مقدمة عامة

الحمد لله وحده ، و صلاةً و سلاماً على من لا نبي بعده و على آله و صحابته و بعد .
لما كنت مسلما يدعوني ديني إلى الإيمان بالأنبياء السابقة : ﴿ آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ ( البقرة – 285 ) ، و كذلك الكتب السماوية المنزلة و المذكورة في القرآن الكريم و هي : التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و موسى . و كان ذلك حافزا يدفعني أن أبحث على ركائز الإيمان فيما تبقى من هذه الكتب ، و بدأ هذا البحث عن اقتناع تام بأن هذه الكتب تشير إلى الإيمان الصافي و وحدانية الخالق U كما يشير القرآن الكريم لأنها جميعا من عند الله ، و لكن المطالع للكتب المقدسة التي بأيدي أهل الكتاب من يهود و نصارى لا يجد بها ما تعلمه من توحيد الخـالق و ربوبيته و تنـزيهه Y عن كل نقص أو شائبة ، فمثلا يقول تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( الزمر – 65 ) ، فلا بد و في هذه الحالة أن نجد إشارات التوحيد في تلك الكتب و لكنها مع الأسف تخلو منها . و يقول أيضا U عن لسان نبيه عيسى u : ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ( المائدة – 117 ) ، و لكن المطالع لكتابات الرسل في العهد الجديد لا يجد ذلك ، بل يجد كلاما أخر نسبه كاتبه للمسيح u ، فأين هي الحقيقة ؟!
و بحثا وراء هذه الحقيقة نحاول أن نبدأ سلسلة من الدراسات للكتاب المقدس و ما يحتويه من نصوص بقصد الدعوة إلى الموضوعية و تحكيم النص و تقديمه على الأشخاص ؛ فالنص ما دام مقدسا فهو حكم على الشخص نفسه و ليس العكس ، إلا إذا اعطينا بعض الأشخاص مكانة و تقديسا يعلون به على النصوص و يتحكمون فيها ، و هذه القدسية لا دليل عليها في منظور العقل و منطوق النص .
و الدارس لديانة النصارى لا يخوض في دراسته قبل أن يدرس شخصية ( القديس بولس ) و هو موضوع هذه الدراسة . فقد كان أثره في الديانة هائلا ، و هو أهم من كل كتابها و مفكريها ، و ذو رأي معتبر بين جميع طوائف النصارى المنتشرة في جميع انحاء العالم غير أنه واحد من أهم الإنجيليين على الإطلاق . و قد سافر إلى أماكن عدة يبشر بالنصرانية و ينشر أفكاره بين غير اليهود حتى عرف بين اللاهوتيين باسم ( رسول الأمم ) .
و سنحاول أن ندرس شخصيته من خلال نصوص العهد الجديد التي كتبها أو كتبت عنه ، و من خلال كتابات المؤرخين و المفكرين المعاصرين له أو الذين جاءوا بعده متأثرين بفكره . و سنحاول في هذه الدراسة الإجابة على عدة أسئلة منها : هل أتي بولس بديانة جديدة غير شريعة المسيح u ؟ و كيف كان أثره فيمن تبعه من تلاميذ المسيح و قد أخذوا تعاليمهم منه شخصيا u ؟ و ما هو دافعه فيما فعل ؟..
و قد سئل النصارى من قبل تلك الأسئلة و قد اجتهدوا في الرد عليها أيما اجتهاد . و في هذه الدراسة نحاول أن نضع ردودهم و أرائهم في الميزان ، و سنحاول كذلك استنطاق سطور الكتب المقدسة عند النصارى ، لنبحث من خلال الركام الكبير من الباطل عن أثارة الحق الذي نطقت به الأنبياء ، لنقيم الحـجة على أولئك الذين يؤمنون بقدسية هذه الكتب . ورجال الكهنوت والمحققين من أهل العلم والتاريخ ، نستنطقهم جميعاً ، لنجيب على هذه الأسئلة بموضوعية ومنهجية علمية ، كذلك نسترشد بأقوال أحرار الفكر الغربيين الذين أنطقتهم الحقيقة بما سنقرأه في هذه الدراسة .
هذا و إني اهدي هذه الدراسة إلى كل طالب للحقيقة باحثا عنها يسير في مسالكها ، لا أبغي منه غلبا و لا جدال ، و لكن أبغي الحق المجرد : ﴿ قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ ﴾ ( آل عمران : 64 ) .
اللهم وفقنا لما فيه الخير و الحق ، و اجعلنا سببا و لو بسيطا في صد أعداء الدين و إظهار خباياهم ، و اهدنا جميعا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ، إنه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم .


engi_build@hotmail.com