عفوا أيتها الشياطين والخونة!
سنة 1963 ذهبت إلى روما لأحضر جلسات «المؤتمر المسكوني» في الفاتيكان، وكلمة المسكوني نسبة إلى المسكونة أي الكرة الأرضية. أي المؤتمر العالمي. ومن أهم القضايا التي عرضها الكاثوليك وثيقة تقدم بها الكاردينال (بيا) يطلب فيها تبرئة اليهود من دم السيد المسيح. فإذا كان في ذلك الزمان قد تسببوا في صلب المسيح فما ذنب هذا الزمان؟ وتبرئة اليهود معناها عدم لعنهم في الصلوات. ودافع البابا يوحنا الثالث والعشرون عن وجهة نظر الكاردينال بيا. ووافق المؤتمر على براءة اليهود.
ثم ألف الشاعر الإيطالي جيوفاني يابيني عن إبليس في مسرحية عنوانها «غواية الشيطان» وفي هذه المسرحية يطلب من الله أن يعفو عن إبليس فهو إلا أحد المخلوقات الضعيفة التي ركبها الغرور فارتكبت الكثير من الشرور. وقال يابنيي: إن رحمة الله واسعة ولا يمكن أن تضيق عن خطيئة الشيطان.
وقد ترجمت أنا هذه المسرحية من الإيطالية إلى العربية. وبعدها بفترة قصيرة اقتبسها بشدة السيد فتحي رضوان وزير الثقافة في مصر. فكتب مسرحية اسمها «دموع إبليس» وانتقدته وهاجمته بعنف في سلسلة مقالات بعنوان «دموع الوزير» وظهرت على المسرح رغم ذلك! وحاول السيد فتحي رضوان أن يقنعني أن الذي حدث هو مجرد توارد خواطر والحقيقة إنها ليست كذلك. بل لقد نقل خواطر وسطورا كاملة ومواقف وكان من الممكن العفو عن الشيطان ولكن لا عفو عن الكاتب المصري الذي سرق ونهب المؤلف الإيطالي دون إشارة أو اعتذار أو امتنان ـ ولو كان المؤلف الإيطالي حيا لسحب إبليس والقى بالوزير في جهنم!
والآن يحاول الفاتيكان أن يصدر عفوا عن يهوذا (الاسخربوطي) الذي طلب منه الرومان مقابل مبلغ تافه أن يدلهم على السيد المسيح لأنهم لا يعرفونه.. ففي ذلك الوقت لا صور ولا صحف.
فقال لهم إن الذي سوف يقبله هو المسيح. وعانق السيد المسيح وقبله ـ إنها (قبلة يهوذا) المشهورة ـ قبلة الخائن الأجير الرخيص الحقير.
ولماذا العفو عنه؟ لأن يهوذا لم يكن خائنا. وإنما هي إرادة السماء أن تفعل ذلك لكي يتعذب السيد المسيح من اجل خلاص البشرية.. فيهوذا لم يكن إلا أداة في يد القدر ـ لا حيلة له ولا ذنب.. ولذلك يجب العفو عنه. وإذا شمل العفو إبليس ويهوذا ـ انفتحت أبواب جهنم ليدخل كل الناس جنات تجري من تحتها الأنهار!
ومن العجيب.. إننا نطالب بالعفو عن الشيطان وليس عن الإنسان!
http://www.asharqalawsat.com/leader....272&issue=9934
المفضلات