بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اخواني الكرام اليوم نتعرض ان شاء الله لحديث فاطمة بنت اسد رضى الله عنها لما ماتت واضجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها والرد ان شاء الله عليها يكون ببيان صحة هذا الحديث وبيان معناه
أما بيان صحته فاقول وبالله التوفيق :
أن هذا الحديث ورد من ثلاث طرق
الطريق الأولى :عند الطبراني في الكبير وأبو نعيم في معرفة الصحابة في ترجمة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من حديث روح بن صلاح عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه الحديث
وهذا الطريق فيه ضعف لضعف روح بن صلاح لم أجد من ترجم له بعد بحث إلا أني وجدت الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة تحت حديث لا ضرر ولاضرار يقول ) فإن روح بن صلاح فيه ضعف)
وهذه الطريق هي اصح الطرق التي وردت لهذا الحديث على الضعف الذي بيناه
الطريق الثانية :وردت عند الطبراني في الأوسط وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم وفي مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصبهاني في باب ذكر مقتل جعفر بن أبي طالب
من حديث الحسن بن بشر البجلي عن سعدان بن الوليد بياع السابري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه الحديث
وهذه الطريق مسلسلة بالضعفاء فشيخ الطبراني محمد بن البستنبان لم أجد من ترجمه والحسن بن بشر البجلي قال النسائي ليس بالقوي وقال ابن خراش منكر الحديث وذكره الساجي وأبو العرب في الضعفاء ووثقه مسلمة بن قاسم الأندلسي وقال عنه أبو حاتم صدوق وقال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق يخطئ وقوله طبيعي في مثل هذا الراوي وأما سعدان بن الوليد بياع السابري فقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد في مواضع كثيرة لا اعرفه إلا إن الحاكم في المستدرك قال عنه قليل الحديث لم يخرجا عنه( أي البخاري ومسلم لم يخرجا عنه )
ومعنى بياع السابري: فالسابري كما في القاموس :ثوب رقيق جيد أو درع دقيق النسج ولعله سمي بذلك لأنه كان يبيعه المهم أن هذا الطريق أيضا بان ضعفه
نأتي للطريق الثالث الذي ورد للحديث نجده في أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير من حديث عبد الله بن شبيب بن خالد عن يحيى ابن إبراهيم بن هانئ عن حسين بن زيد بن علي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ الحديث
وهذه الطريق أيضا مسلسلة بالضعفاء فعبد الله بن شبيب هذا قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال وابن حجر في لسان الميزان :إخباري علامة إلا أنه واه أي واه في الحديث وقال عنه أبو أحمد الحاكم ذاهب الحديث
وقد اتهم هذا الراوي بسرقة الحديث عن الضعفاء وبالغ بعض العلماء منهم فضلك فقال: يحل ضرب عنقه
وأما حسين بن زيد بن علي فقال ابو حاتم يعرف وينكر وقال ابن عدي لاباس به الا اني وجدت في حديثه بعض النكرة وقال ابن المديني لقيته ولم أكتب عنه وفيه ضعف وقال ابن معين ليس بشئ وكلمة ليس بشئ عند ابن معين تعني أن أحاديثه قليلة كما قال ابن القطان الفاسي وراجع هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر
وقال عنه ابن حجرفي تقريب التهذيب: صدوق ربما اخطأ
وأما عبد الله بن محمد بن عمر فذكره ابن حبان في الثقات لكن قال ابن حجر أنه مقبول ومعنى مقبول عند ابن حجر أي يقبل إن توبع وإلا فلين وكثيرا ما يذكر ابن حبان البستي عليه رحمة الله المجهولين في كتابه الثقات خاصة التابعين منهم بناء على شرطه في ذلك
وأما أبوه محمد بن عمر بن علي فروايته مرسلة عن جده علي بن أبي طالب فكيف بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مات هذا التابعي الجليل بعد عام 130من هجرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
وبذلك إخواني وأخواتي الكرام نكون قد انتهينا بفضل الله من تحقيق هذا الحديث الشريف وقد بان لكم ضعف كل طرقه وأكاد أجزم أن أكبر خروف من خرفان النصارى في العلم لو قرأهذا الكلام لن يفهم منه حرفا واحدا ولا عجب في ذلك فقد نعتهم المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم بأنهم من الضالين فسيظلوا حائرين ضالين الى قيام الساعة إلاأن يتغمد الله برحمته من يشاء منهم نسال الله العظيم لنا ولهم الهداية
ولا عجب أيضا في قصر عقولهم عن فهم هذا التحقيق إذ أن هذا العلم الجليل علم الحديث ومصطلحه تفردت به امة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فلا يوجد في أمة من امم الارض هذا العلم الشريف الذي اختص الله سبحانه وتعالى به أمة محمد صلى الله عليه وسلم فنقل الثقة عن الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتجده في أي ملة ودين فاليهود لايصلون بسندهم إلى موسى عليه السلام بل أعلى ما عندهم من الاسناد يقفون فيه ولا بد حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أكثر من ثلاثين عصرا وإنما يصلون إلى مثل هلال وشماني وشمعون وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط على أن مخرجه من كذاب (راجع تفصيل ذلك في كتاب الفصل في الملل والنحل لابن حزم)
نعود احبتي الكرام فنقول قد اتضح بحمد الله من هذا التحقيق ضعف هذا الحديث الذي ضل في فهمه عمدا أو خطأ من ضل من النصارى ولكن حتى على فرض ثبوته وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا الحديث دليل جيد على خلق عظيم من اخلاق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هذا الخلق هو خلق الوفاء الذي تواتر النقل عن نعت رسولنا صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الحميد الفريد ويتضح الأمر لو ذكرنا متن هذا الحديث وسنأخذ أصح طريق جاء به الحديث ونورد متنه وهو عند الطبراني في معجمه الكبير وهو طريق روح بن صلاح عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : ، قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا، فَقَالَ:رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، وتُشْبِعِينِي وتَعْرَيْنَ، وتُكْسِينِي، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا، وتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُغَسَّلَ ثَلاثًا، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ سَكَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، ثُمَّ خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهُ وَكَفَّنَهَا بِبُرْدٍ فَوْقَهُ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَأَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ، وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ، وَغُلامًا أَسْوَدَ يَحْفُرُونَ فَحَفَرُوا قَبْرَهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاضْطَجَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، اغْفِرْ لأُمِّي فَاطِمَةَ بنتِ أَسَدٍ، ولَقِّنْهَا حُجَّتَها، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وأَدْخَلُوها اللَّحْدَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
سنجد في هذا الحديث خلق الوفاء متجسدا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول في أول الحديث )) يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، وتُشْبِعِينِي وتَعْرَيْنَ، وتُكْسِينِي، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا، وتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ))فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعترف بجميل هذه السيدة الفاضلة رضى الله عنها حيث انها كانت تجيع نفسها وتطعمه وتعري نفسها وتكسوه وتمنع عن نفسها ملذات الحياة وطيبها وتوفره لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم والله ان العين تكاد تدمع من خلق هذه السيدة الفاضلة ومن وفاء هذا الوفي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ثم أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها خيرا فبين انها لم تفعل ذلك طمعا في شئ من الدنيا أو ليقال عنها انها حنونة أو غير ذلك وإنما بين المعصوم صلى الله عليه وسلم أنها إنما فعلت ذلك تبتغي به وجه الله والدار الاخرة فانظر إلى وفاء حبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم أراد أن يصنع لها شئ قد يكون مكافئا لصنيعها وهذا الشئ ما تشدق بمفهومه السئ ملا عين النصارى قبحهم الله ذالكم القوم الذين أرادوا تشويه كل فضيلة وإعلاء كل رذيلة ولا جرم فإن كتابهم المكدس يطفح بهذا العفن من الرذائل لكنهم يرون القشة في عين اخوانهم ولا يرون الخشبة في اعينهم نسال الله لنا ولهم الهداية نرجع فنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم اراد أن يكافئها على صنيعها فماذا فعل؟ فعل كما في هذا الحديث الصريح ((: فَحَفَرُوا قَبْرَهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاضْطَجَعَ فِيهِ،)) الالعنة الله على الظالمين
إن الحديث غاية في الصراحة أنه صلى الله عليه وسلم إنما اضجع في القبر واضجاعه في القبر هذا إنما هو بركة لأمه فاطمة بنت أسد فإن النار لاتشتعل في قبر اضجع فيه خير البشرمحمد صلى الله عليه وسلم
وفي الختام أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي هؤلاء المجانين النصارى ويهدينا وإياهم سواء السبيل وما كان من توفيق فمن الله وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء ولا تبخلو بالنصيحة فإن الدين النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين