد من المفسرين السابقين لهذا النص القرآني المعجز‏.‏

    من أقوال المفسرين
    في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ ‏...‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏..*‏
    ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:...‏ أي جعل بين المياه العذبة والمالحة‏(‏ حاجزا‏)‏ أي مانعا يمنعها من الاختلاط‏.....‏
    وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏:...(‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏)‏ بين العذب والملح لا يختلط أحدهما بالآخر‏....‏

    وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏ البحر الملح الأجاج‏,‏ والنهر العذب الفرات‏...‏
    وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏:...‏ برزخا فاصلا من الأرض بين العذب والملح‏,‏ حتي لا يبغي أحدهما علي الآخر‏.‏

    وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ وجعل بين الماء العذب والماء الملح فاصلا يمنع امتزاج أحدهما بالآخر‏!!...‏
    وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خير الخبراء‏)‏ ما نصه‏:..‏ أي وجعل بين المياه العذبة والمالحة فاصلا ومانعا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد ماء البحار المياه العذبة‏....‏

    وواضح من هذا الاستعراض إجماع المفسرين قدامي ومعاصرين علي أن المقصود بالبحرين هنا هما النهر العذب الفرات والبحر الملح الأجاج‏,‏ ولكن في مقال سابق أوضحنا أن المقصود بالبحرين في قول الحق‏(‏تبارك وتعالي‏):‏
    مرج البحرين يلتقيان‏*‏ بينهما برزخ لا يبغيان‏*‏
    ‏(‏الرحمن‏:19‏ ــ‏20)‏

    هما البحر الملح ونظيره الملح عندما يختلفان في صفاتهما الطبيعية والكيميائية‏,‏ وهو نفس الاستنتاج هنا بالنسبة للبحرين المذكورين في الآية رقم‏(61)‏ من سورة النمل‏.‏
    من مبررات تفسير لفظة‏(‏ البحرين‏)‏ المطلقة في القرآن الكريم بالبحرين الملحين‏(‏ المالحين‏)‏

    في كل من الآية رقم‏(61)‏ من سورة النمل‏,‏ والآيتين رقم‏(19‏ ــ‏20)‏ من سورة الرحمن تفسر لفظة‏(‏ البحرين‏)‏ التي جاءت مطلقة في الحالتين بالبحرين الملحين وذلك للمبررات التالية‏:‏
    أولا‏:‏ أن لفظة‏(‏ البحر‏)‏ في اللغة العربية تطلق علي كل من البحر الملح‏,‏ والبحر العذب‏(‏ أي النهر‏),‏ ولكنها إذا أطلقت دون تقييد فإنها تدل علي البحر الملح فقط‏,‏ وإذا قيدت فإنها تدل علي ما قيدت به‏,‏ وقد جاءت لفظة‏(‏ البحرين‏)‏ مطلقة في الحالتين المذكورتين‏.‏

    ثانيا‏:‏ أورد القرآن الكريم لفظة‏(‏ البحر‏)‏ بالإطلاق في‏39‏ موضعا‏,‏ منها‏33‏ بالإفراد‏,‏ وثلاث بالتثنية‏,‏ وثلاثة أخري بصيغة الجمع‏,‏ ومن ذلك قوله تعالي‏:‏
    ‏(1)...‏ وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار‏*(‏ إبراهيم‏:32)‏

    ‏(2)..‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏...*‏
    ‏(‏ النمل‏:61)‏

    ‏(3)‏ مرج البحرين يلتقيان‏*‏ بينهما برزخ لا يبغيان‏*(‏ الرحمن‏:19‏ ــ‏20)‏

    وفي المقابل نلاحظ أن القرآن الكريم أورد لفظة‏(‏ البحر‏)‏ بالتقييد المحدد مرتين فقط بصيغة التثنية يقول فيهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    ‏(1)‏ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا‏*(‏ الفرقان‏:53)‏

    ‏(2)‏ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وتري الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏*(‏ فاطر‏:12).‏

    ثالثا‏:‏ في وصف لفظة‏(‏ البحرين‏)‏ المطلقة جاء في سورة الرحمن قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏*(‏ الرحمن‏:22)‏
    والمرجان حجر من الاحجار شبه الكريمة يؤخذ من هياكل حيوان بحري لا يحيا إلا في الماء الملح‏,‏ أما اللؤلؤ فيستخرج من أصداف حيوانات تحيا في أي من الماء الملح أو الماء العذب‏,‏ ولكن جمعهما معا يؤكد علي أن المقصود بالبحرين هنا هما البحر الملح والبحر الملح‏,‏ وهو أمر أكبر إعجازا من التقاء النهر العذب بالبحر المالح ــ علي أهمية ذلك العظمي‏,‏ وضرورته القصوي لاستقامة الحياة علي الأرض‏,‏ وعلي ما فيه من إعجاز في الخلق يعجز البيان عن تصويره ــ‏.‏

    رابعا‏:‏ الإشارة القرآنية الكريمة إلي تعظيم الفاصل بين البحرين العذب والملح بكل من البرزخ والحجر المحجور وذلك لوجود الدلتا ومقدماتها وما حولهما من حواجز ترسيبية‏,‏ بالإضافة الي الماء الوسطي بين العذب والملح‏(‏ الماء المويلح أي قليل الملوحة‏)‏ علي حواف الماء العذب عند التقاء الماءين‏,‏ وفي المقابل الإشارة القرآنية إلي الفاصل بين البحرين‏(‏ بغير تخصيص‏)‏ بتعبير البرزخ فقط أو الحاجز فقط وهو الحاجز من الماء الوسطي بين ماءين مختلفين في صفاتهما الطبيعية والكيميائية كالبحرين الملحين المختلفين أفقيا أو رأسيا‏;‏ وذلك لأن مثل هذا الحاجز لا يمنع تحرك الكائنات البحرية من كتلة مائية إلي كتلة مائية أخري مجاورة إلا إذا تباينت الصفات بينهما تباينا صارخا فهو لا يحجر الكائنات البحرية حجرا كاملا‏,‏ كما أنه يصعب ادراكه علي غير المتخصصين حتي في زمن التقدم العلمي الذي نعيشه‏.‏

    خامسا‏:‏ ثبت أن التنوع بين كتل الماء المتجاورة أفقيا ورأسيا بين البحار المتجاورة‏,‏ وفي داخل البحر الواحد من البحار العميقة والمحيطات هو ضرورة من ضرورات التنوع البيئي في البحار الذي لولاه لتقلصت الحياة البحرية تقلصا شديدا‏.‏

    وتتجاور تلك الكتل المائية وتختلط دون امتزاج كامل علي الرغم من محاولة التيارات والأمواج البحرية خلط كل كتلتين مائيتين متجاورتين بأنشطتها المختلفة‏,‏ ولكن كل الذي يحققه ذلك هو تكوين حزام أو جبهة أو برزخ أو حاجز من ماء وسطي في كل حالة يعمل هذا البرزخ علي إبقاء تلك الكتل المائية المتجاورة مفصولة فصلا كاملا عن بعضها البعض‏,‏ وكأن كلا منها عبارة عن بحر مستقل بذاته‏.‏
    تباين الكتل المائية المتجاورة في صفاتها بين البحار المتجاورة وفي البحر الواحد

    علي الرغم من وجود كتل مائية متجانسة في صفاتها الطبيعية والكيميائية تغطي مساحات كبيرة من محيطات الأرض وبحارها الكبيرة‏,‏ فإن قياس عدد من الصفات الطبيعية والكيميائية من مثل كل من درجات الحرارة ونسبة الملوحة والكثافة ونسبة الأوكسجين المذاب في الماء قد أثبتت وجود تباين ملحوظ في تلك الصفات من كتلة إلي أخري أي من بحر الي آخر‏,‏ وحتي في البحر الواحد‏,‏ ومع تباين تلك الصفات تتباين التجمعات الحياتية في كل منها‏.‏ كما تتباين أنواع الرسوبيات التي تترسب منها‏;‏ وهذه الحقيقة لم تدرك الا في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي اثناء رحلة باخرة الأبحاث البحرية البريطانية المسماة باسم رحلة التحدي‏
    The Challenger Expedition‏
    والتي تمت في الفترة من‏1872‏ م إلي‏1876‏ م‏.‏ وأثبتت أبحاثها ان الماء في بحار ومحيطات الأرض ينقسم الي عدد من الكتل المتجاورة أفقيا ورأسيا‏,‏ ولما كانت التغيرات الرأسية في صفات ماء البحار والمحيطات أسرع من التغيرات الأفقية‏,‏ فإن التمايز الرأسي في صفات ماء البحار والمحيطات كان دائما أوضح من تمايزه الأفقي‏,‏ وعلي سبيل المثال فإن درجة حرارة الماء عند خط الاستواء تنخفض من‏25‏ درجة مئوية عند مستوي سطح البحر أو المحيط إلي‏5‏ درجات مئوية علي عمق كيلو متر واحد‏,‏ بينما لا تنخفض أفقيا إلي نفس الدرجة إلا علي بعد حوالي‏5000‏ كيلو متر شمالا أو جنوبا من خط الاستواء‏.‏

    وعلي الرغم من ذلك فإن التغيرات الأفقية في الصفات الطبيعية والكيميائية قائمة بالفعل‏,‏ وبإضافتها الي التغيرات الرأسية نلاحظ ان الكتل المائية في البحار والمحيطات تتغير صفاتها في الأبعاد المكانية الثلاثة‏,‏ كما تتغير مع الفصول المناخية ومع كل من الليل والنهار‏(‏ أي مع الزمن‏).‏

    طبيعة الحاجز بين البحرين
    مع التغير في الصفات الطبيعية والكيميائية لكتل الماء فإنها تتحرك في الاتجاهات الرأسية والأفقية‏,‏ وتختلط‏,‏ وتتداخل أحيانا‏,‏ وتتبادل درجات الحرارة والملوحة إلا أنها تظل دائما مفصولة عن بعضها البعض بحواجز غير مرئية بطريقة مباشرة علي هيئة حدود من الماء ذي الطبيعة الوسطية‏.‏
    وعلي الرغم من ذلك فإن الماء في البحار والمحيطات يبدو متجانسا لخفاء تلك الحواجز الفاصلة من الكتل المائية‏,‏ ويعين علي ذلك ان‏75%‏ من مجموع ماء البحار والمحيطات في درجة حرارة تتراوح بين الصفر‏,‏ و‏6‏ درجات مئوية‏,‏ ودرجة ملوحة تتراوح بين‏3,4%,‏ و‏3,5%;‏ و‏50%‏ من مجموع ماء تلك البحار والمحيطات في درجة حرارة تتراوح بين‏3,8,1,3‏ درجة مئوية‏,‏ ودرجة ملوحة تتراوح بين‏3,46%,3,48%;‏ وأن متوسط درجة حرارة الماء في محيطات الأرض هو‏3,5‏ درجة مئوية‏,‏ ومتوسط درجة الملوحة هو‏3,47%,‏ وان كانت هذه المعطيات تتغير كثيرا في كل من البحار المغلقة وشبه المغلقة‏.‏

    توزيع الكتل المائية بين البحار والمحيطات
    تمتد الكتل المائية في المحيطات والبحار المفتوحة لمسافات طويلة بمحاذاة خطوط العرض‏(‏ أي في الاتجاه من الشرق الي الغرب‏)‏ ولكنها تتغير أفقيا بسرعة في الاتجاه المتعامد‏(‏ أي من خط الاستواء شمالا وجنوبا‏)‏ ولذلك تتمايز الي الكتل الاستوائية‏,‏ والكتل المدارية والكتل شبه المدارية والتي تجمع أحيانا تحت مسمي الكتل المائية في خطوط العرض الدينا في مقابلة الكتل المائية في خطوط العرض العليا والتي تمتد شمالا وجنوبا حتي القطبين‏.‏

    وتتباين الصفات الطبيعية والكيميائية للكتل المائية بتباين أوضاعها علي سطح الكرة الأرضية‏,‏ وبتباين مناسيبها من سطح البحر‏,‏ وبتباين هذه الصفات تنقسم الكتل المائية بصفة عامة الي ما يلي‏:‏
    ‏*‏ أولا‏:‏ الكتل المائية السطحية‏:‏ وتمتد من مستوي سطح الماء في البحار والمحيطات إلي أعماق تتراوح بين‏400‏ متر عند خط الاستواء و‏900‏ متر عند خط عرض‏30‏ شمالا وجنوبا‏,‏ عندما يبدأ الانخفاض الفجائي في المنحني الحراري أي‏:‏ في درجات الحرارة‏,‏ وإن كان الحد الأسفل للنشاط السطحي للماء في البحار والمحيطات يوضع عادة بين‏200‏ ـ‏300‏ متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ حيث يظهر تغير ملحوظ في كثافة الماء أو ما يعرف باسم منحني الكثافة‏,‏ وينقسم الماء السطحي في البحار والمحيطات الي عدد من الكتل الكبري التي منها‏:‏

    ‏(1)‏ الكتلة المتوسطة‏:‏ وتمتد بين خطي العرض‏35,30‏ شمالا وجنوبا‏,‏ وتتراوح درجة حرارة الماء في هذه الكتلة من‏6‏ إلي‏19‏ درجة مئوية‏,‏ وتتراوح نسبة ملوحتها بين‏3,4%,3,65%,‏ وتنقسم هذه الكتلة المائية الكبيرة إلي عدد من الكتل الأصغر التي لها نفس الكثافة تقريبا‏;‏ ولكنها تختلف في بقية صفاتها الطبيعية‏,‏ وذلك باختلاف مواقعها الجغرافية‏.‏

    ‏(2)‏ كتل الماء السطحي في خطوط العرض العليا‏:‏ وتمتد في المناطق المناخية المعتدلة شمالا وجنوبا‏,‏ وتتميز بدرجات حرارة ونسبة ملوحة منخفضة عن الماء في الكتلة المتوسطة وذلك لوجودها في مناطق باردة وغزيرة الأمطار‏.‏

    ‏(3)‏ كتل الماء السطحي في المناطق القطبية وحول القطبية‏:‏ وتشمل المحيطين القطبيين الشمالي والجنوبي والمناطق المحيطة بهما‏,‏ وأضخمها المنطقة حول القطب الجنوبي‏,‏ ويمتد الماء السطحي فيها الي اعماق تصل الي‏3500‏ متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ في درجات حرارة تتراوح بين الصفر المئوي والدرجتين‏,‏ ونسبة ملوحة تتراوح بين‏3,46%,‏ و‏3,47%.‏

    ‏*‏ ثانيا‏:‏ كتل الماء متوسط العمق‏:‏ وتمتد إلي عمق يصل إلي‏1500‏ متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ في تباين واضح لدرجات الحرارة ونسب الملوحة‏,‏ وذلك نظرا لتحرك هذا الماء من مصادر سطحية مختلفة‏.‏ وعلي ذلك يقسم هذا الماء إلي العديد من الكتل علي أساس من صفاته الطبيعية والمصادر التي جاء منها‏.‏
    وتوجد هذه الكتل المائية متوسطة العمق في كل أحواض المحيطات تقريبا‏,‏ خاصة في المنطقة حول القطب الجنوبي‏,‏ ويتدفق منها الماء البارد‏,‏ في اتجاه الشمال حتي يصل الي خط عرض‏20‏ درجة شمالا في المحيط الأطلسي‏,‏ وحتي خط عرض‏10‏ درجات جنوب خط الاستواء في كل من المحيطين الهندي والهادي‏,‏ ويمتد هذا الماء البارد من القطب الشمالي إلي شمال كل من المحيط الأطلسي والهادي متمركزا في أجزائهما الغربية‏,‏ وتزداد ملوحته نسبيا بسبب تجمد الماء وتحرك الركازة الملحية إلي تلك المناطق‏.‏

    ‏*‏ ثالثا‏:‏ كتل الماء العميق‏:‏ وأوضح نموذج لها يوجد في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلسي‏;‏ حيث يتكون هذا الماء من اختلاط ماء شديد الملوحة مندفع بواسطة تيار خليج فلوريدا والماء القادم من المنطقة شبه المتجمدة الشمالية وهو ماء شديد البرودة خاصة في فصل الشتاء‏,‏ وتسمي هذه الكتلة المائية باسم كتلة ماء المحيط الأطلسي العميقة‏,‏ وهي تملأ قاع هذا المحيط إلي خط عرض‏30‏ درجة شمالا‏,‏ ولكنها كلما اتجهت جنوبا تتطابق بين كتلتي الماء متوسط العمق وشديد العمق لطفوها فوق ماء القطب الجنوبي البارد العالي الكثافة والملوحة‏,‏ وتبقي كل كتلتين من تلك الكتل المائية المتجاورة رأسيا وأفقيا محتفظة بصفاتها الطبيعية والكيميائية وسط أطر من الماء المتوسط الصفات بينهما‏,‏ وينتج هذا الماء الوسطي عن الاختلاط الجزئي بينهما وذلك بفعل التيارات والأمواج البحرية التي تعمل علي خلطهما خلطا جزئيا‏.‏
    وتبلغ درجة حرارة كتل هذا الماء العميق في قاع المحيط الأطلسي حوالي ثلاث درجات مئوية‏;‏ ولا توجد كتل عميقة من الماء في كل من المحيطين الهندي والهادي‏,‏ باستثناء بعض الجيوب الصغيرة في كل منهما‏.‏

    ‏*‏ رابعا‏:‏ كتل الماء شديدة العمق‏:‏ وتنتشر أساسا فوق قاع المحيط القطبي الجنوبي‏,‏ ويعتبر ماؤها أعلي ماء الأرض كثافة ويتركز حول القارة القطبية الجنوبية‏,‏ ويتحرك هذا الماء الشديد البرودة والملوحة والكثافة من هناك شمالا الي قيعان المحيطات الرئيسية الثلاثة‏(‏ الهادي‏,‏ والهندي‏,‏ والأطلسي‏)‏ حتي يصل الي خط العرض‏30‏ درجة شمالا‏.‏
    وهذه الكتل من ماء قاع القطب الجنوبي تتكون أساسا من تجمد الماء بكميات كبيرة فوق الرصيف القاري تاركا وراءه كميات مهولة من الركازات الملحية التي تندفع عبر منحدرات الجرف القاري لتختلط مع أقدار مساوية تقريبا من كتل الماء السطحي حول القطب الجنوبي‏,‏ فينشأ هذا الماء الذي يتميز ببرودة شديدة‏,‏ وكثافة مائية عالية‏,‏ ونسبة ملوحة عالية نسبيا‏(‏ في حدود‏3,47%).‏

    من ذلك الاستعراض يتضح أن الماء في جميع البحار المفتوحة والمحيطات يترتب أفقيا ورأسيا في كتل متمايزة مفصولة بماء وسطي يفصل كل كتلتين عن بعضهما البعض كأن كل واحد منهما بحر مستقل بذاته‏,‏ وذلك علي الرغم من نشاط كل من الأمواج والتيارات البحرية‏.‏ وتبدأ هذه الكتل المائية عند مستوي سطح البحر في المناطق ذات خطوط العرض العليا‏,‏ وتمتد إلي الأعماق بالتدريج حتي تصل إلي قاع المحيط في المناطق الاستوائية‏,‏ ويبقي الترتيب الأفقي لتلك الكتل المائية حسب مناطقها المناخية يعكس الترتيب الرأسي في المنطقة الواحدة حسب العمق بصفة عامة‏.‏
    والماء يتحرك أفقيا في البحار والمحيطات بفعل الرياح والتيارات البحرية وبكل من الأمواج السطحية والداخلية‏,‏ ويتحرك رأسيا بازدياد الكثافة أو نقصها الناتج عن الاختلاف في أي من درجات الحرارة أو نسبة الأملاح المذابة أو فيهما معا نتيجة لتعرض الماء السطحي للبخر أو للأمطار‏,‏ أو تعرض الماء العميق للأنشطة البركانية فوق قيعان البحار والمحيطات‏,‏ أو لشيء من الاختلاف في نسبة الأملاح المذابة بالاختلاط مع غيره من كتل الماء‏,‏ وإذا زادت كثافة الماء فإنه يتحرك من أعلي إلي أسفل‏,‏ وإذا قلت فإنه يتحرك بالعكس من أسفل إلي أعلي‏.‏

    وقد ثبت بدراسة النظائر المشعة أن اختلاط كتلتين من الماء فوق قاع المحيط الهادي يحتاج في المتوسط الي فترة زمنية بين الألف والألف وستمائة سنة‏,‏ وإلي نصف هذه المدة تقريبا في كل من المحيطين الهندي والأطلسي‏,‏ ولذلك فإن ماء المحيط الهادي يمثل أقدم ماء المحيطات علي الإطلاق‏.‏ وعلي العكس من ذلك فإن الماء السطحي لا يكاد يبقي في مكانه لأكثر من‏10‏ إلي‏20‏ سنة ولذلك يمثل أحدث ماء المحيطات عمرا‏.‏

    التمايز بين ماء البحار شبه المغلقة والمفتوحة
    ويظهر التمايز بين كتل الماء المتجاورة أكثر ما يظهر بين البحار شبه المغلقة والمحيطات وذلك من مثل البحر الأبيض المتوسط عند اتصاله بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق‏,‏ والبحر الأحمر عند اتصاله مع خليج عدن عبر باب المندب‏,‏ والخليج العربي عند اتصاله مع خليج عمان عبر مضيق هرمز‏,‏ والبحر الأسود عند اتصاله ببحر إيجه عبر مضيق البوسفور‏(‏ الدردنيل‏).‏

    فالماء في البحر الأبيض المتوسط تزداد ملوحته بالتدريج لأن مجموع مايتبخر منه سنويا يبلغ ثلاثة اضعاف ما يسقط عليه من مطر‏,‏ وما يفيض اليه من ماء الانهار خاصة بعد إتمام مشروع السد العالي في سنة‏1970‏ م‏,‏ ويعوض ذلك بتيار ماء سطحي من المحيط الأطلسي يدخل عبر مضيق جبل طارق بمحاذاة السواحل الشمالية للقارة الإفريقية ثم يتحرك شرقا في عكس اتجاه عقارب الساعة مكونا الثمانين مترا العليا من الماء في البحر الأبيض المتوسط ليجدد ماءه باستمرار‏,‏ وكذلك يتلقي البحر الأبيض المتوسط تيارا سطحيا متواضعا من البحر الأسود عبر مضيق الدردنيل‏.‏
    ومع ازدياد البخر في الصيف تزداد نسبة الأملاح في الماء السطحي للبحر الأبيض المتوسط فتزداد كثافته ويهبط الي القاع‏,‏ ومع الرياح الباردة التي تهب عليه في الشتاء يبرد الماء السطحي في هذا البحر فتزداد كثافته أيضا ويهبط إلي القاع‏,‏ ويفيض هذا الماء العميق‏,‏ البارد‏,‏ ذو الملوحة النسبية والكثافة العاليتين عبر مضيق جبل طارق ليفيض من فوق كتلة الصخر المكونة للمضيق منحدرا بشدة إلي أعماق الجزء الشرقي من المحيط الأطلسي علي هيئة لسان من الماء عالي الكثافة والملوحة يمكن إدراكه علي عمق ألف متر تقريبا ممتدا لآلاف الكيلو مترات غربا‏.‏

    وكل كتلة من هذه الكتل المائية الداخلة من المحيط الأطلسي إلي البحر الأبيض المتوسط‏,‏ والخارجة من ذلك البحر إلي المحيط والكائنة في الأجزاء المختلفة من كل منهما تختلط بالكتل الأخري ولا تمتزج بها امتزاجا كاملا‏,‏ وذلك بتكون نطق من ماء ذي طبيعة وسطية بين كل كتلتين متجاورتين‏.‏
    وكذلك الحال بالنسبة للبحر الأحمر‏,‏ وهو بحر طولي عميق‏,‏ يبلغ طوله حوالي الألفي كيلو متر‏,‏ ويتراوح عرضه بين‏145‏ كم‏,306‏ كم‏,‏ وتقدر مساحته بحوالي‏438,000‏ كيلو متر مربع‏,‏ ويصل عمقه إلي‏2920‏ مترا‏,‏ وماؤه دافيء‏,‏ عالي الملوحة لأن متوسط البخر من هذا البحر يقدر بحوالي‏200‏ سنتيمتر في السنة تقريبا‏.‏

    وينقسم هذا البحر الطولي إلي غور خسيف شديد العمق في وسط حوض محوري عميق يحيط به رصيف قاري ضحل نسبيا يتدرج في العمق باتجاه المحور المركزي بواسطة سلسلة من الصدوع السلمية‏.‏
    والماء في عمق هذا البحر‏(‏ في الخمسين مترا السفلي منه‏)‏ تتراوح درجة حرارته بين الخمسين والمائة درجة مئوية‏,‏ وتبلغ ملوحته ثمانية أضعاف متوسط ملوحة البحار والمحيطات‏(‏ أي حوالي‏27,2%).‏

    ويندفع الماء الدافيء المالح الكثيف نسبيا من البحر الأحمر الي خليج عدن عبر باب المندب فينساب تحت ماء المحيط الهندي علي عمق ثمانمائة متر تقريبا تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويندفع تيار مائي معاكس من خليج عدن الي داخل البحر الأحمر يحمل اليه ماء اقل كثافة‏,‏ وحرارة وملوحة وأعلي في الأوكسجين المذاب وبالنسبة للخليج العربي يندفع ماؤه الدافيء المالح كذلك الي خليج عمان عبر مضيق هرمز ويتم ادراكه علي عمق ثلاثمائة متر تقريبا تحت سطح الماء في الجزء الشمالي من المحيط الهندي‏,‏ ويندفع تيار معاكس من خليج عمان الي الخليج العربي‏.‏
    وفي هذه الحالات الثلاث وامثالها يتكون بين كل كتلتين مائيتين متجاورتين حزام من ماء ذي طبيعة وسطية يعرف باسم الماء المختلط أو الجبهة المائية الفاصلة بين كتلتين متجاورتين‏,‏ ويتحرك هذا الحزام بهيئة رأسية أولا ليفصل بين الكتلتين المائيتين المتجاورتين أفقيا‏,‏ ثم ينحني بالتدريج حتي يصير في وضع مائل ثم أفقي ليفصل بين كتلتين مائيتين تعلو إحداهما الأخري‏.‏

    وهذه الجبهة عبر عنها القرآن الكريم بتعبير البرزخ مرة‏,‏ وبتعبير الحاجز في الآية الكريمة التي نحن بصددها‏,‏ وهو حاجز حقيقي وإن كان لا يري بطريقة مباشرة‏,‏ لأنه يفصل بين الكتلتين المائيتين المتجاورتين فصلا كاملا علي الرغم من نشاط التيارات والأمواج البحرية التي تعمل علي خلط أنواع الماء المتباينة في صفاتها مع بعضها البعض‏,‏ وذلك يتكون هذا الحاجز الذي يزداد سعة أو ينقص حتي يتلاشي ليتكون من جديد بين كتلتين مائيتين أخريين‏.‏
    وتبدو كتل الماء المتجاورة في البحر الواحد متجانسة‏,‏ ولكن بالتحليل الكيميائي الدقيق وبالتصوير من الفضاء بواسطة الأشعة تحت الحمراء يتضح تمايزها الي كتل متجاورة مفصولة فصلا كاملا بحواجز غير مرئية تحول دون امتزاج كامل لتلك الكتل المتجاورة من الماء أفقيا أو رأسيا‏.‏

    فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
    ‏...‏ وجعل بين البحرين حاجزا‏...(‏ النمل‏:61)‏

    وهي حقيقة لم يدركها العلم المكتسب إلا في صورة بدائية جدا وذلك في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي‏(1872‏ ـ‏1876‏ م‏),‏ ولم تتم بلورتها‏,‏ وقبولها من العلماء المتخصصين إلا في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين‏.‏
    فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم‏..(‏ أنزله بعلمه‏)..‏ وحفظه بلغة وحيه‏,‏ وبصفائه الرباني وقدسيته‏,‏ وإشراقاته النورانية وصدقه‏,‏ وبإعجازه المبهر والمتجدد باستمرار‏,‏ حتي يبقي حجة علي الخلق أجمعين منذ اللحظة الأولي للوحي به‏,‏ وإلي قيام الساعة إن شاء الله رب العالمين‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم الذي تلقي القرآن من لدن حكيم عليم‏,‏ وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏






    الحلقات السابقه علي الرابط
    http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=46602
    التعديل الأخير تم بواسطة طالب عفو ربي ; 28-11-2009 الساعة 01:40 PM
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

اسرار القران (54)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اسرار القران (138)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:11 PM
  2. اسرار القران(137)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:10 PM
  3. اسرار القران (136)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:08 PM
  4. اسرار القران (135)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 12:07 PM
  5. اسرار القران (119)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-12-2009, 09:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

اسرار القران (54)

اسرار القران (54)