من ارتد عن الملة المحمدية يقتلونه بحكم لقرآن في غاية الوضوح والظهور، إن الحقية والحقيقة لا يثبتان بضرب السيف ويستحيل أن يوصل الإنسان بالجبر والإكراه إلى مرتبة يؤمن باللّه بالقلب، ويحب اللّه بالقلب كافاً يده عن الأفعال الذميمة، بل الجبر والظلم يمنعان إطاعة اللّه وإيمانه".
أقول: هذا الطعن يقع على التوراة بأشنع وجه في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من كتاب الخروج (من يذبح للأوثان فليقتل) وفي الباب الثاني والثلاثين من كتاب الخروج أنه أمر موسى عليه السلام بحكم اللّه لبني (لاوى) أن يقتلوا عبدة العجل، فقتلوا ثلاثة وعشرين ألف رجل، وفي الآية الثانية من الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج في حكم السبت (من عمل فيه عملاً فليقتل)، وأخذ رجل إسرائيلي كان يلقط حطباً يوم السبت، فأمر موسى عليه السلام بحكم اللّه برجمه فرجمه بنو إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من سفر العدد، وفي الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبي إلى عبادة غير اللّه يقتل، [ص 28] وإن كان ذا معجزات عظيمة، وكذا لو رغب أحد من غير الأنبياء إليها يرجم، وإن كان هذا الداعي قريباً أو صديقاً ولا يرحم عليه، وكذا لو ارتد أهل قرية فلا بد أن يقتل جميع أهل القرية، وتقتل دوابها وتحرق القرية ومتاعها وأموالها وتجعل تَلاًّ ثم لا تبنى إلى الدهر، وفي الباب السابع عشر من سفر الاستثناء: إنه لو ثبت على أحد عبادة غير اللّه يرجم رجلاً كان أو امرأة.

وهذه التشددات لا توجد في القرآن، فالعجب من هذا القسيس المتعصب أن التوراة لا يلحقه عيب ما بهذه التشددات وأن القرآن يكون معيباً، وفي الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول: أن إيليا ذبح في وادي قيشون أربعمائة وخمسين رجلاً من الذين كانوا يدعون نبوة البعل. فيلزم على قول القسيس النبيل أن موسى وإيليا عليهما السلام بل اللّه عز وجل ما كان لهم علم بهذا الأمر الذي هو في غاية الوضوح والظهور عنده، ويكونون والعياذ باللّه حُمقاء أغبياء بحيث يخفى عليهم الأمر البديهي الذي هو من أجلى البديهيات عند هذا الذكي، لكني أقول له: إن مقدس أهل التثليث (بولس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الأول من رسالته الأولى إلى أهل قورنيشوس يعتقد هكذا: "إن حماقة اللّه أعقل من الناس وضعف اللّه أشد قوة من الناس" فعلى اعتقاد مقدس أهل التثليث حماقة اللّه والعياذ باللّه أحكم من الرأي الذي بدا لهذا القسيس النبيل، فما ظهر له غير مقبول في مقابلة حكم اللّه، هذه الأقوال المذكورة نقلتها من النسخة الجديدة على سبيل الأنموذج، وآخذ من الأقوال الباقية في كتابي هذا في كل موضوع ما يناسبه منها إن شاء اللّه تعالى.