أمير أهل الحديث

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

أمير أهل الحديث

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أمير أهل الحديث

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    176
    آخر نشاط
    17-03-2006
    على الساعة
    12:58 PM

    افتراضي أمير أهل الحديث

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    هذه ترجمة لرجل تعجز عن وصفه الألسنة نور بخارى وفخر أهلها وكيف لا وهو الإمام والمحدث والفقيه , نحسبه ممن صدق الله فى الدنيا فكافأه الله بأن يذكر بيينا بالخير ما بقيت مؤلفاته , أحسن الله إليك يا أبا عبد الله كما أحسنت إلينا وكنت سبب من أسباب حفظ السنه التى أجراها الله فى قلبك قبل لسانك وفى عملك قبل دعوتك ,أسأل الله عز وجل أن ينفعنى وإخوانى بسيرتك العطره طيب الله ثناك



    أمير أهل الحديث


    محمد بن إسماعيل البخاري

    1- أمير أهل الحديث ........................2 - مواقف من حياة البخارى

    3- نسبه ومولده ........................................... 4 - ورعه

    5- قوة حفظه وذاكرته ..................................6 - عمله بالتجارة

    7- طلبه للحديث.............................................8 - ثناء الأئمة عليه

    9 - مؤلفات البخارى ................................... 10 - من كرم البخارى وسماحته

    11- دقته وإجتهاد ......................................12 - محنة البخارى

    13 - تفوقه على أقرانه فى الحديث .............14 - محنته مع أمير بخارى

    15- من كلمات البخارى ............................... 16 - وفاة البخارى


    =====================================================

    * أمير أهل الحديث*



    الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
    ولم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء. ويقول عنه أحد العلماء: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
    فمع سيرة البخاري ومواقف من حياته
    .



    *نسبه ومولده*



    هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعني بلغة بخارى "الزراع"
    أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلب والده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروى إسحاق بن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
    ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.
    ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره



    *قوة حفظه وذاكرته*


    ووهب الله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
    يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
    فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت.
    فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة.
    ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
    وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
    وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
    قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.



    *طلبه للحديث*


    رحل البخاري بين عدة بلدان طلبا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها.
    وروي عن البخاري أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
    ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
    وفي أواخر سنة 210هـ قدم البخاري العراق وتنقل بين مدنها ليسمع من شيوخها وعلمائها. وقال البخاري دخلت بغداد آخر ثمان مرات في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان قال فأنا الآن أذكر قوله.
    ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
    وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
    وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.



    *مؤلفات البخاري*


    عد العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ"صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كثير من الأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم"
    ويقول في قصة تأليفه "الجامع الصحيح ":" كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
    ويقول في بعض الروايات:
    ـ أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.
    ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
    ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
    ويروي البخاري أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول:
    "في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب، وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال لي مؤدب من أهلها كم كتبت اليوم فقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضر المجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما"
    وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم قلت لأبي عبد الله تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف فقال لا يخفى علي جميع ما فيه، وسمعته يقول صنفت جميع كتبي ثلاث مرات
    .



    *دقته واجتهاده*



    ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
    يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
    وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.
    وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
    وكان العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه
    .



    *تفوقه على أقرانه في الحديث*


    ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان.
    فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
    وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
    وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس وهو لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
    وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
    وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت



    *من كلمات البخاري*



    (لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة)
    (ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي)
    (ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه)



    *مواقف من حياة البخاري*


    وقال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا. وقل أن يقول فلان كذاب أو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا وهذا هو والله غاية الورع.
    يقول محمد بن أبي حاتم: كان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل على نفسك ولم توقظني قال أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
    *يروي البخاري فيقول كنت بنيسابور أجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبد الله والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم: بلغني أنه قال لك لا تحسن تصلي فكيف تجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة.
    وذات يوم ناظر أبو بكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثم أقبل محمد عليه فأغرب عليه مائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلك يقول ذاك الفتى البازل والبازل الجمل المسن إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
    قال محمد بن أبي حاتم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.
    قال أبو جعفر سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكتدي فقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتى لحقته قال أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة



    *ورعه*



    قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل. فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي. قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا. وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
    • وقال بن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح وآخذ أهبة فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
    • وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
    • وقال أحمد بن حفص: دخلت على أبي الحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة قال أحمد فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك ثم قال أبو عبد الله أصدق ما يكون الرجل عند الموت.
    وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم
    .



    *عمله بالتجارة*



    وعمل البخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانت المغريات.
    روي أنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة
    .




    *ثناء الأئمة عليه*



    قال أبو إسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل.
    قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
    وكان نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
    قال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث.
    وروي عن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
    وكان علي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
    وقال محمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
    وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.
    وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.
    وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل.
    وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت في الحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل.
    وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
    وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
    قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
    قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
    وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح
    .




    *من كرم البخاري وسماحته*




    قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
    قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خير وأبقى (الشورى:36)
    وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.
    ويقول عبد الله بن محمد الصارفي: كنت عند أبي عبد الله البخاري في منزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها: كيف تمشين؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك. قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت
    .




    *محنة البخاري *



    تعرض البخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه واجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليه البخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
    وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
    وبه قال وسمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
    وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر.
    وقال أيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
    وقال أحمد بن سلمة: دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لج في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" (غافر 44) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنما أبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
    وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إن فلانا يكفرك فقال: " قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما" وكان كثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول "إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76)، ويتلو أيضا "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43) فقال له عبد المجيد بن إبراهيم كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى الله عليه وسلم "من دعا على ظالمه فقد انتصر
    "





    *محنته مع أمير بخارى*



    روى أحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقول لما قدم أبوعبد الله بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق أحد إلا استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج.
    قال أحمد بن منصور فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمت إليه فقلت يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر فقال لا أبالي إذا سلم ديني.
    وروي عن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب الجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منك فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا
    .



    *وفاة البخاري*


    توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
    قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
    وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
    رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم
    ).
    ـــــــــــــ
    المصادر:
    (1) سير أعلام النبلاء.
    (2) تاريخ بخارى.
    (3) مقدمة صحيح البخاري.
    منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة يحيى ; 02-01-2006 الساعة 01:11 AM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    4,001
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    11-01-2019
    على الساعة
    05:55 PM

    افتراضي رد: أمير أهل الحديث

    بارك الله بك أخي الحبيب يحيى على هذا الموضوع

    التي تحمل في طياتها سيرة احد رجال الامة الاعظيمة هذا الرجل رجل الرجال في زمنٍ عز عليه الرجال

    والله المستعان
    المسلم حين تتكون لديه العقلية الاسلامية و النفسية الاسلامية يصبح مؤهلاً للجندية و القيادة في آن واحد ، جامعاً بين الرحمة و الشدة ، و الزهد و النعيم ، يفهم الحياة فهماً صحيحاً ، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها و ينال الآخرة بالسعي لها. و لذا لا تغلب عليه صفة من صفات عباد الدنيا ، و لا ياخذه الهوس الديني و لا التقشف الهندي ، و هو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، و في الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. و يجمع بين الامارة و الفقه ، و بين التجارة و السياسة. و أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه و بارئه. و لذلك تجده خاشعاً في صلاته ، معرضاً عن لغو القول ، مؤدياً لزكاته ، غاضاً لبصره ، حافظاً لأماناته ، و فياً بعهده ، منجزاً وعده ، مجاهداً في سبيل الله . هذا هو المسلم ، و هذا هو المؤمن ، و هذا هو الشخصية الاسلامية التي يكونها الاسلام و يجعل الانسان بها خير من بني الانسان.

    تابعونا احبتي بالله في ملتقى أهل التأويل
    http://www.attaweel.com/vb

    ملاحظة : مشاركاتي تعبر فقط عن رأيي .فان اصبت فبتوفيق من الله , وان اخطات فمني و من الشيطان

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    176
    آخر نشاط
    17-03-2006
    على الساعة
    12:58 PM

    افتراضي رد: أمير أهل الحديث

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم إجعل أخى المهتدى من خلفاء أهل الحديث فى الأرض ونحسبك منهم
    أنت محق فعلا أخى مهتدى كم ينصح بمطالعة سيرة هؤلاء النبلاء من اجل أن نرى همتهم
    ونتعلم من ورعهم وسمتهم جزاك الله خيرا على مرورك الطيب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    176
    آخر نشاط
    17-03-2006
    على الساعة
    12:58 PM

    افتراضي رد: أمير أهل الحديث

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    وها هى بين أيديك ترجمة لأمير ءا خر إما م أهل السنة وعطرها ... أسأل الله عز وجل أن ينفعنى بها وإخوانى



    1-مولده و نسبه*

    2 - من شيوخه الفضلاء ورحلته فى طلب العلم *

    3 - محنته *

    4 - مُسند الإمام أحمد *

    5 - من أقواله *

    6 - من تلامذته *

    7 - وفاته *


    ==========================================================


    * مولده و نسبه *


    ولد الإمام أحمد عام 164 هجرية في بغداد التى ينتقم منها الحاقدون لأنها كانت منارة للسنة ..
    فبعثروا كتبها و أحرقوا تراثها و مخطوطاتها , بعد أن اغتصبوا مالها و افترسوا أهلها ...
    و توفي الإمام أحمد عام 241 هجرية ......
    كان عمره عندما مات الشافعي - رحمهما الله – يقارب الأربعين ، كأن الله تعالى تركه للأمة من بعده بعد أن بلغ أشده و استوى !
    حيث كان الشافعي يكبره بأربعة عشر عاما رحمهما الله تعالى .

    شيخنا أحمد، عربي من شيبان ..... يلتقي نسبه مع الرسول عليه الصلاة و السلام , عند الجد نزار بن معد ، والله أعلم

    فهو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد ...إلى مازن بن ذهل بن شيبان .

    تيتم صغيرا ليصير مثلا كبيرا ! و يمسى حجة على من يتذرع باليتم و الضعف و الفقر , ليعيش الخور و الكسل و العجز ...
    و تولت أمه الطيبة تربيته الفريدة المثال فكانت نعم الأم , و نعم المربية و نعم السيدة الفاضلة ...
    لم تنتظر من ينير لها الطريق , كان منيراً بيقينها و ذكائها ، لم تكن حالمة ترى الحياة شوقا لرجل يمتطي صهوة الخيال , بل كانت تسبح فى الغسق وتشعل الدجى ترانيما حسنة ، كان حب الله يحدوها و هى تهب ابنها الفتى اليتيم لله تعالى ..

    و المدد لم يكن مالا و لا متاعا , بل كانا فقيرين , و لم يحدوها حلم ببذلة تحتويه و شهادة يوم يتخرج كما المثاليات فى زمن التلفاز

    بل كان البيع لخير من ذلك ,
    كانت تصنع منه آية !
    يقف وسط الوحوش صامدا فى المحنة , لا تتبعثر نفسه بين الرغبات و الرهبات ..

    فهى سيدة من زمن القمم , لم تلتزم نهجنا و ذات السلوك الرتيب , و لم تتعب نفسها فى حفظ أبجدية التساوى مع الرجل و التنافس مع الذكر كأنما خلقنا للتناطح كالكباش !

    ... و لا تسعى لخروجها مكشوفة ليقال حرة !
    و لم تر تربية الأبناء ليست عملا ... فيقال لمن خرجت عاملة و لمن جلست أين عمل المرأة !

    بل كانت تعمل ... و انظر إلى عملها و عملنا !

    هى ربت أحمد !

    و خرج ليسطع فى الدنيا حتى الليلة !

    نحن عالة على كتبه .... حفظ لنا السنة و الفقه و تحمل ليصلنا الدين نقيا

    تحمل الجوع و البرد والسوط و السيف !

    كانت أمه معه يوما بيوم , تصنع الرجل القادم ... فجر النور , و لم تعش الجنون كطائشات القوم

    تمنت أن ترتقى و ارتقت , و جدير بها أن تسعد لأنها رأت أحمد نورا للدنيا , يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم , فيصمت الخلق انبهارا من الحديث و المحدث و من المتحدث عنه !

    حتى و هو صبى كان سلوكه يدل على نعمة الله بمثل تلك الأم المسلمة ...

    قال أبو سراج بن خزيمة – وهو ممن كان مع أحمد بن حنبل في الكتّاب صغيرا - إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد وحسن طريقته, فقال لنا ذات يوم :

    أنا أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم ، انظر كيف يخرج ؟ و جعل يعجب .

    وكان الهيثم بن جميل بفراسته يقول عن أحمد :

    أحسب هذا الفتى – إن عاش - يكون حجة على أهل زمانه

    **************************
    و يكبر الصبى النابه ...
    ها هو أحمد فى المسجد , لا يتكلم بل يسكت ,
    فتعمر القلوب بالنظر لسمته , و ينساب الهدوء بين الحنايا مع دمعته الرقيقة الخاشعة

    **************************
    فكيف لو تكلم ....أرأيتم الأم المربية حين تنتج جيلا مسلما ! رحمها الله رحمة واسعة و رضى عنها ...تحملت الفقر و ضحت بالشباب لتكون متفرغة لابنها النابغة , و لم تعش أرملة ميتة على أشلاء أمل قديم .

    و كان أحمد وفيا لأمه , لدرجة أنه خشى أن تزعجها سيدة أخرى بأى منغصات, فلم يتزوج حتى توفيت , و هو فى الثلاثين من عمره .

    كانت البداية بزرع الورد الذى لا يذبل
    بالكتاب الكريم المكرم المطهر
    فأعانته أمه المثالية على تعلم القرآن المكرم , تلاوة و حفظا , حتى لبسا تاج البهاء ... ووعى ابنها الذكر فى صدره و ختم القرءان حفظا ..

    و فى الخامسة عشرة دخل حلقات العلماء ليشرب من نهر السنة العذب السلسبيل
    فجلس فى مجالس الحديث الشريف حتى سمع ما ببغداد كله !

    فقرر أن يجوب الدنيا , و يركب البحر و يشرب الصبر ليجمع كل كلمة قالها الحبيب صلى الله عليه سلم , و يحققها ( سندا و متنا ) , فيتأكد من صدق ناقليها عدلا , و يسمعها بنفسه منهم بلا واسطة , فيعلو به النقل و التوثيق العلمى التاريخى , فلا يكون بينه و بين النبى صلى الله عليه وسلم إلا أقل عدد ممكن , كى لا تشوب النقل شوائب !
    يرحل الشاب المجتهد المناضل في سبيل السنة الشريفة , حتى يذهب إلى شتى أركان دولة الخلافة الكبرى ...
    إلى الشامات والسواحل ..
    ومكة والمدينة
    و باقى الحجاز واليمن
    لفارس و خراسان
    صعد الجبال , و وصل الأطراف , ثم زار الثغور فى مرمى العدو ..
    كى لا يترك إرثا طاهرا عبقا , و لا رجلا فاضلا معه خير دون أن يلقاه و يدون و ينقح ..
    جولة حول العالم من أجل الحق , و الحق وحده يا أحمد ...
    للحق قمت , تعب اختيارى !
    بقرار حر شجاع , ثم صمود لا يلين مع الريح ,
    و لا تبدده الشهوات و التباريح , و لا يغرقه بحر الكسل الفسيح ....
    شهد له الكل و كتب عنه الجميع
    فلم يكن أسطورة و لا مبالغة , بل ترك أثرا ماديا , و خلف صحبا كراما زكوه فى كل مصر طاف به ...





    * من شيوخه الفضلاء ورحلته فى طلب العلم *



    ممن التقى بهم في الري الإمام عليّ بن مجاهد حيث رحل أحمد إليه عام 182 هـ، وهي أول سنة رحل فيها في طلب العلم ، وسمع من الإمام جرير بن عبد الحميد في الري أيضا , رحمهم الله جميعا .

    ورحل إلى البصرة عام 186هـ في طلب الحديث ، وخرج إلى الكوفة في طلب الحديث
    فأصابته حمى فعاد إلى بغداد.!

    لا

    لم يقرر الكف بسبب المرض , و قد تعلم من علمين فحق له أن يجلس ليفتى و يدرس فى المسجد و لا داعى لمزيد من السفر و الأمراض ... لا , بل نحتسب و نكمل المسيرة

    طهور يا أحمد
    طهور إن شاء الله ...

    و قال أحمد بن حنبل :

    دخلت عبدان سنة 186 هـ.

    و دخلت البصرة خمس دخلات ! و ذلك ليسمع من محدثيها ، فلم تكن سفرة سياحة المعصية و لا تجارة دنيوية ...

    و حضر فيضان دجلة الكبير عام 186 هـ في أيام الرشيد الذي اضطر الرشيد بسببه إلى النزول بأهله إلى السفن. ومنع والي بغداد ( السندى بن شاهك ) الناس من العبور إشفاقاً عليهم ( والى يخاف على الرعية ....! ) ، فأقام أحمد بن حنبل - تلك الفترة فقط - لا يستطيع الرحلة من أجل العلم ! لم يمنعه إلا الفيضان .... تلك هى الأعذار المقبولة يا أحباب .

    لقى أحمد الشافعي في أول رحلة , و فى أطهر بقعة , فى الحرم بمكة المكرمة ، و علم أحمد قدر الرجل , و تلقى عنه الفقه و هو معرفة الأحكام المفصلة لكل جزئية , و أصول الفقه و هى قواعد فهم الدليل و استنباط الحكم الشرعى , و كان أحمد ابن حنبل وفيا للشافعى رحمه الله , حتى روى عنه أنه مكث أربعين سنة ما بات ليلة إلا ويدعو فيها للشافعي.

    و كان يقول: إنَّ الله يبعث على رأس كل أمَّة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها...
    لقد أرسل الله تعالى عمر بن عبد العزيز على رأس المئة الثانية , وآمل أن يكون الشافعي على رأس المائة الثالثة!

    و رشحه الشافعي عند الرشيد لقضاء اليمن فأبى أحمد و قال له :
    جئتُ إليك لأقتبس منك العلم

    وكان ذلك في آخر أيام الرشيد.
    ورشح الشافعيُّ الإمام ثانية لقضاء اليمن عند الخليفة الأمين العباسي فأبى أحمد ، وكان ذلك عام 195 هـ.
    فهو لا يريد منصبا و لا شيئا يشغله عن مهمة حفظ العلم و بثه ... و ليس لاهثا ليكون مستشارا له راتب ..

    و قال فيه الإمام الشافعي :
    " خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل ".

    وقال عنه الأمام الشافعى أيضا :

    أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً *** وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ

    وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً *** فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ

    و لم تتيسر لأحمد بن حنبل فرصة لقاء عالم المدينة النبوية مالك بن أنس
    فكان يقول : لقد حُرِمتُ لقاء مالك فعوَّضني الله عز وجل عنه سفيان بن عيينة !

    فأحمد بن حنبل يتحسر , لا على دنيانا و فومها و عدسها , بل على عالم علم جهبذ لم يره , و يسلى نفسه و يعزيها فى الخسارة , لا بالنوم و الأمانى و التناسى و تخدير النفس , بل بعالم آخر رزقه الله لقياه !

    أرأيتم التربية ؟

    و عرف الشافعي رحمه الله فضل أحمد فى الحديث , فكان كان يكثر من زيارته ، فيزداد كل منهما من علم أخيه الرائع

    ولما سئل عن ذلك قال الشافعى , و هو شاعر فذ و لغوى أصيل :

    قالوا يزورك أحمد و تــــزوره *** قلتُ الفضائل لا تبارح منزلـه
    إن زارني فبفضله أو زرته فلفضـله *** فالفضل فـي الحالـيـن لــه

    و ورد فى كتاب طبقات الحنابلة رحمهم الله :
    قال الشافعي لإمامنا أحمد يوماً :
    أنتم أعلم بالحديث والرجال , فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني , إن شاء يكون كوفياً أو شاء شامياً حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً.

    وهذا من دين الشافعي حيث سلم هذا العلم لأهله .

    و قال عبد الوهاب الوراق :
    ما رأيت مثل أحمد بن حنبل , قالوا له :
    وإيش الذي بان لك من علمه وفضله على سائر من رأيت ؟
    قال : رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال أخبرنا وحدثنا ! ...

    هكذا يا أحباب يكون البحث النافع فى ذاكرة الأمة ..

    و قال أبو زرعة الرازي :
    حزرنا حفظ أحمد بن حنبل بالمذاكرة على سبعمائة ألف حديث !
    قيل له: وما يدريك قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب......

    و هو إمام في القرآن كما قال أبو يعلى رحمه الله :
    قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير , و هو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا , والناسخ والمنسوخ , و المقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى , وجواب القرآن وغير ذلك.

    و لم تكن الصلة بالقرءان صلة بحث فقط , فالقرءان حديقة غناء , قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما بالليل والأخرى بالنهار.

    الله ...سبحان الله
    خرج أحمد البطل إلى اليمن مستكملا رحلته المباركة الميمونة , للعلامة عبد الرزاق بن الهمام اليمني , صاحب الموسوعة الحديثية المسماة بالمصنف ..

    و هناك حاول الإمام الكريم عبد الرزاق أن يساعد طالب العلم , ابن السبيل أحمد بن حنبل بمال من معه , فأبى إمام أهل السنة , و أصر أن يتكسب عيشه من عمل يده لينفق على نفسه فى رحلته , فنعم النفس العيوفة العفيفة , و هى رسالة لكل عالم و طالب علم ( و مفكر ) ...

    و سافر أحمد متقصيا أثر علامة زمانه عبد الله ابن المبارك , ليتعلم منه العلم و الخلق و السلوك ... فقد كان ابن المبارك آية عالما عطر السيرة ...
    و أشفق ابن المبارك على الداعية الرحال المناضل , و أراد أن يساعده أيضا بمال , كما حاول قبله العلامة عبد الرزاق , و لكن الإمام أحمد اعتذر عن قبول المساعدة ...
    و قال :
    أنا ألزمك لفقهك وعلمك لا لمالك.

    حج الإمام أحمد خمس مرات إلى بيت الله تعالى ، منها ثلاث مرات ماشيا !
    لقلة ذات اليد .....

    فسبحان الله على النشاط و الجلد و الجدية فى العبادة , كما هى فى طلب العلم ....
    فليسمع من كبرت بطونهم و ترهلت أجسادهم من كثرة النوم و الأكل و الكسل ,
    و ممن وهنت عظامهم قبل أن يخوضوا غمار رحلة ربانية واحدة , ممن يأكلون الطرى و يشربون شرب الهيم ... عودوا أنفسكم الخشونة و الرجولة .. و أمامكم الطريق


    عرف المعاصرون أحمد ابن حنبل بأنه محدث متمكن يروى الحديث و يحققه

    لكن أحمد كان أيضا فقيها نابها ....

    وما ميز فقهه أنه لم يكن يعمل بالقياس إلا نادرا , لأنه تيسر له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره , فلم يكن هناك ما يدعوه ليقيس و يبحث , و ليفتش عن تشابه حكم ليقيس عليه ،حيث انتقى كتابه (المسند) من بين سبعمائة وخمسين ألف حديث عرفها ، بل كان يجمع ما أثر من قول الصحابة أو من قول تلاميذ الصحابة , و هم التابعين , فهم من تعلم من الصحابة تلاميذ النبى صلى الله عليه وسلم , فقولهم أولى و فهمهم أقرب ...

    و لو لم يجد فى المسألة قولا للتابعين اجتهد و قاس , و قد ترك مذهبا ثريا و كتب عنه طلابه آلاف المسائل الفقهية قيل بلغت ستين ألفا مدونة .

    و كان الإمام أحمد يتحرج من الفتوى فى أول الأمر حتى اجتمعت لديه ثروة كبيرة من نصوص السنة، وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم. و لم يتصدر للحديث والفتوى إلا بعد أن بلغ سن الأربعين، وذلك عام (204 هـ) !

    و من شيوخه أيضا و أئمة عصره الذين أخذ عنهم العلم النافع ممن حفظ عن التابعين و الصحابة كل نصيحة العلم العلامة سليمان بن حرب بالبصرة سنة 194 هـ، و الإمام أبي النعمان عارم في تلك السنة،
    و من الإمام أبي عمر الحوضي أيضاً ، و الإمام علي بن هاشم بن البريد
    و العلم الفاضل الثقة سفيان بن عيينة وإسماعيل ابن علية.
    و الإمام عبد المؤمن العبسي سمع منه سنة 182 هـ.
    والإمام عبد الرحمن بن مهدي ، والعالم البطل أبو بكر بن عياش .

    وممن حدث عنهن أحمد بن حنبل
    من النساء !!
    الفاضلة أم عمر بنت حسان بن زيد الثقفي.
    فلم يكن ديننا متعصبا متحيزا و لم يمنع امرأة أن تصير محدثة !
    و دونك كتاب الزيانب لإبن حجر حيث جمع فيه جمعا طريفا فيه كل من اسمها زينب من الفاضلات المعلمات .... فالمرأة الفاضلة يزيدها الحق فضلا ... و لا يكبت طموحها ...

    هاهم أصحابه يقولون له , و هم يرونه دوما يطلب المزيد من العلم و دوما يحمل محبرته و أوراقه و لا يكل , كالنحلة تجنى الرحيق بلا ملل ..!

    يقولون كما فى السير :

    يا أبا عبد الله ، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، حتى متى مع المحبرة ؟

    فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.

    و في مكة سُرِق متاعه وهو خارج البيت يطلب الحديث، و لما عاد قيل له ذلك، فلم يسأل عن شيء من المتاع ، وإنما بادر بالسؤال عن الألواح التي كتب فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطمئن إلا بعد أن وجدها.

    فلم يسخط مع الإختبار الربانى , و لم يتبرم ...
    لم يشفق على الضائع من الفانية ... فأثبت أن الثمرة أينعت .. و أن الحديث ليس باللسان فقط .

    ها هو عبد الله بن الإمام أحمد يقول :

    خرج أبي إلى طرسوس ماشياً، وخرج إلى اليمن ماشياً.!

    وصف المعاصرون مجلسه فكأنما البركة تحيط و العناية تظلل , كان كثير التواضع له هيبة ووقار , وسكينة لا تفارق المكان أثناء الدرس ....

    فحين تحضر الألوف التى تسمع الرجل الأمة
    يشرق الإحساس فى تلك القلوب التى تختلف عن قلوبنا , فلم تسلم القياد لإعلام و تعليم و ثقافة غبية ملحة تافهة .. و لم تكن تفكر بذات الطريقة التى يمليها عليها غيرها ...
    فكانت الأوعية تختلف , فتتفتح منسابة لتسرى المعانى إلى القلب بيسر لا حد له ... من هنا نرى حالنا , حيث كثر القراء و قل العلماء ..

    فلا يتسع الأفق إلا لسماء ملبدة بالحزن , و يبقى الأمل و الحنين فى قلة ترتوي الأن من ذات المعين و تنادي الله تعالى وتسأله سبحانه ,
    و هم على قلة عددهم و رقة حالهم فهم ورود , تفوح منها رائحة الأمل الموعود , لتزكى الهواء كله ...
    فترى صغيرهم و كبيرهم رغم العناء و اللأواء يحمل قلباً باسماً .....

    رحمك الله يا أحمد

    قالوا :

    نظرة إليه تذكر الناس و تعظهم قبل أن يتكلم لسانه ...

    و كان أحمد بن حنبل مع تلك السكينة رجلا مبتسما مؤدبا بشوشا .
    فقيل فيه أيضا :
    يلقى الناس مبتسما و يقدمهم عليه فى المشى .
    و فى قراءته للقرءان يجتنب الظهور و الشهرة فإذا قرأ القرآن ودخل عليه الناس سكت صيانة لقلبه من المديح ودخول الرياء.
    فأين قراء هذا الزمان من هذا الحرص؟





    * محنته *



    عاش الإمام أحمد في عصر الخليفة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل .
    في هذا الوقت ، كانت فتنة المعتزلة خاصة في عصر المأمون. وكان المأمون تلميذاً لأبي هذيل العلام من المعتزلة ، و ووقع فى براثن الفلسفة اليونانية .
    وعين المأمون أحمد ابن أبي ذؤاد المعتزلي وزيراً خاصاً له .
    و كان الصدام بين خرافة القول بخلق القرآن ... أي أنَّ القرآن حادث مخلوق و بين الحق الذى مثله أهل السنة متبعين فيه التابعين و الصحابة فى فهمهم و تعاملهم مع الدليل
    و أن القرءان هو كلام الله تعالى الأزلي القديم
    و لم يكن أهل السنة يسلمون أنفسهم لفلسفة الوثنيين , و لا يخضعون لها الشرع ولا يشغلون أرواحهم
    و لا يرهقون أنفاسهم خلف بشر يعمل عقله و هلاوسه من عبدة أساطير جبل الأوليمب !

    بل تخفق قلوبهم مع الأثر عن النبى صلى الله عليه وسلم و صحبه الكرام الطاهرين , ففى كلامهم تحضر موارد الإيمان ، و يتبين أهل الشقاء من أهل الحرمان

    حسب التأسي بما يقال ، حتى لو جاءت الفتنة و المحنة , فزادهم هو اليقين بكريم الإرادة الربانية , إرادة الرحمن سبحانه التى تدخر الفوز لهم , فيجعلهم من الصابرين انتظارا لحسن المآل

    و حين اعتنق المأمون هذه البدعة أراد تعميمها و نشرها ..ففي عام 218 هـ أرسل كتاباً إلى نائبه في بغداد وهو إسحاق ابن إبراهيم كتبه وزيره المعتزلى لكنه بختم المأمون يفرض فيه بدعته و شبهاتها الداحضة الواهية

    و أمر المأمون أن تقطع نفقة كل عالم لا يقر بما طلب و رفض العلماء التهديد , فطلب المأمون أن يرسل إليه كل معارض مقيداً بالأغلال .

    وكان الإمام أحمد من بين الكوكبة التي رفضت أن تقر , و لم تتراجع تحت تهديد السيف ، فقُيِّدوا جميعاً بالأغلال وذُهِبَ بهم إلى طرطوس. وفي الطريق تراجع البعض خوف البطش ومات البعض الآخر .... منهم العالم العلامة محمد بن نوح العجلي و كان آنذاك مريضا يرصف في الأغلال , و توفي ودفن في الرحلة كأول بطل لقى نحبه في تلك المحنة ، ولم يبق إلا أحمد الذي وصله الكلام صريحا من خادم المأمون قائلا له:
    إنَّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه.

    و لكن أحمد رفض التراجع عن الحق و بينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا أميال ، إذ جثى على ركبتيه و رمق بطرفه إلى السماء ودعا الله تعالى أن ينجيه , فتوفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس بسويعات !

    و أُعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور.

    وقال : ظهر لي في الطريق رجل بدوي ، فقلت من هذا ؟ قالوا : شاعر ربيعة جابر بن عامر , فأمسك بزمام ناقته وقال : إيه ما بالك يا إمام ؟ ما عليك أن تقتل في ســـــبيل الله فإنه ليس إلا القتل هاهنا والجنة هاهنا !

    وعظه هذه الموعظة ، يقول الأمام أحمد فشـــــدت كلمته في قلبي أيما شد وثبتتني ، و يشاء الله أن تكون المحنة بعدها , لما فى كل محنة من منح و عبر و حكم و خير آجل ....

    وجاء بعد ذلك المعتصم و استدعى الإمام أحمد مكبلا , و حول الخليفة عدد من المعتزلة على رأسهم ابن أبي ذؤاد الذي ظهر من سيرته أنه مع بدعته يكن حقدا و حسدا للإمام أحمد ، و ناقشوا الإمام أحمد
    و كان واضحا فقال :

    القرءان كلام الله ...القرآن من علم الله و من قال إنَّ علم الله حادث أى مخلوق فقد كفر !

    وطلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد رحمه الله , ولكن سطوة البدعة وأهلها
    ووسوستهم غلبت ...

    وعرض عليه المال والعطايا , و لكن الإمام أحمد قال له:

    أرني شيئاً من كتاب الله أعتمد عليه (أي أعطني دليلاً على ما تزعم من كتاب الله تعالى). وحذَّر المعتزلة المعتصم إن هو أطلق سراحه أن يُقال إنَّ هذا الرجل تغلب على خليفتين اثنين...
    فتركه المعتصم للضرب والتعذيب و السجن الطويل المؤلم .

    فكان يُضرَب ضرباً مبرحاً حتى يغشى عليه ثم يأتون به في اليوم التالى و يرفض الخنوع .

    وقال الإمام أحمد ضربت بالسياط أول يوم فطفقت أعد سبعة عشر ســوطا ثم أغمى علي ولم أدري ما كان من بعد...!! ومن حضر غُسْل الإمام أحمد بعد موته رحمه الله -مع أنه مات من بعد هذه الحادثة بأكثر من عشرين عاما- شـاهد آثار الســـياط هذه في ظهره ، حيث أن الإمام مات ســــــنة مائتين وواحد وأربعين هجرية والحادثة ســـــــنة مائتان وتسعة عشر هجرية !

    قال الإمام أحمد :

    علقت بالســــقف من رجلي وبيني وبين الأرض مســـافة ذراع فكانوا يعذبونني على هذه الشاكلة فإنقطع الحبل بي فدكت عنقي بالأرض فأغمي علي ولم أدري ما وراء ذلك ، وجيئ به في اليوم الثالث فلف في حصــــــــــيرة وظلوا يدوســـــون عليه حتى أغمي عليه وفي كل ذلك يقولون له قل بقولنا بأن القرآن مخلوق وهو يأبى ، فتركه المعتصم لعله يلين ولعله و لعله ...

    في تلك الفترة وهو في قصر المعتصم يجيئه بعض تلاميذه الذين يترخصــــــون ، أحد تلامذته اسمه ابن أبي زهير يقول له: أيها الإمام ما عليك أن تجيب ..... فإن لك عيال ولك أولاد ولك كذا فلو أجبتهم والنية عند الله ، فنظر له الإمام أحمد نظرة ملية وقال له:

    يا أبا سعيد إن كان هذا عقلك فقد إسترحت ، فالإمام يدرك أن صموده نصرة للحق ....

    ويجيئه آخر من تلامذته ويقول: أيها الإمام ما عليك أن تجيب فيقول له: نعم انظر من خـلال الشرفة وأخبرني ماذا ترى فينظر فيقول: إني أرى أهل بغداد قد اجتمعوا كل معه القرطاس والقلم ينتظرون ما تقول به, قال: أف ...أنجو بنفسي وأضل جميع هؤلاء !!!.

    وقال بشر بن الحارث الحافي الزاهد العابد المشهور رحمه الله في تلك الأيام وكان مهابا من الجميع ، كان في تلك الأيام يجمع العامة حول القصر ويجعلهم على حب أحمد ويقول وهو يمد رجله: ما أقبح هذه الساق ألا يكون فيها القيد نصرة لهذا الرجل ، نصرة للإمام أحمد بن حنبل .

    و بتلك الصرامة و الحساسية المرهفة و الصمود زرعت المعانى . فأثمرت تقوى فى قلوب المؤمنين من ثبات الإمام أحمد و من معه من الثابتين الذين سبقوه و قضوا نحبهم فى سبيل العقيدة ....

    و منهم نعيم بن حماد الــخـــــــزاعي إمام الحديث بمصر مات فى السجن ساعتها رافضا التنازل , والبويضي الفقيه بمصر مات فى الطريق أيضا
    كلاهما قضى نحبه ...

    و كان هناك علم آخر صمد لا يصح أن ننساه لكنه لم يعذب لكبر سنه , هو ( أبي نعيم الفضل بن زكين ) شيخ البخاري ومن أئمة الـــــــحديث بالكوفة .

    جيئ به إلى المعتصم , و كان شيخا مسنا تجاوز الســــــبعين فقال له المعتصم: أقْطَعُ عطائك أى راتبك الخارج من بيت المال , ، فمد يده إلى ذر ثوبه فَسَلَّهُ أي قطعه ثم وضعه بين أصبعين من أصابعه ثم رماه على المعتصــــم قائلا له: والله ما دنياك عندي إلا أهون من ذر قميصي هذا ، فهاب المعتصم أن يفعل به شيئا لسنه الكبير و لشهرته ....

    و أقبل أحمد على الناس في السجن يعلِّمهم ويهديهم.

    فأمر ابن أبي ذؤاد بنقله إلى سجن خاص حيث ضاعفوا له القيود وأقاموا عليه سجانين أغلظ و أشد ،
    وكان ينخس بالسيف فتسيل دماؤه الزكية لكنه يصر على الصمود !
    ولو كلفه ذلك حياته .

    صبرت للحق حين النفس جازعة *** والله بالصبر عند الحق موصيها

    ومن أشعاره فى السجن

    لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة
    من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
    هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه
    فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
    شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ
    لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
    لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة
    وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
    فيا أيها الساعي ليدرك شأوه
    رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
    وقال عنه الأمام الشافعي:
    أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً
    وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
    وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً
    فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ

    و تستمر المحنة و يستمر الصبر

    و تكون العاقبة العاجلة و الآجلة , فالعامة لم يضلوا , بل ازدادوا ثقة بالحق لصمود الإمام الحق ... بعد مرور عامين ونصف على هذه المعاناة ، و قد احترقت قلوب الناس و أوشكت الثورة أن تشتعل في بغداد نقمة على الخليفة المعتصم و وزيره ، حيث وقف الفقهاء على باب المعتصم يصرخون: أيُضرَب سيدنا ! أيضرب سيدنا ! أيضرب سيدنا ! فلم يجد المعتصم بداً من إطلاق سراحه وأعيد إلى بيته يعالج جراحه.

    فكانت شخصيته رمزاً للصمود والثبات على الحق ورفض تحريف العقيدة و دحض الأفكار الدخيلة على الإسلام و الهلاوس التى تلوث العقيدة .

    ثم تولى الواثق الحكم و هو على نفس النهج البدعى و قتل العلم العلامة أحمد بن نصر الخزاعي ، وكان قد خرج بأهل بغداد متحديا و مالت القلوب إليه ، فَأُمْسـِكَ به وقال له الواثــــق: دع ما أخذناك له وقل القرآن مخلوق....أقوم فأفك قيودك بيدي وأعفو عنك وأجعلك من خاصتي ، فأبى فقال له الواثق: إذن لا يقتلك غيري، فقام الواثق وقتله بســــــــيفه رحـــــــــمه و لم يتحرش الواثق بالإمام أحمد ساعتها خشية الفتنة.

    ثم مات الواثق وتولى المتوكل خليفة للمسلمين وهو من أهل السنة الميامين , وانتهت المحنة واعتقل الظَلَمَة فأُعْتُقِلوا

    وبعدما استتب الأمر جاء المتوكل إلى الإمام أحمد وكان هذا سنة مائتان وستة وثلاثون هجرية فأخرج له أدراج الدولة و دوواين الحكم , وقال له: أيها الإمام ادرس هذه الأدراج فثبت من شــئت واترك من شــئت واصلح أمر الدولة ، فلبث الإمام أحمد مدة يفتش في الأســـــماء فما من قاضٍ ضال مبتدع أو عامل مبتدع أو والي ظالم إلا وعزله وعين مكانه من أهل السنة والجماعة ، ولبث الأمر هكذا في عز ومنعة حتى مات المتوكل ومن هنا قال الإمام أحمد: إنما مثل المتوكل في بني العباس كمثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية .

    و حاول المتوكل أن يعطى الإمام أحمد مالا ليعوضه لكنه رفض شاكراً !

    وروى أن المعتصم ندم على ما وقع منه , و أنه كان يرسل له كل يوم من يطمئن على حاله ،
    بينما ابتلي الوزير الضال ابن أبي ذؤاد بالشلل الذي أقعده أربع سنوات , و صادر المتوكل كل أمواله لبيت المال ......

    أرأيتم عاقبة الصبر ! و لم كان أحمد مثار عجب الناس ! صبر وعلم ودأب .

    فبالصبر تكون نصرة الله لا بإثارة الفتن والفتنة أشد من القتل !

    قال أحد العلماء:
    مرّ أحمد بن حنبل عليناً قادماً من الكوفة، وبيده خريطة فيها كتب، فأخذتُ بيده، فقلت: مرة إلى الكوفة، ومرة إلى البصرة ! إلى متى؟ إذا كتب الرجلُ ثلاثين ألف حديث لم يكف ؟ فسكت أحمد، ثم قلت: ستين ألف؟ فسكتَ . فقلت : مئة ألف ؟
    فقال أحمد : حينئذ يعرف شيئاً !!!!

    فنظرنا فإذا أحمد قد كتب ثلاث مئة ألف حديث.

    و كما قال أبو يعلى رحمه الله:
    أحمد إمام في الزهد و حاله في ذلك أظهر وأشهر , أتته الدنيا فأباها والرياسة فنفاها عرضت عليه الأموال و فرضت عليه الأحوال وهو يرد ذلك بتعفف وتعلل وتقلل !
    و يقول : إنما هى أيام قلائل .

    ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهراً لأخذ العطاء

    ولما توفي أحمد أرسلت الأكفان من طرف الخليفة , فردت عليه !
    وقال عم أحمد للرسول :
    قل له أحمد لم يدع خادمى يروحه ( يعنى يهوى عليه و هو مريض مسن ) خشية أن أكون اشتريته من مال الخليفة ! فكيف نكفنه بمالك....

    وقال أبو يعلى عن الإمام أحمد :
    هو إمام السنة فلا يختلف العلماء الأوئل والأواخر أنه في السنة الإمام الفاخر والبحر الزاخر , أوذي في الله عز وجل فصبر ولكتابه نصر ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصر , أفصح الله فيها لسانه وأوضح بيانه وأرجح ميزانه , لا رهب ما حذر ولا جبن حين أنذر , أبان حقاً وقال صدقاً , وزان نطقاً و سبقاً , ظهر على العلماء وقهر العظماء , ففي الصادقين ما أوجهه وبالسابقين ما أشبهه , وعن الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه , جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين , فهو للسنة كما قال الله في كتابه المبين "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين"...

    فتسابق الأقوام وابتدروا لها *** كتسابق الفرسان يوم رهان
    وأخو الهوينا في الديار مخلف *** مع شكله يا خيبة الكسلان

    قال علي بن المديني ( شيخ الإمام البخارى ) :
    أيد الله هذا الدين برجلين , أبو بكر الصديق يوم الردة , وأحمد بن حنبل في يوم المحنة.

    و قال : حدثني صدقة المقابري :
    قال كان في نفسي على أحمد بن حنبل قال فرأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق وأنا خلفهما أجهد نفسي في أن ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي ثم رأيت بعد كأني ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب مناد الصلاة جامعة فاجتمع الناس فنادى يؤمكم أحمد بن حنبل فإذا أحمد بن حنبل فصلى بالناس وكنت بعد إذا سئلت عن شيء قلت: عليكم بالإمام يعني أحمد بن حنبل .

    ومن هيبته بعد موته نتيجة صموده وصبره بفضل ربه سبحانه :

    لما ذكر أصحاب أحمد بسوء للخليفة جعفر المتوكل بعد موت الإمام أحمد غفر الله لنا وله قال لصاحب الخبر: لا ترفع إلي من خبرهم شيئاً وشد على أيديهم فإنهم وصاحبهم من سادات أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    ونشر له بعد مماته من المناقب ورفع له بذلك العلم بين سائر الأمم فتنافس حين موته في الصلاة عليه العلماء والكبراء والأغنياء والفقراء والصلحاء والأولياء لأنه توفي في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع سبعون سنة فقال المتوكل على الله لمحمد بن عبد الله بن طاهر طوبى لك , صليت على أحمد ابن حنبل !

    و قال الإمام قتيبة : لولا الثوري لمات الورع و لولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين
    قلت: لقتيبة تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال إلى كبار التابعين.





    * مُسند الإمام أحمد *


    هو موسوعته القيمة التى جمعها ابنه عبد الله من بعده , به أربعين ألف حديث شريف ... حيث تروى المصادر أنها خلاصة رحلة عمره التى طاف فيها بالدنيا مرتين ليجمعها وينقحها ... فيسأل عن الرجال و يحدد مصداقيتهم و قوة حفظهم و صحة روايتهم ... و يكتب الأثر و يضبط لفظه ...
    و قد بدأ بجمع مسنده منذ أن كان عمره ستة عشر سنة، فكان يسجل الأحاديث بأسانيدها، في أوراق منثورة وظل على هذه الحال إلى أن قارب الوفاة .

    ولما شعر بدنو أجله بدأ يجمعها ويحذف منها ... وأملى هذه الأحاديث كلها على أولاده وأهل بيته وبدأ ابنه العالم العلم الفاضل النجيب عبد الله بن أحمد بن حنبل بجمع هذه الأحاديث وتنسيقها من بعده فجمعها عبد الله بطريق السند ...
    فكان يرتب الأحاديث المختلفة , حسب الراوى من الصحابة , فيبدأ بالأحاديث المروية عن أبي بكر ثم عن عمر و هكذا... و لك أن تتخيل مشقة جمع عشرات الآلاف من الأحاديث ثم ترتيبها بدون أجهزة حاسوب , و لا أوراق حديثة و لا إضاءة مريحة و لا أدوات كتابة سريعة ...

    وأما عن صحة أحاديث مسند الإمام أحمد :

    فقد كانت طريقته هى اشتراط الصحة التامة فى أحاديث العقيدة و الأحكام الفقهية ، أما إن كانت تتعلق بفضائل الأعمال و لها ما يؤيدها من الكتاب أو السنة الصحيحة فلا بأس أن تكون ضعيفة , ولكن ليست شديدة الضعف ولا موضوعة . وإن كان الحديث يعارضه نص آخر أقوى منه لا يمكن الجمع بينهما، حذف الأضعف.

    و ألف أيضا :
    - الناسخ والمنسوخ.
    - العلل.
    - السنن في الفقه.





    * من أقواله *



    * إذا أردتَ أن يدوم لك الله كما تحب فكن كما يحب *




    * من تلامذته *



    روى عنه الحديث خلق كثير، منهم عدد من مشايخه من مثل: عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، و إسماعيل ابن عُلية، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومعروف الكرخي، وعلي ابن المديني ، و روى عنه غيرهم الكثير.

    منهم: أبناؤه

    و منهم أيضاً:
    البخاري، والترمذي، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر الطبراني.

    وممن روى عنه من النساء :
    حُسن جاريتُه، وخديجة أم محمد، وريحانة بنت عمه , و زوجته أم عبد الله ، وعباسة بنت الفضل زوج أحمد وأم ابنه صالح ، ومخة أخت الزاهد بشر الحافي




    * وفاته *




    توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع ، غير من كان في الطرق وعلى الأسطح.

    *******

    صبروا قليلا فاستراحوا دائما *** يا عزة التوفيق للانسان

    *******

    وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل فى بغداد. وقيل أسلم يوم مماته الكثير من اليهود والنصارى والمجوس تأثرا ! وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.

    و الحمد لله رب العالمين و على رسولنا صلوات الله وسلامه أفضل صلوات وأنماها وعلى إخوانه من النبيين وآله أجمعين.




    أرجو منك إيها القارىء الكريم أن لا تدع الترجمة تمر مر الكرام إحرص على أن تستخلص منها ولو فائدة واحده ضعها نصب عينيك وإعمل من أجل تحقيق هذه الفائدة

أمير أهل الحديث

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مناظرة : هل بولس رسول المسيح؟ مع النصراني أمير
    بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى مناظرات تمت خارج المنتدى
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15-06-2007, 06:47 AM
  2. رحمة الله عليك يا أمير المؤمنين .
    بواسطة صقر قريش في المنتدى المنتدى التاريخي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-02-2007, 06:20 PM
  3. أمير الدهاء
    بواسطة الشرقاوى في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-12-2005, 09:10 PM
  4. تعريف الحديث, أنواع الحديث
    بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-12-2005, 09:55 AM
  5. أمير قطر يتبرع بأرض لبناء أول كنيسة في قطر
    بواسطة المهتدي بالله في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26-10-2005, 06:51 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أمير أهل الحديث

أمير أهل الحديث