من كتاب الجهاد و ثورة الاستقلال: (للدكتور احمد بن نعمون)

السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
فعلا عندما نؤمن بإخلاص تنحني لنا الجبال لان الجبال هي الخلق المسير الطائع اما الإنسان فجعل منه الخليفة المخير فان اخترنا الله وحده ارتقينا الى الخلافة على كامل الخلق و ان اخترنا ما دون ذلك صرنا اسفل الدون كما يقول المولى عز وجل للإنسان في حديث قدسي((...سر في طاعتي يطعك كل شيء...)).
ولقد كان للإسلام الأثر الأعمق في تلك النفوس التي آمنت فعاهدة الله على حمل الرسالة و التي عجز عن حملها اصحاب الاديان الاخرى .... من الذي حرر الهند بعد قرابة350 سنة من احتلال الإنجليز لها ؟ ،خاصة انها كانت بلد أمي، فقير، هدفه الجري وراء لقمة العيش ،مشتت بين اصناف الاديان...!!!- كانت أنذاك خطة الانجليز لشل الحركة التحررية هي نشر الديانة المسيحية ، لما ..؟؟؟ )- لانها ديانة جامدة ، أمام الظلم و الاستبداد لا تتحرك، تخدم الأقوياء الطغاة بشكل أساسي...لا تنصر المظلومين الضعفاء سواء من الناحية التعليمية التوضيحية او الناحية الجهادية ...لذى فقد نلاحظ انها قد استُغِلَّت عبر العصور من الناحيتين ، اولا كدافع لافراد البلد المحتل خاصة الشباب لاغتصاب بلد الآخر تحت شعارات تخديرية تروج بها كانه واجب مقدس و منع الكنيسة الشباب من الزواج ان لم يقدموا على هذا الواجب... ،ثانيا فقد لعبة على الطرف الثاني (البلد المغتصَب) دور الناصح المستغِل بان تطفئ اي شعلة حماسة او فكر ..تحت شعارات تجميدية كانه قضاء وقدر و لا يمكن التغلب عليه الا بالصبر الجميل ...ولا احد ينكر هذا خاصة الدول الاسلامية و من عاش بلده مرار الاحتلال ..
لكن الاستعمار انذاك اصطدم بالاسلام( القوة التي لا تُخدع )، فكان لإقبال كل الطبقات خاصة الدنيا من حراث الارض و العمال والصيادين كان عظيما جدا لان الاسلام يفتح عيونهم ،يخلصهم من تلك العبودية و الحالة الاجتماعية الشاذة التي كانوا يعيشون فيها ، فكان هو القوة التي سدت على الإنجليز كل منافذ الانتشار الى ان طردت به خارج حدود الهند ..
- كذلك كان القوة الضاربة في تحرير الدول العربية بصفة عامة وبصفة خاصة ما يلقاه اليهود في فلسطين من مقاومة جهادية في كل مرة و الى ان يرث الله الارض ومن عليها.

..و هذه إحدى الأمثلة عن من امتلأ قلبه بالإيمان فعرف قدر الحياة وعرف قدره فاسلم وجهه لله و شق طريقه ..

- صونيه من أمة محمد (ص)-

و هو مثال ذلك الشاب الجزائري المسلم إبان الاستعمار الفرنسي على الجزائر ،المجاهد الذي وقع أسيرا فى إحدى المعارك و تم استنطاقه أمام الأهالي في القرية عملا بسياسة ( الترغيب و الترهيب ) التي كان ينتهجها العدو لقمع ثورة الجهاد .. و جرى الحوار على الصورة التقريبية التالية :

الضابط الفرنسي : ما اسمك ؟
المجاهد : اسمي سي محمد الشريف ( وهو اسمه الحقيقي )
الضابط الفرنسي : لماذا ذهبت الى الجبل ؟( يعني الثورة)
المجاهد : ذهبت للدفاع عن ديني و وطني.
الضابط الفرنسي : ها قد القينا عليك القبض ..
المجاهد : ان ورائي آلافا من المجاهدين الذين سيخلفونني .
الضابط الفرنسي : الا تخاف الموت عندما انضممت الى الخارجين عن القانون ..؟
المجاهد : لا اخاف الموت
الضابط الفرنسي : لماذا لا تخاف الموت ؟؟
المجاهد : لان الله عندما يريد ان يتوفى شخصا يتوفاه فى أي مكان و الدليل على ذلك أنني كنت في المعركة ولم أمت
الضابط الفرنسي : لماذا لم تمت؟
المجاهد : لان الله لم يقدر لي ان اموت اليوم
الضابط الفرنسي : امسك الرشاش بكلتا يديه و قال للمجاهد: ( ليس الله هو الذي يقتل بل انا الذي اقتل ، و الآن سأقتلك و لن ينجيك الله ..)
المجاهد : لست انت ولا رصاصك هو الذي يقتل بل الله هو الذي قدر لي ان اموت على يدك اليوم.
الضابط الفرنسي : ابتسم في استهزاء وارجع الرشاش الى خلف ظهره قائلا : ( لن تموت إذن)
المجاهد : ان الله لا يريد ان يتوفاني اليوم.
الضابط الفرنسي : تفجر غيظا وتحطمت اعصابه امام ايمان ذلك المجاهد الشاب ، فامسك الرشاش بكل هستيرية ، و افرغ كل ما كان في بطنه من رصاص في صدر ذلك الشهيد رحمه الله ..

تلك حالة من عشرات الحالات المماثلة المتكررة بكيفيات مختلفة على طول امتداد الثورة التحريرية ،و ان استشهادنا بهذه العينة نراه كافيا للتدليل على ان الدين ، و الارتباط بالعالم العلوي ، اذا كان من وعي و صدق ، ليس اقوى منه لدفع الشخص الى التحرر ، واقتحام اللهيب دون ان يخشى الاحتراق .. و ان مفهوم القضاء و القدر في الاسلام ان ادى فهمه الخاطئ ( السلبي ) الى تجميد عقول شعوب إسلامية عربية و غير عربية ، وقفت في القرآن عند (( و ما من دابة في الارض الا على الله رزقها )) و (( ويل للمصلين )) و(( ان الانسان لفي خسر )) و في الاثر عند (( اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا )) فان مفهوم القضاء و القدر الذي ادرك بالمعنى الايجابي الصحيح قد صنع البطولات النادرة ، و حقق الإنجازات العظمى في الثورة التحريرية الجزائرية .
ذلك ان المجاهد اعتقد ان الموت بيد الخالق الذي قطع على نفسه لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. وان لا ينصرهم حتى يؤمنوا و ينصروه ..
(( و كان حقا علينا نصر المؤمنين )) و(( ان تنصروا الله ينصركم )) و السؤال الذي نطرحه الآن بعد كل هذه الاستدلالات هو :
لماذا لم يكن تدين هؤلاء المجاهدين مخدرا لهم و عائقا عن تحقيق النصر المبين و احياء القيم الانسانية السامية المتمثلة في الخير و الحق و الحرية ؟؟ و عندما نقرر في اعتقاد راسخ بان الدين كان المحرك الاساسي للثورة الجهادية و سفينتها الضخمة العملاقة التي اجتازت بها بحر الدماء و الدموع الى جزائر الاستقلال و الحرية ..
فإننا لا ننسى ان نعترف بان هناك من اعوان الاستعمار من كان يحارب الثورة المباركة ( في أيامها الأولى )
بإسم الدين كقول تحريم الجهاد بدون سلطان (...) و ان الاستعمار قضاء و قدر لا مفر منه و يجب تقبله ..او على الاقل التغلب عليه بالصبر الجميل لانه ابتلاء من الله ..الى غير ذلك من التبريرات المرفوضة عقلا ونقلا ،و التي تنمي على الفهم الساذج لمبادئ الجهاد في الاسلام دين التحرر والانعتاق. ولكن هل ظفر المضللون بطائل ؟ كلا لان الوعي الديني و الوطني لدى غالبية افراد الشعب الجزائري المسلم المؤمن كان اقوى من ان يقضى عليه .. بل هو الذي قضى على خصومه و خيب آمالهم و الثوار الاحياء شهود (...)
و لقد يعترض بعضهم و يناقش قائلا :اذا كان الدين وحده هو الحافز و المحرض على التحرر و الثورة فهل ( شي غيفارا) الذي كان مثلا اعلى في التضحية من اجل العدالة الاجتماعية و الحرية الانسانية ووهب نفسه فداءا لهما في امريكا اللاتينية ..فهل كان متدينا ؟؟ فالجواب ان شي غيفارا كان ملحدا أي غير مؤمن بالله او متدين بدين سماوي و لكن كان مؤمنا ايمانا راسخا بمبادئ وقيم انسانية اتخذها معبودا له و تدين بها ، فكان وفيا لمعبوده و صادقا في عبادته و لولا ايمان شي غيفارا ما ذكره التاريخ في مثل هذا المقام ....
- انتهى - ولكن ما الفرق بين الايمانين فلو لاحظنا جيدا لوجدنا ان ايمان شي غيفارا ايمان محدود حدوده ارضية و فكريه : ارضية بان ايمانه مرهون بالتحرر في امريكا الاتينية اساسا فلو حصل عليه لحضتها لما تحرك او مع الزمن لغلبه طموحه لان تعيش كل امريكا الاتينية فوق كل الشعوب ولو بما كان يحارب ضده..
و فكرية مرهونة بمستوى ايمانه بقضيته و زمنها فلو تغيرت وجهة نظره او مبادئه و لو قليلا لتغيرت كل طموحاته في العدالة ...اذن فهو ايمان انساني خاص به كعينة ليس له منبع او مصدر ثابت ،محدود بافكاره التي تستطيع ان تتغير بتغير وضعه او طموحاته...ولو ترقبنا جيدا لاكتشفنا انها من الفطرة التي فطر الله الناس عليها كحب الخير و العدل و الحرية ..و التي ان لم تجد ما يحميها من مراقبة و علم واكثر من ذلك خشية لله لاندثرت او صارت تطمح للنقيض...
اما الايمان لدى المسلم فهو ايمان مصدره و منبعه من الله سبحانه وتعالى فكل طموحاته موجهة في سبيل ذاته العظمى سبحانه وتعالى التي لا تُقهر اذن فكل ما دون ذلك يُقهر ، فان انتمى لما لا يُقهر اصبح قادرا على قهر مادون ذلك من شر و ظلم و استعمار... ،وتطبيقا للعدل و الميزان الإلهي، فمبادئه و طموحاته هنا غير قابله للتغير لان مصدرها ذات غير محدودة لا تغير و صالحة لكل زمان ومكان و تتناسب مع ما فُطِرَ عليه البشر...
- صونية من امة محمد(ص)-