بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال عن لاهوت ما ينفصل عن يسوع

هذا الموضوع منذ قديم أصرفه عن ذهنى كثيرا ، ولكنه يعود ويلح علىّ ، فهل أجد عند أحد الإخوة النصارى جوابا على أسئلتى ، حتى أزداد علما بفكرهم ، وله الشكر سلفا ، فأنا لا أَقبل فيه رأى مسلم .

وإلى صلب الموضوع :

- يقول البابا شنوده : " أن السيد المسيح كامل فى لاهوته ، وكامل فى ناسوته . وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين " (1)، حتى وهو فوق الصليب ، و فى أطباق الجحيم .

- ويقول : " إن المسيح ليس ابنين ، أحدهما ابن لله المعبود ، والآخر إنسان غير معبود . ونحن لا نفصل بين لاهوته وناسوته . وكما قال القديس أثناسيوس الرسولى عن السيد المسيح :( ليس هو طبيعتين نسجد للواحدة ، ولا نسجد للأخرى ، بل طبيعة واحدة هى الكلمة المتجسد ، المسجود له مع جسده سجودا واحدا ) . ولذلك فإن شعائر العبادة لا تقدم للاهوت وحده دون الناسوت ، إذ لا يوجد فصل، بل العبادة هى لهذا الإله المتجسد " (2) .

- ويقول الأنبا يوأنس : " ولو كان اللاهوت ترك الناسوت فى تلك اللحظة أو فارقه مفارقة جوهرية لكان معنى ذلك أن الفداء لم يتم ..... ولو ترك اللاهوت الناسوت لكان معنى ذلك أن الذى صلب من أجل البشر إنسان . وكيف يقول الكتاب المقدس عن دم المسيح أنه دم أزلى(عب 9/14) وأنه دم الله ، كما يقول بولس لقسوس أفسس أن يهتموا برعاية كنيسة الله التى اقتناها بدمه ( أع 30/28) فإذا كان الدم الذى سال على الصليب يوصف بأنه دم الله ، فكيف يجوز قول ذلك ما لم يكن اللاهوت متحدا بالناسوت وقت الصلب أيضا !! " (3)

وسؤالى يتعلق بمدى ملازمة اللاهوت لكل ما ينفصل عن يسوع :

- إخراجه ( بــوله ، وبرازه ) : لا شك أن اللاهوتَ لا يفارق إخراجَه ما دام فى ناسوته ( جوفه ) المتحد باللاهوت ، فهل يختلف الأمر حين ينفصل عنه برازه وبوله ؟ هل يظل اللاهوت ملازما لهما رغم تمام إخراجه منه ؟ شأنه شأن دم يسوع الذى سال على الصليب ، والذى هو دم أزلى ؟ ؟ وهل يوصف بأنه براز الله ، وبول الله ، الأزليان ؟ ؟ ؟ ؟

- ختـانه ( قطع القلفة ) : هل فارق اللاهوت القلفة المقطوعة بمجرد قطعها وإلقائها فى النفايات ( الزبالة ) ، هل انسلخ عنها كما تنسلخ الحيّة من جلدها ؟ أم يظل غير منفصل عنها ؟ ربما شأن جسده بعد الموت ؟

- أحشـاؤه : ينقل تادرس يعقوب ملطى قول القديس أمبروسيوس عن إحياء ابن أرملة نايين : " نؤمن أن الأحشاء الإلهية تحركها دموع أرملة أضناها الألم لموت وحيدها ... "
ما دامت الأحشاء إلهية ، والبراز فى أحشائه ، فهل هو إذن براز إلهى أزلـى ؟ وما مصدره فى الأزل ؟

- دمه : " لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة ، وللوقت خرج دم وماء " يو 19/34 . واضح قولهم أنه دم أزلى ، وأنه دم الله ، أى أن اللاهوت متحد بالدم الذى خرج منه ، لم يفارقه .

إن الدم الأزلى لا يوجد فى فراغ ، وإنما – ولا بد – يحفظ ويجرى فى أوعية دموية (شرايين وأوردة) أزلية ، لها دورة دموية أزلية ، فى جسد (ناسوت) أزلى .

- بصاقه ومخاطه : هل بمفارقته ليسوع يفارقه اللاهوت المتحد بالناسوت أيضا ؟

- عَرَقُه : " وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " لو 22/44 ، ربما كان شأنه شأن دمه .

- دموعه : ( فقد بكى كبيرا ثلاث مرات ، فضلا عن صغره ..... ) .

- ضراطُه وفَسْوُه : طبعا لاينفصل عنه اللاهوت، ما دام يتقلب فى جوفه وأحشائه ، ولكن إذا فارق إسته هل ينفصل عنه اللاهوت ، أم يظل ملتبسا به ؟ ؟ ؟

- شَعـره : (شَعر العانة ، شاربه ، لحيته ) .

- أظافره .

- جسده بعد الموت : يقولون بعدم مفارقة اللاهوت لجسد يسوع الميت فى القبر . فما طبيعة علاقة اللاهوت بالجسد الميت ؟ ؟ .

- وبالمناسبة ، فى العشاء الأخير شرب يسوعُ كأسين من الخمر ، لعبت برأسه ، فخلع ثيابه ( his garments ) واتزر بمنشفة ، وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه الأحد عشر ، وكلما غسل رجلى أحدهم خلع المنشفة التى يتزر بها وجفف بها رجليه ، رغم أن غسيل الأرجل ما كان يحتاج خلع الثياب والتعرى والاتزار بالمنشفة .

أنا لا أسأل عن عُرْيِه ، فقد صلب عريانا كيوم ولدته أمه ، مكشوف السوأتين ، قبُله ودبُره ، تنظره النسوة والجمع والمارة والجند ، ويرمقه المأبونون والشواذ والزانيات اللاتى يصاحبن كل مصلوب .

فماذا عن السّكْرِ ، ما وضع اللاهوت مع ناسوت يسوع السكران ؟
هل القساوسة لا يخلعون ثيابهم فى التعميد ، لأنهم أكثر أدبا من ربهم ؟

هذه أسئلة تدور بخاطرى كثيرا ، أرجو من أحد إخوتى النصارى إيضاح إجاباتها ، فلا شك أن عنده فى أمر دينه ما يفيد ، وله منى جزيل الشكر سلفا .



وأؤكد على أنى لا أُسفّه أية عقيدة ، ولا أتعرض باللمز لإيمان غيرى ، ولا أسىء إلى أحد ، فلكلٍّ رأيه ، وإن كان دينى وعقلى لا يُقران بأقوالهم ، مثل :

- " فهو فى اضطجاعه فى المزود كان يملأ السماء والأرض ... فى الميلاد ظهر الله وديعا بصوت خافت من فم طفل رضيع ، فاهتزت السموات ، وانحدرت جماهير جند العلى تسبح الله من فرط تأثرها ، لأن اتّضاعَ الله أرهبهم " (4) . ( إذا كان الاتضاع يرهب ، فماذا عن القهر والجبروت والجلال والعظمة والعزة والكبرياء والانتقام ؟ وهل حقا اهتزت السموات بمَجَرّاتها ( مائتى مليون مَجَرّة ) للصوت الخافت الوديع ، من فم الطفل الرضيع ؟ ؟ )

- " الجالس على المركبة السمائية ، حملته البتول فى حضنها . تعطيه الصبية اللبن كطفل ، وهو يعطى المطر لزروع الأرض . الطفل الماسك الثدى ويرضع منه اللبن ، منه تطلب الطبائع ليعطيها قوتها . يمسك الثدى باليمين التى بسطت السماء . هذا هو المولود الذى صور أمه فى بطن أمها ، بالأمس صنعها وأتى اليوم فولد منها . صنع لنفسه لبنا ووضعه فى الثدى الطاهر ، ورجع فرضع من ذلك المحبوب الذى صنعه " (5) .

- " هذا هو الإبن الذى صور أمه فى بطن أمها ، وهو تصور فيها جسديا وصار منها ، زين أمه بصورة أبيه حين خلقها ، وفى آخر الزمان جاء فتصور منها ، بالأمس خلقها واليوم ولد منها ، فإنه أقدم وأحدث من والدته " (6).

- " فكان الرب يسمّر ، وفى نفس الوقت يحفظ البشرية والخليقة كلها ويسوسها...كانت
قوة الرب معلنة على الصليب فى كونه ضبط قوته كى لا يبيد صالبيه " (7).

- " فمن عجائب صبر الله أنه احتمل أن يكون جنينا فى بطن العذراء ، وانتظر حتى زمان الولادة ، ثم احتمل أن يمر فى مراحل النمو العادية ... " (8) .
تُرى هل يمكن أن نضيف : " ومن عجائب قداسة الله ، أنه تقلب فى قذارته وإخراجه طفلا ، وأتم الدورة الهضمية رجلا حتى أخرجه برازا .
ومن عجائب محبة الله أنه كان يتكىء على صدره تلميذ يحبه ، وتصحبه النسوة : المجدلية وسوسنة ويونا وسالومى ومرثا ، وأخر كثيرات كن ينفقن عليه من أموالهن ، ويطفن معه القرى والنجوع ، وتلال الجليل ، وتدلك الزانيات رجليه ، وتمسحنهما بشعورهن ، و لم يشفق عليه أبـوه من أجل محبتـه لنا . ومن الحب ما قتل " .

لا أجادل فى شىء من ذلك ، لكم دينكم ولى دين .



المراجع :
1- اللاهوت المقارن جـ 1- البابا شنوده صـ 11 .
2- طبيعة المسيح- البابا شنوده صـ 9 .
3- عقيدة المسيحيين فى المسيح – الأنبا يؤأنس صـ 214/215 .
4- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 15 ، 16 .
5- الإبن تجسد من أجلى – القمص تادرس يعقوب ملطى – نقلا عن القديس مار يعقوب .
6- علم اللاهوت – القمص ميخائيل مينا صـ 124 .
7- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 276 .
8- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 36 .

مزيدة ومنقحة ( سبق لى نشرها ولم أجد جوابا )