الفصل الرابع
بولس و برنابا

من هو برنابا ؟
ورد ذكر برنابا في سفر أعمال الرسل في الإصحاح الرابع أنه كان رجلا يهوديا من سبط لاوي يدعى يوسف و سُمي بعد ذلك برنابا أي ( إبن الوعظ ) و أنه من قبرص : (36وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ ) و يحكي أيضا السفر عن إيمانه و تقواه : ( 37إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ. ) .
و هو أيضا الذي شهد لبولس بالإيمان أمام التلاميذ بعد أن كانوا قد خافوا منه لماضيه : (26وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. 27فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ. ) .
و يرد في نفس السفر أنه كان من المعتَبَرين بين الرسل إذ خصه الروح القدس بعنايته و شرفه بالإختيار للتكريز بين الأمم : (22فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. 23الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ 24لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ.) ، و أيضا : (1وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ وَشَاوُلُ. 2وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ». 3فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. 4فَهَذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. 5وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً. ) .
و في الإصحاح الخامس عشر يحكي عن افتراق بولس و برنابا فيقول : (35أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. 36ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ». 37فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ 38وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. 39فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. ) فيفهم من النص أن سبب الإفتراق هو أن بولس لا يرغب في مصاحبة مرقس لهما في رحلتهما التبشيرية في حين يصر برنابا على ذلك ، و هو أمر طبيعي و لكنه لا يمكن أن يكون سببا لإفتراق بولس عن برنابا الذي قد اختاره من قبل شريكا للصحبه دونا عن باقي التلاميذ . خاصةً أن برنابا بعدها يخرج من دائرة العهد الجديد و الرسائل و كل شيء ، فلم يعد له ذكر أبداً . و لا يذكر السفر و رسائل بولس شيئا عن تحسن العلاقات بعد ذلك بين الشريكين المتشاجرين .
أيضا بقراءة ما قاله بولس لتيموثاوس نفهم منه أن السبب كان مؤكدا أنه غير ذلك ، فيقول بولس : (11لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ. )، و نتساءل هنا : إذا كان بولس قد افترق عن برنابا بسبب إصرار الأخير على اصطحاب مرقس ، فلماذا يدعوه ثانيةً و يقول إنه نافع للخدمة معه ؟!.. و قد يذهب البعض إلى أن مرقس الأخير ليس هو مرقس المذكور مع برنابا ، و لكن بولس يؤكد أنهما ليسا شخصان بقوله : (10يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ارِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ اخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي اخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. انْ اتَى الَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ.)
و يورد الأستاذ محمد تقي العثماني رأي القس بيتر بأن الخلاف بين بولس و برنابا كان خلافا فكريا بدليل قول بولس : (13وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! ) فلا ذكر هنا للخلافات السابقة ، و لكن لرأيه في بطرس أنه مرائي لليهود ، و كذلك برنابا الذي انقاد خلفه !...
و نقرأ في سفر الأعمال أيضا في غضون اختلاف بولس و التلاميذ عن الختان : ( 19ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. 20وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ. ) ، و نفهم من النص السابق أن بولس وحده تعرض للرجم ، وذلك لما كان يقول من تجديف . كما يوضح أن بولس كان يستخدم برنابا كدرع له ؛ إذ يدخل معه المدينة و يخرج دون أن يتعرض لأذى ، و كذا كان يفعل مع بافي التلاميذ .
و قد حاول بولس بعد ذلك ( كما نفهم من الإصحاح 15 ) أن يستخرج صكا من الرسل بعدم الإختتان ، فعاد إلى أورشليم ، و بعد ذلك و الحديث عن عدم الختان و انضمام بعض الرجال كيهوذا و سيلا لمقولة بولس .. و هنا نجد افتراق بولس و برنابا .. و يفتعل السفر سببا واهيا لهذا الإفتراق .
هل كان برنابا من الحواريين الإثني عشر ؟
و في هذه المسألة اختلف المحققون ، إذ أن أسماء الحواريين الإثني عشر لم ترد متماثلة في الأناجيل ، فمنهم من أورد الأسماء ، و منهم من أورد الأسماء و الألقاب و هي مختلفة و لا يمكن الجزم بصاحب الإسم من لقبه . و قد أورد الأستاذ محمد عبد الرحمن عوض مقارنة بين الأناجيل الثلاثة التي ورد بهما ذكر أسماء الحواريين ، فنجد هنا أن مرقس الذي يذكر الأسم و اللقب للحواريين قد ذكر ( تداوس ) دون لقبه في حين ذكره متى أن اسمه ( لباوس ) و لم يذكره لوقا بالمرة . و هو طبعا حدث لا يصح فيه اختلاف الأناجيل التي يؤمن النصارى بأنها كانت تدون بوحي من الروح القدس ، و يقول الأستاذ محمد عبد الرحمن في ذلك : ( و قد عهدنا أن أسماء الحواريين تؤخذ جملة على أنها حقائق و مسلمات ضمنتها الكنيسة .. و استراح لها العامة ) أ.هـ.
و لكن يفهم من سفر أعمال الرسل أن برنابا من الحواريين ، لأنه يقول عنه : (الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ ) فمن الذي دعاه من الرسل إلا المسيح u ، كما أن ترجمه اسمه ( إبن الوعظ ) يدل على أنه وليد الرسالة و قد أخذها على يد رسولها و معلمها الأوحد u .
و يرى العلامة الإمام محمد أبو زهرة : أنه سواءا كان برنابا من الحواريين الإثني عشر أو لم يكن فإنه حجة عند النصارى ، و هو من رسلهم الملهمين من الروح القدس في اعتقادهم ، و هو لا يقل مكانةً عن كتبة الأناجيل الأربعة .. بل هو أرقى من بولس في في مراتب السبق و الإيمان . و نقول : فإن وجود اختلاف بينه و بين بولس في مسألة ما و يدعمه في موقفه انضمام باقي التلاميذ معه ( أي مع برنابا ) - كما سبق و فهمنا – هذا يوضح أمام كل ذي عقل مفكر خطأ موقف بولس فيما يدعو .. ، فلو كانت مسألة الإختلاف هي مسألة الختان فقطعا يكون رأي التلاميذ هو ما سمعوه أو تعلموه من المسبيح u و غيره يكون تجديفا و ابتداع مرفوض من الجميع .