والله يعصمك من الناس


الرسول لا يجيء إلا بعد أن يعم الشر ويسود الفساد ، وذلك أنه لو لم يسد الفساد ، ولم يعم الشر لاكتفى الله المجتمع ليردع بعضه بعضاً ، أو يكتفي الحق بأن تردع النفس اللوامة النفس الأمارة بالسوء لتستوي النفس المطمئنة على عرش السلوك البشري .

لكن عندما يعم الفساد الكون . فالسماء ترسل الرسول بمنهج يصلح حال البشرية . وبطبيعة الحال لن يترك المجتمع الشرير الرسول لحاله بل يقاومه ؛ لأن مثل هذا المجتمع يريد أن تكون كفة غير متوازية ؛ لأن هناك منتفعين بالفساد والشر ، وهم المدافعون عن الفساد ، فإن جاء من ينصف الضعفاء والمظلومين فلا بد أن يتعرض للمتاعب التي تأتيه من قبل الأقوياء المفسدين .

وعلى الر غم من وفاة الرسول الكريم منذ أكثر من 1400 عام إلا أن الحرب عليه مازالت قائمة وهذا دليل قاطع على أنه قد وفقه الله عز وجل في إبلاغ رسالته وأن صداها مازالت تعيش بيننا إلى يوم الدين ، ومازالت الحرب قائمة عليه حتى بعد وفاته .

إن هذه المتاعب تبدأ في النفس ؛ لأن الرسول مخاطب من الله فيمكنه أن يتحملها ؛ لأن الحق قد أعده لهذه المهمة ، ومثل تلك المتاعب تأتي أيضاً {للأتباع} ، لذلك يمدهم الله بالمدد الذي يجعلهم يتحملونها .

والحق يحفظ للرسول ذاته على الرغم من كل ما يحدث : ( والله يعصمك من الناس ) .

فكأن الحق يقول لرسوله : اطمئن يا محمد ؛ لأن من أرسلك هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس . ولن يجرؤ أحد أن ينهي حياتك . ولكني سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك .وإياك أن يدخل في رُوعك أن الناس يقدرون عليك ، صحيح أنك قد تتألم ، وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء دعوتك ، ولكن هناك حماية إلهية لك .

ونحن نعلم قد المتاعب التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم . ألم تكسر رَباعيته "السن بين الثنية والناب " صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ؟ ألم يشج وجهه ؟ ألم تدم اصبعه فيقول : { إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت } .

لكن قول الحق سبحانه لرسوله : { والله يعصمك من الناس } لم يكن المقصود هو منع الجهاد في سبيل الله والمعاناة في سبيل نشر الدعوة . ولكن الحق يبين لرسوله : إن أحداً غير قادر على أن يأخذ حياتك .

ولم يمنع سبحانه المتاعب عن رسوله الكريم حتى لا يكون هناك أحد الداعين إلى الله لا يتحمل من الآلام أكثر مما تحمل رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولننظر ونستمع جيداً إلى ما ترويه عائشة أم المؤمنين – رضى الله عنها – حول هذه الآية إنها قالت :
{ سهر رسول الله ذات ليلة وأنا إلى جنبه ، فقلت : يا رسول الله ما شأنك ؟ قال : ( ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ) ، قالت : وبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت سلاح .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ فقالوا : سعد وحذيفة جئنا نحرسك . فنام صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطة ونزلت هذه الآية ... فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قُبَة أدَم وقال : ( انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله ) رواه القرطبي .

وهناك باحثة بلجيكية عكفت على دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلت إلى هذه النقطة ، فتوقفت عندها تقول : لو كان هذا الرجل يخدع الناس جميعاً ما خدع نفسه في حياته، ولو لم يكن واثقاً من ا، الله يحرسه لما فعل ذلك كتجربة واقعية تدل على ثقته في خالقه . وأضافت الباحثة البلجيكية : ولذلك أنا أقول بملء اليقين :


أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

فها هي لمحة واحدة من لمحات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سبب في إسلام هذه المرأة .

فاللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم