الحمد لله الواحد الأحد المنزه عن الشريك والصاحبة والولد المتفرد بالذات والصفات سبحانه وتعالى عما يقول أهل الإلحاد ويزعم من حاد عن الصواب من أهل الكتاب قيوم السموات والأرض خالق الآباء والأبناء والأزواج ومقدر الأقوات ومدبر الأوقات ، مالك السموات والأرض أرسل رسله الكرام لإرشاد العباد إلى دين الحق والتوحيد الخالص ، دعوة الأنبياء والرسل هي دعوة للانتقال من الشرك إلى التوحيد وإن المنهج الإلهي الذي جاء به الرسل الكرام الأطهار هو منهج التوحيد الذي يدعو إلى نبذ الشرك بالله في ربوبيته وألوهيته وإلى التمسك بتوحيد الله ، ولم تختلف دعوة الرسل منذ أول رسول إلى خاتم الأنبياء محمد > في أصول الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أسأل عنها يوم الحساب .
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي نص عليه موسى في التوراة وبشر بع عيسى في الكتاب ، وأشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله وعبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم الصديقة أطهر نساء العالمين ، وأصلي وأسلم على خير الأنام . وخاتم الأنبياء والمرسلين رسول رب العالمين والرحمة المهداة ، محمد بن عبد الله النبي الأمي الآمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم وسار على دربهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :
فقد أنزل الله الكتب واصطفى من الملائكة رسلًا ومن الناس لإبلاغ شرائعه من الدين ليعبدوه ويوحدوه ويقدسوه فبذلك تكمل آدميتهم وتشرف إنسانيتهم ويتأهلون لدار الكرامة والقرار والسعادة الدائمة حيث كتب لهم ذلك وقدره فسبحانه من رب رحيم وإله عظيم .
واعلم أيها الإنسان العاقل أن الدين تجارة العمر تعقد في عمر الإنسان مرة واحدة يربح فيها أهل الإيمان بالسعادة والفوز في الدنيا والآخرة ويخسر فيها أهل الكفر والشرك والعصيان بالحيرة والضنك والشقاء وعدم الاهتداء في الحياة الدنيا وفي الآخرة بالعذاب الدائم فلا نجاة ولا سعادة في الحياة الدنيا والآخرة إلا إذا عرفت ربك الذي خلقك وآمنت به وعبدته وحده لا شريك له وعرفت النبي الذي بعثه الله إليه ، وإلى جميع الناس ، فآمنت به واتبعته وعرفت الدين الحق الذي أمرك الله به وعملت بما جاء فيه من تعاليم وشرائع وعبادات ... إلخ .
فقد أعطاك الله أيها الإنسان نعمة العقل وبه ميزك عن سائر المخلوقات وحملك به الأمانة وجعل عليه مدار التكليف ، فبالعقل يتمكن الإنسان السليم من التمييز والتصويب والتحليل والتركيب والاستنباط والاستنتاج والقياس وإصدار الأحكام الصائبة ، وهو الذي يرشد الإنسان إلى الحق ويقوده إلى الخير ويهديه إلى الدين الحق .
ومن لطف الله بعباده ورحمته بهم فيما لا يمكن إدراكه بالعقل ومعرفة كنهه أنزل الله الرسالات وأنزل الكتب السماوية لتهديه إلى الإيمان بالأمور الغيبية التي لا يستطيع الوصول إليها بقواه العقلية وقدراته الذاتية ووسائله العلمية .
واعلم أيها الإنسان أن الله أعطاك حرية الاختيار دون إكراه أيها الإنسان العاقل تأمل وتفكر وتدبر دين الله الحق دين جميع الأنبياء والرسل « دين الإسلام » إسلام الوجه لله وحده لا شريك له إن السعادة كل السعادة في الدنيا والآخرة في الإسلام العظيم الذي شرعه الله رب العالمين ، أرحم الراحمين ، فيه الحلول الكاملة لكل مشاكل البشر العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وفيه القضاء على العداوات والأحقاد والضغائن التي تحصد حياة البشر حصدًا بل تحولها إلى جحيم .
ونقول للعالم : إن ديننا ليس فيه تفرقة عنصرية ، فجميع المسلمين أكرمهم عند الله أتقاهم وإن ديننا ليس فيه أي تناقص في تشريعاته ، ولا تضاد في أحكامه ومعانيه : لأنه تنزيل من حكيم حميد .
وما في الأناجيل المقدسة لدى أصحابها من تثليث ونبوة وألوهية وأما يقوله النصارى أن المسيح رسول الله : إنه رسول بحسب جسده الذي هو الناسوت ، وإله بحسب روحه الذي هو اللاهوت ، وأنه وهو ميت وقعت الآلام على الناسوت دون اللاهوت ، وحُبس في جهنم ثلاثة أيام وعذب في النار بالناسوت وعلى هذا ، إذا كان العذاب للجسد مجردًا عن روحه ، فإنه لا يحس . إذ الروح تركته وإحساس الجسد لا يكون إلا بها . ولم يتعذب الله ؟ ومن عذبه ؟
يقولون : « الله هو المسيح والمسيح هو الله » .
وهذا الاعتقاد من العقائد التي ترتكز عليها الديانة المسيحية الاعتقاد بألوهية السيد المسيح وأن المسيح هو الله تعالى نفسه وهو شخص الابن من ألذات الإلهية : « الواحدة المؤلفة من ثلاث أشخاص » الذي تجسد وصار بشرًا وجاء إلى هذا العالم بصورة إنسان مثلنا لكي يعيش بيننا ، ثم يتألم ويصلب حتى تكون آلامه ودمه المسكوب على الصليب وموته وسيلة لتكفير خطيئة البشر التي ورثوها جميعًا بالولادة عن أبيهم آدم وهم يقولون بزعمهم أنه لا نجاة لأحد من الخلق إلا إذا آمن بألوهية المسيح وبكونه الله المتجسد واعتقد بأن المسيح صلب ومات تكفيرًا عن خطايانا .
حسب دستور الإيمان المسيحي الذي أقرته الكنيسة بناء على قرار مجمع نيقية المسكوني عام 325 م .
ولقد اختلف النصارى فيه اختلافًا شديدًا وحدثت المشاحنات والمناقشات والمجادلات وتطور الأمر إلى الاقتتال العلني وقامت المذابح وتقاتل أحباء عيسى حول طبيعته وكيانه وهو برئ من كل هذه الادعاءات الكاذبة هو جاء يدعوهم إلى المحبة وإلى التآلف والرحمة ولكنهم باسمه اجترحوا وارتكبوا البشر ، وارتكبوا أفعال لا مثل لقسوتها ووحشيتها ، وقد استخدم هذا الاسم لتغطية المصالح المختلفة وإرضاء لشهواتهم وأهوائهم فاستعبدوا للشعوب واستعمروا البلاد وأذلوا العباد واضطهدوهم باسم المسيح .
شُنت حملات مسعورة شعواء على الإسلام والمسلمين عانت منها الأمة الإسلامية عدة قرون باسم المسيح والصليب للقضاء على الإسلام وأهله ولم تنجح هذه الحملات وفي العصر الحديث شُنت حملات لم يسبق لها مثيل من قبل بمهاجمة عقيدة الإسلام وشريعته تقودها دول كبرى ومؤسسات عظمى ومراكز كبرى وأجهزة إعلامية متعددة وجبارة وتقنية حديثة وكم هائل من المفكري والكتاب والصحفيين والمبشرين والمستشرقين الذين درسوا علوم الإسلام واتخذوا من وسائل الإعلام الحديثة ومن القنوات الأرضية والفضائية وشبكة المعلومات الدولية « الإنترنت » والإذاعات المسموعة والمرئية وغيرها من الطرق والوسائل الأخرى لإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي .
فقد قامت الحملات الصليبية بهجمات شرسة على العالم الإسلامي بتخطيط منظم وتنسيق مسبق وتعاون تام مع اليهودية العالمية التي كانت ولا تزال تنفث سمومها القاتلة عبر طرق ملتوية وأساليب المكر والخداع والتضليل .
وقد قامت هذه الآونة الأخيرة كثيرًا من الكتب التي تشكك في الثوابت الإسلامية وافتراء الأكاذيب والغمز واللمز على الإسلام وأهله على حين غفلة من الناس .
فقد أصبح العمل الدعوي الآن واجبًا على المسلم لإرشاد الناس للحق والكشف عما يحاك لهم من دسائس ، وما يدبر لهم من مكائد ، فقد قام الأعداء بشن الحرب على الإسلام تقود هذه الهجمات دول كبرى ومؤسسات عظمى وأجهزة جبارة متخذة كل الوسائل والطرق والأساليب لإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي تحت غطاء « الحرب على الإرهاب » وهم يقصدون الحرب على الإسلام وأصبح يشار إلى أهل الحق من قبل الصهاينة والأمريكان بأصابع الاتهام والتطرف والتشدد والأصولية » مصطلحات صاغها الكتاب والمفكرون والصحفيون المأجورون من قبل الاستعمار وعلى الرغم مما قاموا به من الكيد للإسلام والمسلمين وما حل من بلاء في البلاد الإسلامية من الأنظمة الدخيلة ، والدساتير الجائرة التي تحكم البلاد والأحزاب العميلة التي لا تملك من المؤهلات إلا شعارات زائفة ومبادئ مستوردة فلا تسمح لقلم أن يكتب إلا تسبيحًا بحمدها وتمجيدًا لإنجازاتها ، ومدحًا في حضارة الغرب ورقيه وحرياته ونسي هؤلاء الأطماع الاستعمارية والحروب الصليبية التي قادها أعداء الإسلام ورفعوا فيها الصليب شعارهم والإنجيل دستورهم لإقامة الإمبراطورية الصليبية في الشرق الأوسط بأسماء ومسميات براقة لامعة تأخذ بالأسماع والأبصار « الشرق الأوسط الجديد » « السلام العالمي » « الحرية والديموقراطية » وستبقى هذه الحروب وتدوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولكن في صور وأشكال مختلفة ، لأن هذه الحروب لو كانت تثبيتًا لحكومة أو تأكيدًا لسياسة ، أو دفاعًا عن الحقوق والممتلكات أو غيرها ، لو كانت أساليب البطش والقمع والقهر والإبادة التي يستعملونها في حروبهم نتيجة للظروف المحيطة بهم أي من باب المعاملة بالمثل لرجينا لها زوال ، وأما أن تستمد روحها من تعاليم الدين وتزل من النفوس منزلة اليقين ، فذاك الداء الذي لا أمل معه في دواء ، ولا يرجى منه شفاء ، ما دام للدين اتباع .
ونحن في هذه الدراسة المتواضعة نريد أن نلقي الضوء على قصة المسيح التي حيرت الناس في مختلف الأزمان والبقاع ورغم الاختلافات والنتاقضات في الأناجيل وطمس الحقيقة بالتحريف والتبديل والتغيير إلا أننا نجد ملامح قصته المخفية فنستخرج مما تبقى من كلام الله .
واعلم أخي الإنسان أن ليس كل ما في كتابهم المقدس كلام الله بل يوجد فيه ما هو منتحل وملفق ومكذوب أخطأ فيه والكتبة والنساخ وأضافوه إلى الله ونحن نبحث عن الحقيقة المخفية فيما تبقى من كلام الله الذي لم يناله التحريف والتبديل والتغيير فقد أبقاه الله حجة على أهل الكتاب .
وندعوهم ليقيموا التوراة والإنجيل وما جاءهم على لسان أنبيائهم ولا يحيدوا عنه فيزداد غضب الله عليهم فيستمروا في درب الغواية والضلال .
واعلم أن الاختلاف يدل على أن هذا الكتاب ليس وحي الله ، بل اجتهادهم في صياغة ما وصل إليهم من معلومات شفاهية وحكايات كل واحد عبر عنها بأسلوبه ولغته ، كما فقد النص عن طريق الترجمة التي أضاعت كثيرًا من المعاني والكلمات والأرقام والمقاصد والأهداف الحقيقية من الرسالة السماوية والحقيقة التي لا جدال فيها إن ثبت تناقضًا واحدًا فقط في كتاب من الكتب المقدسة أو تحريفًا واحدًا فهذا يكفي دليلًا على عدم حجتها وإنها لا تصلح أن تسمى وحيًا من عند الله لأن الله لا يوحي بما هو متناقض ومختلف .
ويقول القديس أوغسطين :
« استحالة أن يكون أصل الدعوى المناقضة للحقيقة إليها : فالقديس أوغسطين كان يعتبر أن الله لا يمكن أن يعلم البشر بما لا يتفق والحقيقة » .
والعهد القديم روايات مختلفة عن موضوع واحد وأخطاء تاريخية وأمورًا متناقضة وأخرى غير معقولة أو يستحيل أن تتفق مع المعطيات العلمية الثابتة .
فاعلم أن الاختلافات والتناقضات الكثيرة تدل على أن هذا الكتاب ليس وحي الله ، بل اجتهاداتهم في صياغة ما وصل إليهم من معلومات شفاهية وحكايات ، أضاع كثيرًا من المعاني والكلمات وصياغة اللفظ الإلهي وعندما تطالع التبريرات تلاحظ أنها تبريرات غير منطقية لا تستند إلى أدلة عقلية أو علمية ، فهم يلجأون إلى عدة ألاعيب كبرى « روح النص » « عدم الأخذ بحرفية النص » « المعنى التمثيلي » وإلى غير ذلك من التبريرات بعض إخفاء ما وجدوه من مشكلات معقدة وتضارب واختلاف فاعلم أن الحقيقة التي لا جدال فيها أن ثبوت التناقض والاختلاف أكبر دليل على أن الكتاب غير موحي به ولا يصح الاحتجاج به ، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل ﴿) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء : 82]
فلا يصح أن يسمى ذلك وحيًا من عند الله لأن الله لا يوحي بما هو متناقض ومختلف . اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه آمين يارب العالمين . هذه مقدمة كتابى(التناقض والاختلاف فى قصة المسيح) ساعدونى فى اخراجه للنور