قال القرطبي : عن الشعبي وقتادة وغيرهما أن الله تعالى كتب على قوم موسى و عيسى صوم رمضان فغيروا ، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل ، فصار صوم النصارى خمسين يوما ، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع ، واختار هذا القول النحاس وقال : وهو الأشبه بما في الآية ، وقال مجاهد : كتب الله عز وجل صوم شهر رمضان على كل أمة .


قال القرطبي : وفيه حديث يدل على صحته عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرة ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فه فقالوا لئن شفاه الله لنزيد سبعة ثم كان ملك آخر فقالوا : لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين .


وقيل إنهم أخذوا بالوثيقة فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ، قرنا بعد قرن ، حتى بلغ صومهم خمسين يوما ، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي ، قال النقاش : وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة و الحسن البصري والسدي ، قلت : ولهذا والله أعلم كره الآن الصوم يوم الشك قال الشعبي : لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك ، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا ، فحولوه إلى الفصل الشمسي ، لأنه قد كان يوافق القيظ فعدوا ثلاثين يوما ، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ، ثم لم يزل الآخر يستن بسنة من كان قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فلذلك قوله تعالى ] كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ ( البقرة : 183 ) [9] .


وعند ابن كثير من رواية عباد بن منصور عن الحسن قال : والله لقد كتب الله الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا ، وعن ابن عمر مرفوعا قال : " صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم " .


ولعل أوضح رواية في ذلك التغيير والتبديل الذي وقع من النصارى ما أخرجه الطبري بسنده عن السدي و نقله ( صاحب الدر المنثور ) في قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ ( البقرة : 183 ) قال : أما الذين من قبلنا فالنصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان ، فاشتد على النصارى صيام رمضان وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا الصيام في الفصل بين الشتاء والصيف وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعن فجعلوا صيامهم خمسين [10] .


ويشبه صوم النصارى وما فرض عليهم قبل تبديلهم صوم المسلمين في حالهم الثاني الذي كانوا عليه قبل الحال الأخير وهو ما وردت الإشارة إليه قبل في حديث معاذ الذي أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ، ولهذا قال السدي و أبو العالية و الربيع إن التشبيه بين الصومين في الآية كما هو واقع على القدر والزمن فهو واقع على الكيفية والصفة أيضا ، وقد كان على النصارى الامتناع من الأكل والشرب والنكاح فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام منهم ، وكذلك كان أمر المسلمين أول الإسلام إلى أن نسخ ذلك بقوله تعالى : ] أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [ (البقرة : 187)

بعد ما حدث من أمر أبي قيس بن صرمة و عمر بن الخطاب فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر وكان هذا تخفيفا من الله على المسلمين وخروجا بهم مما ضيقوا على أنفسهم بتشريع ميسر لا كما خرج النصارى بتبديلهم وتحريفهم شريعة الله وقدرها وكيفيتها .


http://www.denana.com/articles.php?ID=1539