د هشام الحمامى : بتاريخ 4 - 3 - 2006

هذه العباره وردت على لسان بن تيميه (احد كبار المتهمين بتوريد الفكر السلفى!!) فى سياق حوار له مع قائد من قواد التتار حينما احتلوا الشام .. وذهب اليه بن تيميه للتحدث بشئون الاسرى فسمح له القائد التترى بفك اسر المسلمين فقط ..فرفض بن تيميه فك اسرهم وحدهم دون النصارى ..وقال له( لا نرضى الا بافتكاك جميع الاسارى والنصارى ولا ندع اسيرا لا من اهل الذمه ولا من اهل المله .فلما رأى تشدده واصراره اطلقهم له ) ... رحم الله بن تيميه الموصوف فى دراسات الحركات الاسلاميه دوما بالتشدد ..وما كان ارخص وارق الناس دينا يسعه الا ان يتشدد لو كان فى زمنه تحت احتلال التتار .

وتسميه (أهل الذمه)هى تسميه اصطلاحيه فى تراث الاسلام التاريخى والفقهى ..و(الذمه) تعنى العهد والضمان والامان ..ولكى نفهم هذا المصطلح المتهم نتأمل فى شرح الامام القرافى له( ت1285م): ( فمن اعتدى عليهم - يقصد اهل الذمه – ولو بكلمه سوء أو غيبة فى عرض أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله و ذمة رسوله و ذمة الاسلام ) و الامام القرافى مغربى الاصل عاش ومات فى مصر .. هذا كلام احد كبار الفقهاء الثقات نبهنى الي غزارة علمه و سعه افقه الدكتور سليم العوا .. واحببت فقط ان (احرر) هذا المصطلح التاريخى الذى تجاوزه الفكر والواقع .. والفت نظر بعض اخواننا (العابثين) الذين دأبوا على استخدام هذا المصطلح من باب السخريه والتعريض ولنا ان نعيد قرأة مقولةالامام القرافى مرات ومرات .. والرجل يتحدث عن ( كلمة سوء أو غيبة ... أو أعان على ذلك ..يكون من (المضيعيين) وليعاذ بالله لذمة الله ورسوله والاسلام ). ولنا _ بدون أى وخزة فى ضميرنا _ أن نتهم (بالجهل الخبيث ) كل من ينسب للاسلام غيرذلك سواء كان مسلما أم غير مسلم .

الاخ الشقيق لمصطلح أهل الذمه هو ( الجزية ) ..والثابت علميا وتاريخيا هو ارتباطها بالاعفاء من واجبات الدفاع والحرب من قديم الزمن ..وكل من كان يشارك فى مهام الدفاع عن الوطن يعفى منها تماما.. كان هذا فى التاريخ المبكر للمسلمين ..و غير المسلمين الان فى كل البلاد الاسلاميه يشتركون فى اعباء الدفاع عن الوطن وحمايته و يعتبرون ذلك واجبا وشرفا .. وفيما يتعلق بمصر تحديدا فقد صدر قرار من الباب العالى بالاستانة باعفاء اقباط مصر من الجزية كونهم يشاركون اخوانهم المسلمين فى الدفاع والحروب بعد تأسيس الجيش المصرى الحديث. كان ذلك فى عهد الخديوى اسماعيل .. و طويت هذه الصفحة تماما .. وتطورت امور البلاد والعباد فى الدنيا كلها الى تسمية الدوله الوطنية .. اى كل من يحمل جنسية هذه الدولة فهو ( مواطن ) يؤدى الخدمة العسكرية و يسدد الضرائب و يعبد الله بالطريقة التى يؤمن بها و يحترم دستور البلاد . تعبير ( لهم مالنا وعليهم ما علينا ) لم يرد فى كتب الحديث المعروفه و معناه مقبول عند الفقهاء والباحثين ..

واعود هنا لمقولة قالها الامام ابو الاعلى المودودى مؤسس الجماعة الاسلامية بباكستان وأحد المتهمين ايضا بتوريد الفكر المتطرف والذى توفى سنه 1979 يقول ( ان لغير المسلمين فى الدوله الاسلامية من حقوق الرأى و التفكير والاجتماع ما للمسلمين سواء بسواء).. والحديث عن رئاسة الدولة لازال مرتبطا فى اذهان الكثيرين بأنماط الحكم القديم الذى كان يمارس فيه الحاكم السلطة المطلقة .. الأن لم يعد الأمر كذلك _ وحديثى من الناحيه العلمية _ فأصبحت البلاد تحكم بالدساتير والمؤسسات و مراكز القرار المتعددة و صار هناك فصل بين السلطات ..و تعددت ادوات المراقبة والمحاسبة و العزل _ وحديثى من الناحيه العلميه _ ولم يعد هناك أى مجال لآن يمارس أى حاكم سلطاته على حسب هواه أو فهمه الخاص بعيدا عن المراقبة والمراجعة و المحاسبة .. وبالتالى يجوز لأى مصرى مسلما كان أم غير مسلم ذكرا كان ام أنثى أن يتولى رئاسة الدولة شرعا وقانونا .. على أنى أود أن أذكر أن التطبيق قد لا يوائم المنصوص والمتفق عليه من عموم المجتمع و يبقى الامر قابلا للتطور بنضج التجربة و اكتمالها .. وارتقاء وعى الناس بحقوقهم وواجباتهم .. ثم لا يفوتنا ان نذكر _ مماثلة لذلك _بمذهبية رئيس الولايات المتحده الامريكيه وليست ديانته فقط ( حيث الاغلبيه البروتستانتيه ) .

هذا كله من الناحية الفكرية و القانونية و الشرعية و التاريخية .. من الناحية الاجتماعيه فالحديث يطول خاصة فى مصر و بين المصريين .. يحكى لى ابى – حفظه الله - عن قوة الصلة بين المسلمين والاقباط انه كان فى جوارهم بيتا لآحد القساوسه وكان يلعب وهو صغير مع اولاده واحيانا كان ( يتمسى ) عليه الوقت عندهم كان يتعشى و ينام عندهم وتأتى والدته و كانت من بيت علم ودين تسأل عنه فتجده نام فتتركه حتى الصباح ..
حكيت هذه الحكايه لأبونا (اوجستين) راعى كنيسه (مار مينا) بحلوان ونحن عائدين من عشاء تنظمه نقابة اطباء القاهرة كل عام بمناسبة عيد الميلاد المجيد .. وحكى لى عن مواقف بينه وبين المرشد الاسبق لجماعة الاخوان المسلمين المرحوم حامد ابو النصر وبينه وبين زملائه فى المستشفى قبل ترسيمه حين كان طبيبا .. ووجدتنى أسأله :ما كل هذا الصخب والضجيج ..؟ فأجابنى بوعى : ان ذلك عرض ضمن مجموعه اعراض سيئه يعيشها المجتمع فى نواحى كثيره .. تذكرت نفس السؤال ونفس الاجابه تقريبا على لسان الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح عضو مكتب ارشاد جماعة الاخوان المسلمين وأحد أشرف ضمائرها .. وهو يحكى لى مادار بينه وبين صديقه الدكتور شريف تادرس على مائدة العشاء فى بيت الدكتور شريف بالمعادى ليلة عيد الميلاد وسط عدد من الزملاء والاصدقاء .. هو تقريبا نفس التشخيص هناك...(عطب ما) فى الوعى العام للمجتمع فى ثقافة المجتمع ..النخبة تراوح الحركة فى نفس المكان دائما مستسلمين لحالة الجمود العام التى اصابت المجتمع كله على مدار العقدين الماضيين ... فما يقال ويعاد ويكرر فى هذا الموضوع لا صلة له لا بالاسلام و لابالمسيحيه ..ولا صلة له بمصر النيل والتاريخ والناس .
الغير مقبول والغير مفهوم هو هذه الندوات و اللقاءات التى لا تنقطع و التى يعقدها ويديرها اهل الفراغ ليعيدوا فيها نفس الكلام ويكرروا فيها نفس العناوين .. دون اى كلل او ملل وانا لا اتهمهم ..فقط الفت نظرهم الى الاولويات التى ينشدها ويحتاجها المجتمع والناس .. العلاج يتوجه للمرض وليس للعرض .. و المرض معروف مفهوم ... وفى ابسط اوصافه هو حاله (الاختناق العام) التى يعيشها الناس فى كل مفردات حياتهم .

http://www.almesryoon.com/ShowDetail...D=13173&Page=7